منوعات

الحياة السرية للكلمات»… يسري نصر الله يكتشف معنى الأسفلت…وجولييت عواد والمواقف السهلة

بيدر ميديا.."

الحياة السرية للكلمات»… يسري نصر الله يكتشف معنى الأسفلت…وجولييت عواد والمواقف السهلة

راشد عيسى

 

“أحمد دومة على الأسفلت”، بهذه العبارة تلقّينا أخيراً نبأ إطلاق سراح الشاب المصري، أحد أبرز وجوه ثورة “يناير” والربيع العربي من سجون عبد الفتاح السيسي. انشغلنا بضحكته، فرحته، عناقاته لمستقبليه، ووفائه للرفاق الباقين وراء الجدران، حين راح يعدد أسماءهم في عزّ انشغاله بتلمّس وإعادة اكتشاف الشمس والهواء والناس.
تَذَكَّرْنا خصوصاً هتافه المدوي الشهير، وهو بين يدي العسكر أمام عربة الترحيلات. صوت فريد بحق يليق بأن يكون ممثلاً لجيل الربيع العربي المغدور.
تَذَكَّرْنا أشياء كثيرة من ذلك العقد الفريد في تاريخ العرب، قد لا تتسع القواميس والموسوعات لذكرها.
غير أن يسري نصر الله، المخرج السينمائي المصري المعروف التفتَ، في خضمّ البهجة، لشأن آخر، فكتب مستغرباً: “ليه لما حدّ بيخرج من السجن ما بنقولش “فلان بيتنفس هوا الحرية”، أو “فلان بقى وسط أهله وحبايبه”، أو أي حاجة غير “فلان على الأسفلت”؟ الأسفلت مش أكتر مكان بيوحي لي بالحرية: ناشف، وقاسي، ومزدحم، وريحة العادم عليه خانقة.
مبروك لأي حدّ النهار ده طلع من السجن، ونام وسط أهله، وصحي وأخد دش، وفطر مع حبايبه” .
ومع التقدير لرهافة نصر الله، سنكتشف أن السينمائي المصري، على ما يبدو، منفصل عن الشارع المصري. يبدو أن صاحب فيلم  “باب الشمس” يعيش في زمن آخر. أو على الأقل في بيئة أخرى تأنف أن يكون الكلب رمزاً في حفاظ الود، والتيس في قراع الخطوب.. حيث تصبح الرموز أكثر تمثيلاً وإخلاصاً لبيئاتها، لمعناها في سياقها.

تَذَكَّرْنا خصوصاً هتاف أحمد دومة المدوي الشهير، وهو بين يدي العسكر أمام عربة الترحيلات. صوت فريد بحق يليق بأن يكون ممثلاً لجيل الربيع العربي المغدور.

هنالك حياة إذن للكلمات، مسار، وتاريخُ تحولات، وربما تلمّسَ السينمائيُّ العتيق في التعليقات على منشوره المعاني الرائعة للأسفلت، التي لا تمتّ إلى “النشفان، والقسوة، والازدحام، ورائحة العادم” بصلة.
فسّر معتقل سابق العبارة بالقول: “عشان احنا في السجن مابنشوفش الشارع، ما بنمشيش عليه، حتى السماء بيننا وبينها حديد. قفص كبير حديد في حديد. ما فيش حرية الحركة. أنا لما خرجت، كنت بمشي كل يوم 3 ساعات في شوارع المعادي، بدون هدف، بس ماشي ع الأسفلت”
كما قال معتقل آخر: “لأن الأسفلت والألوان والليل والكوتشي رفاهية بنكون محرومين منها. قعدت 3 سنين كل اللي كنت بتمناه أني أشوف الليل وأنا ماشي في الشارع، ولابس كوتشي.. أحلام بسيطة، لكن هي بالنسبة لنا حياة”.
إلى آخر كتب: “المقصود بيه رجله لامسة أرض الشوارع مش السجن.. السجن مفيهوش شارع، مفيهوش أسفلت.. حتى بقسوة الأسفلت ووحشته فكون السجين بيمشي عليه بحرية احتفال.. ومعناها كمان مش بس خد إفراج، مش بس خد عفو ولسه مسجون، ولسه إجراءات.  جملة “على الأسفلت” يعني خرج فعلياً بشحمه ولحمه ولمس الأرض برة السجن”.
وكتبت عزة شعبان تفسر لماذا الأسفلت كلمة سحرية: “على شان كتير بيبقى المسجون أخد إخلاء سبيل، بس الحكم ما اتنفذش، وعليه؛ المحامين لازم يدوّروا هو فين، و يضغطوا على شان يطلع والحكم يتنفذ. يعني قرار الإخلاء مش كفاية على شان نكون مطمنين أن فلانة أو علان خرج فعلاً. ودايماً بيكون السؤال يعني بقى على الأسفلت؟ هي دي الكلمة السحرية اللي بتطمّنا وتهدينا، ونعرف بيها أنه خرج فعلاً من السجن. لأن كتير بيختفي المسجون، ومش بيظهر بعد صدور الحكم”.
وعليه، بإمكانك أن تتخيل أفراد أسرة معتقل، يمضون أيامهم، بل سنواتهم، في انتظار أحد يُسْمِعُهم تلك الكلمة الحلم. هل هنالك أجمل!
تمتلئ كلمة الأسفلت، في مملكة السيسي، وأسلافه من طغاة مصر، بكل الأحلام النقيضة لمفردات السجن، فجأة يصبح لهذه الكلمة الأرضية الواطئة معنى السماء الواسعة، والضجيج الحلو للناس، حرية الحركة والانتقال والمضيّ والتجاوز، بمعان ليست في الأصل. فالأسفلت، كما يقول معلق آخر: “يعني طريقاً، والسجن قاطع للطريق”.

المزايدة في رفض التطبيع لساكن في عمّان أو دمشق أو في ضاحية بيروت الجنوبية، أو في كاليفورنيا، سهلة. الأصعب، والأكثر إجهاداً للعقل، أن نفكر بيوميات عيش فلسطينيي الـ 48، كيف كان بإمكانهم البقاء، والاستمرار، لأكثر من 70 عاماً في بيوتهم.

استقالة جولييت عواد

أعلنت الممثلة الأردنية جولييت عواد استقالتها من عضويتها الشرفية في نادي “الوحدات” الأردني، احتجاجاً على مباراة لفريق هذا النادي مع فريق إماراتي يضم بين لاعبيه لاعباً من فلسطينيي 48، يحمل، مثل مليون ونصف فلسطيني آخرين، مرغمين، جواز السفر الإسرائيلي. ما اعتُبر تطبيعاً، وعاراً، وأثار نقاشاً لم ينته حتى الساعة.
تداول سكان مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً صوتياً لعواد تقرّع فيه هذه الخطوة التطبيعية، وتكرر كلمات من قبيل “يا عيب الشوم”، وهذا فريق مخيم، وفريق فلسطيني، و”الشباب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يقاومون الاحتلال ويدفعون أرواحهم فداء الوطن، بينما يقوم آخرون بالتطبيع مع المحتفلين، الذين يقتلون شبابنا ونساءنا وأطفالنا، ويهدمون بيوتنا ويقلعون أشجارنا”.
لا يبدو أن عواد أخذت في الحسبان بيان النادي، الذي أكد، رغم عزمه على التباري، مقاومة المشاريع الصهيونية، وحمل لواء العودة، ورفضه للتطبيع.
المزايدة في رفض التطبيع لساكن في عمّان أو دمشق أو في ضاحية بيروت الجنوبية، أو في كاليفورنيا، سهلة. الأصعب، والأكثر إجهاداً للعقل، أن نفكر بيوميات عيش فلسطينيي الـ 48، كيف كان بإمكانهم البقاء، والاستمرار، لأكثر من سبعين عاماً في بيوتهم، مشكّلين أبرز كوابيس الدولة العبرية، وأخطر التحديات التي تواجه مستقبلها.
هناك تفاصيل كثيرة لا تحصى في ما يجوز وما لا يجوز، في الضرورات، وفي المبالغة بالذهاب بعيداً بالانصياع للإسرائيلين، ويبدو أن أمثال جولييت لا يريديون أن يشغلوا البال بالتفاصيل، خصوصاً إذا كان الادعاء برفض التطبيع يأتي بالكثير من المصفقين والمهللين لهذه البطولة المجانية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com