مجتمع

صلاح عمر العلي تراويح المراجعة وإمتحانات اليقين 2.

بيدر ميديا.."

صلاح عمر العلي تراويح المراجعة وإمتحانات اليقين      2

تولي السفارة وأسرار الإستقالة وما بعدها من هموم

عبد الحسين شعبان

السويد

يقول أبو عمر: لم يبق أمامي سوى الرضوخ، وحاولت أن أُبيّن وجهة نظري، التي لا تخلو من بعض الانتقادات الطفيفة، والتي يعرفها السيد النائب، وسبق لي أن طرحتها في مجلس قيادة الثورة، مثل تدخّل خير الله طلفاح في شؤون محافظة صلاح الدين، قبل أن يُؤسس مجلسًا في بغداد، حيث كان كلّ يوم جمعة يذهب إلى هناك، ويفتح أبواب المحافظة وكأنها «ديوانية»، ويستقبل زوّاره، ويفتي ويقرّر ويصدر الأوامر والتعليمات، ويمنح ويحجب الأراضي والعطايا، دون أن تكون له صفة رسمية، لكن صدام قطع الجواب بأنه سيتّصل بمرتضى لإبلاغه بالأمر، وودّعني ببشاشته المعهودة، وتمنى لي عملًا ناجحًا في مهمّتي الجديدة.

وإذا كانت عقدة لساني لم تُحل، كما يقول صلاح، فقد ذهبت إلى صالح مهدي عمّاش مباشرةً لأسأله الأمر، وأبث له همومي ومخاوفي وتحفظاتي، فنصحني الأخير بقبول المهمة على الفور، دون أي انتظار. وفي اليوم التالي، ذهب صلاح إلى مرتضى الحديثي، الذي استقبله بحفاوة بالغة، وعرض عليه السفارات الشاغرة، فطلب صلاح منه أبعد سفارة عراقية، حيث لا يوجد عراقيون، طالما أن الرفاق يعتقدون أنني متآمر، فما بالك بالآخرين، فقال له مرتضى: لدينا السويد، فيقول أبو عمر: قبلت لحظتها على الفور، وحاول مرتضى أن يُثنيني عن الذهاب إلى السويد، لقساوة الطقس، وعدم وجود عراقيين حينها (أواسط السبعينيات، باستثناء موجات اللجوء الكردية أولًا، ثم العربية لاحقًا).

نيويورك

يقول صلاح: كان ذلك قراري، طالما كانت السفارة العراقية في ستوكهولم شاغرة، وكنت أرغب الابتعاد تمامًا عن أجواء الاحتكاك السياسي. وبعد أن قضى نحو سنتين في السويد، تم نقله إلى السفارة العراقية في أسبانيا، ومنها شغل موقع ممثّل العراق الدائم في الأمم المتحدة، الذي بقى فيه من العالم 1979 ولغاية العام 1982، حيث قرّر الاستقالة من موقعه وترك الوظيفة بعد تعقيدات الحرب العراقية – الإيرانية، وعدم قدرته على تبرير مواقف بلده أمام المجتمع الدولي، حيث كان بين نارين كما يقول، الأولى هي مصالح بلده العليا، التي لا يريد التفريط بها؛ والثانية هي الإحراج الذي وقع به بعد الحرب والخطابات الرسمية التي لا ترتقي إلى اللغة الديبلوماسية والدولية، بل تدلّ على جهلها.

الجدير بالذكر أن صلاح كان قد التقى الرئيس صدام حسين في قمة عدم الانحياز في هافانا (3 – 9 أيلول / سبتمبر 1979)، وكانت الثورة الإيرانية قد نجحت بالإطاحة بنظام الشاه ( 11 شباط / فبراير 1979)، وبدأت العلاقات العراقية – الإيرانية بالتوتّر بعد هدوء نسبي أعقب اتفاقية (6 آذار / مارس 1975) التي وقعها محمد رضا بهلوي شاه إيران وصدام حسين نائب الرئيس العراقي حينها في الجزائر، ودار الحديث التالي بينهما، حيث سأل صدام، صلاح: ما الذي ينبغي أن نفعله مع إيران؟ وكانت المناوشات جارية على قدم وساق عبر الحدود، خصوصًا وأن إيران أخذت تُعلن عن رغبتها في تصدير الثورة، فكان جواب صلاح: أظن أنها فرصة مناسبة لتسوية الخلافات مع إيران، على أساس حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وبالطرق السلمية والقانونية يمكن استعادة حقوقنا، فما كان من صدام إلّا أن يخاطبه: يبدو أنك أصبحت ديبلوماسيًا يا صلاح تمامًا، هؤلاء لا بدّ من تكسير رؤوسهم، ويقول صلاح: شعرت أن ثمة ما هو مبيّت تحضيرًا للحرب العراقية – الإيرانية، التي ابتدأت بعد عام من هذا اللقاء (22 أيلول / سبتمبر 1980).

وفي نيويورك، أقام صلاح علاقات واسعة مع العديد من القيادات العربية، وممثلي البلدان العربية في الأمم المتحدة، وشخصيًا أعرف ثلاثة منهم حدّثوني عن دوره العروبي ومواقفه العقلانية، وهم الكويتي الصديق عبد الله بشارة، الذي عمل لاحقًا كأول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي بعد تأسيسه في العام 1981، وهو ما ذكره كذلك في كتابه الموسوم «الغزو في الزمن العابس – الكويت قبل الغزو وبعده»، الذي كتبت عنه تقريظًا في جريدة الخليج (الإماراتية) بعنوان «غزو الكويت.. الزمن العابس» في 5 آب / أغسطس 2020، والصديق محسن العيني، الذي كان رئيسًا لوزراء اليمن، وقد اشتركنا في العديد من الفاعليات والأنشطة الحقوقية، حتى وفاته في القاهرة، حيث كنّا أعضاء في المكتب الدائم لاتحاد الحقوقيين العرب، وكذلك الصديق منصور الكيخيا، الذي كان وزيرًا لخارجية ليبيا، وممثلها لاحقًا في الأمم المتحدة، والذي التحق بالمعارضة ضدّ القذّافي، ونصب هذا الأخير كمينًا لاختطافه في العام 1993 في القاهرة، حين كنّا نحضر سويّةً مؤتمرًا حقوقيًا فيها، وقد كتبت عنه كتابًا بالعربية والإنكليزية بعنوان «الاختطاف القسري في القانون الدولي – الكيخيا نموذجًا» «Forced Disappearance Under The Light of International Law – The Kekhia Case (1998).» .

كما قمنا في إطار المنظمة العربية لحقوق الإنسان، بمساعدة ودعم الفنان محمد مخلوف، عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، الذي أخرج فيلمًا عنه بعنوانه «إسمي بشر»، وشارك في تقديم شهادات عنه صلاح عمر العلي ومحسن العيني وبهاء العمري زوجة الكيخيا وكاتب السطور، إضافة إلى شخصيات ليبية.

وقد أسسنا لجنة للدفاع عنه وإجلاء مصيره في لندن، كان على رأسها الشاعر بلند الحيدري، وضمّت عددًا من الشخصيات منهم صلاح عمر العلي وناهدة الرمّاح وفاطمة أحمد ابراهيم ومحمد المقريف وخلدون الشمعة وغادة الكرمي ومصطفى كركوتي وأمجد السلفيتي وآخرين.

الاستقالة وما بعدها من هموم

كنت قد سألت صلاح «أبو عمر» في آخر لقاء بيننا (تموز / يوليو 2023)، حيث قمت بزيارته في اسطنبول: وماذا حصل بعد مغادرتك الموقع الرسمي؟ قال: تعرّضت إلى ضغوط شديدة من جانب الحكم في العراق كي أعدل عن استقالتي، التي حاولت أن أظهرها في البداية، وكأنها أقرب إلى انقطاع عن العمل، لاسيّما مع اشتداد أوار الحرب العراقية – الإيرانية، وفي السنة الأولى لها، فوجدت الأمر مناسبًا كي أُعلن الابتعاد عن الموقع الرسمي.

موقف مناوئ

 كما واجهت ضغوطًا أمريكية شديدة، لكي أصرّح ضدّ العراق أو أُعلن موقفًا مناوئًا للحكومة بما يخدم السياسة الأمريكية، فرفضت بشدّة. أما الإيرانيون فهم الأخرون حاولوا استمالتي لكنني لم أستجب، على الرغم من أنهم طرحوا اسمي كبديل لصدام، إذْ روّجوا أنهم يقبلون بقائد تكريتي وبعثي وليس صدامًا.

وقد جاءني رسول من الرئيس حافظ الأسد طالبًا لقائي، فذهبت إلى باريس ومنها إلى لندن، ثم طرت إلى الشام، والتقيت الرئيس حافظ الأسد، وبيّنت له وجهة نظري، وحاولت قدر الإمكان التعتيم على تلك الزيارة السريّة الخاصة، لكن المعلومات وصلت إلى الأمريكان، على الرغم من تكتّمي، وبعد عدّة أيام وصلتني رسالة بأن عليّ مغادرة الولايات المتحدة في مدّة أقصاها شهر، لأنه غير مرغوب بي، وحاولت الاستفسار، هل الأمر يشمل عائلتي وأطفالي الصغار آنذاك؟ فكان الجواب: أن المشمول هو شخصك لأسباب سياسية، ففكّرت بالحصول على إقامة عبر صديق لي في باريس، ولديه علاقات واسعة، وكان الجواب هو الرفض القاطع، وأخيرًا وقبل نهاية المدّة المذكورة اتصلت بأحد الأصدقاء لدعوتي إلى لندن، وحصلت على الفيزا وذهبت إلى هناك، وعلى الرغم من انتهاء مدّة الفيزا، إلّا أنني لم أخرج من بريطانيا، وحاولت عبر المحامي وبالطرق القانونية، التي يعرفها، الحصول على إقامة لي بعد مرور نحو سنة كاملة، حيث التحقت العائلة بي في لندن.

وسألته ماذا عملت في نيويورك بعد انتهاء عملك في الممثلية العراقية كمندوب دائم للعراق في الأمم المتحدة؟ فأجاب أنه حاول الابتعاد عن محيط نيويورك وعن الأنظار والأضواء، وقد سعى لترتيب مشروع خاص، لكنه اضطّر إلى تركه بعد تعذّر بقائه في الولايات المتحدة.

يتبع في الحلقة الثالثة بعنوان « صلاح عمر العلي في لندن وجولة جديدة من المعارضة».

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com