مقالات

النكبة هي ألا نقاوم.

بيدر ميديا.."

النكبة هي ألا نقاوم

 

 هيفاء زنكنة

 

خرج يوم الأحد، يوم النكبة، 15 أيار/ مايو، مئات الآلاف من المتظاهرين، الى الشوارع، في جميع أنحاء العالم، من كل القارات، مطالبين بتحرير فلسطين من احتلال الكيان العنصري، وانهاء قصف غزة، وانقاذ «شيخ جراح» من المستوطنين الصهاينة. حمل المتظاهرون، وأغلبهم من الشباب، شعارات كتبوها ورسموها بلغات بسعة العالم، وبالألوان التي تُخيف المحتل. الأحمر والأسود والأخضر والأبيض. رمز الوجود الفلسطيني بألوانها التي يخشاها المحتل بأسلحته وتقنيته العسكرية المتقدمة.
لماذا يخشى المحتل الألوان؟ في رواية «الدرس الألماني» لزيغفريد لينز، يسأل الشرطي النازي صديقه عن سبب تلقيه أمرا بالقاء القبض عليه، وهو مجرد رسام تجريدي، فيجيبه الرسام «إنه اللون. الألوان لديها دائما ما تقوله. حتى أنها، في بعض الأحيان، تصدر تصريحات محددة. من يدري ما الذي يقود اليه اللون؟». وفي سيرتها الروائية «حجر الفسيفساء» تخبرنا الأسيرة المحررة مي الغصين كيف أنها صنعت مسبحة من نوى الزيتون، هدية لأمها. لوّنتها بستة ألوان إلا أن مدير السجن الصهيوني لم ير غير ما يرعبه، صادرها قائلا « أحمر أسود أخضر أبيض ممنوع. ممنوع يعني ممنوع». السجان الصهيوني ـ المحتل ـ لص مذعور غير قادر على رؤية كل ما يحيط به.
تبدت في حضور المتظاهرين وشعاراتهم، وحدة المقاومة الفلسطينية. الأرض واحدة والشعب واحد. من القدس وغزة الى الضفة الى اللد. الفلسطينيون، أصحاب الأرض، باقون والمحتل طارئ. هذا ما تعلمته كل الشعوب، وليس العربية فقط، من نضال الشعوب المُستَعمَرَة مثالها حرب التحرير الجزائرية. درس تاريخي لا ينسى مهما حاول حكام الخنوع والاستبداد تسويق خدعة «السلام».
تحررت الجزائر بعد 140 عاما من الاستيطان العنصري الفرنسي. وكلما بدا للعالم أن المعركة على وشك الفشل، نهض الشعب بعزيمة متجددة. كما يحدث اليوم في فلسطين المحتلة. حيث حاول المحتل، منذ تأسيس كيانه الاستيطاني، عام 1948، تدريجيا، تهجير السكان، وتوسيع مستوطناته، وتقسيم أهل البلد ديموغرافيا، وبذر تفتيت الهوية ورعاية الفساد، واطلاق تسميات تجزيئية، وحصار غزة. لم تبق وسيلة همجية على وجه الأرض لم يستعملها لبتر غزة عن الجسد الفلسطيني، فجاءت ساعات الأيام الاخيرة شاهدة على فشله. على الرغم من جراحه، تماهى ابن الوطن مع ذاته. لا يعود فيه ذلك الـ «هنا وهناك» الذي مّيز ايام الاشتباكات مع العدو عبر الأسلاك الشائكة، كما يذكرنا الأكاديمي حيدرعيد من غزة. « في كل مرة كنت اذهب للمشاركة في مسيرة العودة الكبرى بالقرب من السلك الشائك الذي يفصل قطاع غزة المحاصر عن باقي فلسطين المحتلة، كان ظلي يتركني ويذهب الى الطرف الآخر من السلك، و يعود لي صامتا حزينا بعد اسبوع وكأنه ظل رجل اخر، الى أن ذهب ولم يعد! منذ تلك اللحظه وأنا أعيش بلا ظل! انا هنا وهو هناك». هذه الايام استرد المناضل ظله ليمتد واقفا على تراب الوطن كله.

أهمية دور الجيل الجديد من اللاجئين والمهاجرين من الدول العربية الذين يتقنون مختلف اللغات مما يشكل قوة في مجالات النّشر وصناعة المحتوى عالميا

«حالة الانبعاث التي تسري في روح الفلسطينيين على مساحة كل فلسطين بفضل المقاومة» التي يصفها الأسير المحرر عصمت منصور، امتدت كذلك الى كل البلاد العربية وارجاء العالم. في العراق المعجون بفلسطين، تستعيد الصحافية نرمين المفتي لحظة من الذاكرة الجمعية ملخصة معنى ممارسة الابادة المنهجية ضد المدنيين «سياسة الابادة نفسها، أكيد تتذكرون اولبرايت في 1995 حين سألها مقدم برنامج 60 دقيقة «هل تعتقدين أن موت نصف مليون طفل عراقي نتيجة العقوبات الاقتصادية هو ثمن يستحق أن يدفع؟» وأجابت اولبرايت «لقد كان خيارا صعبا امامنا، لكننا نعتقد أن الثمن يستحق أن يدفع». اليوم، لا يذكر المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل مدنيين، معظمهم من الاطفال والنساء، بل يقول انهم قضوا على 85 عنصرا من حماس والجهاد الإسلامي.
انعدام الوازع الإنساني والأخلاقي، هو ما يجمع الغزاة والمستعمرين، وما يزيد على ذلك عند المحتل الصهيوني هو مهارته في التباكي حول مظلوميته التاريخية واضطهاده. وهذا ما شهدناه، يوم السبت الماضي، حين حوصرت سفارته، بلندن، بعشرات الآلاف من المتظاهرين ضد القصف الوحشي لغزة، فلجأت السفارة الى مشجبها التقليدي وتباكيها عن معاداة السامية واتهام المتظاهرين بالدفاع عن «تنظيم ارهابي» يطلق الصواريخ!
بالمقابل، لم يكف الفلسطينيون يوما عن البحث، حتى وهم يتعرضون للاعتقال والتعذيب واغتصاب الارض والقصف والقتل، عن سبل جديدة ومتنوعة للمقاومة السلمية. حملة المقاطعة الدولية (البي دي أس) واحدة منها. وها هو علي مواسي، رئيس تحرير فُسْحَة ـ ثقافيّة فلسطينيّة، يثمن تفوق الفلسطينيّين ومناصريهم في مخاطبة الرأي العامّ العالميّ وتوجيهه. «ليس بسبب الإعلام الرسميّ، وإنّما صبايانا وشبابنا الرائعين في وسائل التواصل الاجتماعيّ: تويتر، إنستغرام، سناب تشات، تيك توك، فيسبوك، وغيرها». مؤكدا على أهمية دور الجيل الجديد من اللاجئين والمهاجرين من الدول العربية الذين يتقنون مختلف اللغات مما يشكل قوة في مجالات النّشر وصناعة المحتوى عالميا. مشيرا الى أن « أكثر من باحث ومحلّل إسرائيليّ تحدّث عن تعثّر مشروع «الهسباراه» عن إخفاقه، رغم صرف مئات ملايين الدولارات عليه». ويهدف مشروع «الهسباراه» الى الترويج لاعتبار إسرائيل دولة مسالمة، محبة للسلام، وتساهم بالخير العام حول العالم، حتى تتمكن من التصدي، وإخفاء الأخبار الواردة من فلسطين حول الانتهاكات ضد الإنسانية التي تنفذها سلطات الاحتلال.
إن ما يدفعه الفلسطينيون ثمنا للحرية لايقدر بثمن. إنهم يدفعونها بالحياة الإنسانية وهذا ما لايفهمه الكيان العنصري المؤسس على الإبادة. واذا كان منبع انبعاثة المقاومة سيبقى فلسطينيا أولا وهو الأهم، فان تضامن الشعوب، في جميع انحاء العالم، ضروري، وبمختلف الأساليب التي يجب أن تضم، بالاضافة الى المظاهرات والاعتصامات، تفعيل وتقوية حملات الضغط ( اللوبي) على الحكومات الغربية والإدارة الأمريكية، خاصة، لوقف تغذية الكيان العنصري بالمال والسلاح والتكنولوجيا العسكرية.
ماذا عن الأنظمة العربية التي يرتكز معظمها على الاستبداد المحلي واستجداء الحماية الخارجية ضد شعوبها؟ في رسالته المفتوحة الى «الزعماء العرب الحلوين الحبابين العاقلين الخوافين المساكين» يعيد الكاتب العراقي علي السوداني طرح الحل الذي طالما اقترحته الشعوب العربية، ولاتزال، وهو أضعف الايمان، قائلا: «قاطعوا إسرائيل اللقيطة اقتصادياً على الأقل، وسترون كيف ستنمو الكدمات على جسد هذه الدويلة المفبركة. افعلوها وستجدون شعبكم هو حاميكم من الفك الأمريكي المفترس».

كاتبة من العراق

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com