مقالات

مرافىء في ذاكرة ( يحيى السماوي 10 )

لطيف عبد سالم

يقولُ أدونيس إنَّ الشعر ليس مجردَ تعبيرٍ عَنْ الانفعالاتِ وَحدها، إنَّمَا هو رؤية متكاملة للإنسانِ وَالعَالم وَالأشياء، وَكُلِّ شاعرٍ  كبير هو مفكرٌ كبير. وَلا أخفي سراً أَنَّ تمعّني فِي الرؤيةِ المذكورةِ آنفاً، كان مِنْ بَيْنِ أهمِ الأسباب المَوْضُوعِيَّة الَّتِي حفزتني للخوضِ فِي غمارٍ – مَا أتيح لي – مِنْ تجربةِ الشاعر الكبير يحيى السماوي بأبعادِها الإنسانيَّة، بعد أنْ تيقنتُ مِنْ سموِ منجزه الشعري المغمس بثراءٍ فكري وَحس وَطني وَوَعى عقلاني يعبرُ عَنْ إيمانٍ بسلامةِ الخطى وَوضوح الرؤية، فلا غرابةَ فِي أنْ يكونَ للإنسانِ وَالحبِ والجمالِ حضورٌ وجدانيٌّ فِي مَا تباينَ مِنْ أجناسِ نصوصِه الشعريةِ الرشيقةِ الأنيقة، والمؤطرةِ بذوقٍ عالٍ وحسٍ مرهف، بالإضافةِ إلى توشيمِ بعض فضاءات نصوصه الشعرية بمفرداتٍ منتخبةٍ بعنايةٍ وَدرايةٍ مِنْ مَوْرُوثنا الثَّقَافِيّ والاجْتِمَاعِيّ؛ مُوظِفاً مَا تكتنزه ذاكرته المتقدة المتوهجة مِنْ صورٍ مَا بَيْنَ طياتها، وَالَّتِي ظلت ملتصقة بوجدانِه وَلَمْ تفارقه، فثمَّةَ مفردات مِن التراثِ الشَعْبِيِّ مَا يَزال لها صدى فِي بعضِ نتاجاته الشعريَّة.

لاَ مَنَاصَ مِنَ الاستمرارِ فِي نفضِ الغبار عَنْ المَاضي البعيد وَالقريب، ليس بقصدِ إعادة اخضرار حياة بلاد نضب مَاء فراتيهَا وأفلَ شموخ نخلها أو السعي لترميم بريق وطــن اضمحلــت ذاكرتــه نحــو تاريخــه بعدَ أنْ ألزمت الظروف طيوره المهاجرة – الَّتِي ما تزال مهووسة بحملِ همومِ الوطن حيثما حلت أو ارتحلت – الاحتماء فِي غربتها بأحلامٍ آيلة للسقوط، وَإنَّمَا لأجلِ الاقتراب أكثر مِنْ تجربةِ السَمَاويّ فِي مساراتِ الحياةِ والأدب، فالأمس مِنْ وجهةِ نظرٍ متواضعة جداً – لا يَنْبَغِي أَنْ يفلتَ هارباً – بخلافِ مَا يعتقد إيليا أبو ماضي؛ لأَنَّ حضوره بثقلِ إرثه، وَلاسيَّما مَا اكتنزه مِنْ سُـبُلِ معيشةٍ قد تبدو حكاياتها لجيلِ اليَوْم مستمدة مِنَ أساطير ألف ليلة وليلة، فضلاً عَنْ إجماليِّ الفعاليات وَالأنْشِطَة الَّتِي تُعَدّ مِنْ محركاتِ الوَعيِّ الوَطَنِيّ، يُشكلُ محاولة متواضعة للمُسَاهَمَةِ فِي السياق الخاص باسترجاعِ طُفُولة أحد أبرز المبدعين فِي فضاءاتِ الأدب العربي وَمعايشة أحداثها الَّتِي مِنْ شأنِها المعاونة فِي تدوينِ تجربة الحياة الثقافية وَالأدبية العراقية والعربية :

 

أَسَـأَلْـتِ كـيـف الحالُ يــا هـنـدُ؟

يَـسُــرَ الـسـؤالُ وأَعْـسَـرَ الـرَّدُّ!

 بعضُ الهـوى يا هـــــــندُ عافـيـةٌ

لـلعـاشــقـيـنَ .. وبــــعـضُـهُ وَأدُ

 حالي بـــدارِ الـغُـربـتـيـنِ خُطىً

مـشـلـولــةٌ فـاسْـتَـفْـحَـــلَ الـبُعْـدُ

 قـلـبـي إذا أمـسى عـلـــى فَــرَحٍ

فـعـلــى رمــادِ فـجـيـعـةٍ يَـغـدو

 لا الـرِّيـحُ تـلـــثـمُ خَـدَّ أشـرعـةٍ

حـيـرى ولا الـحـرمـــانُ يَـرْتَـدُّ

كيفَ السـبيلُ الـى ضُحاكِ وفـي

مُـقَـلِ الـغـريـبِ تـأبَّـدَ الـسُّـهْـدُ؟

 يا هـنــــدُ مـنـذ طـفـولــتي وأنـا

راعٍ خِرافــــي الـشـوقُ والوَجْدُ

 لا تـفطـمــي قلبي اسـقِهِ حَـبَـباً

إنْ عَـزَّ مـــن كاســاتِـكِ الـرَّفْـدُ

 الأسْـرُ؟ أُمنيـتـــي .. إليكَ يـدي

أطْبِقْ .. فـديـتُـكَ أَيُّهــــا الـقَـيْـدُ

 يا هـنـدُ مـنـــذ طَـرَقْـتِـني وأنــا

صـــدري لـسـيفِ صبابةٍ غِـمْـدُ

 مِنْ بَيْنَ السلوكيات العامة – الَّتِي مَا يَزال الكثير مِنها سائداً فِي المشهدِ المحلي – هو ميل الأبوين لصناعةِ شخصية الطفل بالإستنادِ إلى ترتيبه فِي الأسرة، وهو الأمر الَّذِي يفرض عَلَى الأبِ بشكلٍ خاص الجهدَ فِي التشبثِ بتسويقِ هذه الرؤية المتجذرة منذ عقود طويلة فِي ثنايا مجتمعنا، حيث كان – وَمَا يزال – أكبر الأولاد هو المعول عَلَيه فِي تحملِ بعض مسؤوليات الأسرة – وإنْ كانت متواضعة – بقصدِ تأهيله لمعاونةِ والده مستقبلاً فِي إدارةِ شؤون العائلة؛ لذا كان دخول السَماوي المدرسة محط اهتمام والديه، فإلى جانبِ الحقيبة المدرسية الَّتِي أهداها إياه أبوه، اجتهدت أمه – طيب الله ثراهما – فِي صنعِ سريرٍ له مِنْ صناديقِ التفاح الفارغة الَّتِي كان مصدرها حانوتُ بقالة والده، وَالَّذِي يُعَدّ فِي حساباتِ ذاك الزمان فرَاشاً وَثِيراً كريشِ النعام، قد لا يضاهيه مِن ناحيةِ المكانةِ مَا موجود الآن فِي أشهرِ فنادق الدرجة الأولى؛ لأَنَّه يؤمن لصاحبه الاستقلالية الَّتِي تمكنه مِنَ الاسترخاءِ وَالتأمل، حيث أصبح يحيى ينامُ عَلَى سريرٍ وَليس مثلما كان فيما مضى محشوراً مَعَ بقيةِ أشقائه وَشقيقاته عَلَى أَرْضِ الغرفة الوحيدة، إضافة إلى أنَّ أبَاه عمدَ إلى منحِه كُّل صباح مبلغ عانة – عملة معدنية تعادل أربعة فلسات اضمحلت بعد ثورة 14 تموز 1958م – تكفيه لشراءِ بضع قطع مِنِ الحلوى السائدة حينذاك ” جكليت، ملبس، حامض حلو ” أو قرص مِنْ معجّنات ” الشكرلمة “. وَالمثيرُ للاهتمامِ أَنَّه كلمَا أنهى دوامه اليومي فِي المدرسة وَقَفَلَ عائداً إلى منزله حتى يبدأ بالتهجّي بصوتٍ مرتفع، فتصبح فضاءات الدار الَّتِي يقطنها مُشبعة بصدى حروف القراءة الخلدونية مثل ألف، باء، تاء، ثاء، فضلاً عَنْ الكلماتِ المكونة لِمَا اشتهر مِنْ مواضيعِها، وبخاصة دار، دور، نار، نور. وَمِنْ المؤكّـدِ أَنَّ هَذَا الواقع يعكس ملامح واضحة – لا تخطئها دقة خيال المتابع – لحالةِ حبّ السَماوي للمدرسة، غير أنه لَمْ يكن تلميذاً ذكياً، لكنه أيضاً لَمْ يكن تلميذاً غبيّا، فَهو لا يتذكّر أنْ حازَ درجة كاملة فيِ درسٍ مِنْ الدروسِ باستثناءِ درس اللغة العربية؛ إذ لا يتذكّر أنه حاز أقلّ مِنْ درجةٍ كاملة. الْمُلْفِتُ أَنَّ تطوّراً طرأ عَلَى حياةِ عائلة المرحوم الحاج عباس عبود خلال مرحلة دراسة يحيى الإبتدائية، فقد تحسّن دخله بعد أنْ وفقَ باستئجارِ دكانٍ صغير فِي مدخلِ السوق المسقوف مِنْ جهةِ النهر، مكّنه مِنْ استئجارِ بيت صغير فِيه غرفتان وَسقيفة ” طارمة ” وَثلاثة مصابيح، حيث عمد والد يحيى إلى استغلالِ تلك السقيفة وتحويلها بفضلِ إسدالِ قطعةٍ كبيرةٍ مِن القماشِ السميك الَّذِي يشار إليه محلياً باسم ” الجادر ” – مِن السطح حتى الأرض – إلى فضاءٍ مضاءٍ بمصباح، فأصبح لها شكل حجرةٍ يروح يحيى ويجيء فِيها مطمئناً وكأنه يقيس دهاليزها، وهو منشغل بالنظرِ إلى كُّلِ ناحيةٍ وزاويةٍ فِيهَا :

 يا هـنــــــدُ كيف عـرفـتِ أنَّ دمي

ظامٍ لـنـبضِ هـواكِ يا هـنـــــدُ ؟

 تُـصغي الى شـفـتـيـكِ قـافـيـــــــةٌ

مـا عــــاد يـنـسـجُ بـوحَهـا سَـرْدُ

 هـاتَـفْـتِـني فَغَـفَـوتُ مــــــن خَـدَرٍ

وأَفَــقْــتُ ظـمـــــــآنـاً ولا وِرْدُ

 صوتٌ يـزخُّ مــــن الـشـذا مطراً

زانَ الـعَـفـــــافُ صـداهُ والحـمـدُ

 أوراقيَ الخرساءُ مُــــــذ سـمعـتْ

منـــــكِ الـلحونَ وسـطرُهـا يحدو

 تَـوَّجْـتِـني عـرشَ الـمُنى فـأنـــــا

مَلِـكٌ ولـكنْ فـــــي الهـوى عـبـدُ

 أَمْرٌ شَدِيدُ الأَهَمِّيَّة أنَّ الطفلَ يحيى – وقد أصبح صبيّاً – أكمل قراءة قصص ألف ليلة وليلة وَروايات جرجي زيدان، وقرأ دواوين المتنبي وَعنترة وَالشريف الرضي فِي هذه الحجرة الَّتِي لا يمكن التقليل من شأنها؛ لِمَا تحمله مَا بَيْنَ طياتها من جمالِ ذكرياتٍ تلزم الروح التعلق بسماءِ براءتها وَالدوران فِي فضاءاتِ عذوبة أيامها المنسوجة بخيوطِ الطيبةِ وَالبساطةِ وَالمحبة، إلى جانبِ أهميتها فِي تعريفِ الأجيال الحالية وَالقادمة بما توثقه لجانبٍ مِنْ معالمِ الحياة الَّتِي عاشها السواد الأعظم فِي بلادنا خلال مرحلة تاريخية اتسمت بالفاقةِ وَالجوع وَتشبث الأهالي بالصبرِ لمواجهةِ الصعوبات؛ لأجلِ المضي فِي ممارسةِ الحياة. وَلا نبتعد عَنْ الصَوَابِ إذا قُلْنَا إنَّ يحيى لم يفهم بفعلِ محدودية قدراته الذهنية حينئذ مَا كان ينكب عَلَى قراءته مِن الكتب آنفاً، لكنّ أباه كان لا يبخل عليه بشرحِ مَا يطلب. المذهلُ فِي الأمرِ أَنَّ السَمَاويَ يحيى بدأ تكوين أول مكتبة فِي الحجرةِ ذاتها بعد أنْ أصبحَ مصروفه اليومي عشرة فلوس، يدّخر منه مَا يكفيه لشراءِ كتاب مَا بَيْنَ أسبوع وَآخر آنذاك، وفِي هذه الغرفة تحديداً كتب أول خربشة عَلَى رصيفِ الشعر الممتد أفقياً وعمودياً فِي الآفاق، وَهو مَا يستدعي الانتباه إلى قدرته الباكرة، فِي نسجِ خيوط القصيد ببراعةٍ فنية وكأنه يضع الأساس لإنضاجِ موهبةٍ تمتع بِهَا فِي مجالِ القريض وَتابع طريقه الَّذِي ساهم فِي خروجِه بهذا المخاض الشعري المتميز، وَالَّذِي جعله رقماً صعباً وسط كبار الأدباء العرب؛ لذا يمكن القول إنَّ السَمَاويّ يحيى لَمْ ينلْ شهرته مِنْ فراغ، وَلا استحق مَا بلغه مِنْ إطراءِ الباحثين وإشادة النقاد والمتخصصين، فضلاً عَمَا حصل عليه مِنْ جوائزَ مهمةٍ عبثاً؛ لأَنَّه لم يبلغ مجده إلا بشقِ الأنفس المرضيّة، وَالَّتِي جعلت منه قامة ثقافية وَفكرية يُشَارُ إليه بالبَنَان، فالسَمَاويّ شاعرٌ كبير يحملُ أفكاراً عظيمة، إضافة إلى ارتكازِ مشروعه الأدبي عَلَى همومِ الإنسان وَتطلعاته، ولا أغالي فِي القولِ إنَّ مَا نظمه مِنَ القصيد يُعَدّ صرخة ضد أعداء الجمال وَالإنسان وَالحياة، فالشعر أصبح بالنسبةِ للسَمَاويّ النافذة اليتيمة الَّتِي يتنفس مِنها الأمل فِي الحياة، وَيُطِلُّ مِنْ خلالِها عَلَى عَالَمه :

 عمري كرمـل سـماوتي عَصَفَتْ

ريــحٌ بـهِ .. فَـتَـنـاثـرَ الـحَــشْــدُ

 ضُـمّي إلـيــكِ شـتاتَ قـافـلـتي ..

طــال الطريـقُ وأشْـبَـكَ الـقَـصْـدُ

 يا هـنـدُ واحـتالـتْ علــى مَطَـري

بِـيـدٌ إذا زُرِعَـــتْ فـلا حَـصْــدُ

 يـا هــنــــدُ أعــيـادي مُـحَـنَّـطَــةٌ

فَـصِـلي لـتـغـــــدو ظـبـيـةً تعـدو

 أنـا أمَّـةٌ فــــــي الـحـزنِ لا نَـفَـرٌ

أمّـا الـهـوى فـأنـا بـهِ : الـفَـرْدُ !

 بحــــــري بـلا جَـزْرٍ وأَخْـيـلـتي

كـالــبـحــــــرِ لـكـنْ : كـلُّهـا مَـدُّ

 إنْ تَصْدِقي وعداً فـقــــد ضَحِكتْ

شــمـسـي وَمَـــــدَّ بـســاطَـهُ الـودُّ

 لعلَّ خير مصداق عَلَى مَا تقدم هو كثرة رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه الَّتِي تناولت جوانب مهمة مِنْ تجربته الشعرية، وَعشرات الدراسات النقدية الَّتِي أكدت علو كعبه فِي التعامل بأسلوبٍ شعريٍّ أو نثري متميز مع مَا تباين مِن المواقفِ والوقائع، فضلاً عَنْ إيجابيةِ جملة الآراء الَّتِي قيلت بحقه مِنْ قبل باحثين وَمتخصصين فِي مجالِ الأدب. وَليس خافياً أنَّ تعذرَ الخوض فِي أغلبِ تلك الأنشطة الأكاديمية وَالفعاليات النقدية بمبحثٍ واحد مِنْ دراستنا الحالية، ألزم الباحث الركون إلى تناولِ بعضِها بشكلٍ مقتضب عَلَى مدارِ البحث. وَضمن هَذَا الإطار يشير الناقد العراقي جمعة عبد الله إلى منجزِ السَمَاوي قائلاً: ” فِي كُّلِ اطلالةِ ديوان أو مجموعةٍ شعرية أو نثرية جديدة, يؤكد السماوي حضوره المتألقَ فِي جماليةِ الأبداع الأصيل بِمَا يملك مِنْ خبرةٍ وَكفاءة وَغزارة فِي خزينِه اللغوي وَالمعرفي, إضافة إلى امتلاكِه صفة مميزة فِي أُسلوبيةِ الإبداع بشكلٍ فذ وَعملاق؛ إذ أنَّهُ يَطرقَ كُّلِ الاساليب وَالطرق المتجددة فِي الصياغةِ وَالتركيب وَالبناء المعماري, وَمِن البديهي أنَّ تلك المواصفات الفذة, أهلته لأنَّ يكونَ فِي قمةِ العطاء الشعري والنثري، فالسَمَاوي بارع فِي تركيبِ الصورة الفنية الَّتِي تحمل الدلالة وَالتعبير البليغ, فضلاً عَنْ اشاراتِها الرمزية مِنْ منصاتِ الواقع, وَالَّتِي تقوم عَلَى استلهامه مفردات الواقع, وَصياغتها مِنْ جديد فِي اطارٍ خلاقٍ متجدد, وَبرؤيةٍ فكريةٍ ناضجة فِي معارفِها المتنوعة ” :

 يـا هـنـــــدُ إنْ غَـرَّبْـتُ فالـوَجْـدُ

دامٍ .. وإنْ شَـرَّقْـتُ فـالــــــصَـدُّ

 أنـا جـثـةٌ تـمـشـي عـلـــــى قـدمٍ

 أمّـا الـثـيـابُ فـإنـهــــــا الـلـحْــدُ

 بـيـني وبـيـنـك ألـفُ مـانـــــــعةٍ

إنْ دُكَّ سَــدٌّ : قــــــامَ لـيْ سَـــدُّ

 فأنـــــا الخريفُ وأنتِ حقلُ منىً

يـلهـو بـــــــهِ الـلـبـلابُ والـرَّنْـدُ

 وأنـــــا الجفافُ وأنتِ نهـرُ نَدىً

وأنــــا الكفافُ وعـيشُـكِ الرَغْـدُ

 وأنـا الـنـحـيـبُ وأنـتِ أُغـنـيـةٌ

وأنـــا الكسـيحُ وَمَـشْـيُـكِ الوَخْـدُ

 الـدّمـعُ فــــي كـأسي يُـخـالـطُـهُ

طـيـنٌ ..وأنـــتِ بكأسِـكِ الشهْـدُ

فِي السياق ذاته يعبر الشاعر العراقي سعد علي مهدي عَن شاعريةِ السَمَاوي بقولِه: ” قرأتُ له كثيراً، فوجدت فِيه الكلمة المترفة، وَالمشاعر الصادقة، وَالحرف الرصين حتى أيقنت أنَّهُ شاعرٌ كبير ليسَ بحاجةٍ إلى شهادتي بعد أن دلّتْ عليه قصائدهُ الرائعة. وَمَا إن أتاح لي فرصة اللقاء به، ليهديني إحدى مجموعاته المبهرة حتى أيقنت أنني أمام رجلٍ ألغى المسافة بين الإنسان وَالشاعر ليختصرها فِي قلبه الكبير. ذلك هو يحيى السماوي شاعرٌ كبيرٌ بكلّ ما للكلمتين مِنْ معنى، وَلن أزيد عَلَى ذلك ” :

 أفـكـلـَّـمـا أدنـو إلـى شــجَـرٍ

تنأى القطوفُ ويقصرُ الزَّنْـدُ

 عَطَـشُ المـنافي شَـلَّ أوردتي

 فامْطِرْ… كفاكَ البرق يا رَعْدُ

 بعضُ الهـوى يا هـندُ عافـيـةٌ

لـلعـاشــقـيـنَ .. وبـعـضُـهُ وَأدُ

 بردانُ … ما لـلـنارِ تُـثْلِجُـني؟

أرأيـتِ نـاراً نَـشْـرُها الـبَـرْدُ؟

عجباً.. أتالي العـمر تصرعُني

رأدٌ ويُوهِـنُ صخـرتي رِئْـدُ ؟

 أَوَلَـسْـتُ قد أَغْـلَقْـتُ نافـذتي؟

أمْ قـد تـناسى عـهـدَهُ العـهـدُ؟

 نَـثَـرَتْ عليَّ بخورَ ضحكـتِها

فـإذا بحـنجـرةِ الهـوى تـشـدو

 فَـرَشَ الـفـؤادُ لـهـا مـنـازلَـهُ

فهيَ الملـيـكُ وأضلعي الجـنـدُ

 نَـسَـجَـتْ دمي ثوباً يُطَـرِّزُهُ

كَـفَـني  وَظَـنَّـتْ أنـه وَرْدُ!

 رَقَصَتْ حروفي وانتـشى طرباً

قـلـمي وسـاطَ مِـداديَ الـسّـعْـدُ

 يـا هـنـدُ هـلْ مَـسٌّ تَـلَـبَّـسَـني

لـمّـا طَرَقـتِ الجـفـنَ يـا هـنـدُ ؟

 مـا لـلـقِـلادةِ تَـسْـتَـفِـزُّ فـمي

فـيشـبُّ بين أضالعي الوَقْـدُ؟

 أَيَـغـارُ مـن عِـقـدٍ تَـوَهَّـمَـهُ

شَـفَةً فَجُـنَّ فمي فـلا رُشْـدُ؟

 عـندي لجـيدِكِ إنْ أردْتِ لهُ

حِـلـلاً حَـلالاً دونَـهـا الهِـنـْدُ :

 قُـبَـلٌ بـلا إثـمٍ تَـنَـظَّـمَـهــا

ثـغـرٌ بهِ مـن خـشـيـةٍ ردُّ

 زُهدي بجاهِ التِبْر حَـبَّبَ ليْ

طينَ الفـراتِ أنا امرؤٌ زَهْـدُ

لطيف عبد سالم

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com