مقالات

هل يستحق موت المتآمر على شعب العراق الحزن والأسى؟

أقول ابتداءً إن الطريقة التي قتل بها الجنرال قاسم سليماني مدانة في ضوء القانون الدولي واستهتار من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الطريقة المثلى التي تمارسها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ضد من تعتقد أنه يعمل ضد مصالحهما بعيداً عن الشرعية الدولية وأحكام لوائح الأمم المتحدة. كما أشير ابتداءً بأن أحكام الإعدام بكل أشكالها مدانة أيضاً، لأنها ليست الطريقة الحضارية والإنسانية في التعامل مع الجرائم التي ترتكب، إذ أن السجن هو العقاب الوحيد الذي يفترض أن يسود في العالم لكل من يرتكب جريمة ما على وفق التشريعات والقوانين الدولية.

وإذ أُدين هذه الجريمة التي ارتكبت على أرض العراق وانتهكت فيها حرمة وسيادة البلاد، أُدين أيضاً بكل قوة وحزم وبكل وضوح وصراحة كل العمليات الإجرامية التي مارسها الجنرال الإيراني قاسم سليماني وتابعه أبو مهدي المهندس والميليشيات التابعة لهما والتي كان يقودها فعلياً قاسم سليماني لا غيره، على الأرض العراقية وضد شعب العراق. وهما وبقية أمراء الطوائف وقادة الميليشيات الطائفية المسلحة ومن ارتبط بهم من الحشد الشعبي والقوات الأمنية والمسلحة العراقية، مسؤولون عن استشهاد أكثر من 600 مناضل ومناضلة خلال المئة يوم المنصرمة من انتفاضة الشعب المقدامة وجرح وإعاقة ما يقرب من 30000 مناضل ومناضلة ممن شاركوا في الانتفاضة الشعبية. كما أنهم مسؤولون عن اختطاف وتعذيب وتغييب واغتيال المئات من نساء ورجال الانتفاضة في سائر أنحاء العراق. كما إنها من مسؤولية الحكومة العراقية الحالية وعلى رأسها السفاح عادل عبد المهدي، الذي ارتضى لنفسه أن يكون على رأس من أصدر الأوامر بمواجهة المنتفضات والمنتفضين بالحديد والنار، بالعنف القاتل، وأصر على البقاء في السلطة لمواصلة نحر الانتفاضة وحصل على تأييد من لا ذمة وضمير عنده ويستخف ويستهتر بالدم العراقي من أجل إنهاء حكومة تصريف الأعمال وتجديد ولاية أخرى له ليمارس نهجه الدموي المناهض لمطالب الشعب العادلة.

من يتابع ما حصل عند إعلان قتل الجنرال قاسم سليماني يستغرب من الذاكرة القصيرة والضعيفة لجمهرة غير قليلة من أبناء الشعب العراقي وبناته حين ساروا في جنازته، في حين أنهم يعرفون ما قام به ضد الشعب حتى لحظة قتله، بل إن البعض أطلق عليه وعلى تابعه لقب “أبطال!” معركة التحرير من الدواعش. إن استمرار وجود ذاكرة قصيرة في صفوف الشعب العراقي ليس في مصلحة الشعب ونضاله المجيد من أجل التغيير. فقاسم سليماني كان من أوائل من دعا إلى السيطرة على العراق وفرض الهيمنة الإيرانية عليه وعلى شعب العراق. اليكم ما جاء في خطبة له وهو لا يزال شاباً عن موقفه من العراق وشعب العراق:              

“عدائنا معهم ليس بجديد، قدمنا تضحيات لكسر شوكتهم وكبح جماحهم وتدمير أمجادهم المزعومة. نحن نقاتل لأجل هدف أساسي وكبير، نقاتل من أجل إعادة إمبراطورية لم يبق منها سوى الأطلال، نضحي ونقاتل ونموت لكي لا يبقى شبر من أرض فارس ولا يبقى فيها تحت سيطرة أناس كانوا يسكنون الصحارى. المشروع الأهم هو بسط النفوذ وليس هزيمة العراق”. وماذا قال قادة إيران الجدد، المدنيون منهم والعسكريون، عن العراق: “قال علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إن “إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”، وذلك في إشارة إلى إعادة الامبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها.” (راجع: إيران: أصبحنا امبراطورية عاصمتنا بغداد، العربية في 8 أذار/مارس 2015). وقال “وزير الدفاع الإيراني حسن دهقان، أنّ العراق بعد العام 2003 قد أصبح جزءاً من الامبراطورية الفارسية وأنّ لديهم في العراق قوة هي الحشد الشعبي والتي سوف تقوم بإسكات أي صوت يميل إلى التحالف العربي الإسلامي.” راجع: هذيان الملالي.. دهقان: نحن أسياد المنطقة والعراق جزء من الامبراطورية الفارسية، بغداد بوست، 1 حزيران، يونيو 2017).

إن مثل هذه الأوهام التي يريد الحشد الشعبي والميليشيات الطائفية المسلحة والأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية والدولة العميقة ورئيس حكومة تصريف الأعمال جعلها واقعاً قائماً، وهي المسألة التي يناضل ضدها منتفضو ومنتفضات ساحات وشوارع العراق وهي التي تجلت في شعارهم الأساسي “نريد وطن”، أي نريد الحرية والسيادة الوطنية للوطن والشعب، نريد الحقوق في وطننا المستباح.

إن من ساروا في جنازة قاسم سليماني وذرفوا الدموع عليه وعلى تابعه أبو مهدي المهندس هم اليوم ومعهم رئيس حكومة تصريف الأعمال، من هلل للدعوة التظاهرية المليونية التي أعلن عنها مقتدى الصدر ومن مدينة قم وتحت تأثير إيران ومرشدها خامنئي، وهم اليوم يشددون الدعوة إلى التظاهرة المليونية لطرد القوات الأمريكية من العراق، لا لأنهم ضد كل الوجود الأجنبي في العراق، بل لجعل إيران تستفرد بالعراق وتخضعه لها وتصفي الانتفاضة الباسلة، إنها محاولة يائسة لشق وحدة صف قوى الانتفاضة والتي هلل ودعا لها كل المتهمين بالقتل والاختطاف والتعذيب وفي المقدمة منهم نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي وفالح الفياض وقيادة حزب الله والنجباء وبقية أمراء وقيادات الميليشيات الطائفية المسلحة والفاسدة. إن من ذرف الدموع على قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، هلل لمقتل أكثر من 600 شهيد من المنتفضين والمنتفضات وتلك الآلاف المؤلفة من الجرحى والمعاقين. لنشحذ ذاكرتنا ونواجه أعداء الانتفاضة وكل الانتهازيين وراكبي موجة الانتفاضة والغرباء عنها بحزم وصرامة لمواصلة الانتفاضة الباسلة وتحقيق أهدافها النبيلة والعادلة.      

 

        

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com