صدر حديثا

شواغل  الحيرة … شوائك الإغتراب.

بيدر ميديا.."

ثقافيّة جريدة  الدستور…………………………………………………………………….كانون2/ 2022

 

شواغل  الحيرة شوائك الإغتراب

 في مناظرات كتاب المفكّر د.عبد الحسين  شعبان

” دين العقل و فقه الواقع “

                                                  حسن عبدالحميد

أُجدنُي و قد تباطأت بتتيع مسارات  جدارة الجهد المضني ، وسواعي الجدل الفكريّ ، الفقهي  و الفلسفي  المكتنز في ذات و فحوى ما أراد و أفاد الباحث و المفكّر ” د. عبدالحسين شعبان ” عبر  جمع  وتنويب مناظراته مع  الفقيه السيّد ” أحمد الحسني البغدادي ” ، جرّاء  متانة و أهمية و جرأة و حساسيّة المواضيع و الطروحات التي حواها و تناولها كتابه الأثير و المثير ” دين العقل  و فقه الواقع ” الصادر منتصف العام / 2021 عن مركز دراسات الوحدة العربيّة – بيروت ، و بما أكون قد تأخرت – بعض الشيئ – ، حيال دواعي ضرورات ذلك التقصي التدقيق والعميق الذي يُجبر الفاحص المُتفرّس – إطلاعاً و فضولاً معرفيّاً- التملّي بأدق تفاصيله ، وشوراح  طيّاته  و سَبر ثناياه ، قبل الكتابة و زواهي التقديم  والعرض  الذي يناسب  و يليق بهذا المنجز التتابعي الضخم و الفخم ، وأنا أبغي جسّ نبضات و مسّ حواضر تطلعات روافد الحديث –  مُجدداً- حول موضوعات الدين و التّدين ، و ما يتوارد  منها و يتعامد  من مقترباته ” أي الدين ”  في حيثيات  علاقته الحيرى و الشائكة مع كل من العقل / الواقع / العلم/ و القانون ، و نواتج ما يترّشح من إنعكاسات و تشاكسات ترمي  بغوامق  و فواتح  ظلالها  على  مجمل  مجالات  الحياة .

  أقول ؛ تباطأتُ أو- بالأحرى- تأخرتُ عن ملازمة  و معاينة  مدخرات هذا الكتاب بمجريات ما أنوي -الآن – و أبغي التعرّض إليه مُستذكراً ، مُتعللاً بجسارة تعليق ” أنديه جيِد” حول كتاب  “إندريه مالرو”  اللامذكرات ،  عندما كتب – مُختصراً- تقيمه بالقول ؛ ” لقد مللّتُها لفرط  غِناها ” .

  تضاغر العالم أمام العلم 

    

     بيد أن واضح الفرق  بجديّة  تمرير مقاصد ما  كنتُ أعني و أتوق – حرصاً و إحترازاً –  حول تعميد هذه المقارنة المرصودة بدواعي ثقافيّة – إبداعيّة محضة ، يتلّخص بحواصل  ما شّدني في  متون  كتاب ” د.شعبان ” الحافل و الزاهي  بشواخص عطاءات  فكريّة  برعت تتغاضى عمى وعتمات الماضي – بعد أن جرى فحصه و محصه – أملاً بالتطلّع  صوب المستقبل  بأكثر من عين باصرة ، فضلاً عن غنى هوامش و لوائح  مداخلات  مشحونة بدقة فراسة وعي مُحجل بالثقة و اليقظة والإعتداد المعزّز بملكات إستدعاء لكنوز معلومات  محاطة بفطنة و براعة ربط  محكم ، حاذق و حكيم مع إستفاضات مؤلفات سابقة للمفكر الباحث ، ملحقة بنواهل  إهتمامات  تنوّعت في حقول  ومجالات  الدفاع عن  حقوق الإنسان / فلسفة و ثقافة اللاعنف / دواخل و مخارج فلسفات  القانون الدولي ، كما و حنكة  تحليله  لفقرات و محتويات الدستور العراقي على وجه الخصوص و فحص النصوص ، و جواحد  سنّ  قوانين  مجحفة و إلغاء إحقية غيرها من تلك التي  تعالقت و قضايا الأحوال الشخصيّة ، إلى جنب  توافر لوازم و مُؤَن الدخول و سوانح الخوض  بمثل  هذه الشوائك  و التعرّجات  التي  بمثابة  حقول  ألغام  ملغزة و معززة  بسواتر  و دريئات يُصعب إجتيازها ، أو مجرد فكرة تعبيد طُرقاً للوصول إليها ، مهما كانت الغايات و بانت  النيّات ناصحة ،  طيّبة و سليمة ، بما يجعلنا في دوام  دوّمات إغتراب مزمن تماه  يفصل – كما بُرزخ – بين  ما  نحن فيه من  خوانق  واقعية ، وما يشهده عالمنا  اليوم  براهنية  تطوّرات العلوم و المعارف  السريعة و الهائلة ، و بتسابق ما نتج من  إجتياحات  ثورة  التطوّرات الرقمية ” الديجتيل ” الذي شمل جميع مفاصل الحياة ، و حقيقة ما تحققّ  في واقع  تقنيات وسائل الإعلام والإتصالات و تنامي مواقع التواصل الإجتماعي للحدّ الذي جعل من العالم ليس قرية صغيرة ، بل زقاق في شوارع فرعية ، وإذا ما كان الوضع الإغترابي  يشكل هاجساً عاماً يحيط  بمجتمعاتنا  و يغلفها  بالحيرة و الغموض فأن  ما يعيشه الوسط  الديني من إغتراب نوعي  يأتي على درجة أشدّ و أعتى  حدةً و إستقطاباً – بحسب توضيح و توصيف ما ورد في مستهل مقدمة كتاب ” دين العقل ” –

بوادر الحلم  بدولة مدنيّة

     

    سوّر ” د.عبدالحسين  شعبان ” مناظراته البالغة  ثمانية  عشرة  مناظرة وفق هو ما مُّرقم و مبوّب و مُعنوّن ، بدءًاً بمناظرته الأولى ” الإيمان و اللايمان ” و إنتهاءً بالأخيرة ” علم الغيب “- عدا ما أطلق عليه ” على سبيل التمهيد ” التي جاءت بمثابة مقدمة حفلت برؤية  ” بانروميّة ” هي بالجوهر  خلاصة لمجمل رؤاه التنويريّة في مساعي الإفصاح و الإيمان بأهميّة  الثقافة المدنيّة  الساعية ” لقيام دولة  مدنيّة  تحترم  الجميع  وتضع مسافة  واحدة من الأديان و الإثنيات و جميع المجموعات الثقافيّة “ص14، بتوضيح إنهماكاته من  خلال  ترسيم  حدود القسم الأول من كتابه منضوياً تحت وضع ” الإطار المنهجي و المفهومي” لمجموعة محاور لعناوين تساوقت و تسايرت مع  توّجهات جهود  وتحايثات نقديّة شاء أن يؤطر لها بوضع مدخل عام و شامل ، قبل الدخول في  كنف و معترك  تلك المناظرات و المطارحات  التي سعى خوضها ما بينه و بين الفقيه السيّد أحمد الحسني البغدادي ” الحفيد “، ربما على خطى – و أن أختلفت في البعض من مداخلها و معابر توريداتها – ما  كان قد أنجز  من قبل و جهّز  لقى  مقارباته في ” سسيولوجيا ” الدين و التُّدين ” مع الإمام الحسني البغدادي ” الجد” تلك التي حواها كتابه الحامل لهذه المعلومات مرفقة  بعنوان  ثانوي هو ” التأريخ و السياسة ” الصادر عن دار إحياء تراث الإمام البغدادي في النجف الأشرف في العام / 2018 .

فيما تواقدت رؤى وتهجيات ” د.شعبان ” في نهاية سِفر هذه المناظرات ، والتي جاءت على منوال خاتمة ختمها  بفيض عنوان ” عوضاً من الخاتمة ” أستنار (أولاً ): الدين و خفّة الدم و الظرافة و(ثانيّا): الحساسية الوطنيّة في الصميم ، حفلت بمختصرات تعريف إنساني لامست روح العاطفة ، وطرّت من يباس و جفاف ما كنا  نتوّقع  و نسمع عن شخصيّة رجل الدين، على عكس ما تتمتّع به شخصية السيّد أحمد الحسني من جوانب إنسانية متعددّة ، عبر ما يسمو بها من حوافل اللطف و الظرافة و خفة الدم ، الإريحيّة والدعابة و التفكّه و السماحة ، مستظلاً بما أفاد فيه “جلال الدين الرومي ” حول فعل و قيمة الأشياء البسيطة ، من حيث هي الأكثر تميّزاً في  عُرى  أرواح النفوس العظيمة و الكبيرة ، كما في تجليات  السيّد الفقيه البغدادي ، كما فاض يتلمسها الباحث و المفكر، بحكم تقييم عام ، و نوادر تقيمات كان قد عايشها و أستدل عليها من خلال عمق العلاقة التي جمعتهما بحكم البيئة و النشأة  و طيب ” العشرة ” القديمة – الجديدة  عبر نواحي القرب و المعرفة السامية ، وصولاً صوب  تخوم تأريخ العائلة الوطني ، التي كان قد  عرج في كتابه عن ” مقاربات سسيولوجيا الدين و التّدين ” المشار إليه سابقاً.

 

حيّثيات الحداثة و التقليد

 

    في العودة إلى القسم الأول نعني ” الإطار المنهجي والمفهومي ” الذي عبّد فيه الباحث – المفكر طُرق الوصول و المثول أمام مبتغياته التنويرية و التحديثية و تواثب التقليد من خلال أسانيد قدحات أضاءاته  لجملة موضوعات  مهّدت  للقارىء و الباحث و المُهتم بمثل هذه الإنشغالات قراءة سُبل الطُرق و المثابات التي أنتهجها ، وشاء أن توّقف  حيالها من قبل الشروع بنشر مداخل و مخارج  حيثيات  تلك المناظرات المواجهة و الجريئة للحدّ الذي ما برح يداني تخوم المقدّس و حواجز ” التابوهات ” بتدعيم مجريات كل ما جرى وبحجم  جدارة  ما دار وما تمت أثارته و تواجب طرحه من أمور و متعلقات و قضايا مهمة و حسّاسة جداً ما بين قطبي معادلات هذه المناظرات ، بوافر من جرأة و مَناحتِ كثافة جهد و إجراءات تدقيق و تحليل للكثير من مآثر الجدل و التعمية و الغموض الذي أكتنف موضوعات تراوحت و تناظرت حول ( الدين و الإرهاب / الدين و العنف / الدين بين المقدسّ و المدنّس / في النقد و النقد الذاتي لرجال الدين / وفي نقد مبدأ ” التقليد ” / وهل الفتوى ضرورية ؟ / الطائفية و التمذهب / الأوقاف الإسلامية و إشكالاتها / الشيعة السياسية “البيان ” و “البيت ” / ا لفدرالية و”الفدرلة” و التقسيم / مصادر التشريع – الإجماع و الشهرة /الردّة و المرتد وما في حكمهما /هل المرأة “عورة “و “ناقصة عقل و دين “/ في النجاسة و الطهارة / فقه المخارج و الحيل ” الشرعية ” / العصمة و المعصوم ) فضلاً عن موضوع ” علم الغيب ” و”الإيمان و اللإيمان” والذي جاء  ذكريهما في سياق مبتدأ هذا المقال ، ثم الكثير مما تحلّل و ترشّح وتبّرعم  من ثانويات فروع و نتوءات أغصان نتجت عن عموميات عناوين تلك المناظرات ، بعد أن أضحت  محطات و معابر إضافية لجوهر روح و شساعة عقل تجلّيات  و جدليات ما أثمرت  كل هذه المحاور و المآثر الفقهيه ، وعميق جدل وثوب القضايا التي  تناولتها جميع المناظرات – من كلا الطرفين – على قدرٍعالٍ و كبير من الصفاء الذهني و الإتزان الروحي و النفسي ، و براعة التدقيق  بأدق التفاصيل و مباهج  الثقة  ، محتمية بمساند  نهج واقعي و إنساني ، حضاري تفاعلي مع  مجريات ما يعيشه العالم – اليوم – و يحياه ، و ما قد ينبىء و ينوء به المستقبل .

و لي بعد كل هذا – و ربما ما كان يجب أن يقال أكثر – بأن أُلّمح – هنا –  و أشير من جانبي عن  دواعي و أسباب غياب واحدٍ من المحاور الأساسية ، الواردة  و الحسّاسة في معمار حياتنا  و معايناتنا اليومية ، أعني ما يتعلّق بموضوعة ما يُعرف ب” الضلالة “، و كذا  موضوع ” الإلحاد ” ، الذي هو الحد الفاصل ما بينه و الإيمان المطلق ، وإن كان ” د. عبدالحسين شعبان ” قد تناوله  على نحو  دقيق و مُفصّل في متون كتابه ” الحبر الأسود والحبرالأحمر من ماركس إلى الماركسيّة ” الصادر في العام/ 2013 ، فادراً له حيّزًاً كبيراً ، و الذي كان أشبه بمراجعة  ومناقشة لكتابه السابق”تحطيم المرآيا…في الماركسيّة والإختلاف ” الصادر في العام / 2009.

 

 

 

 

 

 

Hasanhameed2000@yahoo.com

 

حسن عبدالحميد

آربيل – عنكاوا

28  كانون أول /2021 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com