منوعات

فلسطين «روح الروح»… وهل يشكو رهائن «حماس» من «متلازمة ستوكهولم»؟

الطاهر الطويل

 

صحيح أن الجرح غائر والألم موجع، وصحيح أيضًا أن الناس هناك فقدوا أهاليهم ومنازلهم وممتلكاتهم ومصادر عيشهم؛ ولكن بصيص الأمل المنبعث من خلف رماد الحرائق التي أشعلها الهمج، جعل ما وقع ـ رغم قسوته ـ حدا فاصلا بين مرحلتين، مرحلة مباركة الظلم وتزييف الوقائع، وقد طُويت إلى غير رجعة، وانبثقت ـ عوضًا عنها ـ مرحلة زوال الغشاوة من أعين الكثيرين وانجلاء الحقيقة واضحة لا لبسَ فيها.
أتحدث هنا عن العدوان الإسرائيلي الحاقد على غزة الذي أعاد ترتيب الأوراق وأرجعها إلى وضعها الصحيح، حيث صار النصر حليف المقاومة الفلسطينية على مستويات عدة، لعلّ أهمها تفوّق هؤلاء الأبطال الأشاوس في ترويج صورة مشرقة دقيقة عنهم، عبر المشاهد الحية التي تُنقل بواسطة الكاميرات والهواتف المحمولة، وتُبثّ من خلال شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائط الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة.
لقد حقق الفلسطينيون انتصارا كبيرا على المستوى الإعلامي، بإبراز بشاعة العدو الصهيوني وانتهاكه للمواثيق الدولية وهمجيته المتمثلة في قتل الرضع والأطفال والنساء وعموم المدنيين العزّل وحرمانهم من أبسط شروط العيش الكريم.
وكم بدا مؤثرًا مشهد ذلك الرجل الذي كان يحتضن حفيدته المغتالة غدرا، ويداعبها كما لو أنها ما زالت على قيد الحياة، ويردد «هي روح الروح». هذه العبارة تحولت إلى أيقونة مع انتشار المشهد نفسه عبر شتى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، تذكيرًا بسيرة الوجع الفلسطيني الممتد لحوالي قرن.
الوجه الآخر من انتصار المقاومة الفلسطينية يتجلى في التركيز على الجوانب الإنسانية في التعامل مع الرهائن الإسرائيليين الذين يصدمون، هم وأهاليهم، دولةَ الاحتلال ومَن يدور في فلكها بمشاهد وتصريحات إيجابية جدا عن أعضاء حركة «حماس» وقيادييها، إذ كانوا يعاملونهم وفق الأخلاق الإنسانية الرفيعة، في مقابل الاعتداءات الممنهجة المعتمدة من لدن الصهاينة في تعاملهم مع المعتقلين الفلسطينيين، صغارا وكبارا نساء ورجالا.
هذه الصورة الإيجابية التي كرّسها أبطال المقاومة وجدت صداها – ويا للعجب! – في وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث بثّت بعض القنوات التلفزيونية لقطات للتوديع المتبادل بين عدد من المُحتجَزات وأعضاء من «حماس» الذين سلموهنّ إلى الصليب الأحمر الدولي.
هذه الخطوة أغاظت محللين ومدونين إسرائيليين، وطالبوا قنواتهم بالكفّ عن ترويج تلك المشاهد، من منطلق أنها – على حد زعمهم – تؤدي إلى «أنسنة» مَن يصفونهم بالإرهابيين.
ولكن، هل هناك إرهاب غير الذي تقوم به «إسرائيل» بمباركة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها الغربيين؟
بالعودة إلى موضوع المشاهد الإنسانية بين الرهائن وأعضاء «حماس»، لا يمكننا تفسير ذلك بـ «متلازمة ستوكهولم»، حيث يبدي المختطف تعاطفا مع خاطفه، مثلما يذهب إلى ذلك بعض الذين يشطح بهم الخيال بعيدًا، بهدف الانتقاص من سلوك المقاومين وخصالهم. أبدًا، المسألة لا علاقة لها بالجانب النفسي للأشخاص المعنيين. بل إن حقيقة تلك المشاهد تؤكدها شهادات بعض أُسَر الرهائن، التي تشير إلى تحسّن حالتهم الصحية بعد الإفراج عنهم. وفعلا، فقد قرأنا منذ أيام قلائل عبر منصة «إكس» تغريدة لشاب إسرائيلي، يصف فيها الوضعية الصحية لوالدته البالغة من العمر 85 سنة، موضحا أنه شهدت تحسنا ملحوظا بعد حوالي خمسين يوما من الاحتجاز في «غزة». لذلك، نخلص إلى القول إن فرضية «متلازمة ستوكهولم» لا تنطبق على الرهائن المفرج عنهم، ما دامت الوقائع تشير إلى أدلة ملموسة مرتبطة بأجسادهم، وليس بنفسياتهم.

شهود… شهداء!

وكذلك كانت ثقيلةً حصيلةُ الإعلاميين الفلسطينيين الشهداء الذين امتدت إليهم أظافر الغدر الصهيونية، حيث بلغ عددهم لحد هذا الأسبوع 66 صحافيا، بالإضافة إلى قتل أفراد من أُسَر الكثيرين منهم. والأكيد أن هذه العمليات العدوانية متعمّدة عن سبق إصرار وترصّد، لأنها تعكس مساع يائسة من العدو الصهيوني لإخراس الأصوات وإطفاء العيون التي تفضح سردية الخراب والهمجية.
هكذا يتحول «شهود الحقيقة» بتعبير الكثيرين إلى «شهداء» الرسالة الإعلامية التي تمتزج بحب الوطن والإنسان.
والغريب أن المنظمات الإعلامية والحقوقية الدولية ما زالت تخلد إلى «صمت الحملان» تجاه هذه الممارسات العدوانية، ضاربة واجب التضامن المهني عرض الحائط؛ علمًا بأن تلك المنظمات تهبّ بسرعة كلما اعتدت سلطات بلد من البلدان غير الغربية ـ طبعًا ـ على صحافي معين أو أودعته السجن، أو أوقفت منبرا إعلاميا ما، فتصدر بيانات تتضمن أقوى عبارات الشجب والاستنكار. لذلك، يجدر بنا التساؤل: ماذا دهاها حتى أصابها الخرس تجاه جرائم «إسرائيل»؟
سنوات طويلة، والأنظمة التي تسمّي نفسها «ديمقراطية» تقدّم لنا دروسًا عن حقوق المرأة والطفل وحقوق الشواذ، بل ولا تنسى الحديث حتى عن حقوق الخرفان التي تقشعر لها الأبدان عند ذبحها، إما لأداء طقوس عيد الأضحى أو فقط لالتهام لحومها وأكبادها!
سنين، وهم يتعاملون مع شعوب «العالم الثالث» أو «العاشر» (لا فرق) كأشخاص قاصرين يحتاجون لتلقينهم مبادئ الحضارة وسلوكها، بل ويقدمون دعما سخيا لجمعيات ومنظمات محلية من أجل أن تنفّذ برامجها لـ «تعليم» الناس الديمقراطية والتربية على حقوق الإنسان… واليوم، حين ترتكب «إسرائيل» مجازر في حق الأطفال والنساء وتقصف المستشفيات تلتزم تلك الدول الصمت، وكأن هذه الأفعال الشنيعة لا تندرج ضمن انتهاك حقوق البشر، وفي مقدمتها الحق الأسمى في الحياة!

فنانون «مصلحجيون»!

من بين الصامتين طائفة من الفنانين العرب الذين يغلّبون مصالحهم الشخصية على المصلحة القومية والإنسانية.
إذا كان الأمر مفهوما بالنسبة لبعض النجوم الغربيين الواقفين في صفّ العدو الصهيوني، أو الجانحين إلى الصمت السلبي تجاه الممارسات العدوانية لدى هذا الأخير في حق الفلسطينيين؛ فإنه من غير المستساغ أن يكون فنانون عرب بدون موقف. هل لذلك علاقة بالخوف من تضرّر مكانتهم الفنية، حسب ما يتردد سرا أو علانية؟ أم أن المسألة ترجع إلى الخوف على مكاسب مادية فقط؟
للمفارقة، أنه في مقابل هذا الجبن، برز عدد من الفنانين الغربيين الذين لم ترهبهم سياسة التخويف، ولا التهديد بقطع أرزاقهم والتهجم الشخصي عليهم، بل واصلوا الإفصاح عن مواقفهم الشخصية الرافضة للعدوان الإسرائيلي على غزة، فاستحقوا بذلك الشرف الإنساني والجدارة الأخلاقية والتقدير المهني.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com