قصة

الحاصد…

بيدر ميديا.."

الحاصد…

القاص والروائي / عبد الجبار الحمدي

لم يعد هناك ملاذ آمن، فآخر مرة وقف على باب منزلي جامع الضرائب يطالبني بالأقساط المتأخرة التي تراكمت علي بسبب الركود العالمي وإنحدار ما اروج له، فالابقار قد نفقت من عدم توفير العلف لها، بعت نصفها لاسدد الديون، والنصف الآخر جردوني إياه تحسبا لعدم قدرتي على العناية بها… لا اخفيكم في ليلة وضحاها أصبحت مشردا… كل ما املكه يتواجد في حقيبتي الصغيرة التي احملها على ظهري.. اقتات كالحيوانات السائبة متنقلا من حاوية الى أخرى حتى أستقر بي الحال الى مكان نائ لا جلبة فيه، ولكن حين تكون يؤمه عدد قليل من محبي صيد السمك… كنت قد اتخذت مسكني وفراشي أرض مبسطة بعض الشيء تحت شجرة تيبست اوراقها، يبدو انها هي أيضا قد طالها محصل الضرائب فبقت خالية من كل شيء إلا الاغصان المتيبسة رغم أنها تقطن على جرف نهر جار… لكن لابد أن هناك يد قد إمتدت لقطع وصول الماء إليها فبقيت تشكل رمزا  للسلطة الجائرة في حق طبيعة الحياة… كنت قد استحوذت على قصبة مهملة في مكان ما فأتخذتها عصا صيد لي، خاصة أني امتلك خيط صيد للسمك بال وصنارة صدئة.. جلست بعد ان شددت ألزمها في رأس تلك القصبة، ثم حفرت بالقرب من جرف النهر، استخرجت بعض من الديدان ألقمتها كلها رأس الصنارة علي أغري سمكة طائشة فتلتهم الديدان هي وانا ألتهم من تقع ضحية طمعها… لا أريد التشبيه بينها وبين مؤسسات الدولة التي تعمل و موظفيها على مص دماء المواطن بحجة فرض القوانين و إلزامه بدفع رسوم البقاء حيا في ارض كان للخالق يد في صناعتها… لم اتوقع وانا مسجى انتظر ان يهتز قلقا خيط صنارتي ومن بعده اهنز أنا فرحا بما اصطادته الصنارة… جاء صوته معنفا لي..

– يا لِلؤمك… أنت هنا و أنا ابحث عنك منذ اسبوع أو اكثر؟

– هذا انت!!؟ ماذا تريد مني وقد أخذتم كل شيء، فحالي كما ترى مشرد لا امتلك فلسا واحدا كي أعين جوع بطني التي لم تذق الطعام النظيف منذ ان تعودت بقايا نافقة لأطعمة من نفيات الحاويات….

– هذا لا يهمني إنك مطالب بمبلغ كبيرعليك تسديده لمديرية الضرائب و إلا سيكون مصيرك السجن.

– مرحى لك والى السجن هيا ارجوك افعلها ضعني هناك كي اشعر أني اعيش تحت سقف و جدران و ارض يمكنني ان انام عليها وأسفل مني فراش يوقف صرصرة اضلعي حين اتقلب على ارض جرداء يابسة…

– أها.. اراك تفتعل ما انت فيه كي تهرب الى السجن، كأن السجن مؤسسة للمشردين امثالك، فأنت ومن على شاكلتك لا تستحقون الحياة حتى في مجاري المدينة التي تسكنها الجرذان، كن واثقا لا اعطيك هذا الامل و اعني ان تسجن فلست غبيا لاضعك في مكان تعمل الدولة على دفع الضرائب الكثيرة من أجل ان تؤهلك لتكون مواطن صالح… إبقى طالحا أجدى وأوفر، فلابد ستموت ويلقى بك في أقرب مزبلة تنهش بك الكلاب لفترة ما وتفارق الحياة كما يفترض لك… خذ هاك هذه القسيمة لتعرف كم المتبقي عليك من الضريبة…

– تمهل ألا ترى أو تعي ما أقول!!؟.. إني غير قادر على دفع ما تطلبونه مني فليس لي حتى راتب رعاية كما بقية العاطلين عن العمل، حاولت لكن الموظفين شاكلتك لم يمكنونني!! إنهم يريدون الرشى وأنا لا امتلك نقير شيء.. ها أنا ترى ما أنا فيه وصدق حين اقول إنها المرة الأولى التي اتواجد فيها في هذا المكان، ظننته سيبعدني عن بقية الناس وعن رؤية وجهك البارد، عندها تذكرت اني امتلك خيط وصنارة فحاولت ان اصطاد لي بعض الطعام من السمك إن شاء الحظ لي…

– هذا يعني انك يمكنك ان تصطاد وتبيع ما تصطاده للناس، و هذا لعله يساعد في جمع ما عليك لتسديد مبلغ الضريبة التي عليك..

– يا إلهي كم انت مجنون فعلا!!؟؟ أقول لك لا أمتلك اي فلس لأقتات لنفسي الطعام فجئت محاولا المستحيل لعلي اصطاد شيئا يجعلني آكله لأشعر بأني انسان و لست حيوان..

– هذا شأنك..دعني ادون ملاحظة اني رأيتك تصطاد وربما هذا سببا يرفع عنك ابطاء إلقائك في السجن الذي لا أريده فرصة لهروبك، و ربما يدفع بك الصيد لأن تعمل جاهدا في تسديد ما تبقى عليك من ضريبة مستحقة للدولة..

– ألا تفهم يا هذا أقول… لا امتلك شيئا فحتى هذه القصبة لا امتلكها لقد استحوذت عليها من تلك الأجمة هناك فقمت على تشذيبها حتى تكون كأداة صيد تعينني على صيد ما يبقيني حيا…

– الدولة هي من تبقيك حيا… ولولاها لكنت الآن في خبر كان، كما من الجيد انك ذكرت القصبة فحسب علمي تلك الأرض التي سلبت القصبة من أجمتها تابعة لمؤسسة الضريبة أي انك قمت بالإستيلاء على ما ليس هو حقك.. وهذا يضاف الى دفتر الملاحظات الذي اكتب فيه كل ما تقوم به و تفعلة وما تمتلكة… يبدو ان التشرد صنع منك لصا محترفا تحاول ان ترد الصاع الى مؤسسة الضريبة و تعمل على سرق ممتلكاتها التي جمعتها بإستحقاقها القانوني..

– أقسم يا هذا إن لم تذهب عني سأعمد الى دفنك تحت هذه الشجرة الميتة و اخفيك الى الابد ليرتاح الناس منك ومن مؤسستك الضريبية الحقيرة الناهبة لقوت واستحقاقات البشر… إذهب قبل ان اغرقك في هذا اليم..

– أتراك تفعلها يا متشرد… تحاول ان تهددني بالقتل وأنا اقوم بأداء واجبي الوظيفي للدولة… سأبلغ عن هذه الحادثة… لا.. لا أبلغ عنها فبذلك تنال مرادك وتدخل السجن ترتاح انت و انا اتعب و مؤسسة دائرة الضرائب تخسر ما عليك لها، بذلك تقوم بدفع اموال لتأهيلك… لن اعطيك الفرصة، لكني سأمنحك فرصة ثانية كي تسدد ما عليك، سأعود بعد شهرين كي أجني بقية المال المتبقي عليك لعلك تعلم أن مزرعتك و البقر فيها والمنزل والسيارة وحتى الإيداعات التي بأسمك أو أسم زوجتك وحتى التأمين الصحي و الإجتماعي قد وضعت المؤسسة يدها عليها لتسديد الضرائب المتراكمة عليك… هيا عش حياتك في هذا العالم واعتبر القصبة التي استحوذت عليها هي بمثابة مساعدة مقدمة من المؤسسة تعينك على جني قوت يومك على أن تسدد قيمتها مع الايام القادمة.. سأقيم ثمنها وأضيف الرسوم المترتبة على استعمالها,,, الى اللقاء

هذا كان آخر عهد له معي… بعدها لم أره أبدا.. لكني بقيت اصطاد في مكان آخر بنفس القصبة ذات الطالع الحسن علي.

 

القاص والكاتب

عبد الجبار الحمدي

  

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com