مقالات

حرب اللقاحات.

شبكة بيدر / صحافة .

حرب اللقاحات

 

صادق الطائي

مع توقعات عالمية بهجوم جديد لفيروس كوفيد 19، أو ما بات يطلق عليه الإعلام «الموجة الثانية» تتزايد المخاوف والقلق من عدم توفر لقاحات مسجلة علميا حتى الآن، إذ عاد انتشار الفيروس إلى الارتفاع في عدة دول أوروبية مثل، ألمانيا، فقد سجل معهد «روبرت كوخ» الألماني لمكافحة الأمراض المعدية وغير المعدية، يوم الجمعة 14 أغسطس/آب (1449) إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد خلال يوم واحد، لذلك تدرس عدة دول أوروبية فرض إجراءات احترازية للحماية من الموجة الجديدة للجائحة، لكن يبقى الأمل معلقا على طرح اللقاح للاستعمال.
أول الدول التي أعلنت عن تسجيل لقاح كوفيد 19 كانت الصين، ثم تلتها روسيا، وترافق الإعلان عن اللقاح الروسي بتنويه مفاده أن الانتاج التجاري للقاح سيبدأ قريبا، وأن 20 دولة طلبت حوالي مليار جرعة من اللقاح. الإعلان عن تسجيل اللقاح الروسي أخذ سمة سياسية واضحة، إذ أعلن الخبر الرئيس فلاديمير بوتين عبر دائرة تلفزيونية، التقى بها مع وزرائه يوم الثلاثاء 11 اغسطس، إذ قال، «هذا الصباح، ولأول مرة في العالم، تم تسجيل لقاح ضد فيروس كورونا المستجد» وأضاف» أعلم أنه فعال بما فيه الكفاية، وأنه يعطي مناعة مستدامة». وأكد أن إحدى بناته، وهي طبيبة، حصلت على اللقاح. وقال «أعتقد إنها في مرحلة ما شاركت في التجارب» مشيرا إلى أن حرارتها ارتفعت قليلا. وكان هذا كل شيء». وزير الصحة الروسي ميخائيل موراشكو، أعلن بدوره أن توزيع اللقاح الجديد سيبدأ مطلع يناير/كانون الثاني 2021.
الرسائل السياسية الروسية الموجهة للغرب في حرب اللقاحات كانت واضحة، إذ أطلق على اللقاح الجديد اسم «سبوتنيك 5» في إشارة غير خافية إلى سباق غزو الفضاء بين السوفييت والأمريكيين عندما تقدم الاتحاد السوفييتي خطوة على منافسيه وأطلق أول مركبة فضائية خارج الغلاف الجوي للأرض في نوفمبر/تشرين الثاني1957 وكانت تحمل اسم»سبوتنيك». من جانبها شنت عدة دول غربية هجوما، اتخذ شكلا علميا، لكنه كان يحمل إشارات سياسية واضحة. فقد قالت صحيفة «وول ستريت جورنال»؛ إن» الكرملين يضحي بسلامة مواطنيه» مشيرة إلى أن» ظروف تطوير اللقاح أثارت المخاوف في موسكو، وفي الدول الغربية بشأن سلامة اللقاح». وسرعان ما تصدى أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الاعلان الروسي مشككا به في لقاء مع شبكة (ABC News) قال فيه؛ «آمل أن يكون الروس قد أثبتوا بالفعل، وبشكل قاطع، أن اللقاح آمن وفعال، أشك بشدة في أنهم فعلوا ذلك». وأكد على «إن الحصول على لقاح وإثبات أنه آمن وفعال شيئان مختلفان» ثم أضاف موضحا «لدينا ستة لقاحات أو أكثر، لذا إذا أردنا اغتنام الفرصة، لإيذاء الكثير من الناس أو منحهم شيئًا لا يعمل، يمكننا البدء بالقيام بذلك الأسبوع المقبل، لكن هذه ليست الطريقة التي نعمل بها».

يبدو أن قصة السبق في إنتاج اللقاح لا تقف وراءها دوافع انسانية، إنما هي في حرب خفية بين دول العالم

كما شككت وزارة الصحة الألمانية في «نوعية وفعالية وسلامة» اللقاح الروسي ضد فيروس كوفيد 19، إذ قالت متحدثة باسم وزارة الصحة الألمانية لمجموعة (RND) الألمانية، «لا معلومات معروفة عن نوعية وفعالية وسلامة اللقاح الروسي» مذكرة بأن» سلامة المرضى في الاتحاد الأوروبي على رأس أولوياتنا». كما صرحت عالمة الفيروسات الفرنسية ماري بول كيني، النائبة السابقة للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية، لوكالة فرانس برس بالقول، «إن الإعلان الروسي سابق لأوانه، لأننا لا نعرف بعد ما إذا كان هذا اللقاح (أو أي لقاح آخر) سيقي من كوفيد 19، ولا ما ستكون عليه مدة الاستجابة المناعية» معتبرة أنها لا تكون في الواقع «لدى الإنسان لأكثر من بضعة أشهر أو أسابيع» بعد الجرعات الأولى. وهنا يجب أن نسلط الضوء على بعض المعلومات العلمية حول اللقاحات وتراخيصها، وبما أني غير مختص في هذا الشأن، لذا حاولت أن أجمع بعض المعلومات من مصادر رصينة حول الأمر، فوجدت أن تجارب اللقاحات وفقا للبرتوكولات الطبية العالمية تمر بمراحل معروفة ومحددة هي: المرحلة قبل السريرية، وهي تجارب على الحيوانات تستغرق حوالي شهرين، ثم تليها المرحلة الأولى على البشر ومدتها شهران إلى ثلاثة أشهر تعطى فيها الجرعة لعشرات الأشخاص، ويقاس فيها الأمان وتحديد الجرعة، تليها المرحلة الثانية على البشر وتستغرق شهرين إلى ثلاثة أشهر أيضا، ويعطى فيها اللقاح لمئات الأشخاص ويتم فيها قياس سمات الأمان الموسعة، تليها المرحلة الثالثة ومدتها شهران إلى ثلاثة أشهر، وتعطى فيها الجرعة لآلاف البشر، وتعرف بمرحلة قياس الكفاءة الموسعة، ليتم بعد ذلك تسجيل معلومات كل المراحل السابقة، والإعلان عن نتائجها بشفافية، ثم يتم الانتقال إلى الموافقة على الاستعمال الآمن للقاح والإنتاج التجاري وطرح المنتج للسوق.
سجلات منظمة الصحة العالمية تشير حاليا إلى وجود أكثر من 140 لقاحا في مراحل التجارب قبل السريرية، أي التجارب الحيوانية في مختلف دول العالم، كما أن هنالك 19 لقاحا في المرحلة البشرية الأولى، و11 لقاحا في المرحلة البشرية الثانية، و8 لقاحات في المرحلة البشرية الثالثة، ولقاحين في مرحلة الترخيص للإنتاج، بمعنى أن هنالك 30 لقاحا في مختلف دول العالم ستطرح إنتاجها مطلع العام المقبل. وكما نلاحظ من المعلومات السابقة أن تجارب أي لقاح، لكي يكون آمن الاستعمال تستغرق سنة إلى سنة ونصف السنة، أما إذا تم حرق بعض المراحل، أو تجاوزها، والقفز مباشرة إلى مرحلة الإنتاج، فإن ذلك يعني المخاطرة بحياة البشر الذين سيأخذون اللقاح. حاليا يوجد في العالم لقاحان تم تسجيلهما على أنهما وصلا لمرحلة الإنتاج، الأول هو اللقاح الصيني، الذي تنتجه شركة (كان سينو بايو) الصينية بالتعاون مع المعهد البايولوجي التابع لأكاديمية العلوم الطبية العسكرية الصينية، وقد بدأت تجارب هذا اللقاح البشرية في مارس/آذار 2020، وبدون أن يمر بالمرحلة الثالثة، أعلنت الحكومة الصينية أنها ستستعمل اللقاح لمنتسبي الجيش الصيني تجاوزا على البروتوكول العلمي.
واللقاح الثاني هو لقاح (سبوتنيك 5) الروسي الذي سينتجه معهد جماليا البحثي التابع لوزارة الصحة الروسية، بالتعاون مع وزارة الدفاع الروسية، وقد بدأت تجارب المرحلة الأولى لهذا اللقاح على البشر في يونيو/حزيران 2020، وفي غضون أقل من شهرين وبدون المرور بالمرحلتين الثانية والثالثة، أعلن الرئيس بوتين تسجيل وإقرار اللقاح والإشارة إلى المباشرة القريبة بمرحلة التصنيع، في خرق واضح للبرتوكول العلمي.
لكن ما هو رأي منظمة الصحة العالمية العلمي، الذي يمكن أن يكون فيصلا بشأن ما تم الاعلان عنه في روسيا؟ يبدو أن منظمة الصحة العالمية قلقة من الإعلان الروسي، إذ علقت في اليوم نفسه 11 أغسطس بحذر على الاعلان الروسي حول التوصل للقاح ضد فيروس كوفيد 19، إذ قال المتحدث باسم المنظمة طارق ياساريفيتش، خلال مؤتمر صحافي، «نحن على تواصل وثيق مع السلطات الروسية، والمحادثات تتواصل، المرحلة التي تسبق ترخيص أي لقاح تمر عبر آليات صارمة» كما أوضح المتحدث أن» مرحلة ما قبل الترخيص تتضمن مراجعة وتقييما، لكل بيانات السلامة والفعالية المطلوبة، التي جمعت خلال مرحلة التجارب السريرية» وأشار إلى أنه» بالإضافة إلى المصادقة التي تمنحها الجهات المختصة في كل بلد، وضعت منظمة الصحة العالمية آلية ترخيص مسبق للقاحات والأدوية، ويطلب المصنعون الترخيص المسبق من منظمة الصحة العالمية لأنه بمثابة ضمان للنوعية».
إذن، ومن كل المعلومات العلمية التي أوردناها، يبدو أن قصة السبق في إنتاج اللقاح لا تقف وراءها دوافع انسانية مثل وضع حد لمعاناة البشر، وإنقاذهم من الجائحة، إنما هي خطوة صغيرة في حرب خفية بين دول العالم، والدليل على ذلك ما حصل في شهر يوليو/تموز الماضي، إذ اتهم مسؤولون أمنيون في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، قراصنة مرتبطين بالمخابرات الروسية بمحاولة سرقة معلومات بحوث حول تطوير لقاحات ضد فيروس كوفيد 19، وقد نفت روسيا الامر، وجاء في تصريح كيريل ديميترييف، مدير صندوق الاستثمار الروسي، الذي يشرف على مشروع إنتاج اللقاح الروسي، بأن ما يروجه الغرب بشأن اللقاح الروسي محكوم بدوافع سياسية، إذن هي حرب اللقاحات، لا أكثر ولا أقل.
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com