مقالات

على المحك : ثقافة التجريح و لذة الاختلاف

عماد جاسم 

تُذهلني تلك القدرة عند البعض في تجهيز كل طاقاتهم لتجريح الآخرين تصرفا أو كتابة أو عند الكلام.

هم بارعون في استنطاق الشيطان الكامن في الاختلاف متناسين روح الملاك التي تستوطن نفس الاختلاف! باحثين عن قسوة التنكيل ومتجاوزين لذة التضامن في فكرة الوجود, يجمعون قواهم ومواهبهم لأجل التقزيم عبر انتقاء هفوات في سلوك أو مقال أو حديث المقابل, فيجندون خبرتهم ليعدوا سيوف الاتهامات وفرض وصايا الفضيلة وقد استعانوا بكل فنون الضرب فوق وتحت الحزام ليناموا مرتاحي الضمير على وسادة الرضا والرخاء بدون منغصات وبلا صرخة ضمير تناديهم : لماذا ؟ وما جدوى ما تفعلون ؟

أتابع باستغراب تعليقات الكثيرين في وسائل التواصل الاجتماعي, الذي تأسس ليكون واحة معرفية تدعم ثقافة التضامن الإنساني العابر للهويات الفرعية منسجما مع روح التعالي على المنغصات نحو التعريف بالخبرات والمعارف والمواهب , فأجد أرواحا شيطانية تتقافز بين الكلمات المتناثرة في جمل نارية تحمل العدائية العلنية أو المستبطنة, تعطي تصورا أن الذي كتب هذا التعليق أو ذلك الهجوم اللفظي شغل وقته لساعات في القراءة والتمعن ليس لأجل اقتناء كنوز المعرفة بل لإيجاد وسيلة أكثر إيذاء وقسوة.

متخذا من درايته في حقل الكتابة أو النقد أو التدوين, سلاحا يفتك فيه بروح من الاستعلاء, وكثيرا ما أسأل نفسي : ألا يمكن تجنيد تلك القدرات النقدية اللاذعة أو العدائية المنتقاة بعناية لغرض الإهانة والتجريح لتكون مستثمرة في العطاء ومد الجسور لإحياء فضائل الاختلاف لتلاوين الوطن ؟

هل يشعر المهاجمون بلذة خاصة تمنحهم قدرة التواصل في تحقير الآخرين ؟

أية هواية تلك التي تسعد المتورمين بالأنا وتقديس الذات بعيدا عن قراءة الاختلاف في الآراء والثقافات؟

ارتبك فعلا وترتفع عندي مناسيب الخيبة وأنا أطالع حجم الكتابات المشككة بنوايا المشاركين معهم في وطن واحد وظروف مشابهة , أو تلك الردود الباهظة القسوة على مقالات أو مقابلات تفهم بوجهة نظر مغايرة , نجاحات يحققها أبناء جلدتنا فترتفع سيوف الانتقام خوفا من فرح يتعاظم في النفوس , والأغرب أن هناك من هو متهيئ ومعبأ بكراهية الآخر بدون معرفة مسبقة !

بل هو مجند للمباغتة بدون أدنى دراية بما يقصده الآخر المختلف !

وهناك من يعاود قراءة عمل أدبي أو بوست أو مقال ليجتزئ عبارة ويؤسس للقتال في مضمار هذا المجتزأ !

يبدو أنها لعنة تطاردنا نحن الباحثين عن المعارك في ارض ترتفع فيها كل يوم نيران حرائق الأزمات! هذه الحيرة دفعتني لسؤال خبراء النفوس معللا حيرتي أن ثمة هموما تلاصق يومياتنا وتحيل بهاءنا إلى كوابيس, فكانت الردود تنبه من خطورة أمراض تستوطن الروح التي تشتاق إلى التفوق وتستشعر برعب السعادة عند الغير, تحنق على التماثيل الجميلة فترفع المعاول لهدم الرقة أو صناع الأمل, ولا بد أن نتشارك في أساليب إدامة الحوار المتعقل لنكون جديرين بلذة الاختلاف !

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com