مقالات

هذا عراقنا وذاك عراقكم فأين نحن منه الآن؟

 

صلاح حسن

الكثير من الشباب اليوم بل عدة اجيال من الشباب الموجودة اليوم بالعراق يتصور العراق هذا حاله وحال اغلب البلدان ويتعجب علينا ويستهجن من نكتب نحن مواليد الخمسينات والستينات والسبعينات وننتقد تصرفات شباب اليوم وفساد حكام العراق وحالة البلد …
عراقنا يا احباب، غير العراق الذي تعيشون به اليوم، عراقنا كان فيه التعليم يضرب به المثل، وكان الطبيب العراقي يشتغل بانكلترا بشهادته العراقية، ليس لدينا دور ثالث وعدم رسوب، كان المعلم ذا هيبة، وكانت (مدام عادل) اذا كنت سمعتم بها، اقوى من وزير التربية ، وخرجت رؤساء وزارات ووزراء وقادة واطباء ومهندسين وفنانيين لهم بصمة على تاريخ العراق الى اليوم , بعراقنا كان هناك اخلاق بكل معنى الكلمة وكان الصغير يترك مكانه للكبير بالباص، وكان هناك (جابي) و(مفتش) بالباص، يعني دولة وقانونا. كان عدنا فن اصيل وطرب وليس (العكربة) و(البرتقالة) وعشيرتها , كان عدنا معاهد تعلم رقص السالسا والتانغو وكان عدنا الفرقة القومية للفنون الشعبية التي حصلت على جوائز من كل العالم , بعراقنا كانت النساء تلبس بوشية وتلبس ميني جوب وبنطلونا.
البصرة كانت فينيسيا الشرق ودرة الخليج، البصرة كانت حضارة وتاريخا وادبا وشعرا، وفندق شط العرب وجزيرة السندباد والخشابة والزبير والطرب ليس شوارع مكسرة ومجاري طافحة , العراق كان فيه وكالات لأرقى الماركات الاجنبية من السيارات والمكائن الى ساعات الرولكس , بالعراق كان عدنا اورزدي باك الذي هو مثل هاردوز لندن الملكي الآن.
في العراق غنت ام كلثوم ووديع الصافي وفيروز وغلوريا غينر وايربشن وهذه ليست وبعيدة كلها قبل كم عام … بالعراق كان عدنا كازينوات على ابو نواس تجلس فيها النساء والرجال تشرب النساء وتأكل بدون مشاكل ابو نواس والشط كانت للعراقيين , بعراقنا كان ابن المنطقة يعرف كل اهلها نساء ورجالا والغريب لا يستطيع أن يمر مرورا بالمنطقة الا عابرا وبدون مشاكل، واذا تورط وتحارش بوحدة (( الله اللي كاتبها عليه)), بعراقنا كان عدنا مطاعم بالمدارس وكان عندنا باصات نظامية للمدارس , بعراقنا كان عندنا مدرسة للموسيقى والبالية, بعراقنا كنا نذهب لامريكا واوربا سياحا غير لاجئين , بعراقنا كان جارنا من اليسار كردي ومن اليمين تركماني وبعده 4 بيوت مسيحيون، والذي خلقنا الى اليوم ما نعرف دينهم ومذهبهم , بعراقنا كان هناك نوري باشا السعيد وحسين جميل وفرحان باقر وعبدالامير علاوي وصائب شوكت وسلمان تاج الدين ويوسف العاني وبدري حسون فريد والكبنجي ويوسف عمر وناظم الغزالي وفؤاد سالم ورضا علي وسليمة مراد ووحيدة خليل , وست الكل عفيفة اسكندر ومائدة نزهت وقبلهم كان هناك زهور حسين وصديقة الملاية وبعدهم لميعة توفيق وايقونة العراق سيتا هاكوبيان , كانت فرقة الهام المدفعي وشيراك , كان عدنا اذاعة اف ام بالانكليزي وعدنا معهد بريطاني ومعهد غوتا الالماني تعلم لغات , بعراقنا كان الحليب المعقم والبيبسي والصمون يوصل لباب البيت يعني بما يسمى الان بـ ((الدلفري)) بلغتكم . بعراقنا كان الدينار  يساوي 3 دولارات وربع، وكنا نأخذ الفيزا البريطانية بـ 3 ايام من السفارة التي بالشواكة , بعراقنا كان السينمات والمسارح والملاهي اماكن ترفيه للعائلة نساء ورجالا وليست اماكن مسخرة ونثر فلوس على الراقصات وسكر للثمالة وعربدة , بعراقنا كان كل واحد منا ينظر للبنت كـ اخته والام خالته والاب عمه وكانت حفلاتنا تقام بالمسابح والنوادي بدون رمي اطلاقات (ولا عركات وبوكسات وحمايات) , بعراقنا كانت عدنا انسانية واخلاق وعلم وقضاء ومؤسسات , بعراقنا ما كان هناك حرامية وفاسدون ومرتشون وسفلة.
عراقنا حلو حلو حلو , عراقنا كان طعمه شهدا وريحته عنبرا وهواؤه نقيا , عراقنا كان جنة. هل عرفتم الفرق بين عراقنا وعراقكم , عراقنا كان بطعم البرحي.. عراقنا كان وكان.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com