عشرة أساليب علاجية نفسية . . يمكنك القيام بها بنفسك !

قد يصدم العنوان العديد من القراء للوهلة الأولى فمن منا ممكن أن يقنع بفكرة كونه قادراً على علاج نفسه بنفسه , أو القدرة على التخلص مما يعانيه من أمراض نفسية باتت شائعة حد الألفة كالأكتئاب , الأحباط , الكراهية , الحسد و الغيرة  و  غيرها العديد من الانفعالات السلبية التي نمر بها يوميا في كل لحظات حياتنا حتى أعتدنا وجودها في دواخلنا كجزء من منظومتنا النفسية , و تملكنا اليأس في التخلص منها .

في هذه المقالة أقدم عشر طرائق  , يمكن ممارستها  بوسائل بسيطة , و بجهد قليل,أذ كما نحمي أجسادنا بحميات غذائية و تناول غذاء صحي من المرض , يمكننا أيضا التحكم بصحتنا النفسية و السيطرة عليها من خلال إتباع حمية نفسية , تحمينا من التعرض لأنتكاسات نفسية صعبة.

و جدير بالأشارة أنني لا أعني هنا عدم ضرورة مراجعة المعالج النفسي أو اللجوء الى علاج نفسي منهجي  , و لكن ما سأتطرق اليه هنا يمكن ان نطلق عليه  تسمية “أساليب وقائية” أو “لقاح نفسي” ضد الوقوع في المرض أو “أسعافات أولية” يمكن اللجوء اليها في حال التعرض لموقف أو الوقوع في تجربة من شأنها أرباكنا أو أشعارنا بفقدان السكينة و الصفاء الذهني و بالتالي سعادتنا و تمتعنا بلحظتنا الراهنة!

اولاً : الصمت أو التأمل

تعد الخطوة الأولى في الوقاية من المرض هي معرفة ماهية هذا المرض, أو ما نعاني منه حقاً بوضوح و يعد التأمل الوسيلة الأمثل لتحقيق ذلك الهدف , أغلبنا يتجنب الحديث عن التأمل او محاولة القيام به لأننا ببساطة  نعتقد ان التأمل لا يقوم  به الا أشخاص معينين , في ظل طقوس خاصة , و يتميزون بمظهر معين , بينما تثبت الأبحاث في هذا المجال أن التأمل ليس الا حالة من الهدوء و الصمت و التوجه بكليتنا نحو ذواتنا و تركيز وعينا نحو مشاعرنا و أنفعالاتنا و طرق أدراكنا لما يحيط بنا و يواجهنا من مشكلات و كيفية الأستجابة لها , و كأننا نضع أنفسنا تحت المجهر لبعض الوقت لنتفحص بدقة ما يعتمل هناك في الأعماق , و هذا لا يتطلب بالضرورة أرتداء ثياب معينة أو أتخاذ وضعية خاصة , لا نحتاج سوى الصمت و الهدوء العقلي , و لذا فأن بأمكاننا القيام بذلك في أي وقت و في أي مكان , في الحمام مثلا او أثناء الاستلقاء على السرير أو على الأريكة لأخذ قسطا من الراحة , أغمض عينيك و إطلق العنان لمشاعرك المكبوتة لتطفو على السطح و تعرف عن نفسها لك , او عند ممارستك لرياضتك المفضلة  أيا كانت , كالسباحة او ركوب الدراجة , و أنت تنطلق في الهواء الطلق أستنشق جزيئات الهواء بعمق و دعها تنشط ذهنك و تبقيك متيقظا لفهم ما يحدث في أعماقك. فهذا هو ما يقوم به المعالج بالضبط و هو توجيه أنتباهك و تركيزك نحو نفسك ,مشاعرك ,انفعالاتك, افكارك و التعرف على سبب أستجابتك بالطريقة التي تقوم بها .لذا يمكنك القيام بالأمر بنفسك ,راقب ذاتك بذاتك. يمكنك الرجوع لعدة مؤلفات تتخذها دليلا في مساعدتك لتحقيق الغاية المثلى من التأمل , و انا بدوري اقترح كتاب فن الوجود ل(اريك فروم) الذي يتناول موضوع التأمل و كيفية القيام به بصورة صحيحة بشكل مفصل و سهل الفهم لكل شخص حتى من غير المتخصص في مجال علم النفس او التحليل النفسي .

ثانياً : الموسيقى

الحديث عن تأثير الموسيقى الأيجابي في مزاجنا و أفكارنا بات أمراً شائعاً , إذ لا يوجد منا احدا لا يعلم بأهمية الموسيقى في حياتنا او قدرتها العجائبية على تحسين مزاجنا في بضع ثواني للأفضل , او قدرتها السحرية في إرجعانا الى فترات إقترنت في أذهاننا هذه الموسيقى بذكرى او حادثة معينة سواء المبهجة منها ام المحزنة , لذا ليس عليك سوى إختيار المقطوعة الموسيقية التي كانت قد أرتبطت بذكرى سعيدة , لتعيش المشاعر الأيجابية ذاتها ثانيةً, أختر المقطوعات التي تمنحك الأرتياح و الهدوء ,أي اختر النغمات التي تنسجم مع موسيقاك الداخلية , يؤكد أوليفر ساكس “طبيب الأعصاب البريطاني” في كتابه نزعة الى الموسيقى بأننا جميعاً مخلوقات موسيقية . بدءاً من دقات قلوبنا و إنتهاءاً بخرير جريان دماءنا في الأوردة و الشرايين , لذا ليس علينا سوى اختيار ما يتلائم من موجات موسيقية مع موجات أدمغتنا الكهربائية و كما أكد اوليفر ساكس من خلال ما عرضه في كتابه النزعة الى الموسيقى بأن ادمغتنا هي مركز موسيقانا او ما نحمله من معزوفة تخصنا كأفراد متفردين ,لذا ليس عليك سوى استكمال الخطوة الاولى و الاستعانة بها لأيجاد هذه الموسيقى داخلك للتناغم معها في أنسجام تام.

ثالثاً : الرقص

ليس عليك ان تتقن أحدى فنون الرقص لتقوم به , ما عليك سوى أطلاق العنان لجسدك في التعبير عن مشاعرك دون قيد ,فالرقص هنا او مجرد الحركة لا يقصد به الرقص بحرفية و دقة عالية ,بل يكفي ان تقوم بحركات تعبر عما تشعر به , يعتبر الرقص او الحركة من أهم و أنجح الوسائل للتنفيس عن المشاعر السلبية و الأنفعالات المكبوتة في أعماقك , أذ يمكنك أن تستعين بجسدك ليساعدك في التعبير عن ما تعانيه روحك , لذا كل ما عليك القيام به عند الشعور بأنك ليس على ما يرام ان تقوم بالخطوة الأولى فقط في الرقص و من ثم تطلق العنان لجسدك في إكمال المهمة, الجميل في الأمر أنك غير مطالب في ان تبذل جهداً ووقت في تعلم احدى فنون الرقص الشهيرة بل على العكس تماماً فكل ما عليك القيام بما يعبر عنك , بحركات مهما كانت بسيطة الا انها ستفي بالغرض بتفريغ ما لا ترغب فيه من الطاقة المكبوتة , فالعلاج بالرقص او الحركة يعزز الاندماج العاطفي و المعرفي و الاجتماعي للفرد كما أكدت عليه جمعية العلاج بالرقص الامريكية.

رابعاً : الضحك

الضحك كعلاج لما تعانيه نفسياً , لا يتطلب بالضرورة مراجعة متخصص او معالج , اذ لا تحتاج الى حجز موعد و الانتظار حتى تلتقي معالجك للقيام بالضحك ! و لكن كل ما عليك القيام به هو الجلوس أمام التلفاز او شاشة الكومبيوتر و أختيار برنامجاً او فلماً كوميدياً , و ستجد نفسك بعد ثواني غارقاً في نوبة ضحك أراحتك من القلق او التوتر الذي كان قد سيطر عليك , او ما عليك سوى الأستعانة بذاكرتك للرجوع الى كم المواقف و اللحظات المضحكة التي كنت قد مررت بها في وقت سابق, كما يمكنك الأنضمام لأشخاص يتميزون بروح الدعابة و المرح و بالتالي الاصابة بعدوى الضحك منهم , سواء في العالم الواقعي او الاستعانة بعالم الانترنت و الأنضمام الى كروبات مخصصة للترفيه و الضحك و أطلاق الدعابات.

خامساً : الكتابة

لا يلزمك سوى ورقة و قلم , او شاشة الكومبيوتر و لوحة المفاتيح و أصابعك للبوح بكل ما يدور في داخلك من أنفعالات و مشاعر , او ذكريات يصعب التخلص منها , إن كنت ممن يصعب عليهم البوح او التحدث الى أي شخص عن معاناته الشخصية , الكتابة هي الطريقة المثلى للتفريغ , لا تكتفي بكتابة يومياتك بأسلوب إنشائي بل عليك التعبير عن ما تشعر به أيضا , الأستعانة بالكتابة للبوح بتفاصيل ذكرى مؤلمة او مشكلة تعاني منها ,تخيل كما لو انك تقوم بطرح تلك الذكريات و المشاعر السلبية المرافقة لها بعيدا عن ذهنك و روحك الى الخارج “تقيء ذهني” , و كما هو الحال في حالة الرقص التي ذكرناها مسبقا ,فأن الأستعانة بالكتابة للتقليل من معاناتك أيضا لا يتطلب منك تدريب عال او ان تكون مؤلفا و أديبا متمرسا, لا يلزمك سوى إجادة القراءة و الكتابة للتعبير بكل حرية عما يدور في داخلك و ما تشعر به , بأبسط المفردات و التراكيب اللغوية التي تخطر في ذهنك.التنفيس العاطفي و الكتابة عن الصدمات و أستعادة تفاصيلها بما تحمله من مشاعر و أنفعالات هو من الطرق المفيدة التي يمكن للمرء اللجوء اليها للتخلص مما يعانيه على الصعيد النفسي ,و على وجه الخصوص هي من أنفع السبل للأشخاص الذين  يصعب عليهم التعبير او يعانون الحرج في ذكر تفاصيل معينة أمام الاخرين , أو الذي يعانون من درجة مقاومة نفسية عالية تمنعهم من كسر حاجز الصمت و التغلب على حالة الكبت.

سادساً : الرسم

هذا النوع من العلاج هو الأقرب الى النفس الأنسانية ربما لأنها لها جذور تاريخية ترتبط بنشأة و تطور الجنس البشري و ليس علينا الا النظر الى الرسوم التي خلفها الأنسان القديم على جدران الكهوف, أغلبها تتمثل في تعبير عن مخاوف  كان يعاني منها المرء او رغبات تمنى تحقيقها كالرغبة في التغلب على المخاوف التي كان يعاني منها من بعض الحيوانات المفترسة ,اذ يقوم الفرد برسم نفسه في وضعيات يتمنى الوصول اليها و هو جاثم مثلا على جثة حيوان مفترس شكل له رعب يومي مستمر , أما في وقتنا هذا و بتطور أمكاناتنا المستخدمة و الألوان المختلفة باتت العملية أكثر متعة مما كانت لدى أسلافنا , ليس عليك سوى الأمساك بفرشاة الألوان و التعبير عن مخاوفك , رغباتك, أمنياتك, ما تحب و ما تكره , كيف ترى محيطك و إفراغ ما يملأك من قلق و توتر , او لزيادة أنتباهك و تركيزك  , و للحصول على صفاء و هدوء ذهني بعد مرورك بأزمة او مشكلة معينة , و كما هو الحال مع الطرق السابقة , لا يتطلب منك المهارة و التدريب او بذل أي جهد , سوى التعبير بتلقائية عن أعماقك.

سابعاً : القراءة أو الببليوثيرابيا 

القراءة ليست مجرد هواية يسعى الفرد من خلالها لمليء وقت فراغه , بل على العكس هي طريقة و أسلوب بل أساليب عيش متعددة, فالفرد الذي يقرأ يعيش تجارب عديدة تتيح أمامه فرص للتعرف على شخصيات و سمات شخصيات متعددة و مختلفه و حتى غريبة, مما يساعده على التعرف على نفسه بسهولة , و أيضا معايشة مشكلات و ظروف قد لا يستطيع معايشتها في الحياة الواقعية او التعرف على عوالم اخرى لا يستطيع التواصل معها من خلال الجسد , بينما بذهنه يتمكن من الولوج اليها بسهولة , جميعنا بحاجة الى تبادل الأراء و المناقشة في ما يهمنا من مواضيع من وقت لأخر , حتى في أوج بؤسنا و معاناتنا فنحن بحاجة الى من يفهمنا , و قد نصاب بالأحباط اذا لم نجد من يستمع او من ينصحنا في تلك الظروف التي تعصف بنا , بينما يبقى الكتاب الصديق الأوفى و الأكثر حكمة في تقديمه للنصح, بالأضافة الى ذلك فهو قادر على أفادتنا في الموضوع او المشكلة التي نود التعرف عليها في الوقت الحاضر, لذا كل ما عليك هو التحلي بالشجاعة , أقتني كتابا يخاطب عمق ما تعانيه من الام نفسية , قد يتضمن أفرادا و شخصيات أخرى تعاني الأمر ذاته عايشهم من خلال الكتاب و أنتفع من تجاربهم و تعلم من كيفية تغلبهم على معاناتهم , أغلبنا إن لم نكن جميعنا يميل الى الهروب من كل ما يتصل بمشكلته , فأذا ما كنا نعاني الأكتئاب مثلا نحاول التهرب من كل ما يشير اليه , و هذا خطأ كبير , بل على العكس أقترب من مشكلتك تعرف عليها , كيف تحدث و كيف تتفاقم , تعرف على أشخاص عانوا من ذات المشكلة و حاولوا أيصالها اليك من خلال حروف سطروها بشكل أنيق و أرسلوها اليك كرسالة تضامن و تشجيع و محبة  , أنها الكتاب الذي بين يديك.

ثامناً : المشي

العلاج بالرياضة بصورة عامه هو من أبسط أنواع العلاجات النفسية التي بأمكانك اللجوء اليها عند شعورك بمعاناة من قلق او أكتئاب او توتر او شرود ذهني ..الخ, و من أبسط و أسهل أنواع الرياضات هي المشي , إمشي لساعة او حتى لساعات , إقطع مسافات و إسمح لنفسك برؤية الأماكن عن قرب , تأمل كل شيء مهما كان مألوفاً.

تاسعاً : البكاء

أكثر الطرق شيوعاً للتعبير عن الغضب او التوتر او الخوف , أي مشاعر سلبية او ايجابية , المهم هو أستجابة لكل مشاعر و انفعالات قوية تعصف بنا, البكاء دائما هو الوسيلة التي تساعدنا على التعبير عن ما يحدث بداخلنا و التي يصعب علينا التعبير عنها او شرحها بالكلام او حتى الأيماء ,لا نجد سبيل اليه سوى بالبكاء, لذا ليس علينا الخجل من البكاء او التردد في اللجوء اليه , لأنه الأمثل في التنفيس الأنفعالي و خاصة البكاء العميق منه .

عاشراً : التحدث الى صديق يجيد الأصغاء 

أخيراً و ليس أخراً , تحدث الى شخص قريب الى روحك , لا تدع الأكتئاب او القلق او المعاناة النفسية تدفعك للعزلة و الهروب , إجبر نفسك على الخروج و التحدث , عبر عن كل ما يجول في خاطرك ما يؤلمك و ما يفرحك . أخبر الأخر المهتم بك.

تقوم هذه العلاجات او السبل الوقائية كما أحب ان أسميها , على أهم غاية يسعى علم النفس بشتى مدارسه و اساليبه العلاجية لتحقيقها و هي (اللاكبت) , لو تأملنا في جميع هذه الأساليب السابقة فهي تقوم على  التنفيس و التعبير و إخراج ما بداخلنا سلبي كان ام إيجابي , و هذا هو جوهر علم النفس , عبر عن ما تعانيه و لا تكبت !!

أجعل هذه الأساليب الوقائية نظام حمية نفسية لك , إتبعها يوميا , تأمل , أرقص , أستمع للموسيقى ,أقرأ , أكتب , أمشي , تحدث لصديق أو حبيب , أرسم و أضحك بصوت عالي !

بقلم الكاتبة

زينب كاظم