مقالات

محطات في حياة الدكتور خليل عبد العزيز ….مرة اخرى

د.خليل عبد العزيز

نشر الدكتور ابراهيم خليل العلاف في الحوار المتمدن العدد 6040 بتاريخ 13/10/2018 مقالا حول كتابي محطات في حياة الدكتور خليل عبد العزيز.

أورد لكم فيما يلي المقال وردي على الدكتور ابراهيم 

 

 

د.إبراهيم خليل العلاف

كتب الدكتور إبراهيم معلوف

في 16/10/ 2018 ، نشرت مقالتي عن كتاب الاخ الدكتور خليل عبد العزيز الموسوم : (سجون … اغتراب … نضال… محطات من حياتي ) ، والذي صدر عن (دار سطور ) ببغداد 2018 ، بمقدمة كتبها الاخ الدكتور كاظم حبيب وقد كنت أمينا في عرض الكتاب ، وتوضيح ما جاء فيه قدر ما يتناسب ذلك مع مهمات التعريف بالكتب الجديدة .
ولقد اطلع الاخ المؤلف على ماكتبه في موقعي الفرعي في (الحوار المتمدن ) ، وأنا سعيد جدا بإطلاعه على ما كتبتْ حول كتابه ، واشكره على مشاعره الطيبة تجاهي عندما علق في يوم 27/10 / 2018 وفي موقعه الفرعي ايضا في الحوار المتمدن .
واقول : انني عرفته كيسا ومحبا منذ زمن بعيد من خلال متابعتي له مع العلم أنه وبعد كل هذه السنين الطويلة مايزال متشبثا ببعض ما كان يعتقد به ، ومنذ (60 ) سنة مع انه يعرف ان الدنيا تغيرت وتتغير وان هناك افكارا جديدة وآراءَ جديدة تظهر لنا كل يوم وهو نفسه رأيته ينتقد الحزب الشيوعي السوفيتي ، ولااعرف لماذا لم يراجع نفسه وينتقد تصرفات حزبه الذي انتمى اليه منذ بواكير شبابه . 
وهو يعرف أو لايعرف ، بأنني وعمري الان (72 ) سنة واحمل مرتبة الاستاذية ، وأنا الان استاذا متمرسا في جامعة الموصل منذ تقاعدي سنة 2013 قد اعدت النظر في كثير مما كنت اعتقده وانا العروبي القومي وبدأت انظر للامور نظرة اخرى ، فأنا ادين كل الاحزاب التي حكمت العراق او على الاقل تحكمت بمصيره واقول ان الاحزاب الشيوعية والقومية والبعثية والاسلامية تتحمل مسؤولية ما حدث في العراق .. كلها اخطأت وكلها تتحمل نصيبها مما حدث على الاقل منذ نجاح ثورة 14 تموز 1958 حتى كتابة هذه السطور 30/10/ 2018 .
واكبر مثال على ذلك نني كتبت عن ثورة 14 تموز 1958 ، وكتبت عن حركة الشواف 1959 وكتبت وكتبت بنظرة جديدة لا ألوم ولا أهاجم ولا أسمي الامور إلا بمسمياتها واقول (حركة الشواف) ولااقول لا ثورة الشواف ولا ثورة الموصل ، ولا مؤامرة الشواف واعلنت عن ذلك في حلقتي عن حركة الشواف في برنامجي التلفزيوني (موصليات ) والذي اقدمه من على قناة ( الموصلية ) الفضائية . في حين أرى بأن الاخ الدكتور خليل عبد العزيز لايزال مصرا على تسميتها ب( المؤامرة ) . على كل انا عبرت عن موقفي ولم اقل ثورة وانا العروبي القومي وهو الذي لايزال مصرا على ان ما قام به الشيوعيين في الموصل من مجازر كان مبررا وهو المحكوم بالاعدام وهو الذي فر الى خارج العراق ووصل موسكو واكمل الدكتوراه وقدمت له مصر العربية كل امكاناتها واستضافته وقربه هيكل واغدق عليه ونفذ له كل ما اراد من طلبات تتعلق بالمصادر وغير المصادر وهو نفسه اعترف بذلك لكنه يهاجم مصر عبد الناصر في رده علي وهذا غير جائز فالاعتراف بالفضل واجب لابد من نسيانه مهما كلفت الظروف .
الدكتور خليل عبد العزيز ، وهو يكتب اليوم مذكراته يعرفه الموصليون والعراقيون معرفة يقينية ولاينسونه ابدا وصوره منشورة ومنها صورته المنشورة في عدة مجلات ومنها عدد باكٍ من (مجلة الفكاهة ) السنة 1 العدد 7 الصادر في 6 نيسان 1963 وكيف انه قد واجه حكما بالاعدام من قبل المحاكم العرفية الاولى والثانية ببغداد .وثمة صورة اخرى سوف ارسلها له لعله لم يرها تضمه وتضم مهدي حميد ومحفوظ يونس النقيب وحمزة رجبو وجاسم محمد وعادل سفر وخليل هبد العزيز وقد كتبوا وراء اسمه (المجرم الهارب ).
طبعا كل هذا جرى في اطار الصراع السياسي الدموي بين القوميين والشيوعيين في الموصل 1959 والذي أضر بالجميع والجميع يتحملون المسؤولية عن ما حدث .
ولعلمه انه قد انجزت في جامعة الموصل رسالة ماجستير عن (ثورة الموصل ) كنت انا رئيس لجنة المناقشة قدمها الدكتور هاشم الطائي ، وقد حرصت على ان يحضر المناقشة مجموعة من القوميين والشيوعيين والاسلاميين الذي اشتركوا في الحركة : معها أوضدها وكانت مناقشة علمية وموضوعية شهد جميع من حضرها بذلك . 
فيما يتعلق بالاخ الاستاذ مثري طه العاني ، وكان رئيسا للاتحاد العام للطلبة في الموصل ورجل لاينكر شيوعيته فأقول ان الرجل معروف بدقته وموضوعيته ومعرفته وله جهود ونشاط طلابي وثقافي وكان يعمل مع الدكتور صفاء الحافظ وله كتب عن المسرح عند يحيى قاف الشيخ عبد الواحد وقد اعلمني بأن الاخ الدكتور خليل عبد العزيز كان من عشائر الكويان المعروفين في الموصل بقوتهم وطيبتهم لكن الاخ الدكتور خليل عبد العزيز يقول انه ليس من الكورد الكويان بل من الكورد الهماوند وهذا تصحيح يشكر عليه لكني وجدت الاستاذ مثري طه العاني يعرف الدكتور خليل عبد العزيز ويعرف اسرته معرفة جيدة وبالاسماء .على كل حال هكذا صحح لنا الاخ الدكتور خليل عبد العزيز المعلومة وانا اشكره على ذلك .
وفيما يتعلق بالمحكمة القصابية ؛ فهذا مما لايمكن نكرانه المحكمة كانت موجودة وفاعلة وتنقلت من المركز العام الى الاعدادية الشرقية وانا شاهد على ذلك رأيت بإم عيني السحل والقتل وتعليق الجثث واطلعت على الوثائق وسجلات المجالس العرفية واعترافات من شارك في ذلك ، وانا مؤرخ والشمس لاتغطى بغربال والموصليون لاينسون ذلك ابد الدهر وبإمكانك التأكد لكنهم يتسامحون وانا كمؤرخ اساعد في عدم نكأ الجراح واحمل المسؤولية للجميع .. الجميع اخطأوا وانت يجب ان تكون معي في مهمتي ، وان تراجع بعض ما حدث وسوف ارسل لك كتاباتي عن حركة الشواف ولااسميها ثورة ولا اسميها مؤامرة وسوف تجد ، كم انا متصالح مع نفسي ومدينتي وبلدي .
انا مؤرخ معروف خرجت (100 ) من حاملي الماجستير والدكتوراه ، ومعروف بموضوعيتي ويمكنك التأكد من ذلك من خلال استعراض ليس كتبي ال (50 ) بل على الاقل مقالاتي في الحوار المتمدن ومن يقرأ لي في هذا الموقع فقط يصل الى اكثر من مليون و600 الف قارئ ومتابع .وانا اتوخى الحذر واعلم طلبتي ان يتوخوا الحذر ،وان يكونوا موضوعيين وانا مثل ( ليوبولد رانكة) ارى ان مهمة المؤرخ ان يعيد تشكيل الحدث كما وقع .

انت (خليل عبد العزيز ) وليس ( خالد عبد العزيز ) وما قرأته هفوة لسان لان لي صديق قومي اسمه خالد عبد العزيز وانت تعرفه جيدا وهو ايضا مناضل مثلك لكنه مناضل قومي عربي وارجو ان لاتعتبر الهفوة دليلا على عدم التدقيق ، وانا اعرفك منذ سنين طويلة واشرت اليك عندما كتبت بعض مقالاتي ومنها مقالتي عن الدكتور فاضل البراك وانا ايضا تحدثت عنك مع الدكتور كوتولوف عندما جاء الى بغداد وانا ايضا قرأت جانبا مما كتبه الدكتور ضياء نافع وكنت مساهما معه ليكتب عن اعلام العراق بالروسية وهو يعرف ذلك .
وان كان هناك ارتباك بشأن تركيب الجمل في المقال خاصة بشأن مقالاتك ، فسأعيد النظر في المقال لأشير الى مجهوداتك ومقالاتك التي كتبتها وقدمتها لوكالة نوفوستي حتى لايلتبس الامر لاعليك ، ولاعلى غيرة مع اطيب التحيات والتمنيات بسلامتك وادعو لك بطول العمر والتوفيق والمجد ودمت لاخيك من مدينتك الموصل الجريحة التي أخذ الجميع ثأرهم منها بحيث حولوها الى قاعا صفصفا لكنها كالعنقاء ستنهض وستنهض من جديد فهي الموصل اليست كذلك ؟ الموصل رأس العراق كما قال ذلك ووصفها الملك فيصل الاول .

مرة أخرى، عودة إلى محطات في حياة الدكتور خليل عبد العزيز.

وقد رددت على الدكتور العلاف في مقال نشر في الحوار المتمدن في العدد 6049 بتاريخ 9/11/2018 وجاء فيه مايلي:

د.خليل عبد العزيز

مرة أخرى نشر الدكتور إبراهيم خليل العلاف في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 31 / 10 / 2018 ردا على ردي حول استعراضه لكتابي محطات في حياة الدكتور خليل عبد العزيز الصادر هذا العام (2018) عن دار نشر سطور في بغداد.
أقول إن الكثير في هذه الدنيا قد تغير فعلا، ونظرتنا إلى الكثير من الأمور والأحداث قد تغيرت أو يمكن أن تتغير، وهو أمر طبيعي لكن إيماني وقناعتي بالفكر الماركسي باقيتان كما كانتا وتلكم ما نشدته وعملت عليه طيلة الوقت، ولم أكن غير باحث فيهما، أحاول إلَّا تكونان في موضع الإجحاف والتجديف والسوء لنفسي وللآخرين. ودائما ما واجهت في مسيرة حياتي من الصعاب والمنغصات وكذلك المفرحات التي تعلمت منها إن ليس من السهولة إقناع البشر وإخراجهم مما اعتادوا وتربوا وبنوا قناعاتهم عليه، مهما قدمت لهم حججا وأدلة عقلية كانت أو نقليه. فقد ترسخ في خاطرهم قناعات ليس من السهولة تغييرها، ولكن هذا لا يمنع من قول الحقيقة أو حجبها.
بالفعل لقد انتقدت الحزب الشيوعي السوفيتي ومازلت، لأني عشت في ظل ذلك النظام لعقدين من الزمن، ووجهت نقدي للكثير من مواقفه وخاصة نظرته الملتبسة والمجحفة في بعضها لباقي الأحزاب الشيوعية ومنها العربية، وكذلك تعامله مع بعض القضايا الدولية والداخلية. ولكن هذا لا يعني وقوفي بالضد من بعض المبادئ الشيوعية التي كان يتبناها ويدافع عنها، فقد كانت هناك أخطاء كثيرة لا بل كبيرة حدثت عند التطبيق والعمل، وما عادت تذكر في الخفاء عند الكثيرين من أمثالي ممن عاش هناك. والإشارة لتلك الأخطاء والعثرات لا يعني نكراني وابتعادي عن مبادئي وقناعاتي بأهمية الفكر الماركسي الذي قدم النظرية العلمية للسعي من أجل كرامة الإنسان ورفعته. وليس تجديفا وطعنا بالمكاسب الكبيرة التي قدمت إلى العالم من قبل الاتحاد السوفيتي.
أنت يا دكتور إبراهيم خليل العلاف، قلت بأنك عروبي قومي وغيرت مواقفك حول العديد من الأحداث التي جرت، وهذا من حقك وأنت مشكور عليه. وهنا أذكر إن تغيير المواقف لا يعني بالضرورة تغيير المبادئ، فأنا مازلت ثابتا على مبادئي التي آمنت بها منذ خمسينيات القرن الماضي، وفي ذات الوقت أواكب الأحداث وبالذات ما يدور ويحدث في بلادنا العزيزة والعالم أيضا، وأحدد مواقفي وأغيرها وفق مبادئي وقناعاتي، وهذا ما أعلنه في وسائل الإعلام باستمرار. وسوف أبقى دائما مناضلا من اجل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
وهنا أود أن أؤكد بأني مازلت مصرا على تسمية حركة الشواف بالمؤامرة، لا لرغبة ذاتية بل لطبيعة الفعل الذي حصل حينذاك. ومهما أراد غيري إن يرفع من شأنها ويعطيها تسمية أخرى، وهي المؤامرة التي أثبتت الوقائع والوثائق طبيعتها وما كانت تسعى إليه. وهنا أود أن أسألك والبعض الأخر، ماذا كان يعنيه مشاركة الجمهورية العربية المتحدة بالإعداد والتخطيط لتلك “الحركة” وتكليف وزير الداخلية السوري عبد الحميد السراج بالأشراف على تلك المؤامرة وتنفذها، وتخصيص إذاعة القاهرة برنامجا خاصا لمساندة تلك الحركة؟ ألا يعني كل ذلك بأن تلك “الحركة” كانت مؤامرة مدبرة بالضد من الجمهورية العراقية، ومنفذها كان العقيد عبد الوهاب الشواف وأعوانه. وفي البحث عن إنصاف الجميع من كلا الطرفين، أتساءل وأجيب، من هو البادئ باعتقال الناس، وأنا كنت واحد منهم، وكذلك الهجوم واغتيال المواطنين، وكان أولهم الشهيد كامل القزانجي، أليس هو العقيد الشواف وأعوانه؟
لقد كنت شاهد عيان عندما كنا مجتمعين مع العقيد الشواف في مقره بمعسكر الغزلاني ليلة المؤامرة، بعد أن طلب الشواف اللقاء بقادة المظاهرة،ومن ثم دخل مقدم اللواء محمود عزيز وتحدث همسا مع العقيد عبد الوهاب الشواف،عندها تغيرت لهجة الشواف وبدا بنهرنا وزجرنا وثم قام بطردنا، ثم أرسلونا معتقلين إلى الثكنة العسكري ( القلعة الحجرية) وكنت قد شاهدت خلال النافذة عند اجتماعنا بالشواف، كيف كان يجري نقل وتفريغ صناديق السلاح والذخيرة وأجهزة الإذاعة الخاصة بالمتآمرين.
وعودة على معلومة الأستاذ مثري طه العاني، أعيد مرة أخرى وأنا أملك ذاكرة حية بالأحداث والوقائع جميعها، بأن الأستاذ مثري العاني لم يأت بعدي ليكون مسؤولا أو رئيسا لاتحاد الطلبة العام في الموصل، وإنما من حل بعدي برئاسة الاتحاد كان حازم جميل وهو يعيش حاليا في باريس، وحين كنت أنا رئيسا للاتحاد حينذاك، لم تسنح لي فرصة للعلم بوجود الأستاذ مثري بين الطلبة من قادة اتحادنا، لذا أرجو من الدكتور العلاف أن يراجع معلوماته جيدا، فليس كل ما روي ونقل له، كان هو الحقيقة عينها، خاصة وهو كان طفلا حين وقوع مؤامرة الشواف، على حسب ما يذكر ذلك شخصيا. إن إشارتي إلى أن الأخ العاني لم يأت بعدي إلى رئاسة الاتحاد ليس القصد فيها أية إساءة له أو مأخذاً عليه.
ومرة أخرى وكشاهد عيان ومشارك بوأد المؤامرة، أقول وبكامل الثقة والصدق وبإصرار، بأن لم تكن هناك أية محكمة مثلما يدعي البعض، وقد لفقت وصنعت تلك المحكمة القصابية في دهاليز إذاعة صوت العرب من القاهرة، وعقول من روج لها، وهي من اختراع المذيع المهرج أحمد سعيد. نعم كان هناك مركزان لقيادة العمل المسلح ضد المتآمرين، أحدهم كان في المركز العام لشرطة مدينة الموصل والثاني كان في الإعدادية المركزية، وكنت أنا مع عبد الرحمن القصاب في مركز الشرطة ثم انتقلنا إلى الإعدادية الشرقية بعد تعيين إسماعيل عباوي مديرا للشرطة، وجاء هذا بعد حديثي التلفوني مع الحاكم العسكري العام أحمد صالح العبدي ومن ثم الزعيم عبد الكريم قاسم اللذان أخبراني بتعيين العقيد حسن عبود آمرا عسكريا لموقع الموصل وإسماعيل عباوي مديرا للشرطة، وطلبا منا التعاون معهما ومساعدتهما وتسليم أمور المقاومة للقطعات العسكرية والشرطة والانسحاب خارج مركز الشرطة، وهذا ما قمنا به، وحدث ذلك رغم محاولاتنا السابقة لاعتقال إسماعيل عباوي بعد أن أُخبرنا بأنه كان من مؤيدي المؤامرة، ولكنا قبلنا بما أمر به الزعيم عبد الكريم قاسم والحاكم العسكري أحمد صالح العبدي.
أعتقد إن تجربتي الحياتية علمتني أن أقف بعيدا جدا عن القول العربي الشرقي (من علمني حرفا ملكني عبدا ) فهذا القول أحد أكثر التعاويذ الإشكالية في المفاهيم العربية، فالتعليم يجب أن لا يخضع لهذا الاشتراط القاسي بين أستاذ وتلميذ، أو رئيس سلطة ومواطنيه، ليصل البشر فيه إلى العبودية. فليس نقل المعلومة يحتاج لمثل هذا التضخيم بالفضل والمساعدة، وإذا قيل بأن الأمثال تضرب ولا تقاس، وإن مثل ذلك القول جاء من باب الأمثال التي تضرب دون قياس مناسب، فأنا بعيد عنه.
وهنا أعرج لمقولة الدكتور إبراهيم خليل العلاف عن العلاقة بالرئيس جمال عبد الناصر، وقوله بنكراني لجميل الرئيس ناصر، بعد نقدي لطريقة حكمه، أو طبيعة الحراك السياسي الذي فرضه على أداء السلطة أثناء توليه الحكم. نعم لقد قدم لي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مساعدة كبيرة، فقد أمر باستضافتي على حساب الحكومة المصرية، بعد أن أعتقل السيد محمود أمين العالم الذي قدمت إلى مصر وفق مؤازرته ورأيه الشخصي وتبنيه موقف تقديم المساعدة لي إن حضرت إلى القاهرة. لقد كان حدث اعتقال الأستاذ محمود العالم كبيرا مؤلما، ولفتني جراؤه الحيرة وأخذني القلق، فقد حشرني اعتقاله في زاوية شعرت بأن ليس لي من بعده معين. ولكن مثلما رويت في كتابي استجدت أحداث ووقائع سهلت عليَّ الاستمرار في مهمتي، وكان أحدها موافقة الرئيس على تقديم المساعدة لي من قبل الجهات الرسمية، وتسهيل مهمتي في البحث العلمي، وقد اشترك في هذه المساعدة العديد من الوزراء والإعلاميين. وجاء ذلك وفق ما ذكرت عن العلاقة بين الاتحاد السوفيتي ومصر، وأيضا لطبيعة بحثي الذي يتعلق بشأن الصحافة المصرية وليس شأن أخر.
كل ذلك لم يمنعني من إعداد أطروحة الدكتوراه وفق رؤيتي لوقائع مسيرة السياسة المصرية على عهد الرئيس ناصر. فقد كان هناك قانون للصحافة سمي من قبل رجال الحكم في القاهرة بقانون تنظيم الصحافة، ولكني وجدت فيه قانونا لتأميم الصحافة وليس غير ذلك، حيث تكون الصحافة من خلاله تحت إشراف الدولة ورقابتها وناطقة رسميا بسياستها. وقد انتقدت من خلال بحثي سياسة الدولة المصرية استنادا لوقائع ووثائق مصرية وليس من صناعتي أو تأليفي، أيضا تعرضت وهذا المهم لمسألة البناء الاشتراكي في مصر ومتبنيات الرئيس عبد الناصر لطرق بنائها، وقدمت صورة مغايرة لبعض ما كان يعتقد عنها بعض الساسة السوفييت. فالبناء الاشتراكي وفق النظرية الناصرية، لم يكن له علاقة بجوهر البناء الاشتراكي وبالذات الماركسي منه.
انتقادي للسياسة المصرية على عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، تصورها الدكتور إبراهيم العلاف، حاله حال الكثيرين من الذين يتمسكون بإخفاء الأخطاء وتزكية أصحابهم وأحبابهم وأساتذتهم ورؤسائهم، وأنا هنا أقف بعيدا عن كل هؤلاء في موقفي المبدئي، وأعتبر مثل هذا الموقف لا يعدو كونه مبني على أعراف قبلية، وفيه يظهر الاختلاف بين المبدأ وبين التمسك بالعادات والتقاليد. وموقفي ذلك دفع الدكتور العلاف لوضعي في خانة خيانة المعروف ونكران جميل، وكأن انتقاد سياسة الرئيس عبد الناصر كان انتقاصا منه. وهذا الاعتقاد مبني على أساس من قدم لك يد المساعدة عليك أن تغض النظر وتصم الأذان عن أي فعل يرتكبه، حتى وإن كان مؤذيا وغير حكيم. صحيح أن جمال عبد الناصر كان وطنيا مصريا قدم خدمات كثيرة وكبيرة لشعب مصر، ولكن كانت لديه أخطاؤه وخطاياه حاله حال الكثير من قادة العالم وبالذات منهم من وضع سياسة بلدانهم بين أصابع أيديهم وتحت تصرفهم. إن نقد بعض سياسات عبد الناصر الداخلية والعربية لها أهميتها في المرحلة الراهنة، وليس فيها أي إساءة للرئيس المصري، بل هي ذات فائدة لمستقبل العلاقات بين الدول والشعوب العربية أولاً، وتسمح بتجنب المزالق التي يمكن أن تقع فيها سياسة هذا الحزب أو ذاك وهذه الدولة العربية أو تلك في أخطاء مماثلة، كما يحصل الآن. 
كذلك أود القول للدكتور إبراهيم العلاف، بأن السيد محمد حسنين هيكل قدم لي مساعدة كبيرة من خلال توفير مصادر البحث العلمي من صحف ومجلات ووثائق في دار الأهرام في القاهرة وليس شيئا أخر، وكانت علاقة مصر بالاتحاد السوفيتي لها أهمية خاصة عند جميع رجال السياسة والصحافة المصرية حينذاك، وكنت قد حصلت على توصيات وتسهيلات لإعداد أطروحتي من العديد من رجال الفكر والأعلام والسياسة المصريين، ووفق هذا المنحى فتح لي السيد محمد حسنين هيكل باب مؤسسة الأهرام وسهل لي الاطلاع والحصول على المعلومة عن الصحافة المصرية.
أخيرا أشاطر الدكتور إبراهيم العلاف الرأي بأن مدينتنا العزيزة الجريحة تستحق منا الكثير. وأنا متأكد بأنها سوف تنهض من جديد رغم الدماء والدموع والخراب والدمار الذي طالها، وسوف يقوم مواطنات ومواطنو الموصل بإعادة أعمار المدينة والتخلص من آثار الماضي الأسود الذي خلفها الإرهاب بجميع مسمياته.
آمل أن تكون لي فرصة لقاء مع الدكتور الفاضل إبراهيم العلاف على أرض الموصل الباسلة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com