مقالات

المحاكمة الثانية للرئيس ترامب .

بيدر ..

صادق الطائي

بينما يعد العالم الأيام بانتظار نهاية ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سيسلم سلطاته للرئيس المنتخب جوزيف بايدن يوم 20 كانون الثاني/يناير، يسعى سياسيون من الحزب الديمقراطي، ومعهم بعض الجمهوريين إلى إنزال عقوبة ردع بحق الرئيس المنتهية ولايته، نتيجة الأزمة التي أثارها بتحريضه جماهير من مريديه على مهاجمة مبنى الكونغرس الأمريكي، وما نجم عن ذلك من أضرار مادية ومعنوية.
الرئيس ترامب لم يكن رئيسا عاديا في التاريخ الأمريكي، لذلك أضاف إلى سجله المتفرد، أنه الرئيس الوحيد في تاريخ الولايات المتحدة، الذي تعرض لمحاكمتي عزل إبان عهدته الرئاسية، فقد سعى الديمقراطيون في الكونغرس، قبل عام إلى عزله بتهمة التخابر مع الرئيس الأوكراني وتحريضه، بل تهديده بقطع المعونة الأمريكية عن بلاده، إذ لم يسع للضغط على منافس ترامب، المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة جوزيف بايدن، عبر الضغط على ابنه الذي يدير شركة بترول في أوكرانيا، لكن دعوى العزل الأولى فشلت بعد أن مررها مجلس النواب ذو الأغلبية الديمقراطية، لكن المحاكمة تعثرت في مجلس الشيوخ، ولم تحصل على الأصوات الكافية في المجلس ذي الأغلبية الجمهورية، ففشلت المحاكمة لأن الجمهوريين فضلوا مساندة رئيسهم قبيل الانتخابات.

هل سيتمكن الجمهوريون عبر الاتفاق مع الديمقراطيين على إخراج دونالد ترامب من الحياة السياسية الأمريكية نهائيا؟

إذن ما هي الآليات التي قدمت في دعوى العزل الثاني؟ وما هو موقف الحزب الجمهوري منها هذه المرة؟ وهل ينفع عزل رئيس منتهية ولايته وقد غادر فعلا البيت الأبيض؟ الآليات التي اقترحها الديمقراطيون في بداية الأزمة هي اللجوء للتعديل الخامس والعشرين من الدستور الأمريكي الصادر عام 1963، وتحديدا الفقرة الرابعة من التعديل، التي تنص على «عندما يبلغ نائب الرئيس وغالبية الموظفين الرئيسيين في الوازرات التنفيذية، أو أعضاء هيئة أخرى، يحددها الكونغرس بقانون، رئيس مجلس الشيوخ المؤقت ورئيس مجلس النواب بتصريح خطي بأن الرئيس عاجز عن القيام بسلطات ومهام منصبه، يتولى نائب الرئيس فوراً سلطات ومهام المنصب كرئيس بالوكالة». أما أسباب العزل التي يذكرها التعديل الدستوري، فهي محددة بعدم قدرة الرئيس على أداء مهامه، بمعنى أن التعديل الخامس والعشرين، الذي يسمح لنائب الرئيس ومجلس الوزراء بإقالة الرئيس، كان لمعالجة حالة محددة هي إذا كان الرئيس قد دخل في غيبوبة لا يتوقع أن يفيق منها قريبا، أو أصيب بعارض صحي خطير كالجلطة، ستؤثر في قدرته على إدارة البلاد، أي عندما يكون في حالة مرضية أو غيبوبة، أو فقدان القدرة على التمييز نتيجة الشيخوخة، لذلك كان الأمر مفاجئا للجمهوريين.
أول رد فعل جاء من نائب الرئيس مايك بنس، الذي توترت علاقته بالرئيس ترامب إبان أزمة مهاجمة الكابيتول، لكنه رفض بشكل قاطع اللجوء إلى التعديل 25 من الدستور الأمريكي لعزل الرئيس في أيامه الأخيرة من الولاية الرئاسية، وذكر بعض المقربين منه أنه قال إن «هذه الفقرة تنطبق على الحالات الصحية التي قد يمر بها الرؤساء وتعيق عملهم، ولا يمكن استخدامها كعقوبة على سلوك مرفوض أقدم عليه الرئيس» لكن نانسي بيلوسي رئيسة الكونغرس الأمريكي، ومن ورائها النواب الديمقراطيون، أصروا على العزل، وصرحوا بأن «جريمة» تحريض الرئيس ترامب، وما جرى نتيجة ذلك، لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، لأن مساعي الرئيس ترامب الخطيرة كانت متواصلة وبقصدية منذ الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر، حتى أخر أيام الرئيس في البيت الأبيض، فقد أصر على التشكيك بشفافية الديمقراطية الأمريكية، وطعن بنزاهة الانتخابات، وبقي مصرا على التصريح بأن الانتخابات مزورة، على الرغم من أن القضاء قال كلمته الفصل في ذلك. المفاوضات بين النواب الديمقراطيين والجمهوريين بقيت مستمرة، وطرح العديد من النواب الجمهوريين استفساراتهم عن جدوى عزل الرئيس الذي سيغادر، أو سيكون قد غادر فعلا منصبه الرئاسي، إذ أن الاجراءات ومساراتها القانونية ستستغرق مدة تتجاوز يوم 20 يناير، وحينها سيكون الرئيس المنتخب جوزيف بايدن قد دخل البيت الأبيض فعلا، إذن ما تأثير قرار العزل؟ واقترح بعض الجمهوريين أمرا بديلا، سموه قرار توبيخ الرئيس على سلوكه، وهو أقسى إجراء يمكن أن يتخذه الحزب بحق الرئيس، لكن هذا الإجراء لم يكن كافيا في نظر الديمقراطيين. إذن ما هو الدافع الأساس وراء إصرار الديمقراطيين على معاقبة الرئيس ترامب حتى بعد خروجه من البيت الأبيض؟ بعد رفض نائب الرئيس مايك بنس اللجوء للتعديل 25 من الدستور، أصر الديمقراطيون في الكونغرس على عزل الرئيس ترامب على أساس اتهامه بتهمة سياسية هي التحريض على اقتحام مبنى الكابيتول في خطابه في 6 يناير، أمام تجمع حاشد لأنصاره خارج البيت الأبيض. وقد قالت نانسي بيلوسي في جلسة التصويت على عزل الرئيس ترامب التي تمت يوم 13 يناير وحازت موافقة الأغلبية «نعلم أن رئيس الولايات المتحدة حرض على هذا التمرد، وهذا التمرد المسلح ضد بلدنا المشترك. يجب أن يرحل فهو يشكل خطراً واضحاً وقائماً على الأمة التي نحبها جميعا». بمعنى إصرار الديمقراطيين على إخراج دونالد ترامب من الحياة السياسية الأمريكية نهائيا، وقطع الطريق على إمكانية ترشحه لانتخابات 2024، لأنه سيكون رئيسا معزولا، ولا يحق له ممارسة دور سياسي مقبل.
المفارقة التي حصلت في تصويت الكونغرس، أن هنالك انشقاقا واضحا في الحزب الجمهوري حيال الأمر، إذ أن النواب الجمهوريين الذين دعموا الرئيس بإخلاص لمدة أربع سنوات، ما زالوا يتقدمون بحذر، وإن رفضهم إقالة الرئيس والتآمر الهادئ حول كيفية معالجة سلوكه، سلط الضوء على نوع من حالة عدم اليقين المزعجة التي يعيشونها، هم والعديد من الجمهوريين الآخرين، بشأن ما إذا كانوا سيدفعون المزيد من الثمن السياسي للتخلي عن ترامب، لأنهم يدعمونه للبقاء فاعلا في الحياة السياسية، بعد أن حرّض الغوغاء لاقتحام مقر الكونغرس. ومما جعل مهمتهم أكثر صعوبة، عدم إظهار الرئيس ترامب أي أثر للندم، إذ أخبر المراسلين يوم الثلاثاء، قبل يوم واحد من جلسة إقرار عزله في الكونغرس، أن تصريحاته لمؤيديه كانت «مناسبة تمامًا» وأن شبح عزله هو الذي «يسبب غضبًا هائلاً». وقد كتب جوناثان مارتن وماجي هابرمان في صحيفة «نيويورك تايمز» مقالا ذكرا فيه، أن السناتور ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي، قال لمقربين منه إنه يعتقد أن الرئيس ترامب ارتكب مخالفات تستوجب عزله وإنه «سعيد» لأن الديمقراطيين يتجهون لعزله، وأضاف كاتبا المقال، نقلا عن مقربين من السيناتور ماكونيل، أنه يعتقد أن عزل الرئيس سيسهل عملية تطهير الحزب الجمهوري من ترامب وتأثيراته الشعبوية. ولم يستبعد ماكونيل، أن يصوت لصالح عزل الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب في حال جرت محاكمته أمام مجلس الشيوخ، لكنه كتب في رسالة إلى زملائه الجمهوريين في المجلس «لم أتخذ قراري النهائي بالنسبة لكيفية التصويت، اعتزم الاستماع إلى الحجج القانونية حين يتم تقديمها في مجلس الشيوخ».
وتجدر الاشارة إلى أن إقرار عملية عزل الرئيس في مجلس الشيوخ تحتاج إلى أغلبية الثلثين في المجلس، بمعنى وجوب انضمام 17 عضوا من شيوخ الجمهوريين على الأقل إلى الديمقراطيين في الغرفة العليا من البرلمان المنقسمة بالتساوي والمكونة من 100 مقعد. وقد أفادت تسريبات صحافية في جريدة «نيويورك تايمز» أن حوالي 20 سيناتورا من الجمهوريين في مجلس الشيوخ مستعدون لإدانة الرئيس. وفي حال إدانة مجلس الشيوخ لترامب، يمكن للمشرعين إجراء تصويت آخر لمنعه من الترشح لمنصب انتخابي مرة أخرى. فهل سيتمكن الجمهوريون عبر الاتفاق مع الديمقراطيين على إخراج دونالد ترامب من الحياة السياسية الأمريكية نهائيا؟ هذا ما سنشهده بعد 20 يناير في محاكمة الرئيس الثانية أمام مجلس الشيوخ.
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com