ثقافة

نتاجات يون فوسه: صلوات تعبر عما لا يمكن البوح به

بيدر ميديا.."

نتاجات يون فوسه: صلوات تعبر عما لا يمكن البوح به

جودت هوشيار

 

يعد يون فوسه (اسمه الكامل يون أولاف فوسه) كنزا وطنيا في النرويج. تدفع له الحكومة راتبا مدى الحياة، ويعيش في «بيت الشرف» جوار القصر الملكي في أوسلو.
الجميع هنأوا الكاتب بحصوله على جائزة نوبل في الآداب لعام 2023: الملك ورئيس الوزراء وزملاؤه الأدباء والفنانون المسرحيون وأفراد العائلة. ثمة إجماع ليس في النرويج فقط، بل في العالم الغربي عموماً، إن الجائزة مستحقة عن جدارة. أما في العالم العربي، فقد أثار فوزه بالجائزة تعليقات كثيرة.. القسم الأكبر منها لأشخاص لم يقرؤوا أعماله، بل حتى لم يسمعوا باسمه قبل فوزه بالجائزة، ومع ذلك سمحوا لأنفسهم بالتقليل من شأنه وشأن أعماله، ويتساءلون هل يستحق فوسّه الجائزة فعلا؟
قبل فوسه، حصل ثلاثة مؤلفين نرويجيين على جائزة نوبل في الأدب منذ إنشائها عام 1901: بيورنشتيرن بيورنسون (1903) كنوت هامسون (1920) وسيغريد أوندست (1928). وبذلك يكون قد مر 95 سنة منذ منح الجائزة لآخر مرة لأديب من النرويج.
فاز فوسه – البالغ من العمر 64 عاما – بالجائزة عن مجمل أعماله، التي تشمل مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأعمال الأدبية: 37 مسرحية، و18 رواية، والعديد من الدواوين الشعرية، وكتب الأطفال، والترجمات.
في السنوات الأخيرة لم تعد السياسة تلعب دوراً في منح جائزة نوبل في الآداب، وهذا يعيد جائزة الآداب إلى هدفها الرئيسي، وهو تسليط الضوء على الظواهر الأدبية الجديدة وإضفاء الشرعية عليها، إن صح التعبير. كان هذا هو الحال مع الأدب غير الخيالي، عندما منحت الجائزة لسفيتلانا أليكسيفيتش، كان الأمر نفسه مع الشعر الغنائي، عندما فاز بوب ديلان بالجائزة، وحدث هذا مع الأدب الخيالي عندما مُنحت جائزة نوبل العام الماضي لآني إرنو، التي كافحت طوال حياتها من أجل الحرية والمساواة والحق في اتخاذ القرارات الشخصية، بما في ذلك الحق في الإجهاض.
وفي حالة يون فوسه، تعيد لجنة نوبل المسرح إلى الأضواء، كوسيلة عالمية للحديث عن القضايا الرئيسية: الحب والرحمة، الخير والشر، الذاكرة، الخيانة، العاطفة والموت. منحت لجنة نوبل الجائزة لفوسّه من أجل «مسرحياته المبتكرة وأعماله النثرية التي تعبر عما لا يمكن البوح به. وذكرت اللجنة أن فوسه يعد من مؤلفي المسرحيات الأكثر عرضا في العالم، التي تتناول هذه الموضوعات تحديداً، وتتسم بشكل شفاف وخفيف ولغة بسيطة للغاية، ما يجعلها عالمية وتقربها من مسرحيات أنطون تشيخوف. وفقا لرئيس لجنة نوبل للآداب أندرس أولسون:» تشمل أعمال فوسه الضخمة، المكتوبة باللغة النرويجية الجديدة عدة أجناس أدبية، ويجمع بين جذور لغة وطبيعة وطنه النرويجي مع التقنيات الفنية للحداثة، كما لاحظت لجنة نوبل أسلوب المؤلف الخاص في الكتابة، والمعروف باسم «مينيماليزم فوسه».

اتسم رد فعل فوسه على فوزه بالجائزة بالهدوء الإسكندنافي، وفي تصريح للقناة النرويجية العامة قال الكاتب: إن هذا الفوز كان متوقعاً، وفي الوقت نفسه مفاجئاً له. وأضاف: «على مدى السنوات العشر الماضية، كان المراهنون يناقشون ترشيحي بجدية، لذا فقد حان الوقت للتعود على هذا الاحتمال». حين تلقى فوسه مكالمة من لجنة جائزة نوبل تخبره أنه فاز بالجائزة، كان يقود سيارته في طريقه إلى المضايق النرويجية، وتمنى أمين الأكاديمية السويدية، ماتس مالم، للفائز الجديد رحلة آمنة.
تتميز مسرحيات وروايات فوسه حقا بأسلوب بسيط فريد وإيقاع خاص وغياب علامات الترقيم التقليدية. يمكنك فتح أي من نصوصه في أي مكان. وبعد بضع صفحات ستقول بالتأكيد أنه فوسه، لا يمكن لأي شخص آخر أن يكتبها على هذا النحو. يبدو أنه يكتب أولا ثم يشطب كل شيء تقريبا من الجملة، تاركا بضع كلمات رئيسية فقط. وإذا افترضنا أن مهمة جائزة نوبل هي التفكير بشكل محدد في الأدب، فإن يون فوسه هو الفائز المثالي بجائزة نوبل. إنه حقا لا يشبه أي شخص آخر. أصبح كاثوليكياً في النرويج البروتستانتية، وترجم الكتاب المقدس إلى النرويجية، وطوّر أسلوبه الخاص في الكتابة. وعندما تقرأ رواياته، تشعر وكأنك تدخل معبدا.
وعلى عكس الفائزين النرويجيين الثلاثة السابقين بجائزة نوبل في الآداب، يكتب فوسه بلغة النينورسك، أو النرويجية الجديدة، المكونة من لهجات مختلفة، وتعد لغة أقلية في النرويج. إن حقيقة الكتابة باللغة النينورسكية هي إلى حد ما، عمل سياسي، لأنها ليست لغة التحدث في المنزل، ولا أحد ينشأ عليها، إنها لغة المسرح والتلفزيون. وبالنسبة للنرويجيين، من المهم بشكل خاص أن تُمنح جائزة نوبل لكاتب يكتب بهذه اللغة. إن إحدى الخصائص المهمة للغة النينورسك هي بنيتها. توفر هذه اللغة فرصا معينة للإبداع. يقول فوسه نفسه: «إن المسرحية متأصلة في اللغة النرويجية الجديدة». كما كتب الكثير من المقالات حول المسرح، أكد فيها أهمية ما يسمى بالخطاب الصامت – دور الصمت والتوقف المؤقت في المسرح. يمكنك أن تفهم ما يعنيه سحر المسرح بالنسبة إليه، الذي يوحد الجميع – الممثلين والجمهور على حد سواء – في تجربة جمالية وأخلاقية، من خلال قراءة مجموعة مسرحياته «عندما يسير ملاك عبر المسرح». يسعى يون فوسه، سواء في نصوصه المسرحية أو الروائية إلى العالمية، وبهذا المعنى فهو ليس نرويجياً فحسب، بل هو كاتب عالمي. الأمكنة التي تجري فيها أحداث أعماله الأدبية متنوعة، والشخصيات غالبا ما تكون فقط، هو، وهي، رجل، وامرأة. على سبيل المثال، تُعرض الآن على مسرح «لينسوفيت» في بطرسبورغ مسرحية فوسه «حلم الخريف» التي تظهر علاقة رجل بثلاث نساء في حياته: الحبيبة والزوجة السابقة والأم.

مسرحيات مبتكرة

نشر فوسه مسرحيته الأولى بعنوان «ولن نفترق أبداً» التي أخرجها المخرج الفرنسي كلود ريجيس عام 1994. أطلقت صحيفة «لوموند» على الكاتب المسرحي النرويجي لقب «بيكيت القرن الحادي والعشرين». وفي عام 1999، اكتسب فوسه شهرة في أوروبا عندما عُرضت مسرحيته «شخص ما سيأتي» لأول مرة في باريس. بدأ كتابة المسرحيات في سن الثلاثين تقريبا. وعُرضت مسرحياته في أكثر من ألف مسرح حول العالم. وفي عام 2007 منحته مجلة «ديلي تلغراف» البريطانية لقب «العبقري الحي».. يصف النقاد فوسه بأنه أكثر الكتّاب شهرة وإنتاجاً بين الكتّاب المسرحيين الأحياء. من حيث عدد المسرحيات، التي قدمها، فهو الثاني في العالم بعد مواطنه هنريك إبسن. في الوقت نفسه، يعتبر الكاتب نفسه في المقام الأول كاتبا سردياً وقال: ««أعتبر جائزة نوبل بمثابة جائزة للأدب الذي يسعى أولاً وقبل كل شيء إلى أن يكون أدباً، دون أي اعتبارات أخرى».

يون فوسه روائياً

الأدب هو حقا الشيء الرئيسي في حياة وإبداع فوسه. وهو يكتب بطريقة مميزة وفريدة من نوعها، ويركز في كثير من الأحيان على الحياة الداخلية لشخصيات منعزلة إلى حد ما. كتب فوسه روايته الأولى «الأحمر والأسود» (1983) والثانية «الغيتار المغلق» (1985) بأسلوب تيار الوعي. على سبيل المثال، يصور الكتاب الثاني يوما واحدا في حياة أم شابة، أغلقت عن طريق الخطأ باب الشقة، حيث يوجد طفلها البالغ من العمر عاما واحداً. وهي غير قادرة على الدخول إليها. وتذهب للتجوال بلا هدف في أنحاء المدينة. الرواية بأكملها مبنية على الأفكار المذعورة والكئيبة لامرأة شابة. وهي أفكار تدور في متاهة، بحيث يبدو في النهاية كما لو أن البطلة أصيبت بالجنون، ما يربك القارئ. يثير التفكير على هذا النحو شعورا بالعجز وانعدام الإرادة والتوتر النفسي، وهو أمر نموذجي جدا لأعمال فوسه، وهو يقول إن التجوال بلا هدف وغير الواعي في أنحاء المدينة هو بحث عن أسس الوجود التي تنهار باستمرار وتهرب من الإنسان. نهاية الرواية غير محددة. وهذه إحدى سمات أعمال فوسه السردية. في وقت متأخر من المساء، تعود الأم إلى الشقة، ولا تزال لا تعرف كيف ستدخل إليها أو ما إذا كانت ستدخل على الإطلاق. كما أن الشعور بالارتباك ينشأ من التكرار اللامتناهي للكلمات والجمل التي تميز أفكار الشخص العادي.
«كآبة» (1995) رواية شهيرة أخرى ليون فوسه، كتبت بأسلوب تيار الوعي أيضاً عن حياة الفنان لارس هيرترويج، الذي عاش في القرن التاسع عشر، وعانى من مرض عقلي مدمر وتوفى في فقر وبؤس عام 1902. في الجزء الأول من الرواية، يستكشف يون فوسه أحداث يوم واحد في حياة فنان شاب، أصيب من جرائها بالفصام: يشك هيرترويج في موهبته، فهو يقع في حب فتاة صغيرة من جانب واحد، ويتم طرده من شقته. ويصف الجزء الثاني حبس الفنان في مستشفى للأمراض العقلية. في الجزء الثالث ينظر فوسه إلى هيرترويج من خلال عيون كاتب في أواخر القرن العشرين. إن السرد بأسلوب «تيار الوعي» يدعو القراء إلى «النظر بعمق في عقل بطل الرواية العصابي والمضطرب بشدة.

يشتهر فوسه بمحاولة توسعة حدود الأدب، وليس هناك أسلوب فريد في كتاباته أكثر براعة من سباعيته «سيبتولوجي» التي تتكون من سبعة أجزاء في ثلاثة مجلدات – «أنا ـ مختلف» و»اسم آخر» و»اسم جديد»- تحكي السباعية قصة أسلي، وهو فنان نرويجي مسن وأرمل، ومدمن على شرب الكحول، يعيش بمفرده على الساحل الجنوبي الغربي للنرويج، هناك في مدينة بيورغين يعيش أسلي آخر، وهو أيضاً فنان، لكنه وحيد ومثل قرينه مدمن على الكحول، وكلاهما كافح ضد الإدمان طوال حياتهما.

«ثلاثية» نقطة تحول في إبداع فوسه

بعد عام 2015، توقف يون فوسه عن كتابة المسرحيات، وركز بشكل رئيسي على الأعمال السردية، وأدلى ببيان مفاده أنه انتهى من المسرح وتفرغ لكتابة الرواية. أصدر أولاً، «ثلاثية» تعتبر من أهم أعماله، وتتكون من ثلاث روايات قصيرة مترابطة، «اليقظة» «أحلام أولاف» و»التعب». تبدأ الرواية الأولى بمغادرة الفتى أسلي والفتاة أليدا البالغين من العمر سبعة عشر عاما مسقط رأسيهما للتوجه إلى مدينة بيرغن. أليدا حامل في الأيام الأخيرة من الحمل، لكن الزوجين يواجهان صعوبة في العثور على مكان للإقامة. لا أحد يريد أن يستقبلهما. هناك بعض الغموض المحيط بظروف رحيل أسلي وأليدا من بلدة ديلجيا، وكيفية فرض نفسيهما على امرأة في بيرغن. إذا لم يكونا هاربين تماما، فسيبدو على الأقل أن لديهما أشياء من الأفضل تركها وراءهما. تنتهي رواية «اليقظة» بمشهد بهيج – ولادة ابنهما، إلا أن الماضي يظل في أعقابهما بإصرار. في «أحلام أولاف» يتم سرد القصة من وجهة نظر آسلي، الذي تم بالفعل القبض عليه وإدانته وإعدامه: وكل هذا نوع من ذكريات الحياة الآخرة، تشبه الكابوس. وتتناول رواية «التعب» مصير أليدا الأرملة الشابة. أول ما يجذبك في هذا النص هو إيقاعه. ثم تقرأه، وبالتدريج، صفحة بعد صفحة، تبدأ في الشعور بموسيقى النص. تنتابك رغبة في قراءته بصوت عالٍ لسماع هذا الإيقاع. ويتحقق هذا التأثير بسبب حقيقة أن يون فوسه يجمع في النص تقنيات الكاتب والشاعر والكاتب المسرحي.
نص «الثلاثية» مختزل للغاية: فقط الشخصيات الرئيسية وأفراد أسرهم لديهم أسماء، ويتم تحديد الشخصيات الثانوية على نحو مشروط- هو، هي، المرأة العجوز، الجلاد، العذراء؛ يتم استبدال السرد بمونولوجات طويلة، ممزوجة بالتدفق العام لسيل الكلمات ما عدا الفاصلة (،) التي غالبا ما يتم استخدامها فقط كعلامة ترقيم. لكن هذا لا يعقد عملية القراءة، بل يحولها إلى تأمل، ما يسمح للقارئ بالتركيز فقط على الشيء الرئيسي. وهذا الشيء ليس الزمان أو المكان، بل الإنسان ومصيره: مسألة ما إذا كان قادرا على تغيير شيء ما في حياته، أو ما إذا كان كل شيء قد تقرر بالفعل بالنسبة إليه. يقوم الأبطال بهذه المحاولة في البداية. لكن هل ستكون ناجحة؟

سباعية «سيبتولوجي»

يشتهر فوسه بمحاولة توسعة حدود الأدب، وليس هناك أسلوب فريد في كتاباته أكثر براعة من سباعيته «سيبتولوجي» التي تتكون من سبعة أجزاء في ثلاثة مجلدات – «أنا ـ مختلف» و»اسم آخر» و»اسم جديد»- تحكي السباعية قصة أسلي، وهو فنان نرويجي مسن وأرمل، ومدمن على شرب الكحول، يعيش بمفرده على الساحل الجنوبي الغربي للنرويج، هناك في مدينة بيورغين يعيش أسلي آخر، وهو أيضاً فنان، لكنه وحيد ومثل قرينه مدمن على الكحول، وكلاهما كافح ضد الإدمان طوال حياتهما. لكن أسلي الأول، الذي يسرد القصة طوال الأجزاء السبعة كان قادرا على التخلص من إدمانه وكسب لقمة العيش. هما شبيهان – نسختان من الشخص نفسه، وكذلك حياتهما. كلاهما يواجه أسئلة وجودية حول الموت والحب والنور والظل والإيمان واليأس. كتاب يون فوسه «سيبتولوجي» استكشاف بارع للحالة الإنسانية وتجربة قراءة مختلفة تماماً.
على مدى حوالي 800 صفحة يتأمل أسلي حياته وهو يسافر ذهابا وإيابا بين مدينة بيورجفين ومنزله في ديلجا. يقوم أحيانا بزيارة بيورجفين على أمل زيارة أسلي الآخر، ومساعدته في الدخول إلى مركز إعادة التأهيل. وفي مناسبات أخرى، يسافر إلى بيورجفين لتسليم لوحاته إلى قاعة فنون محلية لمعرض مقبل. خلال هذه الرحلات، يتذكر أسلي رحلة حياته ليصبح فنانا ناجحا، لكن قصته غالبا ما تتشابك مع قصة الفنان الذي يحمل الاسم نفسه، لدرجة أنه يصبح في بعض الأحيان من المستحيل تقريبا التمييز بين الرجلين. هذا الارتباك هو هدف فوسه، حيث تحاول السباعية استكشاف موضوعات الهوية والفردية والحب والفن والدين من خلال عدسة التشابه.

الفن والصلاة هنا هما الشيء نفسه، والحياة ليست أكثر من كل هذه العناصر مجتمعة. «الإنسان هو صلاة متواصلة» يقول أسلي، وهي صلاة يتلوها فوسه ببلاغة في نصه الساحر.

لا يوجد الكثير من الشخصيات في السباعية، لكن يبدو أن جميع الشخصيات التي تظهر فيها هي متشابهة بطريقة ما، هناك ازدواجية واضحة بين أسلي، والشخص الآخر الذي يحمل الاسم ذاته. لكن الشخصيات الأخرى، مثل عشيقة أسلي الغامضة، غورو، وجاره أوسليك، وزوجته المتوفاة ألسي، تبدو وكأنها تشغل أجسادا متعددة، وغالبا ما تكون لها أسماء متشابهة أو متطابقة. قد يكون الأمر مربكا في بعض الأحيان، خاصة إذا كان القارئ يأمل في سرد واضح، لكن غموض فوسه يُظهر كيف تكرر الحياة نفسها. في عالم فوسه. لا يوجد أحد فريد حقا في صراعاته أو ظروفه، لكن روحه هي ما تجعله فريدا. يقول أسلي «أعتقد أنني، ما أنا بداخلي، الذي لا يمكن أن يموت أبدا، لأنه لم يولد قط» ما يخلق تمييزا صارخا بين جسده وروحه التي تبدو دائما وكأنها في طور التحول.
يتم استكشاف العديد من الموضوعات في السباعية، لكن ربما تكون أكثرها إثارة للمشاعر تلك التي تأتي في شكل دين وفن. التحق كل من أسلي وشبيهه بمدرسة الفنون النرويجية المرموقة نفسها. لكن واحدا منهما فقط أصبح رساما ناجحا، يحظى عمله بإشادة كبيرة في المجتمع الفني، ويتأمل أسلي باستمرار علاقته بلوحات، يتحدث عن الرسم وكأنه «صورته الأعمق» – وهو مفهوم يبدو أقرب إلى روح الإنسان. في محاولة للتصالح مع صدمات حياته. يصلي، ويتأمل علاقته بالله، وغالبا ما يشعر القارئ بأن لوحات الله وأسلي كأنها تحتل المساحة المقدسة نفسها. يقول: «أريد أن لا تفعل لوحاتي شيئا أقل من خدمة ملكوت الله.
عندما نقرأ الرواية بصوت عالٍ، تبدو وكأنها صلاة، وينطوي على نفسه، بينما يتنقل أسلي من خلال مشاعره بين الإيمان والانتماء والحب. في النهاية، يصبح من الواضح تماما أن أعظم اللوحات التي رسمها أسلي ومن يحمل الاسم نفسه ليست عملهما الجسدي، بل قصص حياتهما.. الفن والصلاة هنا هما الشيء نفسه، والحياة ليست أكثر من كل هذه العناصر مجتمعة. «الإنسان هو صلاة متواصلة» يقول أسلي، وهي صلاة يتلوها فوسه ببلاغة في نصه الساحر.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com