ثقافة

الحرية والمعرفة.

بيدر ميديا.."

الحرية والمعرفة

 

عصمت شاهين دوسكي

 

في منهجية الكلام أن تنصت أكثر مما تتكلم فمن الحكمة أن تعرف متى تنصت ومتى تتكلم وحينما يكون الحديث عن الحرية أنصت للحديث فالحرية مسؤولية وليست فوضى ،الحرية لا تعني أن يفعل الإنسان ما يشاء ويترك ما يريد، فذلك لا يتفق مع طبيعته ولا يتفق مع طبائع الوجود ، ولكنها تعني أن يفعل الإنسان ما يعتقد أنه مكلف به، وما فيه الخير لصالح البشر وإيمان الإنسان بأنه مكلف ومسؤول هو أول خطوة في حريته والحرية تحرر من كل القيود المعنوية والمادية التي تقيد طاقة الإنسان في العطاء والإنتاج  حرية الرأي حرية التفكير وحرية السفر والتنقل وحرية المأوى والمسكن  ..الخ

ولا يعني الانطلاق الحر من كل قيد وضابط، لأن الحرية بهذه الصورة تؤدي إلى الفوضى الانفلات الذي يثيره الهوى والرغبة والشهوة، وأن الطيش والهوى والجهل يدمر الإنسان أكثر مما يبنيه، وهو ليس وحيدا على الأرض بل يعيش بين كثير من بني جنسه فيجب أن تضمن حرية الجميع، فلا تضر المجتمع ولا النظام العام ، اغلبنا يعرف تعريف الحرية وكل مجتهد في التعريف يعرًف الحرية على اجتهاده الشخصي ولو أوجزنا معنى الحرية منها القدرة على التفكير والعمل السليم دون قيود وهي لا تعطى ولا تؤخذ  قال عمر بن خطاب ”  متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا..؟. ”  ربما سائل يسأل من أين جاء قول عمر بن خطاب ..؟  القصة وردت في كتاب “الولاية على البلدان”، وهى كالآتي : أن عمرو بن العاص رض الله عنه، عندما كان واليًّا على مصر في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رض الله عنه، اشترك ابنٌ لعمرو بن العاص مع غلام من الأقباط في سباق للخيول، فضرب ابن الأمير الغلام القبطي اعتمادًا على سلطان أبيه، وأن الآخر لا يمكنه الانتقام منه؛ فقام والد الغلام القبطي المضروب بالسفر بصحبة ابنه إلى المدينة المنورة، فلما أتى أمير المؤمنين عمر رض الله عنه، بَيَّن له ما وقع، فكتب أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص أن يحضر إلى المدينة المنورة صحبة ابنه، فلما حضر الجميع عند أمير المؤمنين عمر، ناول عمر الغلام القبطي سوطًا وأمره أن يقتص لنفسه من ابن عمرو بن العاص، فضربه حتى رأى أنه قد استوفى حقه وشفا ما في نفسه. ثم قال له أمير المؤمنين: لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك؛ لأن الغلام إنما ضربك لسلطان أبيه، ثم التفت إلى عمرو بن العاص قائلاً: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا .. ؟.

هكذا  مضمون الحرية له التأثير الكبير في حياة الإنسان ومن معاناتها  ضحاياها أكبر من وجودها يقول محمود درويش متسائلا: بالأمس كنا نفتقد الحرية اليوم نفتقد المحبة أخشى من الغد أن نفتقد الإنسانية الحرية المحبة ،هل نفتقد المحبة هل وهنت الإنسانية ؟ في هذا الزمن السريع فقدنا أشياء كثيرة بعد دخول النت وتشعبات وخطوب التواصل الاجتماعي حيث معظم الأوقات تمر وعيوننا لا تفارق فوضى تك توك وأنستا وباقي المنصات هل هناك توازن بين حياتنا وبين هذه المنصات وكل من هب ودب فيها نسينا الرحمة والمودة والمحبة والإنسانية فغابت الحرية في حقيقة وجودنا أنا لست ضد التطور لكني ضد الإدمان .

فهذه مسؤولية الفرد والعائلة ومسؤولية مجتمع وبلد يعرف تأثير الحرية في أدق تفاصيل حياتنا يقول عالم النفس النمساوي فرويد ” لا يريد معظم الناس الحرية حقا، لأن الحرية تتطلب مسؤولية ومعظم الناس يخافون من المسؤولية.” يا ترى لماذا نخاف من الحرية كونها مسؤولية ..؟ لقد ربط اريش فروم  العالم النفسي الألماني في كتابه المشهور الخوف من الحرية الذي صدر عام 1956م بالنزعة السادية التي تدفع إلى التسلط وبالنزعة المازوشية التي تدفع إلى الخضوع، منطلقا من تطور مفهوم الحرية المتداول عبر التاريخ حتى عصرنا الحاضر .

نختلف في مفهوم الحرية الشخصية أن تكون واعيا مدركا ومتحكما وقادرا على الشؤون الشخصية آمنا من أي تعدي ومسالما في التصرف دون الاعتداء على حرية الآخرين فلكل إنسان كرامته وعزة نفسه فالاعتداء على الإنسان هو اعتداء على المجتمع كله وقال تعالى ” مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”   فمنزلة الإنسان عظيمة فلا تكبر على وجوده وكرامته ومشاعره وعزة نفسه فقد أطلق الأديب الروسي مكسيم غوركي صيحته المدوية : ” ليس في مقدور الإنسان أن يكشف معنى الحياة وان يفهمها إلا إذا أحب الإنسانية حباً قوياً عنيفاً وان هذا الحب القوي العنيف وحده القادر على أن يمنح بما يتطلبه اكتشاف الحياة وفهم مغزاها من طاقة وجهد.”

والمساواة والعدل تؤسس للحرية مكانتها الشرعية المهمة ،ولو سألنا لماذا يتعذب الإنسان في الدول .. حتى في بحثه عن لقمة العيش ؟ لماذا يكون ميتا في جسد حي  ..؟  تتجلى كالشمس الحرمان وفقدان المساواة والعدل …

والمعرفة هي الوعي والإدراك وفهم الحقائق كما هي عن طريق العقل أو الدراسة والبحث واكتساب المعلومات بخوض تجارب وتفسير نتائج هذه التجارب مهما كانت ، أو من خلال التأمل في طبيعة الأشياء وتأمل النفس أو الإطلاع على التجارب المهمة للآخرين ودراستها وتقييمها.

ودور الثقافة مهم في الوعي والإدراك لأن الناس أعداء ما جهلوا يقول الفيلسوف افلاطون  ” لو أمطرت السماء حرية … لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات ” ولكون الثقافة حسب القول الشائع: (هي جيش غير منظور) والثقافة أيضاً (هي وسيلة الإنسان لامتلاك العالم) فقاعدة هذا الامتلاك هي المعرفة الشاملة لكل الجوانب الحياتية .

من الممكن أن تكون حرا ومن الممكن أن تكون مقيدا والخيط الرفيع بين الحرية والقيد هي المعرفة .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com