منوعات

في غزة: قصص إنسانية تعجز هوليوود عن روايتها… وعبود البطاح يرث شيرين أبو عاقلة!

بيدر ميديا.."

في غزة: قصص إنسانية تعجز هوليوود عن روايتها… وعبود البطاح يرث شيرين أبو عاقلة!

مريم مشتاوي

 

يعيش عالمنا اليوم حالة من الصدمة والذهول بعدما تجلت بوضوح ازدواجية المعايير والعنصرية واللا إنسانية التي تتغلغل في نفوس معظم حكام الغرب وسياسييها وبتواطؤ مروع مع رئيس أكبر بلاد العالم. رئيس لا يقدر أن يسند أقدامه على الأرض، ولكنه قادر على تصدير ترسانات الأسلحة إلى إسرائيل وإرسال حاملة طائرات وغواصة نووية لدعم معركة لم يذهب ضحيتها سوى مواطنين معظمهم أطفال لا تتعدى أعمارهم العشر سنوات. وبعضهم لم تعرف هوياتهم، بعد أن طحنت عظامهم وتفرقت أشلاؤهم مع أشلاء صغار آخرين تحت الركام.
مشاهد مرعبة تعصف بمن لديه، ولو ذرة واحدة من الضمير الإنساني. مشاهد حرب غزة القاسية لا يمكن إلا أن تشعل انتباه كل إنسان حر وتوجع قلوب الملايين حول العالم.
ففي هذا الزمن الذي يُظهر فيه الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي صورًا مباشرة من قلب الحدث تحكي لنا تفاصيل المأساة التي يعيشها الأطفال والمدنيون الأبرياء في غزة، نجد أنفسنا في مواجهة واحدة من أكثر اللحظات تأثيرًا وصدمة في تاريخ الإنسانية.
إن أكثر من خمسة آلاف طفل فقدوا حياتهم في هذا الصراع، ولا ذنب لهم سوى أنهم وُلدوا في أرض مشتعلة ومحتلة منذ 75 سنة. هؤلاء الأطفال لم يكونوا جزءًا من النزاع، ولكنهم دفعوا الثمن الأكبر. هم الضحايا الأبرياء، الذين دفعوا ثمن فشل السياسة. دفعوا صمت معظم الرؤساء العرب، الذين لا يعرفون سوى الإدلاء بالتصريحات من فوق المنصات العالية. وترديد كلمة «ندين» وأحياناً «تبهيرها» بكلمة «بشدة»! لقد وقع صغار غزة في شبكة التواطؤ الدولي المخجل والمعيب.
إن زعماء الغرب، الذين يزعمون دعم قيم الإنسانية وحقوق الإنسان، أولئك الذين ارتفعت أصواتهم لدعم وحماية أطفال أوكرانيا في الحرب التي شنتها روسيا على بلد أوروبي، لم تؤثر فيهم دماء أطفال فلسطين. معهم حق شو جاب لجاب: «دماء بسمنة ودماء بزيت». أكبر دليل على تخاذلهم هو عدم تفعيل القرارات للضغط على إسرائيل في ما يتعلق بوقف إطلاق النار، وذلك يمثل تناقضًا مثيراً للاشمئزاز.
لقد بتنا اليوم نتساءل عن مدى إمكانية تحقيق التغيير والعدالة في عالم مليء بالصراعات والسياسات القائمة على المصالح الدولية المتنكرة لأدنى الحقوق الإنسانية.

سندويتش دماء!

قصص الأطفال في فلسطين كثيرة ولا نعرف من أين نبدأ. هل نروي قصة «رغيف خبز مغمس بالدماء»؟! إنه ليس عنوان لرواية خطتها روائية ناشئة. إنها يوميات الحرب في غزة.
هكذا افترشت الأم الأرض لتصنع الخبز على الصاج وتقدمه لأطفالها الذين جلسوا من حولها. كانت تتلهف لتقديم الخبز لصغارها الجائعين بفعل سياسة التجويع، التي فرضها المحتل ولم تبد القارة العجوز وأمريكا المترفة أي اعتراض عليها. لقد نزحت الأم بأولادها إلى مكان قيل لها إنه آمن، وكانت تتلهف لسد جوعهم. وما إن قدمت لكل واحد منهم رغيفاً صغيراً، وقبل أن يقضموا لقمة واحدة، جاءت غارة وفتّتهم قطعاً صغيرة. ولم يبق على الأرض سوى أرغفة مغمسة بالماء!
إنها أكلة فلسطينية منتشرة يعرفها جيداً سكان غزة والضفة الغربية. فهم يموتون وأطفالهم يومياً، ومنذ زمن طويل، لأجل قضية عادلة يتنكر لها طغاة العالم ووحوشه. تلك الأرغفة المغمسة بالدماء ليست مجرد رمز لمعاناة الفلسطينيين، بل هي شاهدة على الإنسانية المعذبة في عهد بنيامين نتنياهو وحلفائه، مجرمي الحروب.
هذه القصة تجسد حالة الصدمة والعار، والتي يجب أن تشجعنا على التفكير في مسؤوليتنا الإنسانية، وعلى العمل من أجل نشر السلام والعدالة في العالم، لأن كل طفل في أي مكان يستحق حياة آمنة وخالية من الخوف.

موت يجر الموت

نعم إنه عنوان مروع آخر، ولكنه حقيقي. حكاية أخرى رصدتها إحدى الكاميرات. إنه طفل لا نعرف اسمه ولا يتعدى عمره 12 سنة. كل ما نعرفه عنه أنه كان يرتجف من رأسه حتى أخمص قدميه وهو يبكي ويحكي كيف انتشل رأس أخيه وركض بها، فيما حمل صديقه الباقي من الجسد كي يدفنوه قبل أن يقتلهما صاروخ جديد.
إنه موقف لا يقوى عليه الكبار فكيف شعر ذلك الطفل في تلك اللحظات؟ من تألم أكثر الطفل، الذي قُتِل أو أخوه الذي يواجه الموت والخوف، والخسارة، والضياع، والألم؟!
إن الموت يجر الموت. والقتل يجر القتل. والوحشية تلد الوحوش. أولئك الأطفال الذين دُمّرت بيوتهم وقتل أهاليهم أمام أعينهم، وهدمت مدارسهم فوق رؤوسهم، وحملوا أشلاء إخوتهم، هل سيكبرون ليصبحوا رسل سلام ومحبة؟ هل سيتخرجون أطباء ومهندسين ومحامين؟ هل سيبنون مجتمعات سليمة؟ هل سيعقدون الصلح على حساب دماء أهاليهم؟
إن القضية الفلسطينيّة لن تموت، حتى ولو استخدمت القنابل النووية واختفت بها غزة تماماً عن الوجود. ستولد غزة كل يوم من جديد مع ولادة كل طفل فلسطيني في العالم.

عينا غزة وصحن العدس!

هل هناك أصعب من أن تشاهد حشدًا من الملائكة الصغار يتصارعون ويتزاحمون على صحن عدس صغير؟
هؤلاء الأطفال، لو وصلنا إليهم، لأطعمناهم من قلوبنا. يروون لنا قصة حياة محاصرة وصمود في وجه المصاعب. ينادون العالم بأن يرحمهم، بأن يتدخل ويجلب السلام والأمان لهم. ومن بينهم يطل علينا بطل أصبح عينًا لغزة ومرآة لها. يمسك هاتفه الصغير بيده لينقل لنا الألم والخراب، يضحك وهو يحمل ألم الوطن على كتفيه. هو بطل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا يخشى الموت ولا يهابه. ربما يخشى أن يُقتل قبل أن ينقل رسالته. قبل أن يؤدي واجبه تجاه شعبه.
إنه عبود بطاح، «أقوى مراسل في العالم»، كما يسمي نفسه، هو شهادة حية على قوة الإرادة والصمود. يمثل رمزًا للصحافيين ولكل من يعمل من أجل نشر الحقيقة وتسليط الضوء على الأزمات والصراعات. يقول وهو يبتسم كعادته في معظم فيديوهاته: «نحن شعب يحب الحياة بدلاً من أن نوقف عند المخبز تسع ساعات. نقف هنا، أنا والمصور، ونصنع خبز الصاج. هذا هو خبز بلادي. هذا الخبز منذ عام 1948 لم نتخل عنه.
وهنا يحضر محمود درويش بقوة ليذكرنا بقصيدته الشهيرة:
عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ: عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ
الأُرْضِ، أُمُّ البِدَايَاتِ، أُمَّ النِّهَايَاتِ. كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ تُسَمَّى فلسْطِين. سَيِّدَتي: أَستحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِي، أَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com