منوعات

بين العم «بيدو نويل» موزع الهدايا في غزة والطبيب العماني أرض وسماء!

بيدر ميديا.."

بين العم «بيدو نويل» موزع الهدايا في غزة والطبيب العماني أرض وسماء!

مريم مشتاوي

 

أكياس سوداء هطلت من السماء نحو الشاطئ وفوق أمواج البحر، فيها طحين ورز ومعلبات وأشياء أخرى كثيرة، قيل إنها مساعدات أمريكيّة -أردنيّة. نعم أمريكيّة، ولا داعي للتعجب، فـ»العم بيدو» قلبه أبيض وكبير ودافئ، بل هو «الأكثر طيبة» على الإطلاق. هكذا بعد عودته من رحلة الاستجمام في «المكسيك المصرية»، وبعد شرب كأس أو كأسين من «شَرْبات التكيلة»، ما عاد يذكر أنه أرسل بواخره الحربيّة المدججة لمساعدة المحتل في قصف أطفال غزة وتمزيق أجسادهم الغضة. ما عاد يذكر أنه متواطئ من رأسه حتى أخمص قدميه مع الجيش «الأكثر أخلاقية» في العالم!؟
لقد نسي وعود الغرام، التي تربطه بمعشوقه «بيبي المسعور»، وأصيب فجأة بـ«داء المحبة» و«انفلوانزا الإنسانية النادرة»! هكذا وقف العم بيدو «العظيم» أثناء استضافته لرئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، في واشنطن ليعلن أن المساعدات التي تصل إلى غزة ليست كافية على الإطلاق. كادت الدموع أن تهوي من عينيه، وهو يؤكد لنا أن حياة الأبرياء والأطفال في خطر. يا له من استنتاج عبقري! وأكدّ أنه لن يقف مكتوف الأيدي حتى يحصل على المزيد من المساعدات، وليس وقف القاتل. وهو لن يتوقف حتى يطعم كل الأطفال الجياع في غزة!
العم بيدو أخيراً علم أن أطفال غزة في خطر كبير ومجاعة، وقرر أن يستحيل «سبايدرمان» ويقطع المحيطات والبحار لإطعام هؤلاء الأطفال الذين ساهم في تصفيتهم بنفسه وبلاده!
ما أجمل العم بيدو! في كل مرة يستفيق من نومه تستفيق داخله شخصيات كرتونية مختلفة. مرة يتكلم بلسان «شرشبيل» ومرة يفتح فمه مثل الذئب، الذي التهم ليلى، ولكنه لا يأكل سوى الأيس كريم، ثم يهوي على الأرض. ومؤخراً نبتت له لحية وطالت حتى أصبح يُعرف بـ»العم بيدو نويل» نويل، موزع الهدايا من السماء. و»لله في خلقه شؤون»!
هكذا أرسل مساعدات لأطفال غزة، رغم اغتياظ «بيبي المسعور» وانزعاجه الشديد، الذي قد يؤدي لتأزم أكبر في العلاقات بين الحبيبين. منذ أيام ضاع بيدو من جديد، ونسي أين أسقط المساعدات. لقد أشار مرتين بالخطأ إلى إسقاط الإمدادات الجوية لمساعدة «أوكرانيا»، مما دفع مسؤولي البيت الأبيض إلى توضيح أنه في الواقع كان يتحدث عن غزة!

هوليوود في مشهد واحد

كيف نصف إسقاط المساعدات؟ إنه مشهد يصف مآسي الناس في غزة وأوجاعهم وفقدهم وأحاسيسهم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. هو يكشف انحطاط الغرب وازدواجية المعايير وتآمر أمريكا وأوروبا وتخاذل العرب المبكي أمام شلال الدماء الغزاوي المتدفق وجعا.
مشهد وصفه الكثيرون بأنه هوليووديّ بامتياز. أطفال يركضون على الشاطئ حفاة وبعضهم مستنزف بجروحه لالتقاط أكياس تتحقق بها كل أحلامهم الغالية جداً. أحلام يمكن اختصارها برغيف خبز، وفطيرة، وربما طبق أرز! هل هناك تحقير أكبر من هذا للإنسانية وأغنياء العرب؟
هذه ليست مساعدات إنها فضيحة مدوية أعادت العالم إلى عصوره الظلامية!
لم يكن المشهد عابرا. لقد اعتبره الكثيرون يعكس حقيقة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، إذ أن إسقاط المساعدات بهذا الشكل يحدث عادة في دول معادية، وليس في البلدان الحليفة. وبعيداً كل البعد عن طبيعة العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية وارتفاع بورصة الحب أو تدهورها بين «العم بيدو» و»بيبي المسعور»، هناك 17 رضيعاً استشهدوا نتيجة سوء التغذية والجفاف. وهناك امرأة غزاوية تبكي بعد أن أكلت قضمة واحدة من الخبز. لقد منعتها فرحتها برائحة الخبز من أكل الرغيف وإشباع جوعها. راحت تنظر إلى «السندويتش» وتبكي بحرقة! وهناك أيضاً، أم تحتضن رضيعيها، اللذين انتظرت قدومهما 11 عاماً لتفقدهما وزوجها في لحظة واحدة بفعل القصف الوحشي. وماذا نخبركم عن الطفل حمود، الذي لم يتعد عمره الست سنوات، وهو يخبر والده عن سبب حزنه قائلاً: صديقي الوحيد من دار خليفة استشهد.. يقولها وكأنه متصالح مع فكرة الموت، ولكنه مشتاق لصديقه.
وكيف لا نذكر صبية تدعى حلا حمادة، عمرها 14 عاماً وهي قريبة الطفلة هند. حلا عالقة اليوم تحت الركام، بعد أن قصف الجيش الإسرائيلي الأكثر أخلاقية في العالم، المنزل الذي نزحت إليه مع عائلتها في خان يونس وقتل والدها ووالدتها وثلاثة من إخوتها.
تواصلت حلا مع عمها، وهي تحاول أن تجمع أنفاسها فيما تردد: «أمانة جيب لي معك مياه.. كتير عطشانة يا عمو.. مش قادرة كتير عطشانة».
يحاول العم تهدأتها قائلاً: «معليش يا عمو ابلعي ريقك واذكري الله يا حبيبتي».
حتى الآن، لا أحد يستطيع الوصول إلى حلا. فالآليات الحربية تحاصر المكان وصوت إطلاق النار لا يهدأ أبداً.
حلا قد تموت قبل أن يلعق العم بيدو آخر لحسة من قرن البوظة المفضل لديه!

الطبيب العُماني البطل

إنه بطل من نوع آخر. طبيب عُماني يدعى أيمن السالمي، يدخل غزة خلسة ليداوي أطفالها تاركاً عائلته وأهله وعمله. هكذا قرر أن يتوجه إلى المستشفى الأوروبي في غزة ليحاول إنقاذ الجرحى والمصابين. وبدأ يجري ما لا يقل عن 10 عمليات جراحيّة في اليوم الواحد. لم يخف من الموت، كما مات العديد من الأطباء والممرضين، وهم يؤدون رسالتهم، ولم يتردد في مواجهة المخاطر لمساعدة من تبقى من الأحياء في قطاع خيّم عليه الموت بشدة.
يصف لنا رحلته قائلاً: قررت أن أتواصل مع منظمة عالمية، ثم وصلت إلى غزة. وبعد أن عبرت معبر رفح أخبرت الجميع أنني في غزة.
انتشرت قصته على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وتداولها رواد الـ»سوشيل ميديا» إعجاباً بإنسانيته وتقديراً لشجاعته وإيمانه برسالة الطب التي حملها منذ لحظة تخرجه.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com