رياضة

«خصام» المغاربيين في مباريات «الكاف»! وأنَّى لإسرائيل أن تفرح بـ«اليوم التالي»؟

بيدر ميديا.."

«خصام» المغاربيين في مباريات «الكاف»! وأنَّى لإسرائيل أن تفرح بـ«اليوم التالي»؟

الطاهر الطويل

 

لست من هواة مشاهدة مباريات كرة القدم، سواء في الملاعب أو عبر التلفاز. إنه اختيار شخصي محض، لا أُلزم به غيري حتى ولو كان من الأصدقاء والمقربين، ممّن يفضّلون التزاحم في المقاهي، هذه الأيام، لمتابعة مباريات كأس أفريقيا للأمم لكرة القدم.
بيد أن الغريب أن يقع ربط تشجيع الفريق الوطني المغربي بـ«الوطنية»، وكأن هذه الأخيرة مقتصرة فقط على الهتاف والصراخ من أجل «أسود الأطلس»!
الوطنية، يا سادة يا كرام، تتجلى أولا وقبل كل شيء، في توفير العيش الكريم للمواطن، وإيجاد الشغل للعاطلين، وجعل الدواء والعلاج متاحا لجميع المرضى في المستشفيات العمومية، والارتقاء بالتعليم العمومي إلى الجودة المطلوبة، إنْ على مستوى البرامج والمناهج، أو على مستوى كوادر التدريس والإدارة، أو التجهيزات والبنيات التحتية المطلوبة.
الوطنية، يا سادة يا كرام، هي إحداث قطيعة نهائية مع مقولة كرّسها الاستعمار الفرنسي، وما زالت سائدة إلى الآن، تتمثل في «المغرب النافع والمغرب غير النافع». وهي مقولة تجسدت، منذ شهور قلائل، في المناطق التي ضربها الزلزال، حيث لا توجد ترجمة عملية لشعارات «التنمية» البراقة. والأفظع والأمر أننا نسمع هذه الأيام أن العديد من أهالي تلك المناطق لم يستفيدوا بعد من المساعدات التي بُشِّرُوا بها، إذ يلتحفون العراء ويعانون من قساوة البرد، ولا يقدرون على إعادة بناء منازلهم المهدمة بفعل الكارثة الطبيعية!
لا يمكننا جعل اعتناق «الوطنية» مقتصرا على المواطنين البسطاء، مع أنها تسري في دمائهم من خلال ارتباطهم بالأرض والهوية وبثوابت الأمة؛ بينما نستثني علية القوم ممّن قادتهم الظروف إلى عضوية المجالس المحلية والجهوية المنتخبة أو إلى قبة البرلمان أو إلى الكراسي الوثيرة في المؤسسات العمومية الكبرى.
صحيح أن من بينهم النزهاء المخلصين لوطنهم والمتشبعين بروح الأمانة؛ ولكن ثمة من يجعلون كرسي المسؤولية مجرد مطية لتحقيق مآربهم ونزواتهم الشخصية. والواقع أن هؤلاء حين يُقادون إلى المُساءلة القضائية نتيجة ملفات إجرامية مؤكدة، ينبغي أن يُجابهوا بأحكام متشددة، متى ثبتت إدانتهم، حتى يكونوا عبرة لغيرهم.

معارك بلا جدوى!

الطريف في مباريات كأس أفريقيا للأمم أن الكل تقريبا صاروا محللين رياضيين، دون الحاجة إلى ولوج «الاستوديوهات التحليلية» للقنوات الرياضية، إذ غصّت منصات التواصل الاجتماعي بالتحليلات والتكهنات والافتراضات، كل واحد يحسب نفسه ناقدا أو محللا رياضيا، فيدلي بدلوه في المباريات المنصرمة، أو المقبلة، ويفصل القول في طبيعة المقابلات والخطط وتشكيلات الفرق ونقط قوة أو ضعف كل فريق والسيناريوهات المتوقعة… وهلم جرا!
قد يكون الأمر مقبولا ومستساغا، ما دامت الصفحات الافتراضية فضاء حرا ومشاعا؛ ولكن غير المقبول أن تغدو تلك الصفحات نفسها مجالا للعداوة والبغضاء والتشفّي، مثلما حصل بعد هزيمة الفريق القومي الجزائري أمام نظيره الموريتاني، وخروجه من منافسات المسابقة الرياضية الأفريقية. فقد أمست لغة التهكم من المنتخب الجزائري ومن وسائل الإعلام المساندة له هي السائدة في معظم التدوينات المغربية، وكأنّ القوم في معركة مع خصوم ألدّة وليسوا جيرانا توجد معهم روابط مشتركة كثيرة!
ولكن، يبدو أن هذه الحالة التي تفتقر إلى الروح الرياضية ليست سوى رد فعل لحالة مماثلة وأشد ضراوة في الجزائر، حيث صار المغرب يُقحَم بشكل غير مبرر في أي تحليل رياضي، كما في أي تحليل آخر ولو كان عن تدهور البيئة وحرائق الغابات، لدرجة جعلت الكثيرين يتساءلون عن سبب هذا الهجوم الكلامي الكثيف تجاه «المرّوك» (كما يُنطق في الإعلام الجزائري)!
والغريب أن محللا ألمح إلى وجود «طرف ثالث» حين كان يتحدث عن المباراة التي جرت بين الفريقين الجزائري والموريتاني. وطبعًا، كان التلميح موجّهًا إلى ذلك «العدو» مثلما تصوَّره رأس هرم السلطة في الجزائر منذ فترة، وهو يشير بيديه نحو غرب البلاد، قائلا في حديث تلفزيوني: «الناس اللي هوكا» (هناك)؛ فاختطّ بذلك نهجًا نحو الجار الغربي، سار عليه الساسة والإعلاميون والفنانون… إلا من رحم ربك.
هل تحول المغرب، إذنْ، إلى ما يشبه الرُّهاب (أو الفوبيا) في الإعلام الجزائري، حتى صار يُذكر في كل لحظة وحين، ولو في مقابلة رياضية، لا وجود فيها أصلاً لأي حضور مغربي؟
وفي مقابل هذا الموقف تجاه الجار المغربي، لوحظ أن بعض المحللين الرياضيين الجزائريين كانوا يتحدثون باستهزاء عن «خصمهم» في المباراة الأخيرة: المنتخب الموريتاني. لدرجة أن أحدهم أخذ يردد في برنامج تلفزيوني معلّقًا على نتيجة المباراة: «موريتانيا؟! موريتانيا!؟»، بلهجة تتجاوز الاندهاش إلى الاستخفاف. وظلّ يردد موريتانيا.. موريتانيا» حتى حسب المشاهدون أن المسكين سيُغمى عليه!
ما أحوج البلدان المغاربية إلى تجاوز الأحقاد والصراعات، من أجل تحقيق التكامل والتعاون والتضامن بين شعوبها ونخبها وقياداتها!

حسابات المحتل الواهية!

مجرمو الكيان الصهيوني يتحدثون في تصريحاتهم وحواراتهم الصحافية عمّا يطلقون عليه «اليوم التالي»، قاصدين بذلك: ما بعد الحرب الظالمة على غزة. وأصبحوا، منذ الآن، يطرحون سيناريوهات ترتيبات الوضع هناك، بعدما تضع المعركة أوزارها.
والظاهر أن الهدف من ذلك تحويل اهتمام الرأي العام الدولي من مجازر الإبادة ومشاهد الخراب اليومي التي يقف وراءها الصهاينة، إلى مشهد متخيّل وافتراضي تنتهي فيه الحرب، ويخرج من رحم الكارثة العظمى فضاء آمن ومريح، يمسك فيه العدو الإسرائيلي بزمام السلطة في غزة، أو يتكرّم بمنحها للسلطة الوطنية الفلسطينية، وفق شروطه وإملاءاته الخاصة.
كان المحتل الغاشم يتخيل أن القضاء على غزة سيكون أشبه بيوم نزهة، فإذا به يتورط في حرب لا يعرف كيف الفكاك منها، بعدما فقد الكثير من أفراد جيشه وعتاده، وانقلب عليه جزء كبير من الرأي العام الإسرائيلي، خاصة بسبب عدم القدرة على تخليص الأسرى من قبضة المقاومة الفلسطينية؛ فضلاً عن موجة الغضب التي عمّت مختلف بقاع العالم، بما فيها الدول الغربية.
كان المحتل الغاشم يستهين بقدرات حركة حماس، لكنها أبدت شراسة وحنكة مدهشة، وفوجئ المحتل أيضا بكون أهالي غزة ملتفّين حولها، من منطلق شرعية مقاومة الاحتلال وشرعية الانتماء إلى الأرض والوطن: فلسطين.
ومن ثم، فمقولة «اليوم التالي» تفتقر إلى مسوغاتها الموضوعية، لأنها تستبعد عنصرا أساسيا في المسألة: حركة المقاومة؛ فهي الفاعل اليوم وغدًا وكل الأوقات في القضية، قضية الحق في الوجود وفي بناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
أما الكيان الصهيوني، باعتباره مجرد محتل غاشم مدعوم بقوى متغطرسة، فهو أبعد من أن يقرّر في مسألة «اليوم المتالي»، وأنَّى له أن يفرح به؟!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com