متفرقاتمنوعات

اللورد بايرون : شاعر أم ثائر، أم بوھيمي لامنتمي

بيدر ميديا.."

اللورد بايرون : شاعر أم ثائر، أم بوھيمي لامنتمي

ضرغام الدباغ
صورة من رموز الحرية، صفحات كثيرة وشؤون وشجون في حياة شخص واحد، أثر في عصره وفي
المراحل اللاحقة، واستطاع أن يكون رمزا . ً لجيل كامل، ذلكم ھو اللورد بايرون

سار في شوارع لندن موكب تشيع. جنازة، محمولة على عربة سوداء كبيرة تجرھا خيول مغطاة
بالمخمل أسود، وخلف عربة الجنازة، موكب مؤلف من ثلاث عربات تضم أصدقاء المتوفى ومن
ضمنھم، أبن أخته. ثم ھناك 47 عربة خالية كانت تقف في حافة المدينة، عاد ھذا الرتل من العربات،
فقط العربة التي كانت تحمل التابوت، واصلت سيرھا حتى وصلت إلى منطقة ھوكنارد، حيث وري
جثمان المتوفي في مقبرة العائلة في كنيسة القرية. وبذلك أدى سبعة وأربعون من الأسر النبيلة
التزامھم الاجتماعي، وذلك بإرسال عرباتھم ليشاركوا في الحزن، ولكنھم على الصعيد الشخصي لم
يشاءوا أن يمنحوا المتوفى الشرف الأخير .

والرجل الذي نحن بصدده، والذي حمل نعشه إلى المقبرة في 12 / يوليو ـ تموز ،1824/ عن عمر 36
سنة، أعتبر في عھده أسطورة، وأثر في مخيلة الكثيرين في عصره بسبب من شخصيته الأخاذة،
وأسلوب حياته الغير تقليدي، والقضايا الكثيرة التي أثارھا، ومن خلال شعره الوجداني بصورة غير
مسبوقة. لقد كان من يكن له الاحترام والود، أو من كان يحسده ويكرھه، سيان فھو لم يكن ليكترث بھا
كثيرا.الشاعر الرومانسي البريطاني : اللورد بايرون . ً

ھروب جنية طيبة
جورج جوردن نوبل بايرون، وھذا ھو اسمه الكامل، أبصر النور إلى العالم في 22 / كانون الثاني ـ
إن عدداً وفيراً ، في بيت بشارع ھول في لندن، الذي كتب عنه لاحقا ” من الجنيات ً يناير / 1788
الطيبات كانوا قد ھبطوا فيه مدعوين: كافة العرابين وزعوا على الوليد عطاياھم وبإسراف، أحدھم
منحه لقب نبيل، والآخر العبقرية والثالث الجمال. وجنية الخبث والدھاء التي لم تكن مدعوة، جاءت
متأخرة، عجزت عن نقض ما فعلته شقيقاتھا بمجيئھن مبكرا . ،ً ورغم ذلك، فإن لھا في كل بركة لعنة

كان الوليد ينحدر من أسرة نبيلة وقديمة، ويمتلك قدرة روحية عظيمة، ولكنه كان يعاني وجعاً مضنياً
ولكن أيضا قدماَ في روحه، نعم كان يمتلك رأسا، يتمنى النحاتون أن يتخذوا منه نموذجا. يحاكي أقدام ً
الشحاذين في الشوارع. كان التشوه في قدمه، يمثل القلق الدائمي للشاب الجميل، وھو إذا كان قد أعتاد
مشيته القلقة، ولكنه لم يستطع أن يخفي العيب الخلقي في جسده وأستمر يعاني منه طيلة حياته،
وانعكس ذلك في أفكاره لدرجة أنه تمنى لو يبتر ھذا العضو في جسده. ولكن على الرغم من ھذا
العوق، كان الشاب بايرون سباحاً ممتازا،ً وفارساً وملاكما،ً ثم أنه استطاع لاحقاً أن يقطع مضيق
الدردنيل سباحة، وكان إنجازا يمكن للمرء في حينه أن يفخر به .
3

ھذا الشاب ذو الوجه الذي يترك بمشيته العرجاء انطباعات رائعة، كيف لنا أن نوثق ھذه الشخصية
المزدوجة التي تعاني من عذاب داخلي مضن، ممزق، ترى ھل ھذا الرجل ھو غير اعتيادي حقا ً ؟

كان ھذا الشاب النبيل قد ابتدأ مبكراً بكتابة الشعر، وكان معاصروه يقعون بلا عناء تحت تأثير أبياته،
وعندما ترك عام 1808 جامعة كمبرج، كان قد نشر ديوانه الأول” ساعات الھدوء “. بيد أن الشاعر
الشاب كان قد منح نفسه للبحث عن المتع، ولم يجد واجباته حياتية، أو معنى للحياة، فكتب إلى أخته
إنني فعلاً إنسان غير سعيد إذ إنني أعتقد، وذلك طبيعي، لا أمتلك قلباً سيئاً أوغستا ” ، ولكنه متوار،
مقتلع وتدوسه الأقدام ! “.

النبيذ في جماجم الموتى
بعد بلوغه سن الرشد، أنسحب بايرون إلى مقر سكنى العائلة في نيوستيد آبي في نوتنك ھامشير. وفي
القصر المتداعي خلف أحلامه. وكان الأشخاص الوحيدين الذي يريدون رؤيته ھم أصدقاؤه من أيام
الدراسة في كمبرج، ومعھم أمضى أيامه في المبارزة والفروسية والتجديف والرماية بالمسدس. وبعد
طعام الغداء تدور مشارب النبيذ في جماجم موتى التي يصنعھا له الصائغ من الذھب، لقضاء سويعات
أخرى من يومه، كما كان ھناك سرب من الخادمات الجميلات، وكل ذلك أساء إلى سمعته في أرجاء
المنطقة، وقد تمتع بايرون بھذه الحياة الداعرة لدرجة السأم الذي زحف إليه وبمشاعر جديدة .

في تموز ،1809 قام بأول سفرة له إلى جنوب أوربا، المحطات الأولى كانت: البرتغال، أسبانيا، مالطا،
اليونان، وألبانيا التي كانت بلدا . وكانت الإثارة الغريبة للبيئة ً غير معروف بصفة تامة للأوربيين
لتي منھا صاغ بايرون صورا . وفي جانينا، العاصمة القديمة ً الخارجية والأزياء الألبانية ا جميلة
لألبانيا، ابتدأ بتدشين أبياتا ” سفرة الحج لھارولد ” وھو ضرب من مذكرات يومية شعرية ً من الشعر
عن رحلته التي اشتھر بھا عالميا ً.

تركي في كيس
في أثينا، أختلط ذات يوم بعدد غفير من البشر خلال نزھة على صھوة جواد، شاھد رجال يحملون
كيسا،ً ويبدو أنه يضم شيء يتحرك ووقف بايرون مقابلھم وأدرك أن ما يحملونه في الكيس ھو مخلوق
بشري، ثم أدرك أنھا فتاة تركية كانت قد أقامت صلة مع مسيحي، وبحسب التقاليد التركية، فإن ھذه
الفتاة يجب أن تغرق في البحر .

وعندما أمتنع القائمين بالعملية أخذ الفتاة إلى حاكم المدينة، سحب بايرون مسدسه وھدد بإطلاق النار،
وكان يقدر بأنه سيتمكن من رشوة الحاكم وإنقاذ الفتاة وإطلاق سراحھا، ولكن الشائعات التي طالت
بايرون بعد ذلك لم تكف أبدا ً.

كانت اليونان تستھويه وتستولي على إعجابه منذ الطفولة وبذلك ف ً قد آلمه كثيرا الاضطھاد الذي يعاني
منه اليونانيون على أيدي محتليھم الأتراك. وأثينا كانت مجرد قرية، ومنھا نھضت الباھرة أكروبوليس،
التي لم يبقى منھا شيء للأسف، إذ كانت مجرد أكوام من الخرائب. ھكذا كتب خطاباته الملتھبة الأولى
من أجل الانتفاضة ضد الأتراك، ولكنه لم يدرك أنه سيكون المناضل الأكثر شھرة من أجل حرية
اليونان .

ثم أنه عاد إلى بريطانيا وأصدر عام 1812 يومياته ” سفرة الحج ” . وھارولد ھو أرستقراطي تقليدي،
بطل رومانسي، يحمل الآم العالم ومعاناته، وله اعتزاز أرستقراطي بنفسه، كان وحيدا،ً ولا نھاية
لثرائه الروحي .

4
أسد صالونات لندن
” ً في صباح أحد الأيام، استيقظت ووجدت نفسي شھيرا ” . ً نادرا ما أمتلك بايرون أصدقاء في السابق،
لكنه الآن صار يرتاد كافة صالونات لندن الأرستقراطية المفتوحة له. كما كان يحضر الضيوف الأكثر
أناقة إلى شقته، وإذا بالشاعر الوسيم المكتئب يصبح نجم المجتمع. يتطلع الرجال إليه بحسد، وتتقرب
النسوة إليه بالحب. وباختصار كان اللورد بايرون يتمتع بحياة أنيقة وبالنساء على أكمل وجه .

وفي الأعوام التالية، التقى بعد غياب طويل أخته أوغستا، ابنة والده من زوجته الأولى، فأعتقد أنه وجد
نفسه فيھا، ولم تستطع أن تقاوم قدرته على الإغواء، وكانت تعيسة في زواجھا. وفي ھذه العلاقة التي
استطاع بايرون أن يطورھا على طراز جديد غير معتاد من الحساسية العميقة، ووصفھا ” الھدف
الكبير ” لحياته. وعندما قدمت له أوغستا خصلة من شعرھا، كتب على تلك الورقة التي كانت تضم
ولم يكن بايرون يرى في ھذا الحب ندماً أو حرجاً الخصلة: ” إنه شعر من أحبھا كثيرا ً” ، وقد أحبھا
وكأنھا أمر مفروض من القدر .

ولم يكن ليستطيع أن يدع أن يشير المجتمع على ھذه العلاقة، كما لم يكن ينقذ الأمر، إلا زواج عاجل،
فقرر الاقتران مع آنابيلا ميليانك. ولكن ھذه المرأة بجديتھا وصرامة القواعد الأخلاقية التي تؤمن بھا،
لم تكن الزوجة المناسبة لزوج شاعر بالغ المعاناة يؤمن بالحرية في الحياة، وبالتالي فإن زواج كھذا لا
بد أن يكون الإخفاق مصيره .

والانفصال غدا الحديث اليومي في صالونات لندن، وكانت الشائعات تدور عن علاقته بأخته أوغستا،
وكذلك ميوله الجنسية المثلية المبكرة، جعلته حديث المجالس. وسرعان ما تناھت إلي أسماعه عبر
القصص والتلميحات عن حياته. وعندما قامت سيدة جريئة في المجتمع اللندني بدعوة أوغستا وبايرون
إلى حفلة راقصة، غادرت بقية السيدات القاعة بما يشبه الفرار، فيما أمتنع الرجال عن مد أياديھم
وقف بايرون وحيداً لمصافحة بايرون. في الزاوية، وھكذا غدا رجل المجتمع الذي كان يحتفى به،
محتقرا ً.

بذلك لم يعد أمامه سوى الھرب من إنكلترا. وفي الواقع لم يكن بايرون قد تعايش أو تلائم مع المجتمع
اللندني بقواعده الأخلاقية الصارمة( في ذلك الوقت على الأقل..!.. المترجم)، أو لم يقبلھا بجدية، لذلك
صعباً لم يكن الوداع الذي حل في 23 / ابريل ـ نيسان / 1816 ، وھو الذي كان يتطلع بفضول إلى
تجارب يمكن أن تكون الجزء الآخر من حياة جديدة .

وبعد صيف أمضاه على ضفاف بحيرة جنيف، كانت فينيسيا المحطة التالية، واستقر في ساحة بلازا
موكينكو المطلة على قناة غراندا، وسرعان ما صارت مغامرات بايرون مادة حديث فينسيا. ولكن بعد
أن انتشى بالمغامرات، سرعان ما عاودته حالة الكآبة، إذ لم يكن بوسعه تجاوز محنته النفسية .

وھنا أخيرا سنوات طويلة بعيد ً التقى بسيدة، كون معھا علاقة غرامية ذات معاناة عميقة، وشعور كان ل
عن شعوره به. ” لا شيء يدعو للعجب، إني اشعر بالمسرة قبل أن أعاين المسرة العظيمة بنفسي،
الأشياء البشرية يجب أن تكون مساوية لبعضھا، ولا بد من احتقار أشياء كثيرة، كانت ھذه أساس
فلسفتي. وأني اعتقد أن أقع في الحب مرة أخرى، ولم آمل أن استقبل الحب، ولكني الآن قذفت بكافة
قواعدي، لأعود بكليتي إليك، سأكون ما تشائين أن أكون، ولكن السلام لم يعد سلاما ” ً أبداً بالنسبة لي
ھكذا كتب إلى السيدة الجميلة المتزوجة، الدوقة تيراسا كويكلي .

ولكن حتى ھذه العلاقة لم يكن لھا أن تدوم، فابتدأت تفقد جذوتھا شيئا . كما كان العام 1822 قد ً فشيئاً
أتى على ضربتين قاسيتين للقدر. فقد توفيت أبنته اليجرا (كانت ثمرة زواج غير شرعي مع سيدة
تدعى كلايري كلايرمونت) أثر إصابتھا بحمى مستنقعات، عن عمر خمسة سنوات، كما ورد في
5
صيف نفس العام نبأ وفاة صديقه وزميل الشعر: بيرسي بايشة شيلر الذي توفي خلال رحلة بسفينة
شراعية، وكان يبحر في خليج لاسبتيزا مجازفاً الإبحار في طقس سيئ على الرغم من أنه كان قد تلقى
تحذيرات بعد القيام من الإبحار، لقدوم عاصفة ھوجاء ولكنه لم يبالي بھا. فأصر على الخروج لمواجھة
قدره، فأبتلعه البحر، لكن الأمواج ما لبثت أن لفضت بجثته على ساحل فيريجيو، وكان مرافقاه قد لقي
كلاھما حتفھما غرقا. وعلى الفور توجه بايرون على موقع الحادث مع اثنان من معارفه حيث كانوا ً
لتوھم يسحبون جثث الموتى من البحر. وبموافقة خاصة من السلطات، قاموا بدفن جثة برسي شيلي،
فأعدوا له وداعا : سحب من البخور الأبيض، وزيت ونبيذ ولھب وشعور بالإحباط والخزن ً دراماتيكياً
يخيم على الجلسة .

حاول بايرون بعد وفاة صديقه، أن يغطيه بالمزيد من الإنتاج الأدبي، وأمنية كانت دائماً تعتمل في
نفسه، بأن ينجز أعمال عظيمة، إذ أنجز بعض القصص. فقد تساءل مرة في شبابه:” من يكتب إذا كان
بوسعه أن يفعل أشياء أفضل ! “.

” من قلب متعب من الحياة الرتيبة التي أمضيتھا خلال الأعوام الأخيرة في إيطاليا، متعب من المتع،
. وفعلاً كانت واتجاھا جديداً
ومن الكتابة، واشعر بالضرورة الحاسمة والفورية أن أمنح أفكاري سبيلاً
. تحف به المخاطر ذات الطبيعة العسكرية وأحداث مجيدة ترح مخيلتي “، لقد
حلت المناسبة فعلاُ

وبفرح غامر، قذف بنفسه في المغامرة اليونانية، وتم شراء التجھيزات الطبية، وجرى استئجار سفينة
بحمولتھا وجرى شحن أسلحة وأعتده ومدفعين. وفي تموزـ بولية/ ،1828 وما أن مضت السفينة
ھيركليس في البحر، حتى زالت كافة أعراض الكآبة من بايرون .

وفي 5 / كانون الثاني ـ يناير / 1824 وصلت على مسولونجي، التي تسمى الآن ميسولونجيون في
خليج باتراس، أستقبلھا أعداد غفيرة من الناس في أجواء احتفالية، وكان قد أختار منھم 600 جندي،
ولكن ھذا الفريق أعلن العصيان، وظلوا بانتظار وصول إمدادات أخرى من بريطانيا، فيما كانت
الأوضاع في اليونان تمضي إلى المزيد من الاضطراب .

والانتظار بدون عمل مزقت أعصابه، ولكن في بداية شھر ابريل ـ نيسان، وردت أنباء طيبة من
إنكلترا، إذ يتم جمع المال لحركة اليونان، وأراد بايرون تشكيل لواء مدفعية ومشاة مؤلفة من 2000
رجل .
وفي يوم من الأيام مضى بايرون على صھوة جواده في جو عاصف ممطر، وعاد وھو يشعر ببرد
. وفي تماما،ً أصيب من جرائھا بالحمى، وربما بنوع خاص من ملاريا تركية لم يصح منھا
شديد، مبتلاً
19 / ابريل ـ نيسان، أجتمع أصدقاؤه حول سريره وھو يحتضر:” أتعتقدون إذن ” قال بصوت
منخفض لطبيبه:” إنني خائف على حياتي ؟ أنا أقول من قلبي، إنني أنتظر تلك الساعة بترحيب. ولماذا
يتعين علي أن أشكو ؟ ألم اسع إليه بنفسي ؟ ”

في تلك الليلة توفي… وحزنت عليه اليونان بأسرھا !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com