مقالات

تثبيت ركيزة الدولة الوطنية في العراق.

بيدر ميديا.."

تثبيت ركيزة الدولة الوطنية في العراق

زهير كاظم عبود

 

 

خلال حقبة الهيمنة العثمانية على العراق تراجعت كافة مستويات مناحي الحياة ، ولم يكن العراق وولاية بغداد تعني في عقل الحاكم العثماني سوى مصدرا للأموال التي يجنيها الولاة قسرا من المزارعين والملاك وأصحاب المهن ٫ وبأساليب غاية في القسوة و تخلو من الإنسانية ،  وكان العراق مصدرا دوما للقلق والصداع الذى تسببه بين الحين والأخر الانتفاضات وحركات الرفض  الاجتماعي الذي تقوم به الناس في الولايات والمدن العراقية ضد سياسة الولاة والحكام العثمانيين والتي تتم مواجهتها وقمعها بأساليب البطش والقسوة البالغة .

وبالرغم من الفترة الطويلة التي وقع فيها العراق تحت نير الاستعمار العثماني ، وبالرغم من الاستغلال والاستحواذ على الأموال من العراق الا ان قلة من الولاة الذين تعاقبوا على إدارة الحكم التفتوا الى مسالة العمران والبناء وحاجة البلاد للتطور ومواكبة التطور الحاصل في العالم المتمدن ، وبالنتيجة اضحى العراق من الأماكن التي تتم معاقبة الولاة والحكام العثمانيين عند ارسالهم اليه ، ويمكن ان ينطبق الحال على العديد من البلدان العربية التي كانت تحت سطوة وسيطرة الحكم العثماني ، غير ان العراق كان بحاجة ماسة لنهضة عصرية ومرحلة بناء تعوض ما فاته من تراجع ونكوص في كافة مناحي الحياة .

وبالرغم من زج العراق ضمن محاور الحرب العالمية الأولى بحكم السيطرة عليه، الا ان الاستعمار البريطاني الذي حل بديلا عن الحكم العثماني والذي تمت مواجهته بثورات وانتفاضات واسعة، كان اكثر تفهما لأوضاع البلاد وما تحتاجه من أسس لبناء دولة وطنية عراقية بالرغم من ان المصالح التي تفرض حالها انسجاما مع سياسة الهيمنة والنفوذ الاستعماري التي تسلكها بريطانيا العظمى في تلك الفترة.

وبعد ان اصبح العراق تحت السيطرة البريطانية نتيجة تقسيم مناطق النفوذ بين المنتصرين في الحرب العالمية الاولي، تم اخضاع العراق الى الحكم البريطاني الذي باشر بتشكيل معالم الدولة العراقية الوطنية وبما يتناسب مع رؤيته ومخططاته  ومصالحه الدولية بالرغم من المواجهة الدينية والعشائرية والمقاومة التي عمت العراق والتي توجتها ثورة العشرين ، وامام هذه المواجهة العنيفة الرافضة لمنطق الاحتلال والمطالبة بان تكون للعراق دولة عراقية مستقلة  وطنية خالصة  لجات بريطانيا الى خيار ان  يكون العراق دولة ملكية وان يقع تحت الانتداب .

ويتطلب تشكيل الدولة العراقية ان يكون لها ملك لم يتم الاتفاق علي اختياره من بين الأسماء العراقية المرشحة ، ولما كان ( الشريف الحسين بن علي ) القائد الفعلي للثورة العربية ١٩١٦ م ولمتانة العلاقة بينه وبين البريطانيين ، وللظروف التي أحاطت باختيار الملك تم التوافق على ان يتم اختيار احد انجال الشريف الحسين بن علي وهو فيصل بالنظر لما تمثله العائلة الهاشمية من تأثير نفسي واجتماعي لدى العراقيين ، بالإضافة الى كونه احد الضباط الهاشميين الذين عملوا بالتنسيق مع البريطانيين في سوريا ، وبعد ان قبل اهل العراق هذا الترشيح .

بعد قبول العراقيين بالملك فيصل بن الحسين ملكا علي العراق  باشرت الإدارة البريطانية برسم خارطة الدولة العراقية الحديثة ، فتم تشكيل الوزارة المؤقتة برئاسة عبد الرحمن النقيب ترضية له لإزاحته عن منصب الملك في العام ١٩٢٠ ،  تم اعداد الدستور الأساسي في العام ١٩٢٥ ، ولغرض امتصاص النقمة الشعبية تم انشاء مجلس تأسيسي للبرلمان متمثل بعدد من الشخصيات العراقية مع سيطرة نافذة للمندوب السامي على تلك الشخصيات بدليل نفاذ المعاهدة العراقية البريطانية وضمان كافة المصالح البريطانية العسكرية والتجارية والسياسية  ، ولعل من بين اهم الخطوات التي خطاها الملك فيصل الأول بالتعاون مع البريطانيين تكمن في تشكيل نواة الجيش العراقي في ٦ كانون الثاني ١٩٢١ حيث ساهم بعض الضباط الذين شاركوا بخدمة الشريف الحسين بن علي في الثورة العربية ، وبتشكيل الجيش اصبح للدولة العراقية مؤسسة تحميها وتحمي حدودها وكيانها السياسي ، وبذلك تم الاستقرار ونشر القانون وترتيب أمور ملكية الأراضي الزراعية على الملاك وزعماء العشائر ورجال الدين  لخلق طبقة موالية للسلطة .

ويمكن ان تكون بوادر تشكيل الحكم الوطني بزعامة فيصل الأول الركيزة الأساس لأول مؤسسة دستورية للعراق ساهمت بتثبيت اركان الدولة ،  ومن خلال تشكيل اول وزارة عراقية ضمت عدد من الوزارات والتشكيلات الأمنية الداخلية والدوائر الفنية المهمة التي كان يحتاجها العراق ، هيمنت على مساحة العراق لفرض القانون ،  مع ان هذه السلطة ساهمت بتأثير التسلط البريطاني من خلق طبقات متفاوتة ومتناقضة فكريا وسياسيا واجتماعيا ، وبات المجتمع العراقي يعاني من علل اجتماعية مع تردي في فهم فكرة المواطنة بعد ان لعب الحكام البريطانيون دورا مهما في خلق حالة الافتراق الطبقي والمجتمعي  لصالح وجودهم وتامين مصالحهم  حيث بقي العراق تحت سلطة الانتداب خلال فترة حكم الملك فيصل الأول مع بقاء العراق دولة زراعية بدائية غير متطورة  ما أدى بالنتيجة الى بلورة فكرة الثورة على النظام الملكي في العام ١٩٥٨ .

رحل فيصل الأول في عام ١٩٣٣ بعد ان سعى بكل امكانياته لبناء صرح عراقي وطني يضم شكل دستوري كان بالإمكان تطويره ومواكبته للتطور الحاصل في العالم والاستفادة من تجارب الدول والشعوب بديلا عن الحركات العسكرية والانقلابية التي حدثت في تاريخ العراق الحديث.

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com