ثقافة

رواية «امرأة أجنبية»: مفارقات الحياة في الحي الروسي في نيويورك

بيدر ميديا.."

رواية «امرأة أجنبية»: مفارقات الحياة في الحي الروسي في نيويورك

جودت هوشيار

 

تجري أحداث الرواية في الحي الروسي في نيويورك، حيث استقر المهاجرون الروس، الذين تدفقوا على الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر السبعينيات، حين فتحت باب الهجرة لبعض فئات المجتمع. ولا يزال هذا الحي مركزاً للجالية الروسية، ويحمل أحد شوارعه اسم الكاتب الروسي سيرغي دوفلاتوف (1941-1990) الذي هاجر إلى أمريكا، وعاش فيها طوال الاثنتي عشرة سنة الأخيرة من حياته. أنتج خلالها العديد من الروائع الأدبية، من بينها رواية «امرأة أجنبية».. يقول المؤلف الراوي: «إن هذا الحي أشبه بجزيرة غريبة ومبهجة، يسكنه بشكل رئيسي الروس الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. أو كما تكتب الصحف، مهاجرو الموجة الثالثة. لدينا متاجر وحدائق أطفال، واستديوهات تصوير، ووكالة سفر روسية، ومصففو شعر ومحامون وكتاب وأطباء وتجار عقارات روس. وهناك رجال عصابات ومجانين روس، وعاهرات روسيات. وهناك حتى موسيقي روسي أعمى.
لقد غير هؤلاء مكان اقامتهم فقط. وظلت روسيا في عقولهم، وفي أخلاقهم وعاداتهم. كثير من الناس لا يعرفون لماذا هاجروا؟ أو ما الذي كانوا يهربون منه؟ ولكن بالنسبة إلى المهاجر العادي من الأسهل عدم طرح هذا السؤال: فجأة يتبين أن الهجرة هي هروب من الذات. من الممكن إخراج شخص ما من روسيا، لكن إخراج روسيا من ذهنه أصعب بكثير. الظروف أرغمت المهاجرين على تغيير مسارات حياتهم مقارنة بما اعتادوا القيام به في روسيا. يصبح الفنان سائق سيارة أجرة، ومدرب رياضي معروف حارساً؛ وعريف حفلات منشق مديراً للتلفزيون المعمداني؛ ومحام يدير محل بقالة.
أهدى دوفلاتوف كتابه إلى «النساء الروسيات الوحيدات في أمريكا»، ويحكي قصة واحدة منهن وهي الشخصية الرئيسية في الرواية. حياتها زاخرة بالمشاكل الكبيرة والصغيرة، والأحداث المضحكة والمأساوية، التي يرسم دوفلاتوف عبرها صورة المرأة الروسية المهاجرة. ومن ناحية أخرى، فإن أكثر اللحظات مأساوية يقدمها المؤلف بسخرية تدعو للضحك.

فتاة من عائلة طيبة

ماروسيا تاتاروفيتش فتاة من عائلة طيبة. سعى والدها فيودور تاتاروفيتش ووالدتها غالينا تيموفييفنا لمستقبل أفضل، لكن الظروف التاريخية للنظام السوفييتي، الذي دمر أفضل الناس، أجبرتهما في بداية حياتهما العملية على شغل مناصب غير مهمة. كان الصعود المهني في ظل الحكم السوفييتي يتطلب أربع صفات وهي: أن تكون روسياً وحزبياً وكفوءاً، ولا تشرب الكحول. وكلها كانت متوافرة في والدي ماروسيا. وبحلول نهاية حياتهم المهنية، شغلا مناصب مرموقة، وأصبحا عضوين في الحكومة المحلية. كان لدى ماروسيا كل شيء من أجل السعادة: تعيش في شقة فاخرة وحياة مرفهة، وتحت تصرفها سيارة حكومية، وهناك شرطي مناوب أمام المبنى، وتستطيع الحصول على كل ما ترغب فيه من سلع من متاجر خاصة مخصصة للمسؤولين وعوائلهم، بعد تخرجها من المدرسة، التحقت بمعهد الثقافة. منذ سن الثالثة عشرة، كانت محاطة بالمعجبين المناسبين لمكانتها الاجتماعية. شباب أذكياء ومهذبون. وكانت ماروسيا معتادة على الصداقة معهم لدرجة أنها نادراً ما كانت تفكر في الحب. كان كل شاب من حولها على استعداد للزواج من ابنة تاتاروفيتش الجميلة، الرشيقة، المبهجة. ولكنها صارت سببا في إحداث مشاكل لعائلتها، حين وقعت في عامها التاسع عشر في حب شخص يهودي يحمل اللقب البائس تسيخنوفتسر..
شعر والدا ماروسيا بالقلق حيث، بدا لهما تسخنوفتسر شخصا مشكوكا فيه. فقد كان يستمع إلى الإذاعات الغربية كل مساء، ويرتدي حذاءً بكاحل منخفضً يتسرب إليه الماء. قرر والد ماروسيا فيودور تاتاروفيتش التحدث مع تسيخنوفيتسر، حتى أنه أراد أن يعرض عليه رشوة، لكن تبين أن والدة ماروسيا، غالينا تيموفييفنا كانت أكثر حكمة. بدأت في دعوة تسيخنوفيتسر باستمرار إلى منزلها، وأحاطته بالرعاية والاهتمام. وفي الوقت نفسه، دعت أصدقاء ماروسيا الآخرين، أبناء المسؤولين الكبار. شعر تسيخنوفتسر بأنه منبوذ في هذا الوسط، فقد قتل والده خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت والدته سائقة ترام، وكان مفلساً دائماً تنفق عليه ماروسيا من مالها الخاص.

أخذ تسيخنوفتسر يكره أصدقاء ماروسيا ويسخر منهم، ويصفهم بالغباء والوقاحة، ومن الطبيعي أن يحقق ذلك نتائج عكسية، وبذل والدا ماروسيا جهودا كبيرة «لتحويل» اهتمام ابنتهما إلى ديما، ابن الجنرال فيدوروف، الذي وقعت في حبه وتزوجا. كان ديما متحذلقا وسرعان ما سئمت ماروسيا منه.

أخذ تسيخنوفتسر يكره أصدقاء ماروسيا ويسخر منهم، ويصفهم بالغباء والوقاحة، ومن الطبيعي أن يحقق ذلك نتائج عكسية، وبذل والدا ماروسيا جهودا كبيرة «لتحويل» اهتمام ابنتهما إلى ديما، ابن الجنرال فيدوروف، الذي وقعت في حبه وتزوجا. كان ديما متحذلقا وسرعان ما سئمت ماروسيا منه. وبدافع الملل، بدأت في خداعه بشكل عشوائي ومستمر، انفصل الزوجان الشابان. ثمّ وقعت ماروسيا في حب قائد الأوركسترا الشهير كازدان، ثم الفنان شرفتدينوف، ثم الساحر الشهير مابيس. لقد هجروا (ماروسيا) جميعاً، على نحو يذكرنا إلى حد ما بالفرار، ما عدا كازدان الذي تركها بلطف، فقد مات مسموماً. بحلول هذا الوقت، كانت ماروسيا في الثلاثينيات من عمرها، وتشعر بالقلق، مدركة أنها قد تحرم من فرصة إنجاب الأطفال بعد بضع سنين مقبلة، ثم ظهر في حياتها مغني البوب الشهير برونيسلاف رازودالوف. وانتهى الأمر بماروسيا معه إلى ما يشبه الزواج المدني. ذهبا في جولة فنية معا، أشرفت ماروسيا على حفلاته الموسيقية، ولكن سرعان ما اكتشفت ان رازودالوف يخونها مع العديد من النساء.. لأول مرة فكرت ماروسيا: كيف تعيش لاحقا؟ أدت الملذات إلى الشعور بالذنب. جوبه نكران الذات بالإذلال. واتضح أن حياتها حلقة مفرغة، وبعد عام أنجبت ولداً. ذهب رازودالوف في جولة فنية. وبعد إدانته بخيانة أخرى، اختلق الأعذار: «افهميني، أنا أحتاج كفنان إلى مصدر إلهام…» شعرت ماروسيا باليأس التام. كما هو الحال في الحكايات الخرافية ظهر تسيخنوفيتسر في حياتها مرة أخرى وقدم لها كتاب «أرخبيل غولاغ» لقراءته ونصحها بشدة بالهجرة.. لم تكن ماروسيا يهودية، وبعد أن خاضت شرحا دراميا مع والديها، قامت بتسجيل زواجها الشكلي من تسيخنوفيتسر لكي تتمكن من الهجرة معه. لم تهاجر لأسباب سياسية، ولكن «لأنه كان هناك شيء مغر في الهجرة». شيء مثل الحياة بعد الموت. يمكنك محاولة البدء من جديد، والتخلص من عبء الماضي.

بعد ثلاثة أشهر وصلا إلى النمسا. تسيخنوفيتسر غادر إلى إسرائيل. وانتظرت ماروسيا الحصول على التأشيرة الأمريكية. بعد ستة عشر يوما، هبطت في مطار كينيدي، ابنها الصغير عندما رأى الزنوج لأول مرة في حياته انفجر بالبكاء. كانت ابنة عمها لورا وزوجها فيما في استقبالهما في المطار. واستقرت ماروسيا وابنها في شقتهما. تم إلحاق ليف بروضة أطفال. بكى في البداية. وبعد أسبوع بدأ يتحدث الإنكليزية. حاولت ماروسيا العثور على وظيفة والاستقرار في نيويورك، وشراء أثاث للشقة الصغيرة التي استأجرتها في الحي الروسي. كانت نيويورك توحي لماروسيا بشعور التوتر والخوف. أرادت أن تكون واثقة، مثل كل من حولها. تحسد الأطفال والمتسولين ورجال الشرطة – وكل من كان يشعر بأنه جزء من هذه المدينة.. كان المعجبون بها في الحي الروسي ينجذبون إليها مثل الذباب للعسل. لكن الشخص الذي اختارته ماروسيا كان رافائيل اللاتيني، وهو رجل من عائلة ثرية يبلغ من العمر 50 عاما، ليس لديه مهنة محددة.

شاب علاقتهما العاطفية الكثير من المشاجرات العنيفة، التي كانت تنتهي في العادة بالتصالح، ما أثار الكثير من الأقاويل بين المهاجرين، كانت تعيش مع رافائيل حياة غريبة وعاصفة: كان يختفي لأيام ثم يظهر فجأة، وجميع مشاريعه الإثرائية كانت محض هراء. اعتبرته ماروسيا أحمق تماما، ولم يكن في ذهنه سوى السرير. صحيح أنه كان يعشق ابنها ليفوشكا (اسم التحبب لليف) ويشعر بالمساواة معه. بحلول هذا الوقت، كان دوفلاتوف أو الراوي على معرفة بماروسيا تاتاروفيتش التي كانت تعيش مع روفائيل في شقتها الفارغة المستأجرة، ودون مال في أكثر الأحيان.. في أحد الأيام، اتصلت ماروسيا بالراوي، وطلبت منه الحضور، واشتكت من تعرضها للضرب على يد رافائيل. وعندما جاء الراوي وجدها قد اصيبت بكدمة تحت عينها، وشفتها مجروحة. اشتكت ماروسيا من صديقها اللاتيني، وسرعان ما وصل رافائيل نفسه. كان رأسه ملفوفا بضمادات، تفوح منه رائحة اليود. ما يشير إلى حدوث شجار عنيف ودفاع رافائيل عن نفسه من اعتداء ماروسيا الغاضبة. كان رافائيل يثير الشفقة، وهو ينظر إليها بعين لامعة ملؤها الحب والحنان. قام الراوي بدور الوسيط وتصالحت ماروسيا مع روفائيل، وجلسوا إلى المائدة وشربوا زجاجة روم.
تقرر ماروسيا فجأة العودة إلى وطنها، لكن التواصل مع مسؤولي القنصلية السوفييتية الذين حاولوا استغلال قضيتها في الدعاية ضد الولايات المتحدة – يبرد حماستها. النقطة الأخيرة في شكوكها هي وصول زوجها السابق رازودالوف إلى أمريكا في جولة فنية: رسول الماضي هذا يخشى مقابلة ابنه. تتجمع الجالية الروسية لحضور حفل غنائي لمناسبة زفاف ماروسيا وروفائيل. وصل أقارب العريس بسيارة ليموزين، من أجل تقديمها هدية للعروسين. وكان من بين الهدايا – سرير ابيض لشخصين وقفص حديدي للولو. الكل ينتظر حضور العريس وعندما رأته ماروسيا أجهشت بالبكاء.

المعاناة الروحية للمهاجرين الروس

رواية «امرأة أجنبية» أهم عمل إبداعي كتبه دوفلاتوف بعد هجرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية. تم إدراج هذه الرواية – بعد تفكك الاتحاد السوفييتي – في المناهج المدرسية والجامعية الروسية، وجرى تحويلها إلى مسرحية ناجحة، عرضت على مسارح موسكو. ترجمت الرواية إلى الإنكليزية ولغات أخرى عديدة، وما زالت تحظى بشعبية كبيرة لدى القراء الروس. دوفلاتوف، الذي حصل في أمريكا على حرية التعبير التي كان يحلم بها، يستخدمها في «امرأة أجنبية» بطريقة إبداعية متفردة للغاية يبدو لأول وهلة أنه ينتقد النظام السوفييتي، لكنه يفعل ذلك على نحو غير مباشر وبطريقة تهكمية ساخرة يكاد يكون النقد فيها غير ملحوظ. يبدأ بالكتابة بشكل أكثر انفتاحا عن بعض الأشياء، لكنه لا يزال لا يتجاوز حدوداً معينة في كتابته. اتضح أن هذه الحدود يتم تحديدها من خلال بعض الاعتبارات الأخلاقية التي يلتزم بها دوفلاتوف، كما هو الحال في جميع أعماله السردية.
بالنسبة للكثيرين، أصبحت «امرأة أجنبية» من أفضل أعمال دوفلاتوف – حيث يجسد الكاتب الساخر، ليس فقط أسلوبا ناضجا، واستخداماً بارعاً مشرقاً للغة الروسية، والقدرة على بناء هيكل متناغم وعضوي للعمل فحسب، ولكن أيضا بعض الحكمة الدنيوية التي تملأ القصة. تمت كتابة «امرأة أجنبية» بعبارات قصيرة مكثفة وفي الوقت ذاته واضحة، فهو دقيق في اختيار كلماته، وتناغم عباراته، وعميق في التعبير عن المعاني. وهذا هو بالضبط جاذبية هذه الرواية، التي أصبحت أحد أكثر الأعمال قراءةً على نطاق واسع في روسيا.
عند تصوير الشخصية الرئيسية، يعمل المؤلف على تجسيدها بالتفصيل، ما يجعلها تبدو حقيقة وحيّة ومحبوبة.

تثير البيئة الأجنبية غير المألوفة مشاعر الخوف والعجز والوحدة والقلق والتوتر والرغبة في التخدير الذاتي بشرب الكحول: «غرست نيويورك في ماروسيا شعوراً بالانزعاج والخوف.. جرعة يومية من الخوف وعدم اليقين». شعرت ماروسيا وكأنها ضيفة في المنزل الريفي لأحد أقاربها.

في الوقت نفسه، لا ينسى تقديم الشخصيات الثانوية، وعاداتها وأفعالها المسلية. لا توجد في الرواية حبكة معينة، يتم سردها وفقا لمخطط معين ومع ذلك يصبح هذا العمل الأدبي الساخر مصدرا للمتعة خلال عملية القراءة نفسها، ومراقبة حياة الشخصيات، مع الاستمتاع بأسلوب المؤلف المدهش. بدت الهجرة إلى أمريكا غير واقعية لأبطال الرواية. وأصبحت شيئا «يذكرنا بفكرة الحياة الآخرة»: «أي أنه يمكن للمرء أن يحاول البدء من جديد، أو التخلص من عبء الماضي. وبطبيعة الحال، فإن الهجرة غيرت حياة الأبطال جذرياً.. روسيا هي نوع من «نقطة البداية» لهذه الرواية. وصف أمريكا يتم دائما مقارنة بروسيا: الشخصيات لا تلحظ الحقائق المتشابهة، ولا المؤلف الراوي «عندهم» ليس مثل «عندنا». يتم رسم «صورة المهاجر الروسي» حسب الحالة العاطفية للأبطال وثقافتهم وقيمهم الروحية. حياة جميع الأبطال تتركز في مدينة واحدة، لذا فإن فكرتهم عن البلد بأكمله تعتمد على فكرتهم عن مدينة نيويورك، التي يعيشون فيها.

تثير البيئة الأجنبية غير المألوفة مشاعر الخوف والعجز والوحدة والقلق والتوتر والرغبة في التخدير الذاتي بشرب الكحول: «غرست نيويورك في ماروسيا شعوراً بالانزعاج والخوف.. جرعة يومية من الخوف وعدم اليقين». شعرت ماروسيا وكأنها ضيفة في المنزل الريفي لأحد أقاربها. وسوف تضطر إلى العودة الى بيتها عاجلا أم آجلاً». بشكل عام كان الشعور بالقلق لدى المهاجرين يتزايد كل يوم. والشعور بخيبة الأمل يوحدهم جميعاً. خيبة الأمل نجمت عن انهيار صورة أمريكا كدولة الحرية والديمقراطية، التي نشأت في أذهانهم قبل الهجرة، عندما كانوا في وطنهم. وهذا ما يفسر الأسلوب الساخر، الذي يستخدمه المؤلف في تصوير شخصياته. على سبيل المثال، كتبت ماروسيا تاتاروفيتش إلى والديها: «الحرية هنا أكبر مما هي عليه في النمسا. ثمة متاجر خاصة لبيع الأعضاء المطاطية، لو رأتها أمي لأغمي عليها في الحال».
الحرية والديمقراطية من أهم السمات المميزة لبلد عظيم وغني مثل أمريكا، ولكنهما بالنسبة إلى المهاجرين الروس مجرد وهم. يقول الراوي: «لقد تبين أن الوهم هو السلعة الأكثر رواجاً في أمريكا. سوف أبيع الأوهام مقابل أربعين سنتا لكل وهم. وسأجني منها الملايين. لأن السلعة الأكثر شعبية في أمريكا هي الوهم». خيبة الأمل تثير الشعور بالوحدة لدى النساء الروسيات الوحيدات. الحياة الغريبة، غير مفهومة لهن. يقول الراوي: «لكننا في بلد أجنبي. نحن عمليا لا نعرف اللغة الإنكليزية. ليس لدينا سوى القليل من الدراية بالقوانين. نحن لسنا معتادين على الأسلحة. وهنا كل شخص ثان لديه مسدس.. أو ربما قنبلة.. بلد عظيم! نعم، لكننا غرباء هنا، بغض النظر عن معتقداتنا». اتضح أنه في بلد غني وعظيم، ليست هناك حاجة للأدب الروسي، ولكل تلك القيم الروحية والأخلاقية، التي عانى المهاجرون بسببها الاضطهاد في وطنهم: «من المعروف أن الأمريكيين يفضلون الأدب الخاص بهم. نادرا ما تصبح الكتب المترجمة هنا من أكثر الكتب مبيعا. الكتاب المقدس هو استثناء. لم تكن هناك حرية في روسيا، ولكن كان هناك قراء. ثمة ما يكفي من الحرية في أمريكا، ولكن ليس هناك قرّاء. لا توجد عدالة في أمريكا، فقيمها هي المال والثروة. الحلم العزيز لكل أمريكي هو الثراء، في هذا الصدد، يختلف المهاجرون الروس اختلافا كبيرا عن الأمريكيين النمطيين، الهادفين، الأغنياء، ذوي الأعصاب السليمة الذين يغيرون ملابسهم كل يوم. الأمريكيون متفائلون مبدئيون، يعتمدون فقط على أنفسهم.
وأوضحت لورا لماروسيا: « أمريكا تحب القوي والجميل والوقح. هذا بلد الناس العمليين الذين يتطلعون لتحقيق أهدافهم في الحياة. الأمريكيون يحتقرون الفاشلين. هنا لا يمكنك الاعتماد إلا على نفسك، لذلك، تبقى خطط المستقبل، مثل المستقبل نفسه، في الحياة الماضية، أي في روسيا ما هي الضمانات التي يمكن أن تكون لدينا في أمريكا؟ وماذا يمكن أن نقول عن المستقبل؟ الحديث الوحيد في روسيا هو عن المستقبل. لكن هنا تعيش على الهامش. اليأس يثير رغبة غير متوقعة – العودة إلى الوطن.. يطرح سؤال طبيعي، هل كان الأمر يستحق كل هذا العناء في سبيل الهجرة إلى أمريكا؟ هذا السؤال لا يواجه الشخصية الرئيسية فحسب، بل كل أبطال الرواية، وكل المهاجرين، الذين لا يمكنهم العثور على إجابة عنه. ومع ذلك تسأل لورا: «لماذا هاجرتِ؟» لم تكوني مهتمة بالسياسة، وتعيشين حياة مرفهة. ولا تعانين من أي مشاكل؟» .

كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com