مقالات

نحو جبهة مدنية ديمقراطية واسعة وتحالف فاعل في عراق اليوم.

بيدر ميديا.."

كاظم حبيب

نحو جبهة مدنية ديمقراطية واسعة وتحالف فاعل في عراق اليوم

 

علمتنا تجارب الشعوب المناضلة في سبيل حريتها واستقلالها وسيادة أوطانها، ومنها شعبنا العراقي، بأن ليس طرفاً أو فريقاً واحداً من القوى المدنية والديمقراطية المناضلة والمعارضة في البلاد وحده، كما وليس طرفاً واحد من قوى الانتفاضة التشرينية المجيدة وحده، بقادر على تحقيق التغيير المنشود في عراق الطائفية والفساد والتخلف والفقر والتبعية وجحود الطغمة الحاكمة للشعب والوطن، وليس طرفاً أو فريقاً واحداً من هذه القوى يحق له الادعاء بتمثيل الشعب العراقي، أو أنه يمتلك الصواب كله، أو أنه القادر على كسب الشعب حول شعاراته مهما كانت صحيحة وصادقة في التعبير عن إرادة الشعب ومصالحه. هذه حقيقة ملموسة برهنت عليها أحداث العراق على امتداد قرن كامل ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ومنها أحداث انتفاضة تشرين الأول 2019. ولكن كل الأطراف والفرقاء المعتصمين بحبل التعاون والتحالف والوحدة الوطنية والديمقراطية ومصالح الشعب والوطن قادرون معاً، على تحقيق ما يعجز كل طرف عن تحقيقه، إنهم جميعاً، وجميعاً فقط، قادرون على اجتراح المعجزات وتغيير موازين القوى لصالح الشعب والوطن. فهل نحن متجهون إلى تحقيق هذا التحالف المنشود باعتباره الأداة والوسيلة الصالحة للتغيير؟

رغم كثرة النداءات التي توجهها أطراف عديدة، منها الحزب الشيوعي العراقي والحزب الاجتماعي الديمقراطي وبعض القوى الديمقراطية واليسارية الأخرى، ورغم دعوات نشطاء في الحركة المدنية والاجتماعية العراقية وقوى في الانتفاضة التشرينية، لتأمين وحدة الصف الوطني المدني الديمقراطي، فأن أي حراك حقيقي وفاعل ومؤثر لم يتحقق حتى الآن في الاتجاه المنشود والمطلوب بإلحاح بما يرضي العقل والضمير ويؤسس لقاعدة تفاعل وتعامل جدية صوب تشكيل الجبهة المدنية الديمقراطية الواسعة والفاعلة والمؤثرة لصالح العمل والفعل المشترك في مواجهة الدولة الطائفية الفاسدة والهامشية والمهمشة والتابعة في آن واحد.

هذا هو الواقع الذي نحن فيه الآن! اجتماعات ولقاءات بين طرفين أو أكثر، ولكن دون وجود قناعة بأهمية وحدة القوى المدنية والديمقراطية لدى الجميع وبصورة قوية ومتماثلة. ومن هنا نلاحظ صدور بيانات ومواقف عن هذا الطرف السياسي الوطني أو ذاك التجمع من أطراف وتجمعات تؤكد رفض أو تعليق المشاركة في الانتخابات ومجمل العملية السياسية الفاسدة الجارية من جهة، وبيانات أخرى صادرة عن طرف أو أكثر تؤكد أهمية وضرورة خوض الانتخابات القادمة من جهة أخرى. والمشكلة، كما تبدو لي، أن كلا منهم يطرح شروطاً للتعامل والتفاعل أبعد بكثير مما يستوجبه العمل المشترك لإزاحة الطغمة الحاكمة عن الحكم. فهناك دعوة من أكثر من طرف ضمن قوى الانتفاضة التشرينية لعقد “مؤتمر للمعارضة” لطرح ثلاثة ملفات أساسية. والسؤال المشروع هو: من هي هذه القوى التي ستشارك في هذا المؤتمر وهل التحضير له سيشمل فعلاً كل القوى والأحزاب المعارضة المدنية والديمقراطية أو أغلبها بما يسهم في تحقيق وحدة أساسية للقوى المناضلة من أجل تغيير الواقع العراقي الراهن والمدمر لوحدة الشعب والوطن. والبعض يضع استثناءات لا مبرر لها ويحاول إبعاد الأحزاب السياسية المدنية واليسارية من لوحة التحالف المنشود، وهو خطأ فادح معاداة الحياة الحزبية دون تمييز مطلوب بين أحزاب تقوم على قاعدة غير ديمقراطية وغير دستورية، كالأحزاب الطائفية، وبين أحزاب مدنية ديمقراطية تناضل في سبيل التغيير الجذري المطلوب. 

من المفروض أن تعلن القوى الراغبة في إقامة جبهة وطنية أو تحالف مدني ديمقراطي واسع النطاق عن القوى التي يفترض أن تشارك وأن تطرح الملفات المعدة أو التي يراد إعدادها للمناقشة بهدف تحقيق مشاركة واسعة من بنات وأبناء الشعب في مناقشتها لكي تتحول بعد إقرارها إلى برنامج عمل مرحلي لكل القوى والأحزاب المدنية الديمقراطية المعارضة لهذا النظام الطائفي والفاسد والدموي بما يسهم في تعبئة أوسع أوساط الشعب المتضررة ضد هذا النظام وسياساته وإجراءاته. كما لا بد من كشف نوايا الحكومة الحالية الفاسدة والانتهازية التي لا تريد الإصلاح والتغيير فحسب، بل تعمل على استعادة الثقة بهذا النظام الطائفي الفاسد والدموي الذي يقاد من الدولة العميقة، والذي يعلن رئيس حكومة النظام احترامه لقيادات الأحزاب السياسية الحاكمة التي مرَّغت كرامة الشعب بالتراب والتي أسالت دم المنتفضين والمتظاهرين والتي سمحت باجتياح العراق وممارسة الإبادة الجماعية بحق سكان نينوى، لاسيما مواطناتنا ومواطنينا من أتباع الديانة الإيزيدية، وما جرى للمسيحيين من نزوح وتهجير إجباريين أو للتركمان والشبك وأبناء الموصل المخلصين والمناهضين لقوى التطرف والتكفير.

لا اعتقد بأن هذه الحكومة عاجزة عن إيقاف الاغتيالات والاختطاف، بل لا تريد ذلك، وهي جاءت لتعيد إنتاج النظام ذاته في انتخابات مبكرة تسمح لذات القوى بتحقيق النجاح في الانتخابات في ضوء إبقاء السلاح بيد الميليشيات الطائفية المسلحة وحشدها الشعبي، وبقاء حيتان الفساد يهيمنون على الساحة الانتخابية العراقية، وقتلة المتظاهرين وفرق الاغتيالات تسرح وتمرح وتمارس مهمتها بكل هدوء وطمأنينة، وكل الشروط الأخرى غائبة عن تأمين انتخابات حرة ونزيهة وعادلة.

إن هذا اللوحة السياسية القاتمة تتطلب وحدة كل القوى المعارضة لهذا النظام الهمجي، وعليه أتمنى أن تلتقي قوى الانتفاضة بالقوى والأحزاب السياسية المعارضة لا أن تتعالى عليها، وأن تدرك بأنها وحدها لن تحصد سوى المزيد من الدماء وعدم تحقيق الانتصار. لا شك في أن تحالف ووحد عمل كل القوى المناهضة لهذا النظام الطائفي الفاسد، يمكنها توسيع قاعدة الانتفاضة وتغيير موازين القوى وتحقيق النصر المنشود لصالح الشعب والوطن. إنه الشرط الساس في المهمة التي تواجه المجتمع العراقي الرافض لهذا النظام، فهل ستحقق قوى المعارضة المدنية والديمقراطية، قوى الشعب الواعية والعقلانية، هذا الوسيلة الضامنة؟ علينا أن نعمل دون هوادة أو كلل من أجل ذلك ولنا الأمل بتحقيقها.      

                                                                                                                                                                                                                                                                           

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com