تحقيقات

الغواصة الالمانية في طريقها الى اليابان .

بيدر ميديا .

الدكتور ضرغام الدباغ .

كانت الحرب قد انتھت ووضعت أوزارھا، وغواصة ألمانیا اتخذت طریقھا إلى الیابان، وعلى متنھا : خطط بناء، و 500 كیلو غرام من أوكسید الیوانیوم )Oranoxid(، واثنان یابانیان، وسیف ساموراي قدیم. وقائع رحلة ونتائجھا المثیرة.

في آذار /1945 قان النائب الضابط فولفغانغ ھیرشفیلد بمراقبة غریبة: عند تحمیل الغواصة )234 -U( في میناء كیل )شمال غرب ألمانیا على بحر الشمال( شاھد النائب ضابط مسؤول اللاسلكي في الغواصة، شاھد اثنان من الیابانیین، یجلسان على صندوق كبیر. تحمل كلمات مكتوبة بقلم حبر ثم سیقوم البحارة

بإخفائھم عن الأنظار.

یقول ھیرشفیلد فیما بعد ” الصنادیق كانت تقریباً بحجم 25 x 25 ملفوفة بورق تغلیف سمیك، ملصقة جیداً وثقیلة كأنھا رصاص. وعلیھا ” الغواصة 235 ” ، وعندما سألت ما تحتویھ الصنادیق، أجابني أحد الیابانیان وأسمھ تومونغا، إنھا شحنة الغواصة 235، التي سوف لن تبحر للیابان بعد الآن “.

ھیرشفیلد تحقق أن : الغواصة 235 لم یكن لھا اتصال مع الیابان، .. ترى ھل كذب علیھ الیابانیون …؟

وقد تأكدت لھ ظنونھ .. لا توجد غواصة تحمل ھذا الرقم 235 U. وھذا الرمز )235-U ( لا یعني غواصة، بل ھي اختصار للمصطلح العلمي )235 Uran( القابل للانشطار والتي یمكن منھا إنتاج الأسلحة النوویة.

ركاب رفیعي الرتب، وخطط سریة

2

مع اقتراب نھایة الحرب في أوربا، كان النظام النازي الألماني یرید مساعدة الیابان المتحالف معھا ضمن المحور. وتحت قیادة ” الخدمة البحریة الخاصة “، المسؤولة عن المھمات الخاصة / السریة جرى تخصیص الغواصة )234 -U( وتحویرھا من زارعة ألغام، إلى غواصة مخصص للنقل، وجرى تجھیزھا بخزانات وقود إضافیة، لما یكفي للإبحار مسافة 18,000 میل بحري، وتموینھا بما یكفي أكثر من 9 شھور. الغواصة )234 -U( وجھزت بمعدات تكفیھا للغطس لرحلات طویلة تحت الماء، وأحدث

التكنولوجیات للحمایة من الضربات الجویة.

ومن بین الركاب من الرتب العالیة، كان جنرال في القوات الجویة، والنظام النازي كان یرغب بتقدیم المساعدة للحلیف الیاباني، ومن بین القیادة في ” القوة البحریة للخدمات الخاصة ” للمھمات السریة حورت الغواصة )234 -U( من زارعة ألغام، إلى غواصة ناقلة، وخبراء في الصواریخ، وبناء السفن وصناعة الطائرات، ومن بینھم الضابطان الیابانیان ھیدو تومناغا، وغانزو شوجي. ووفقاً لقائمة التحمیل ، ھناك خطط إنتاج صواریخ وطائرات نفاثة كتلك التي أنتجتھا ألمانیا )262 Messerschmitt(،

وكمیة ال560 كغم من اأوكسید الیورانیوم، لإنتاج الأسلحة النوویة.

ولكن ھل كان لدى الیابان عام 1945 برنامجاً لإنتاج الأسلحة النوویة ..؟ كما یعتقد المؤرخ الأمریكي روبرت ویلكوكس ؟ ولكن ھذه الشكوك لم تكن لھا أدلة في الواقع. وكذلك لم تثبت الشبھات فیما إذا كانت الغواصة الألمانیة )234 -U( تحمل طائرة مسر شمت نفاثة مفككة، وأجزاء من الصاروخ الألماني

البعید المدى )V2( في مھمتھا السریة، كما یتردد أحیاناً .

دفتر الیومیات الممنوع كان مشغل اللاسلكي ھیرشفیلد قد أحتفظ بدفتر مذكراتھ على متن الغواصة سراً، ویمنع الاحتفاظ بھا على متن الغواصات، وقد صادرھا الأمریكیون بعد الحرب، وقام باستعادة ما تیسر منھا، وضمنھا في كتاب قام بإصداره بعنوان ” یومیات مشغل لاسلكي غواصة “.

بعض الأحداث ما تزال غامضة، وأخرى لا یمكن التحقق منھا، ولكن رغم ذلك تبقى مذكرات ھیرشفیلد من المصادر الرئیسیة لأنشطة الضابطان الیابانیان. وكان الضابط شوجي متخصصاً في صناعة الطائرات، فیما كان زمیلة الضابط تومونغا مھندس غواصات، وھو الذي جلب معھ في السفرة سیف

3

الساموراي الذي یبلغ 300 سنة من القدم.

والسیف أھدي لھ في كیل في حفل حضره السید أوشیما السفیر الیاباني في ألمانیا، وطیلة السفر كان السیف في عھدة قائد الغواصة یوھان ھاینریش فیلر وبذلك وضع الضابطان الیابانیان حیاتھما بید قائد الغواصة الألماني، ولم تكن بحوزتھما أسلحة أخرى.

مسؤول اللاسلكي ھیرشفیلد یتحدث عن الفوضى والتناقضات في البرقیات المرسلة، عندما رست الغواصة في نیسان / 1945 من أجل الإصلاح في المیناء النرویجي الأفضل كریستیانسو )المحتل من الألمان( وھي ما تزال بأنتظار الأوامر الأخیرة لمتابعة الرحلة، وتنتظر الأمر من قائد سلاح الطیران الألماني “اللوفتفافة”، ترى ھل سیكون غورنغ بنفسھ معنا في الرحلة كما تردد الشائعات ؟

لكن قائد البحریة دونیتز أصدر أوامره القاطعة ” على الغواصة 234 مواصلة رحلتھا حالاً “. )كاتب الیومیات نائب الضابط فولفغانغ ھیرشفیلد / صورة بعد التقاعد(

في 15 / نیسان / 1945، ابتدأت الرحلة أولى مراحل إبحارھا في مناطق العدو .. والغواصة التي كانت من طراز )XB( كان تبلغ 90 متر طولاً، 2100 طن وزناً، وكانت قد تعرضت لھجمة جویة، لم تزج بعدھا في واجبات.

في الأیام الأولى كانت الغواصة في حالة غوص شبھ دائمي، والحلفاء كانوا یقذفون من الجو أجھزة تعوم فوق سطح الحر لتھتدي على الغواصات وتقوم بإرشاد الطائرات إلیھا من تحدي دقیق لأماكنھا. والكن الغواصة 234 تمنكن من تجاوز ھذه العوامات دون أن یلاحظھا العدو. ومرة واحدة فقط، كاد أن یكتشفھا

سفینة شحن في لیلة حالكة الظلام وعن ھذا یكتب ن. ضابط ھیرشفیلد :

” مررنا مباشرة تحت الباخرة، وكنا في كل لحظة نخشى أن تشفطنا الباخرة لنرتطم بقعرھا وتتمزق غواصتنا ..”.

الشعار ما یزال … الوصول إلى الیابان …

ھذه أحداث الحرب الیومیة … التوتر بدأ یتصاعد في الغواصة، عندما دخلت الحرب مرحلتھا الختامیة. ففي 4 / أیار / 1945 كان ھتلر قد مات فعلاً، وأمیرال الحر الأكبر دونیتز الذي خلف ھتلر في الحكم، أمر بإنھاء حرب الغواصات.

كانت غواصتنا : )234 -U( ما تزال تحرث المحیط الأطلسي تحث السیر نحو ھدفھا : الیابان، وقد أصبح الأتصال اللاسلكي أكثر صعوبة، وقد استولى الحلفاء على محطة اللاسلكي البحریة الكبرى بالقرب من مدینة ماغدبورغ )نحو 120 كم جنوب غربي برلین( التي تعمل على الموجة الطویلة ” غولیاث “، ومنذ ذلك الحین بتنا

نعتمد على تقاریر الإرسال على الموجات القصیرة.

4

یوم 8 / أیار / 1945، ھو یوم استسلام ألمانیا، ولم یعد مسموحاً للغواصات أن تستخدم الإرسال المشفر. وكان على الغواصة )234 -U( إما أن تواصل رحلتھا كما كان مقرراً لھا، أو أن تعود إلى آخر قاعدة انطلقت منھا وھي میناء بریغن النرویجي. وبحسب مذكرات ھیرشفیلد فإن برقیة مشفرة لقائد

الغواصة الكابتن فیلر، قرر المضي في الرحلة وعدم العودة. )الصورة الكابتن یوھان ھاینریش فیلر قائد الغواصة 234 (

” الھدف ما یزال : الیابان، ولكن بعدھا نأخذ إشعاراً من وكالة رویتر یفید أن الیابان قطعت علاقاتھا بألمانیا )بعد احتلالھا( . وھكذا أصبح مواصلة إبحارنا إلى الیابان لا معنى لھ. وأوامر أمیر البحر دونیتز ھي : حث الغواصات )المتواجدة في بحار ومحیطات شتى( على الاستسلام.

بدأت تصلنا أوامر عبر اللاسلكي ، التي بدأوا یجدون أنھا مھینة. الذخیرة المقاومة للطائرات یجب أن تخلى من الغواصة وتقذف إلى البحر، ورفع رایة سوداء فوق برج الغواصة وھو ما یشیر إلى الاستسلام.، كما لو أن الجنود قد أصبحوا قراصنة. وأعتقد الكابتن فیلر أنھا أوامر من الحلفاء كقوائم جرد

للحرب.

یوم 11/ أیار : الحرب في أوربا منذ ثلاثة قد انتھت ووضعت أوزارھا. ولكننا في الغواصة لم نكن على ثقة تامة، ” أنھونا .. عندما نأتي إلیكم برایتنا السوداء ھذه ؟ ” ھكذا یسأل نفسھ ن. الضابط ھیرشفیلد.

” منذ مغادرتنا لم یبلغنا أحد بشیئ. لا أحد یستطیع أن یجیبنا فیما إذا كنا موجودین …! ما لذي یمنعنا أن نتوجھ إلى كیب ھورن )Kap Hoorn( “بقعة نائیة، في آخر بقعة أرض في جنوب القارة الأمریكیة الجنوبیة، قریبة من القطب الجنوبي “، في البحار الجنوبیة، أو اللجوء إلى جزیرة معزولة والاختباء ھناك

..؟ “.

لكن الكابتن فیلر بات الآن مقتنعاً بأن الرسائل التي تصلھ حقیقیة، وأیضاً ف، غواصة ألمانیة أكدتھا عبر اللاسلكي. ما لفائدة من الاختباء الآن وتعریض الغواصة وركابھا إلى المساءلة مجرمین حرب ..؟ الضابطان الیابانیان احتجا، وراحا یؤكدان للضباط والجنود الألمان، أن الحكومة الیابانیة سوف لن تلقي

القبض علیھم. ولكن الكابتن فیلر كان قد قرر الاستسلام.

في 13 / أیار / 1945، حقق آمر محطة اللاسلكي اتصالاً مع محطة ھالیفاكس / كندا، وھذه كتبت للغواصة بالألمانیة ” الغواصة )234 -U( أعطونا موقعكم “. وقام طاقم الغواصة بإعداد رایة سوداء لترفع على برج الغواصة حین تطفو، ولكن مع إبقاء الطوربیدات جاھزة للقتال في حال ما ثبت لھم أن

عرض الاستسلام ھو فخ لیس إلا .

وفي غضون ذلك، أبلغ الكابتن أن الیابانیان ممدان في سریرھما في حالة فقدان وعي ویھذیان . وقبلھا قاما بالتودیع ولكن لم یكن أحد یعلم بالضبط ما یقصدان،. وبحسب روایة ن. ضابط ھیرشفیلد كان الضابط الیاباني توجونغا قد تخلى عن ساعتھ السویسریة. ویبدو أنھما قد تناولا جرعة كبیرة من الحبوب المنومة، من نوع لومینال )Luminal( وھو ما سیجعلھما یستسلمان لنوم عمیق بدون إیقاظ، وھذا ما تركاه في رسالة / وصیة : ” دعونا نموت بھدوء … أدفنوا جثامیننا في البحر “. كما طلب الیابانیان إلقاء أمتعتھم مع

الوثائق السریة في البحر.

5

وفي الوقت نفسھ دارت معركة أعصاب، حول الاستسلام. كانت غواصتنا ) -U 234( الآن في المحیط الأطلسي،في مناطق الحلفاء مباشرة، والقبطان فیلر لا یرید أن یأسر من قبل الكندیین أو البریطانیین، لذلك كان یحاول أن یبحر صوب المیاه الأمریكیة، والقاعدة ھالیفاكس أرسلت طائرة وطالبت بتصحیح المسار، وكان على ھیرشفیلد أن یرسل معطیات غیر صحیحة

لغرض كسب الوقت.

وھنا دخلت المدمرة الأمریكیة سوتون )Sutton( على موجة المكالمات اللاسلكیة، وباشرت بالاتصال مع -U 234(، وثم دفن الیابانیان ) ھناك تقالید بحریة في دفن الموتى على متن السفن والمراكب بقذفھم في البحر(. ویكتب

ھیرشفیلد :

” الآن یمضي كل شیئ بسرعة كبیرة، على سطح الغواصة تم تثبیت الجثامین على رافعات تتأرجح مع وضع أثقال ثم أعطي

الأمر : إیقاف المحركین …. عشر دقائق من الصمت التام على السطح، الجثمانان یدفنان ومعھما سیف الساموراي ..”.

)الصورة اقتیاد الغواصة الألمانیة 234 إلى الأسر(

أثار الیورانیوم الألماني بعد قلیل من الوقت، كانت الحرب قد انتھت بالنسبة للغواصة )234 -U(. في 19 / أیار / 1945 وصلت الغواصة الألمانیة ترافقھا المدمرة الأمریكیة ساتون، إلى القاعدة البحریة بوتسموث. حیث وضع بعض الضباط ومعھم نائب الضابط ھیرشفیلد رھن الاعتقال، ثم تعین علیھم أن یشرحوا للأمریكیین التفاصیل التقنیة للغواصة، وتعین على ھیرشفیلد أن یشرح للأمریكیین ماذا تعني كلمة )234 -U( المدونة على العلب والرزم. وعبارات وكلمات أخرى خلال تفقد أرجاء الغواصة.

في 6 / آب / 1945 ألقت الولایات المتحدة القنبلة الذریة )الأسم الرمزي : الصبي الصغیر( فوق ھیروشیما، وبعدھا بثلاثة أیام ألقت القنبلة الثانیة فوق ناغازاكي. وحتى یومنا ھذا یبقى السؤال ما إذا كان جزء صغیر من الیورانیوم المخصب في القنبلتین كان مصدره من الغواصة )234 -U( وھل قام الألمان

بدون قصد بتسریع عملیة الإسقاط.

معظم الخبراء یعتقدون الیوم أنھ یمكن تصور الأمر، ولكنھ مستبعد الحدوث جداً. صحیح أن أوكسید الیورانیوم الألماني 235 القابل للانقسام قد انتھى الأمر بھ في مختبرات الأبحاث النوویة الأمریكیة، التي یصعب الجزم أنھا أستخدم ت235 القابل للانشطار في برامج النووي الأمریكي السري للغایة.

6

مسار الحرب في الیابان لم یغیر شیئاً من الغواصة 234، فقد كان لدى الأمریكیین الكثیر من المعدات الحربیة لاستخدامھا في جبھات آسیا، ولكن بعد عامین، في 20/ تشرین الثاني / 1947، قامت الغواصة الأمریكیة )USS Greenfish(، بإطلاق طوربید خلال اختبارات على الطوربیدات في منطقة كاب كود بإغراق الغواصة الألمانیة )234 -U( مستخدمة إیاھا كھدف تجربة قبالة السواحل الأمریكیة ولایة

ماساتشوستس. ویرقد الیوم حطام الغواصة غي المحیط الأطلسي 40 میل بحري شمال كاب كود.

)الصورة : أستخدم الغواصة الألمانیة 234 كھدف اختبار للطوربید وإغراقھا یوم 20 تشرین الثاني

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com