ثقافة

على تخوم حكاية مارقة.

بيدر ..

على تخوم حكاية مارقة
لبنى ياسين
ستقرعك الحكاية!!
هذا ما قالته أمي دون أن تبتسم، فقط رفعت حاجبيها عالياً كعادتها حين لا تعلن الدهشة بالكلمات، أو حين تستنكر شيئاً دون صوت.
أمي شهرزاد التي لم تكمل حكاية قط.
أمي التي تكتفي برمينا بأسماء أبطال وهميين لقصص لا نفلح في إقناعها بسردها لنا ولو في عجالة واختصار.
ستقرعني الحكاية…
ألأنني استعرت اسم شهرزاد؟
ألأنني عبثت بمصائر الأبطال، وغيرت النهايات كما راق لي؟
لا ليس كما راق لي في الحقيقة، كما راق لواقع قاتم يتحدى الألوان العابثة في حكايا شهرزاد، ويرسم العتمة في دهاليزها المضيئة بألف لون، ويتغلب كل مرة على تلك الألوان الزاهية فيفرض ظلامه.
لتقرعني الحكاية فلي من الحجج ما يكفي لأجعلها تقف مشدوهة، بل ولتعتذر مني أيضاً.
فالنهايات المفرحة لم تعد مقنعة كما ينبغي للقارئ المتعب المندس بخيبة نهاره وأرق ليله.
والخير لا ينتصر دوماً وإلا لما مات أحدهم كمداً، ولا وصلت دعوة المظلوم إلى السماء.
الوجع صار سمة لكل الملامح المكفهرة المتصلبة خلف نوافذ اليأس.
أي حكاية يمكنها أن تمنحنا بعض السلام ، لنكمل حديثاً ضاحكاً عن عبثنا الطفولي يوم أن كنا صغاراً؟1
لكن مهلاً..هل كنا صغاراً يوماً؟
هل مررنا فعلاً بطفولة ما..غير طفولة أفكارنا وسذاجة أحلامنا؟
ستقرعني الحكاية ولن أسكت عنها..سأحاسبها عن كل خدعة مررتها إلى عقلي يوم أن كان ساذجاً، الورود لا تنبت وحدها، وأمير الجن لا يعشق القبيحة فيراها أجمل من الجميلة، والسندباد لا ينتصر على الغول والعنقاء، والحكيم رويان لا ينتقم لقتله غدراً..
إنها ألاعيب شهرزاد، فيما كانت تجمل لنا الحياة، أو ربما تخدع شهريار ليخاف من عاقبة أفعاله، نسيت أننا جميعاً كنا نصغي، بقلوب متفتحة، نسيت أننا سجلنا كل حكاياها كما لو كانت اعترافات صاخبة نريد أن ندينها بها من فمها، فبالغت من الانتصار لياسمينة، وللمرأة القبيحة، وللرجل الضعيف، وللزوجة المسكينة..وكنا نصغي..ونسجّل..ونصدّق كل حكاياتها بسذاجة طفولتنا آنذاك.
ولما كبرنا كانت تلك الحكايات قد ترسخت عميقاً في رؤوسنا، فاستكنا إليها بدِعَةٍ غير منطقية، ننتظر- ودون أن نفعل شيئاً- أن ينتصر السندباد على الغول، وأن يقتل علي بابا الأربعين حرامي، وفيما كنا ننتظر دون أن نفتح عيوننا جيداً خشية من حكاية مارقة تقلب “عاليها واطيها”، كان الغول قد تزوج أجمل الأميرات وخلف غيلاناً وغولات، وأصبح الأربعون حرامي أربعين ألفاً واستحال على علي بابا أن ينتصر عليهم..ففقدنا الحكاية وفقدنا الواقع وبتنا نتخبط في خيباتنا دون هوادة.
لا تصدقوا شهرزاد فقد أطعمتنا الخرافة، وجعلتنا أغبياء.
لا تصدقوا الحكاية فالخير لا ينتصر ما لم يكن قوياً بما فيه الكفاية ومستعداً لمواجهة الشر.
لا تصدقوا ما تراه عيونكم، فالمؤامرات تطبخ تحت الطاولة ووراء الكواليس، ولا يراها إلا طباخها، لكنهم يخبروننا فقط بما يريدوننا أن نصدقه، أوربما بما يريدوننا أن نعرفه عندما يعلنون شيئاً بسيطاً من الحقيقة المخبأة تحت جلابيبهم وسراويلهم وقبعاتهم..
إنهم يخدعوننا سادتي الكرام، كما فعلت الحكاية دوماً، قلا تصدقوا كل ما ترونه، ولا تؤمنوا بكل ما تسمعونه، بل دعوا لكم “فلتراً” يمر من خلاله ما تجدون من الأدلة ما يكفي لتمنحونه مكاناً في عقولكم وقلوبكم.
كفاهم عبثاً بنا وبأفكارنا..
وكفى بالحكاية أوهاماً لا تصدق ترسمها بيسر على أروقة عقولنا لنتلوها كل يوم في مسامع بعضنا، ونركن إلى واقع يعود بنا كل يوم ألف فرسخ نحو الخلف..ليته يبقى متوقفاً في مكانه..على الأقل..كنا حيث نحن..لا في الخلف، حيث لا أحد إلا الأغبياء والسذج..والمنصتين بدعة إلى الحكايا.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com