منوعات

«عصفورة وطفل وسيدة عجوز» … رسالة أهالي غزة للعالم بأجمعه: لن نرحل من أرض أجدادنا ولن يغلبنا الموت!

بيدر ميديا.."

«عصفورة وطفل وسيدة عجوز» … رسالة أهالي غزة للعالم بأجمعه: لن نرحل من أرض أجدادنا ولن يغلبنا الموت!

مريم مشتاوي

 

غزة ماذا نقول فيك وكل ما يقال فيك قليل؟
لقد علمتنا دروساً في الصمود والصبر على الآلام ومحبة الأوطان والتفاني في ذلك الحب، رغم كل الخسارات، دروساً سيكتبها التاريخ بدماء كل الشهداء، الذين رحلوا من أطفال ونساء وشيوخ وشبان شجعان.
لا أحد يعرف من أين تستمدين قوة الوقوف، رغم الموت الوحشي، ذلك الموت الشرس والظالم، الذي لم يتعب من مطاردتك 75 سنة.
واليوم نشهد نكبة جديدة، إبادة جماعية في ظل مباركة غربية مخجلة وانحياز دولي فاقع لسلطة الاحتلال الإسرائيلي وتشجيع على المزيد من العنف بحق مليونين ونصف المليون نسمة أغلبهم من الأطفال. نواكب بانكسار شديد تهجير مليون شخص، وذبح أكثر من ألف طفل. نشهد تدمير البيوت فوق رؤوس السكان ومحو عائلات كاملة من السجلات المدنية واستخدام أسلحة محرمة دولياً وقصف سيارات الإسعاف ومطالبة الجرحى والأطباء، وحتى المعلقين على أجهزة التنفس بإخلاء المستشفى الوحيد القائم في المنطقة والدعوة الوقحة والمجردة من أي رحمة وإنسانية للموت الجماعي المتشرد والمهين على الطرقات. وذلك إن كانت الطرقات ما زالت تتسع لمزيد من الأموات، بعد أن امتلأت بالجثث والركام، أحياء كاملة اختفت برمتها ولا أثر لها. ليس هذا فقط، ولكننا أيضاً نرتقب من بعيد وبألم كبير رحيل ألف شخص من المصابين بالفشل الكلوي بعد أن قطع المحتل المياه والكهرباء عن الأهالي. أما المصابون بالسرطان فلا علاج لهم في هذه الظروف ولا أدوية تخفف من آلامهم. هم يرتقبون موتهم بين لحظة وأخرى.
في غزة، هناك طفل يحاول أن يوقظ أخاه من الموت، وهو يصرخ فيه: استيقظ لا تنام، قم لنلعب معاً. وأم تصرخ وتبكي مفجوعة: مات أطفالي جياعا. كيف تموتون قبل أن تأكلوا؟! ورجل عجوز يقف أمام داره المهدمة ودموعه تغلي في عينيه والحرقة تدمي وجهه، وتزيد من تجاعيده تجاعيدا. قال: استغرقت أربعين سنة وأنا أبني بيتي حجرة حجرة. أربعون سنة وأنا أجتهد كل يوم لأبنيها واليوم لا أثر لها، ولكن لتذهب فداء لفلسطين وأهل غزة.
دموعكم يا أهالي غزة قصائد ألم معلقة لم يعرف لها التاريخ مثالا.
غزة يا غزة، من أين لك تلك القوة التي تخرج من بين الجثث وتتفاقم من تحت الركام وتقوى بصرخات الأمهات وأنين الأطفال. كيف يستيقظ شهداؤك من موتهم وينفضون عنهم غبار الأرض ليدافعوا عنك من جديد. كم مرة قُتلوا وكم مرة استيقظوا من جديد. إنهم ملحمة الحياة.
في غزة، رفض الأطباء مغادرة المستشفى وفضلوا الموت في أماكنهم وهم يؤدون واجبهم في خدمة ومعالجة مرضاهم، على الرغم من خروج الوضع عن السيطرة، بسبب عدد المصابين، الذي لم تشهد له المستشفى مثيلاً في السابق. أطباء يعملون بشكل متواصل ليل نهار ويواصلون عملهم حتى حين يصدمون بجثث أهاليهم. ينكسرون لدقائق معدودة ومن ثم يلملمون أنفسهم ويتابعون العمل لينقذوا من يستطيعون إنقاذه. يضمون الأطفال ويخففون أوجاعهم ويحاولون تهدئتهم، بعد أن خسروا أهاليهم الى الأبد.

شعب لا يعرف الإنكار

قصص وروايات كثيرة، ومن بينها حكاية مؤثرة ستكتب يوماً في رواية، ولا بد أن تشق طريقها إلى العالم، لما تحمله من تفاصيل تضيء قيم المحبة وتلخص حكاية أرض تدعى فلسطين وصمود شعب لا يعرف الانكسار حتى في موته.
إنها قصة عصفورة وطفل فلسطيني صغير. لقد وجدها صغيرة جداً ورباها واعتنى بها وأحبها أشد الحب واعتبرها واحدة من أفراد أسرتها. والعصفورة بادلته ذلك الحب ولم تهجره أبداً حتى عندما اشتد القصف وأنارت الصواريخ سماء غزة بالموت. لم تهجره حتى عندما تدمر البيت ومات معظم سكانه.. بقيت تلك العصفورة تتنفس من أنفاسه.. فخرج الطفل من بين أنياب الموت وراح يبحث عنها.
لم يقبل أن يرحل من دونها.. بدأ يفتش بين الحجارة المرمية في كل مكان حوله وتحت بقايا أشيائه المحروقة بفعل القنابل.. حتى وجدها حية تجلس فوق حجر وهي تنتظره. حملها بيديه وقبلها فطارت وجلست فوق كتفه.. إنه مكانها المفضل وعشها الآمن.. أصر أن يطعمها حين كان جائعاً وانتقلت معه إلى مكان آخر، حيث ينام في العراء.. تلك العصفورة هي غزة التي تعشق أهلها.. وذلك الطفل يمثل الأهالي الذين يستفيقون من آلامهم لخدمة الوطن.. ذلك الطفل هو كل فلسطيني لا يهتم بجوعه وموته وحرقته وخساراته وكل ما يهمه هو الصمود في أرضه.. يضحي بنفسه لتعيش غزة.. يقاوم الظلم والعداء ويمنح الموت مفهوماً جديداً.. فالموت في غزة ليس غياب الأحباء ولا موت الأبناء واستشهاد الأطفال.. الموت في غزة هو فقط النزوح.. وهذا ما قالته سيدة فلسطينية عجوز في التسعين من عمرها، وهي تطل من شباك منزلها الذي قد ينهار في أية لحظة.. تتحدث مع مراسلة إحدى القنوات العربية قائلة:
لن نذهب من هنا ولن نرحل إلى أي مكان.. هذه أرضنا التي سنموت فيها.. سأبقى هنا أنتظر الموت.. لسنا خائفين ولن نرحل أبداً..
كان وجهها مضيئاً، وهي تتكلم بثقة مطلقة وقوة تغلب الموت وكل أشباحه.. فلا قوة تضاهي قوة امرأة عاشقة لأرضها.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com