مقالات

الأولى – الجنسية وإشكالياتها؛

بيدر ميديا.."

على سبيل الاستهلال

 

“كلما اتّسعت الرؤية ضاقت العبارة”

النفري

 

           تندرج مشكلة الكرد الفيليين وإشكالياتهم تاريخيًا بقضيتين أساسيتين هما:

الأولىالجنسية وإشكالياتها؛

والثانيةالمواطنة وأركانها، وهما مسألتان مترابطتان في الدولة العصرية، وتعتبران من صميم حقوق الإنسان، خصوصًا ما تعرّض له الكرد الفيليون من معاناة وحرمانات تتعلّق بهاتين المسألتين المتداخلتين حقوقيًا وإنسانيًا في السابق والحاضر، حيث كان النقص فيهما فادحًا على امتداد تاريخ الدولة العراقية وإلى اليوم.

ظلّت “الجنسية العراقية” إشكالية قائمة في الدولة العراقية منذ تأسيسها وتنصيب الأمير فيصل الأول ملكًا عليها في 23 آب / أغسطس 1921. وشملت هذه الإشكالية أعدادًا واسعة من المواطنين العراقيين، وارتبطت بشكل أساسي بقوانين الجنسية المتعاقبة منذ تشريع أول قانون للجنسية، وهو القانون الأول رقم (42) لعام 1924[1]، والذي سُنّ قبل كتابة دستور المملكة العراقية.[2]

 

نظرة في المتن

إن مشكلة الكرد الفيلين وإشكالية وضعهم القانوني والإنساني ترتبط على نحو وثيق في بالتباس وغموض وإبهام وإغراض في تعريف “من هو العراقي؟” [3]، وهو العنوان الذي اخترناه لكتابنا، الذي بحثنا فيه إشكالية الجنسية واللّاجنسية في القانونين العراقي والدولي، خصوصًا وأن هذه الإشكالية تفاقمت وازدادت تعقيدًا في العهد الجمهوري، لاسيّما بعد انقلاب 8 شباط /  فبراير 1963. وإذا كان قانون الجنسية الأول بذر التمييز على حساب المواطنة المتساوية، فإن صدور قانون الجنسية الثاني رقم (43) لسنة 1963 وتعديلاته[4]، زاد المشكلة تفاقمًا، والإشكالية تعقيدًا، حيث أدخل تقييدات جديدة للحصول على الجنسية بأن حصرها بموافقة وزير الداخلية بالنسبة للمولود في العراق ولأب مولود ومقيم فيه بصورة معتادة. وتشمل هذه الفقرة من لم يحصل على شهادة الجنسية العراقية قبل نفاذ القانون. وهو ما عانت منه شريحة كبيرة من العراقيين، وفي مقدمتهم الكرد الفيليين.

وعشية غزو الكويت صدر “قانون الجنسية العراقية رقم (46) لسنة 1990[5]، وذلك في يوم 18 تموز / يوليو، وأعقبه بعدّة أيام نشر مشروع دستور جديد في 30 تموز / يوليو، أي قبل غزو الكويت بثلاثة أيام[6]، الأمر الذي يُستنتج منه أن العراق كان مقبلًا على تغييرات جيوبوليتيكية ودرامية خطيرة أو أن حكومته كانت تتهيأ لذلك وتستعد له.

وبقدر ما يتعلّق الأمر بقانون الجنسية المذكور فقد منح سلطات تقريرية كبيرة لوزير الداخلية في منح الجنسية أو سحبها، ويُعتبر هذا القانون أكثر تشدّدًا من جميع قوانين الجنسية وقرارات مجلس قيادة الثورة ذات الصلة، خصوصًا وأنه جاء بعد عملية التهجير التي شملت عشرات الآلاف من العوائل الكردية الفيلية، ناهيك عن تشتيت الكثير من العوائل وتفتيتها بتسفير أحد أركانها، لكن قانون الجنسية المذكور ومشروع الدستور الدائم طُويا ووضعا على الرف بعد حرب قوات التحالف على العراق، وفرض عقوبات عليه دامت نحو 12 عامًا وانتهت باحتلاله في العام 2003.

ولا بدّ من التوقّف في موضوع الجنسية عند العديد من قرارات مجلس قيادة الثورة منذ انقلاب 17 تموز / يوليو العام 1968 ولغاية العام 2003، ونشير هنا إلى ثلاث قرارات غاية في الغرابة؛ الأول  القرار رقم 803 الصادر في 12 تموز / يوليو 1977، حيث أصبح اكتساب الجنسية العراقية للمولود في العراق متوقفًا على تقدير وزير الداخلية وأن لا يكون في وجوده ضررًا على سلامة العراق وأمنه. ولم يشفع لمن أدّى الخدمة العسكرية الإلزامية كعامل مجزٍ لاكتساب الجنسية العراقية، كما تقر معظم قوانين العالم؛

والثاني هو القرار رقم (666) الصادر في العام 1980، القاضي بإسقاط الجنسية عن العراقيين من أصل أجنبي لاعتبارات سياسية تتعلّق بالولاء، وشمل الكرد الفيلية بالدرجة الأساسية في التطبيق؛

والثالث –  هو القرار رقم (199) في 6 أيلول / سبتمبر 2001 [7]، والذي منح المواطنين العراقيين من غير العرب الحق في تعديل قوميتهم إلى القومية العربية في محاولة لتغيير التركيب الديموغرافي والواقع السكاني الذي اتّبع كمنهجية سياسية، خصوصًا إزاء بعض المناطق ومنها كركوك.

وقد أدّت تلك القوانين والقرارات إلى حرمان شرائح عراقية كبيرة من الجنسية، ومنهم بشكل خاص الكرد الفيليين، وخصوصًا عشيّة وخلال الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988)، حيث شمل الأمر تهجير عشرات الآلاف منهم، ونزع جنسيتهم وسلب ممتلكاتهم تعسّفًا، وذلك بعد صدور القرار (666) في 7 ايار / مايو 1980 [8]، الذي قرّر إسقاط الجنسية العراقية عن كلّ عراقي من أصل أجنبي إذا تبيّن عدم ولائه للوطن والشعب والأهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة، وعلى وزير الداخلية أن يأمر بإبعاده ما لم يقتنع بناءً على أسباب كافية بأن بقاءه أمر تستدعيه ضرورة قضائية أو قانونية أو حفظ حقوق الغير.

وكان الرئيس الأسبق صدام حسين قد أمسك بشاربه في مدينة الطب وأقسم بعد حادث التفجير الذي حصل في الجامعة المستنصرية بالقول “سنرسل الخمينيين إلى خمينيهم“. وأعقب ذلك مباشرةً تلقّي نحو 800 تاجر عراقي، قسم كبير منهم من الكرد الفيليين، دعوة من غرفة تجارة بغداد، اتضح أنها مكيدة، ليُنقَلوا بالسيارات إلى الحدود العراقية – الإيرانية ويُتركوا بالعراء.

وقد فسّر مدير الأمن العام فاضل البراك يومها القرار (666)، ومفهوم التبعية الإيرانية بقوله: هناك فارسية بالجنسية وفارسية بالولاء، وذلك في حديث له لمجلة ألف باء، الأمر الذي يعني أن القرار سياسي، حيث “جرى تسفير العوائل التي ثبتت عدم ولائها للثورة، وإن حملت الجنسية العراقية” [9] .

 

رؤية استشرافية

منذ أواخر العام 1980 بلور الكاتب رؤية ثقافية حقوقية قانونية بخصوص عملية التهجير اللّاإنسانية، التي شملت الكرد الفيليين أو من أطلق عليهم من التبعيّة الإيرانية، خصوصًا وقد اطّلع على حالات مأساوية، فضلًا عن مراجعة العديد منهم له وطلبهم المساعدة. الجدير بالذكر أن حملة التهجير طالت بعض العرب من بني كعب وأسد ومالك الذين كانوا يتنقلون تاريخيًا ما بين العراق وإيران على الحدود الشرقية، وبموجب قوانين الجنسية المتعاقبة، أصبحوا عراقيين من الدرجة الثانية، في حين أن بعضهم لديه أفضال على  الأمة العربية ولغتها. ولعلّ تلك الرؤية استندت إلى عاملين أساسيين حقوقي وإنساني، سواء ما يتعلّق بالجنسية أم بالمواطنة، فضلًا عن جوهر حقوق الإنسان، بما فيه احترام الهويّات الفرعية والاعتراف بخصوصيتها وحقوقها.

كما شجّع الباحث على تأسيس ودعم جمعية للمهجرين العراقيين في الشام، وكتب رسالة باسمهم إلى كورت فالدهايم، أمين عام الأمم المتحدة[10]، يدعوه فيها للتدخّل إنصافًا للمهجّرين العراقيين الذين سُلبت منهم جنسيتهم وممتلكاتهم بما يشكّل خرقًا سافرًا لحقوق الإنسان، فالجنسية حقّ للإنسان، ولا يمكن انتزاعه تعسّفًا، كما لا يمكن حرمان أحد من جنسيّته.

 

حقوق الضحايا بمعيار العدالة الانتقالية

إذا كانت إشكالية الجنسية قد بدأت في العهد الملكي، إلّا أنها تفاقمت على نحو شديد خلال العهد الجمهوري، بل أصبحت ظاهرة مستمرّة ومؤرّقة لبعض الفئات، حيث اتّسعت دائرة الالتباس والاستهداف لأعداد واسعة من العراقيين، سواء بإبعاد بعض رجال الدين في العشرينيات أو بإسقاط الجنسية عن اليهود العام 1950 أو عبر عقوبات غليظة ضدّ سياسيين معارضين، خصوصًا عشية حلف بغداد (1954 – 1955) أو خلال عملية تهجير جماعية، اتسمت بطابع عنصري، لاسيّما عشية الحرب العراقية – الإيرانية وخلالها وما بعدها.

ولعلّ ذيول هذه المشكلة ما تزال قائمة، بعضها يتعلّق باستعادة الجنسية المستلبة، فضلًا عن حقوق الملكية المترتّبة عليها والكشف عن مصير أعداد غير قليلة من المفقودين الذين احتُجزوا وفُصلوا عن عوائلهم التي جرى تهجيرها ثمّ غُيّبوا، وما زال مصيرهم مجهولًا. وأعتقد أن الكشف عن مصيرهم وإجلاء الغموض الذي لفّ حياتهم هو مسألة جوهرية ببعديها الإنساني والحقوقي وما يرتبط بها من تعويضات مادية ومعنوية للغبن والإجحاف والضرر الذي لحق بهم طيلة السنوات المنصرمة، إضافة إلى جبر الضرر، وبالتالي وضع المسألة في سياقها القانوني بما فيها إصلاح الأنظمة الدستورية والقانونية والقضائية وأجهزة إنفاذ القانون، فضلًا عن الأجهزة الأمنية، لكي لا يتكرّر ما حصل، وذلك باعتماد مبادئ العدالة الانتقالية.

وهنا لا بدّ من الأخذ بنظر الاعتبار أولًا وقبل كلّ شيء حقوق الضحايا وأسرهم في حال مفارقتهم الحياة، وهو ما ذهبت إليه اتفاقية شيكاغو لعدالة ما بعد النزاعات، التي يمكن تكييف بعض موادها لتساهم في كشف الحقيقة وعدم طمس الماضي لكي لا ننسى، وذلك لتوثيق الذاكرة، وأخيرًا فإن الحقيقة لذاتها وبذاتها تجلب قدرًا من التطهّر الروحي والإنساني للفرد والمجتمع وتشكّل عنصر ردع مستقبلي، خارج دائرة الثأر أو الانتقام أو الكيدية.

وإذا كانت فكرة العدالة قيمة مطلقة ولا يمكن إنكارها أو التنكّر لها أو حتى تأجيلها تحت أي سبب كان أو ذريعة أو حجة، فإن العدالة الانتقالية تشترك مع العدالة التقليدية في إحقاق الحق وإعادته  إلى أصحابه وفي كشف الحقيقة وفي جبر الضرر وتعويض الضحايا، خصوصاً لما له علاقة بالقضايا السياسية والمدنية العامة.

لكن العدالة الانتقالية تختلف عن العدالة التقليدية المتواترة في كونها تُعنى بالفترات الانتقالية مثل: الانتقال من حالة نزاع داخلي مسلح أو حرب أهلية إلى حالة السلم والانتقال الديمقراطي، أو من حالة انهيار النظام القانوني إلى إعادة بنائه ترافقاً مع إعادة بناء الدولة أو الانتقال من حكم تسلّطي دكتاتوري إلى حالة الانفراج السياسي والانتقال الديمقراطي، أي الانتقال من حكم منغلق بانسداد آفاق، إلى حكم يشهد حالة انفتاح وإقرار بالتعددية، وهناك حالة أخرى وهي فترة الانعتاق من الكولونيالية أو التحرر من احتلال أجنبي باستعادة كيانية مستقلة أو تأسيس حكم محلي، وكل هذه المراحل تواكبها في العادة بعض الاجراءات الإصلاحية الضرورية وسعي لجبر الأضرار لضحايا الانتهاكات الخطيرة، وخصوصاً ذات الأبعاد الجماعية.

قد يتبادر إلى الذهن أن اختيار طريق العدالة الانتقالية يتناقض مع طريق العدالة الجنائية، سواءً على المستوى الوطني أم على المستوى الدولي، في حين أن اختيار الطريق الأول لا يعني استبعاد الطريق الثاني، وخصوصاً بالنسبة للضحايا وتعويضهم معنويًا وماديًا، إضافة إلى عدم إفلات المرتكبين من العقاب.

ولكن مفهوم العدالة الانتقالية ودوافعها السياسية والقانونية والحقوقية والإنسانية، أخذ يتبلور وإنْ كان ببطء في العديد من التجارب الدولية وفي العديد من المناطق في العالم، ولاسيما في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصًا في ثمانينيات القرن الماضي، حيث شاع المفهوم إلى حدود كبيرة، الأمر الذي يحتاج إلى توسيعه ليشمل حالات مماثلة، وتكييف بعض فقراته ارتباطًا مع الارتكابات الأخرى لينطبق على حالة الكرد الفيليين.

 

المواطنة

تشتبك الإشكالية بالنسبة للكرد الفيلية بجوهر فكرة المواطنة “المعوّمة” أو الناقصة، تلك التي تقوم على أربعة أركان أساسية؛

أولها- الحريّة، فستكون المواطنة ناقصة دونها؛

وثانيها –  المساواة، إذْ لا بدّ من المساواة في الحقوق والواجبات، لاسيّما أمام القانون، ودون ذلك ستكون المواطنة مشوّهة؛

وثالثها – العدالة بمفهومها العام، ولاسيّما العدالة الاجتماعية، وستكون المواطنة مبتورة مع الفقر، وفي ظلّ التفاوت الاجتماعي والطبقي، وعدم تكافؤ الفرص؛

ورابعها – الشراكة والمشاركة، حيث تفترض المواطنة شراكة في الوطن ومشاركة في اتخاذ القرار دون تمييز أو استعلاء من طرف على آخر بحجّة الأغلبية تارةً، أو ادّعاء الأفضليات تارة ثانية، أو لأية أسباب أخرى، فذلك يُصيب المواطنة بمقتل خطير ينتقص منها ويُفرغ محتواها.[11]

 

معاناة بلا حدود

يمكن بشكل مكثّف إعطاء صورة أولية على ما تعرّض له الكرد الفيليين من حملات تهجير بدأت منذ العام 1963، تحت عنوان التبعيّة الإيرانية أو غير العثمانية، حيث ينفرد القانون العراقي للجنسية باشتراط شهادة الجنسية العراقية عن الغالبية الساحقة من قوانين الجنسية في العالم، الأمر الذي خلّف نوعًا من التعقيد والالتباس والغموض والتوظيف السياسي، خصوصًا في فترة اندلاع الأزمات، حيث تمّ استغلاله، لاسيّما بحق الكرد الفيلية.

وقد نصّت المادة الثالثة من قانون الجنسية الأول على ما يأتي: “كلّ من كان في اليوم السادس من آب (أغسطس) 1924 من الجنسية العثمانية وساكن في العراق عادةً، تزول عنه الجنسية العثمانية، ويُعدّ حائزًا على الجنسية العراقية، ابتداءً من التاريخ المذكور[12]، وكان يُفترض بالمشرّع اعتماد اتفاقية لوزان لعام 1923، إذْ يُعتبر كلّ من كان مقيمًا في العراق عراقيًا بالتأسيس بعد قيام المملكة العراقية.

فقد حصل عدد من اليونانيين والكرج والأرمن والألبان والترك وغيرهم ممن كانوا يحملون الجنسية العثمانية على الجنسية العراقية، في حين حُرم منها العديد من العرب والكرد، وخصوصًا الكرد الفيليين بموجب هذا القانون، واعتبرت الفئة (أ) هي من التبعية العثمانية، في حين أنهم اعتبروا من الفئة (ب) أي من الذين تقدّموا بطلب الحصول على الجنسية.

وبتقديري أن بريطانيا التي كان العراق تحت انتدابها، عملت على بذر الفُرقة في صفوف العراقيين بالتمييز بينهم، أو تحريك ما كان راكدًا منها، وذلك بتقنينه، بحيث أصبح لغمًا مستمرًا انفجر على مراحل طوال تاريخ الدولة العراقية، خصوصًا بوضع درجتين للجنسية لمن كانوا مقيمين في العراق عند تأسيس المملكة العراقية، الأمر الذي ترك تأثيراته السلبية على النسيج الوطني والاجتماعي للعراق.

وخلال الستينيات وفي العام 1966 تحديدًا، تمّ تهجير بضعة آلاف من الكرد الفيلية، عاد قسمًا منهم بعد فترة قصيرة. وما بين العام 1969 والعام 1972 تمّ تهجير نحو 70 ألف مواطن عراقي غالبيتهم الساحقة من الكرد الفيليين، على الرغم من الاتفاق بين قيادة الحركة الكردية والحكومة العراقية على إصدار بيان 11 آذار / مارس 1970، الذي وضع أسس أولية لحلّ المسألة الكردية، وتم تعديل الدستور الدائم على أساسه[13]، وبعد اتفاقية 6 آذار / مارس العام 1975، بين صدام حسين نائب الرئيس حينها وشاه إيران محمد رضا بهلوي، جرت عملية تهجير داخلية شملت نحو 150 ألف مواطن كردي من قراهم ومناطق سكناهم بين أعوام (1975 – 1978)، لكن الحملة الأكبر كانت شاملة وواسعة خلال الحرب العراقية – الإيرانية، حيث تمّ رمي عشرات الآلاف من العوامل العراقية على الحدود ، وقد بدأت عشية الحرب. [14]

 

المواطنة والجنسية: منظور حقوقي

          استهدفت عملية التهجير نزع الجنسية من جهة، وانتزاع الحق في المواطنة من جهة أخرى، أي قطع العلاقة بالوطن الأصلي، فضلًا عمّا صاحبها من إشكاليات تتعلّق بالملكية المنقولة وغير المنقولة، إضافة إلى تشتيت الآلاف من العوائل، حيث تم تمزيقها بتسفير الزوج والإبقاء على زوجته وأطفاله، أو بالعكس، ناهيك عن الطلاقات التي حدثت، سواء كانت شكلية أم حقيقية، وكلّ تلك الإجراءات تخالف القواعد الآمرة (الملزمة) في القانون الدولي JUS COGENS، وما يسمى بمبدأ حسن النية في تنفيذ الالتزامات الدولية Pacta Sont Serevenda ، خصوصًا ما يتعلّق بحقوق الإنسان، حيث نصّت المادة الخامسة عشر، الفقرة الثانية على عدم جواز حرمان الشخص من الجنسية حرمانًا تعسفيًا، وحدّد الإعلان الضوابط القانونية التي تُبنى عليها قواعد الجنسية [15].  وباختصار فإن تلك الضوابط ليست عنصرية، أو دينية أو طائفية أو لغوية، حيث تستند قوانين الجنسية في العالم على مبدأين أساسين هما:

  • البنوّة: أي الولادة، وقد أخذ القانون العراقي بشأن الجنسية الصادر العام 1924 بهذا المبدأ، محدّدًا “الولد الشرعي” أساسًا لمنح الجنسية، وذلك في المادة الثامنة منه.[16]
  • الإقليم: أي الأرض التي ولد فيها (المولود)، بغض النظر عن جنسية الأب، وهو ما تأخذ به بعض القوانين ومنها القانون البريطاني قبل تعديله في العام 1983. وهذا يتعلّق بالجنسية الأصلية. أما الجنسية المكتسبة فيمكن اكتسابها بالولادة ثم الاستقرار بشكل متصل في البلد المعيّن حتى سن الرشد، وتشترط بعض البلدان (الولادة إضافة إلى الإقامة المتّصلة حتى بلوغ سن الرشد). وهناك ما يُعرف بالتجنّس أي اكتساب الجنسية بعد فترة من (الاستقرار النهائي)، ويتم ذلك بتقديم طلب من الفرد للإقامة الدائمة في البلد المعيّن والحصول على جنسيتها بهذا المعنى فهو عمل إرادي.

استندت السلطة العراقية في تبريرها لتفسير المهجّرين على أُسس سياسية وغير قانونية، ناهيكم عن مخالفتها لمبادئ المواطنة المندرجة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، لا سيّما موضوع الولاء، فضلًا عن نظرة عنصرية تتعلّق بالأصول العرقية، وهكذا طالت الإجراءات الجماعية وبصورة تعميمية الكرد الفيليين واعتبروا بشكل عام غير موالين لتربة الوطن ومن “أصول غير عراقية” وفقًا لنظرة شوفينية بالضدّ منها جميع مواثيق حقوق الإنسان كما جرت الإشارة إلى ذلك، في حين أن قوانين الجنسية في العالم، ناهيك عن العلم الحديث والأنثروبولوجي (علم الإنسان)، لم يعد يتشبّث بالصفاء العرقي والتعصّب الديني أو الطائفي، كما أن المجتمعات الحديثة والبلدان التي تسعى إلى التقدّم، لا تجد غضاضة في التنوّع العرقي والتعدّد والتعايش الديني والطائفي، الذي هو عنصر قوّة وليس عنصر ضعف، في إطار مواطنة جامعة وهويّة عامة (عراقية مثلًا) تتعدّد فيها الهويّات الفرعية.

إن خصوبة بلاد ما بين النهرين (بلاد الرافدين) جعلت العراق عرضة لامتزاج الأقوام، وتركيبة الشعب العراقي الحالية، وبفعل التفاعل الحضاري، بُنيت من فسيفساء بشرية تعكس التنوّع مع الاحتفاظ بالخصوصية وبقاء العنصر العربي يشكّل الغالبية الساحقة من المواطنين العراقيين، والعنصر الكردي يشكّل الغالبية الساحقة من سكان كردستان – العراق. فهل في ذلك نقيصة أو عيب؟ وهل وجود مجموعات ثقافية أخرى في العراق، سواء قومية أو دينية أو تمايزات إثنية أو مذهبية أو غيرها، يدعو للاحتراب؟

كان الصراع شديدًا وحادًا  بين الدولة العثمانية (الإمبراطورية) وبين الدولة الصفوية (الفارسية) قبل الاحتلال البريطاني، وخصوصًا في العراق وعلى العراق، وكل طرف حاول أن يطبع العراق بطابعه العنصري والمذهبي، علمًا بأن الفكرة القومية لم تكن قد ظهرت وتبلورت على نحو واضح، كما لم يكن مفهوم الجنسية بدلالاته الراهنة وأبعاده السياسية والاجتماعية والقانونية قد اكتسب هذا البعد الحقوقي والوطني أيضًا.

وهكذا كان العراقيون مخيّرين في تبنّي “الجنسية” التي يرغبون فيها، دون أن يكون لتلك القضية دلالات قومية واضحة. وإذا كان الغالب الشائع كما يُقال قد شكّل المشهد السائد بحصول العراقيين على الجنسية العثمانية، فإن “النادر الضائع“، مثّل حصول بعضهم على الجنسية الإيرانية، دون أن يكون للأمر دلالة انتماء أو ولاء أو تبعية، طالما لم تكن الجنسية حينذاك تعني ما تعنيه اليوم.

وعليه فإن إجراءات التهجير تخالف بشكل صريح وسافر ميثاق هيئة الأمم المتحدة ، حيث نصّت ديباجته على ما يلي: “نحن شعوب الأمم المتحدة قد آلينا على أنفسنا أن نؤكّد من جديد إيماننا بالحقوق الاساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية”[17].

وأكدت المادة الأولى من الميثاق (الفقرة الثالثة) على تحقيق التعاون الدولي في حلّ المشاكل الدولية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإنساني، والمحافظة على حرمة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بدون تمييز في العرق أو اللغة أو الدين أو تفريق بين الرجل والمرأة. وهو ما أكّدته المادة (55) من الميثاق أيضًا.

إن سلب حق الحياة وامتهان حريّة المهجرين وكرامتهم، والاعتداء على سلامتهم الشخصية يناقض الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنصّ مادته الثالثة على “حق كل إنسان في الحياة والحريّة والسلامة الشخصية”، وتحرّم المادة الخامسة “تعريض أي إنسان للتعذيب أو العقوبات أو المعاملات القاسية أو المذلّة للكرامة الإنسانية”، وأكدت المادة الثالثة عشر على “حق المواطنة والجنسية”. كما نصّت على “حق المواطنين في مغادرة أوطانهم والعودة إليهم”.[18]

وحتى العمليات العسكرية والنزاعات المسلّحة والحربية، لا تبرّر تلك الإجراءات التي اتّخذتها الحكومة بحق عراقيين أصبحوا بين ليلة وضحاها بمثابة “رعايا أجانب“، فإن قوانين الحرب وأعرافها لا تبرّر طرد المواطنين وتشتيت شمل الأسر والعوائل، حيث نصّت اتفاقية لاهاي لعام 1907 حول الحرب البريّة في المادة السادسة والأربعين على وجوب “احترام كرامة الأسرة وحقوقها وحياة الافراد والممتلكات الخاصة بهم”. وذهبت المادة الخمسون إلى التأكيد على عدم جواز فرض عقوبات جماعية أو مالية وبأية صورة أخرى بسبب أعمال أفراد، حيث لا يجوز اعتبار المواطنين مسؤولين عنها بشكل جماعي.[19]

وتناولت اتفاقية جنيف لعام 1949 (الاتفاقية الرابعة بشأن احترام المدنيين وقت الحرب) موضوع احترام العقائد الدينية ومنع التهجير، حيث أكدت المادة السابعة والعشرون على احترام الأشخاص وحقوقهم العائلية والدينية، وحقهم في ممارسة عاداتهم وتقاليدهم، بعيدًا عن التعرّض والقذف العلني، وحظرت المادة التاسعة والأربعون التهجير الإجباري (الفردي والجماعي)، ومنعت الترحيل بغضّ النظر عن الأسباب.[20]

إن القانون الدولي يحرّم الاعتداء على الرعايا الأجانب، ويمنع أي امتهان لكرامتهم وشرفهم وسلب حقوقهم، فحتى لو افترضنا أن المهجرين هم من التبعية الإيرانية، بقرار تعسفي من الحكومة العراقية، فلا يجوز معاملتهم أيضًا على نحو مسيء ومخل بالكرامة الإنسانية، وذهبت اتفاقية منع وقوع جرائم الإبادة الجماعية (Genocide) لعام 1948، إلى تحريم الأفعال المرتكبة عن سابق إصرار بهدف القضاء الكلي أو الجزئي على مجموعة ما سواء كانت قومية أم عرقية أم دينية.[21]

إن أحد الأسباب الأساسية في الموقف اللّاحق من الحكومات المتعاقبة، إزاء الأكراد الفيليين، يعود إلى الدور الذي لعبوه في إطار النشاط السياسي اليساري والقومي الكردي بشكل خاص ضدّها، وفي فترة لاحقة إلى دورهم في الحركة الإسلامية الشيعية.

لقد كان الكرد الفيليين، وهم قبائل لور، تتألف من مجموعة عشائر، جزءًا لا يتجزأ من النسيج المجتمعي العراقي، وحسب المؤلف والجغرافي العربي الكبير ياقوت الحموي المتوفي العام 1229، في كتابه “معجم البلدان“، أن اللور هم جيل من الكرد بين أصفهان وخوزستان، وبلادهم تسمّى لورستان، وفي زمن المغول قُسّمت إلى لورستان الكبرى (لور بزرك)، ولورستان الصغرى (لور كوجك)، الأولى تقع داخل إيران والثانية داخل الأراضي العراقية.

وحتى أواسط السبعينيات، كانت نسبة عالية من الكرد الفيلية تسكن جانب الرصافة، ولاسيّما في محلات الصدرية وباب الشيخ وعقد الأكراد والتسابيل والدهانة والشورجة وجميلة وغيرها، وأيضًا في مدينة الثورة والكاظمية، كما انتشر الكرد الفيلية على مدى قرون على سفحي جبال بشتكوة من الطرفين العراقي والإيراني، وفي سهول العراق الشرقية ومدنها الجنوبية، ولاسيّما علي الغربي والكميت والكوت وزرباطية وبدرة ومندلي وخانقين والناصرية وقلعة سكر وغيرها[22].

برز من الكرد الفيلية علماء وأدباء وموسيقيون وفنانون ورياضيون، أبرزهم اللغوي والمؤرخ كامل حسن البصير، عضو المجمع العلمي العراقي وعبد المجيد لطفي الصحافي والأديب، والشاعران زاهد محمد وجليل حيدر، ومن أبرز الساسة حبيب محمد كريم (أمين عام الحزب الديمقراطي الكردستاني)، لعقد من الزمن (أواسط الستينيات – أواسط السبعينيات)، وعزيز الحاج أحد أبرز زعماء الحركة الشيوعية في العراق والذي قاد أكبر وأهم تيار فكري “يساري” (1967 – 1969). ومن الرياضيين محمود أسد، لاعب كرة القدم وعضو المنتخب العراقي، والرباع عزيز عباس وغيرهم.

ولعب الكرد الفيليين دورًا في الحياة الاقتصادية والتجارية في العراق، وساهموا في جميع أنشطة المجتمع العراقي. وساهمت المدرسة الفيلية، التي تأسست في أواسط الأربعينيات في تخريج نخب سياسية وطنية انخرطت في صفوف الأحزاب اليسارية. وكان من الوجوه الاجتماعية للكرد الفيليين هادي باقر والحاج أحمد وحميد الملا علي والحاج علي حيدر والد عزيز الحاج الذي ربطته صداقة بالجواهري شاعر العرب الأكبر زادت على ثلاثين عامًا حسب تعبير الجواهري[23].

تقول ثمينة ناجي يوسف، زوجة سلام عادل (حسين أحمد الرضي) أمين عام الحزب الشيوعي العراقي، الذي استشهد بعد انقلاب 8 شباط / فبراير 1963، عن تلك الفترة “سمع أبي بفصل سلام عادل من وظيفته، وعرف بحصوله على شهادة الثانوي، وهو الذي تابع أخباره، فأرسل في طلبه واقترح عليه العمل في مدرسة أهلية للأكراد الفيلية، تُدار من قبل شخصيات كردية. وكان الحاج علي حيدر ينفق بنفسه على المدرسة، التي فيها الطلبة الفقراء من الأكرد الفيلية”[24].

وبعد ثورة 14 تموز/ يوليو 1958، جرت محاولات لتحقيق مبدأ المساواة ومنح الكرد الفيليين الجنسية العراقية، حيث تم تشكيل وفد من الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي وشخصيات كردية فيلية لمقابلة الزعيم عبد الكريم قاسم وطرح قضية الكرد الفيلية عليه، لتصحيح الوضع القانوني الخاطئ الذي سببه قانون الجنسية العراقية عام 1924، وكان يقود الوفد عزيز الحاج، وأحد أبرز أعضائه حبيب محمد كريم، لكن هذا الوضع استمرّ وازداد اغلاقًا بعد حملا تهجير عديدة.[25]

وكانت مقدمات الحرب العراقية – الإيرانية التي جاءت في أعقاب سقوط نظام الشاه وصعود تيار ديني إسلامي شيعي في إيران، قد دفعت الحكومة العراقية لتجعل من الكرد والفيليين بشكل خاص كبش فداء هذه المرّة، فقامت بحملة تسفير طالت عشرات الآلاف منهم، بموجب القرار (666) حسبما ورد ذكره، واستمرّت طيلة فترة الحرب العراقية – الإيرانية وما بعدها.

يُذكر أن قرار التمييز بحق الكرد الفيليين أو غيرهم ممن تم تهجيرهم يتناقض تناقضًا صارخًا، ليس مع القواعد والقوانين الدولية حسب، بل مع الدستور العراقي النافذ حينها ذاته. حسبي هناك أن أشير إلى ما يلي:

  • نص الدستور العراقي، المادة 19 الفقرة (أ)، على أن المواطنين سواسية أمام القانون دون تفريق بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو الديني.
  • نص الدستور العراقي المادة 16، الفقرة (ج)، على ما يلي “لا تنتزع الملكية الخاصة إلّا لمقتضيات المصلحة العامة، وفق تعويض عادل وحسب الأصول القانونية”.
  • نص المادة 20 من الدستور العراقي على إسقاط الجنسية العراقية عن أي شخص إذا ثبت أنه خدم في جيش دولة أجنبية دون إذن مسبق من الحكومة العراقية”.
  • نص المادة 20 من قانون الجنسية العراقية رقم (43) لسنة 1963 التي أجازت للوزير (الداخلية) سحب الجنسية، في الحالات التالية:

أ- إذا قبل دخول الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية دون إذن مسبق من وزير الدفاع.

ب- إذا عمل لمصلحة دولة أو حكومة أجنبية أو جهة معادية في الخارج، أو قَبِل في الخارج وظيفة لدى حكومة أجنبية أو إحدى الهيئات الأجنبية أو الدولية…

ج- إذا أقام في الخارج بصورة معتادة أو انضمّ إلى هيئة أجنبية لتقويض نظام الحكم في بلده.

ودون الدخول في تفصيلا كثيرة، فإن التمييز ضدّ الكرد الفيليين وأصحاب التبعية غير العثمانية، كان واضحًا، فهم المشمولون بعملية نزع الجنسية أو التهجير القسري، حيث صودرت أموالهم وممتلكاتهم بشكل تعسفي دون وجه حق ودون تعويض ودون مهلة لتصفية أعمالهم أو الاحتفاظ بوثائقهم، ولا شكّ أن الكثير من الكرد الفيليين كان قد أدى الخدمة العسكرية، التي لم تكن مجزية لاكتسابهم الجنسية العراقية الأصلية، فضلًا عن التشكيك بعراقيتهم، حيث تم اتّهامهم خلال فترة الحرب العراقية – الإيرانية باعتبارهم من “الفرس المجوس” و “طابورًا خامسًا“، وهم حتى تلك اللحظة لم يخدموا أي جيش دولة أجنبية، فقد ولد غالبيتهم الساحقة في العراق، ولم يعرفوا وطنًا سواه، وقد تعاظمت مشكلتهم في إيران بعد تهجيرهم أيضًا، وهذا موضوع آخر عالجناه في كتابنا “من هو العراقي؟”، وذلك بتسجيل شهادات عديدة عن معاناتهم. [26]

 

المرأة الفيلية والمعاناة المركبة

أشارت إحصائية رسمية بأن المحاكم الشرعية في العراق، وبعد صدور قرار مجلس قيادة الثورة رقم 474 في 15 نيسان / أبريل 1981، الخاص بتفريق الزوجين، إذا كان أحدهما لا يحمل شهادة الجنسية العراقية إلى أن نحو 10 آلاف حالة طلاق حصلت خلال مدّة وجيزة، وهي حالة تكاد تكون نادرة في مجتمع يميل إلى المحافظة وتحكمه العديد من الاعتبارات الدينية والأخلاقية والعشائرية التي تحول دون اللّجوء إلى الطلاق كظاهرة لأسباب عرقية أو إثنية أو دينية أو أصول تاريخية.

وقد نصّ القرار المذكور على “منح مكافأة” للزوج الذي يُطلّق زوجته إذا كانت من التبعيّة الإيرانية، وذلك بمنحه مبلغًا وقدره 4 آلاف دينار عراقي إذا كان عسكريًا، و2500 دينار عراقي إذا كان مدنيًا في حالة تطليق زوجته أو تسفيرها إلى خارج العراق، أو زواجه من امرأة ليست من التبعية[27].

الجدير بالذكر أن العراق وافق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر العام 1948، حيث أكّدت مادته السادسة عشر على الحقوق المتساوية للمرأة والرجل عند الزواج، وأن لا يُبرم عقد الزواج إلّا برضا الطرفين[28]، كما انضمّ العراق إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966، وذلك بتاريخ 25 شباط / فبراير / 1971، حيث كان القانون رقم (93) لسنة 1970 قد صدر بذلك[29].

ويعتبر القرار (474) وإجراءات الحكومة العراقية مخالفةً صريحةً لنص المادة (23) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي نصت على ما يلي:

  • الأسرة هي الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتّع بحماية المجتمع والدولة. وهنا في حالة العراق فإن الدولة هي التي بادرت إلى تفكيك العوائل والأسر وتمزيق شملها.
  • “يكون للرجل والمرأة إبتداءً من بلوغ سن الزواج، حق معترف به في التزوّج وتأسيس أسرة”، ونلاحظ هنا أن الدولة في العراق قد تعسّفت بشكل صارخ حين شجّعت على إجبار الأزواج على ترك زوجاتهم من التبعية الإيرانية، والتشجيع على تفكيك العوائل وتفريقها، وحرمان الرجل والمرأة من حريّة اختيار الزوج، دون تمييز بسبب العنصر أو العرق أو اللون أو الجنسية أو الأصل الاجتماعي كما تقتضي اللوائح الدولية.
  • “لا ينعقد أي زواج إلّا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضىً كاملًا لا إكراه فيه”، ونلاحظ هنا تدخّل الدولة في إكراه وتشجيع أحد الطرفين على تطليق زوجه بسبب الأصول العرقية أو ملابسات الجنسية العراقية، على الرغم من وجود رابطة الحب والعشرة والعلاقات الزوجية والأبناء، فليس للحب من وطن، وقد تزوج محمد رسول الله (ص) من أصول عديدة.
  • “تتّخذ الدولة” الأطراف في هذا العهد، التدابير المناسبة لكفالة تساوي حقوق الزوجين وواجباتهما لدى التزوّج، وخلال قيام الزواج ولدى الانحلاله، وفي حالة الانحلال يتوجّب اتخاذ التدابير لكفالة الحماية الضرورية للأولاد في حالة وجودهم”.

ونلاحظ هنا أن الدولة بإجراءاتها ساعدت على انحلال العلاقة الزوجية، كما ساهمت في التمييز بين الزوجين بعد انحلال العلاقة، فمن اعتبرت أو اعتبر من التبعية، فقد تمّ وضع اليد على “ممتلكاته”، ولم يُسمح لها او له بالحصول على المكافأة الضرورية.

وأدّى حرمان الزوجة أو الزوج من جنسيتهما إلى ضياع الأولاد، سواء كانوا مع أمهم أو أبيهم، خصوصًا إذا كانوا صغارًا وفي سنوات الرضاعة، فإذا اعتُبر الأب عراقيًا، فالولد يمكن أن يتبع أبيه بعد ترحيل أمه من التبعية، وهنا نشأت مشكلة اجتماعية مهمة: وهي ماذا يفعل الاب بالأطفال الرضّع الصغار؟ وإذا كان الموضوع، من الناحية الإنسانية، يُثير تداعيات كثيرة، فإنه من الناحية الاجتماعية والنفسية ترك ويترك أبعاده الخطيرة على سلوك وتصرّف الأولاد ومستقبلهم.

أما المادة (24) الفقرة الأولى فقد ذهبت إلى تأكيد:

  • “يكون لكل ولد، دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة او الدين أو الأصل القومي والاجتماعي أو الثروة أو النسب، حق على أسرته وعلى المجتمع وعلى الدولة في اتخاذ تدابير الحماية التي يقتضيها كونه قاصرًا”.

ولعلّ من واجب الدولة والمجتمع، ناهيك عن الاسرة، توفير الحماية الضرورية للأطفال وبخاصّة القصّر. ومن أقدس الحقوق تنشئة الأطفال في اسر وعوائل متماسكة، فيها أمومة وأبوّة[30].

أما الفقرة الثانية والثالثة من المادة المذكورة، فقد نصّتا على وجوب تسجيل الطفل ومنحه إسمًا وجنسية، باعتبار ذلك حق أساسي لا جدال عليه، وتقول الفقرة الثانية “يتوجب تسجيل كلّ طفل فور ولادته، ويُعطى إسم يعرّف به”، أما الفقرة الثالثة فقد نصّت على ما يلي “لكل طفل حق في اكتساب جنسيته”. ولا شكّ أن حرمان الأطفال من الحصول على جنسية، بسبب قرارات التهجير، يشكّل تحديًا صارخًا لكلّ المفاهيم والشرائع الدولية والوضعية لحقوق الإنسان، ناهيك عن التعاليم الدينية.

إن تلك الإجراءات تمثّل شكلًا من أشكال التمييز العنصري، تلك التي حرّمتها “الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري..” التي اعتمدتها الجمعية العامة (الدورة العشرون) في 21 كانون الأول / ديسمبر 1965، والتي انضمّ إليها العراق في 14 كانون الثاني / يناير 1970، وذلك بصدور القانون رقم (135) في 28 آب / أغسطس 1969[31].

تنص المادة الأولى من الاتفاقية المذكورة على ما يلي: “… يُقصد بتعبير (التمييز العنصري) أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يتتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الاساسية أو التمتّع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان الساسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة“.

ونصّت هذه الاتفاقية في المادّة الخامسة، على ضمان حق كلّ إنسان دون تمييز في المساواة أمام القانون، لاسيّما في:

  • الحق في المعاملة على قدم المساواة أمام المحاكم وجميع الهيئات الأخرى التي تتولّى إقامة العدل.
  • الحق في الأمن على شخصه وفي حماية الدولة له من أي عنف أو أذى بدني..
  • الحقوق السياسية.
  • الحقوق المدنية، ولاسيما:

أ- الحق في حريّة الحركة والإقامة داخل حدود الدولة.

ب- الحق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده.

ج- الحق في الجنسية.

د- حق التزوّج واختيار الزوج.

ه- حق التملّك.

و- حق الإرث.

ز- الحق في حريّة الفكر والعقيدة والدين.

ح- الحق في حريّة التعبير.

ط- الحق في الاجتماع السلمي.

إن الاجراءات التي اتخذتها السلطة العراقية نفت بالكامل منظومة حقوق الإنسان المدنية، وجرّدت المواطن العراقي المهجّر من جميع حقوقه، فهي حرمت حقّه في الحركة والتنقّل، وحقّه في مغادرة البلد والعودة إليها، وحقه في الجنسية، وحقه في الزواج ممن يشاء، وحقه في التملّك وحقه في الإرث وحريّة الفكر والتعبير والاجتماع السلمي. وتلك القضايا لاحقته عند تهجيره بسبب حالة انعدام الجنسية.

وذهبت “الاتفاقية الدولية للقضاء على جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها” الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 تشرين الثاني / نوفمبر 1973، والتي دخلت حيّز التنفيذ في 18 تموز / يوليو 1976، والتي انضمّ العراق إليها في 9 تموز / يوليو 1975 بالقانون رقم (92) لسنة 1975 [32]، إلى أحكام مماثلة تلك التي تتعلّق بالفصل العنصري، خصوصًا المادة الثانية التي أكّدت على عدم حرمان عضو أو أعضاء من فئة أو فئات عنصرية من الحق في الحياة والحرية الشخصية، سواء بالقتل أو إلحاق أذى خطير بدني أو عقلي أو التوقيف أو السجن التعسفي أو إخضاعهم إلى ظروف معيشية تفضي إلى الهلاك الجسدي كليًا أو جزئيًا أو اتخاذ تدابير تشريعية وغير تشريعية تؤدي إلى حرمانهم من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، بما فيها حق العمل والتعليم ومغادرة البلد والعودة إليه، والحق في حمل الجنسية، والحق في حرية التنقل والإقامة وغيرها، خصوصًا تلك التدابير التي تهدف إلى “تقسيم السكان وفق معايير عنصرية بخلق محتجزات ومعازل مفصولة لأعضاء فئة أو فئات عنصرية، ويُحظّر التزاوج فيما بين الأشخاص المنتسبين إلى فئات عنصرية مختلفة، ونزع ملكية العقارات المملوكة لفئة أو فئات عنصرية أو لأفراد منها” [33].

إن تلك الوثائق الدولية تؤكّد أن الجنسية حق من حقوق الإنسان، وهو ما ذهبت إليه المادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حين أكّدت أن لكلّ فرد الحق في التمتّع بجنسية ما، مشيرةً إلى أنه لا يجوز حرمان أي شخص (تعسفًا) من جنسيته، ولا من حقه في تغييرها، بينما اكتفى الدستور العراقي بنص مبهم ومثير حين لم يتحدّث عن الجنسية باعتبارها حق.[34] وتُخالف إجراءات الحكومة العراقية، سواء التهجير أو القرار (474) في 15 نيسان/ أبريل 1981 الخاص بتفريق الزوجين الذي سبق أن عرضناه، أو القرار (1610) في 23 كانون الأول / ديسمبر 1982، الذي نصّ على منع العراقية (المتزوجة) من غير العراقي من نقل ملكية أموالها المنقولة وغير المنقولة إلى زوجها، وحرمان الزوج غير العراقي من حقه في التركة، واعتبار الأموال المتنازع عليها بين الزوجة العراقية وزوجها غير العراقي في حالة الوفاة ملكًا للزوجة، ما لم يثبت قانونًا ملكيتها للزوج.[35]

إن هذا يتعارض مع الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة بقرارها 34 / 180 في 18 كانون الأول / ديسمبر 1979، ودخلت حيّز التنفيذ في 3 أيلول / سبتمبر 1981.[36]

تنص المادة (9) من الاتفاقية المذكورة على الحقوق المتساوية للرجل والمرأة في اكتساب الجنسية أو تغييرها، أو الاحتفظ بها، ولا يترتّب على الزواج من أجنبي تغيير الزوج لجنسيته أثناء الزواج، أن تتغيّر تلقائيًا جنسية الزوجة، أو تصبح بلا جنسية أو تُفرض عليها جنسية الزوج، ولها نفس الحقوق بما يتعلّق بجنسية الأطفال. وقد نصّ إعلان وبرنامج عمل مؤتمر فيينا على أن حقوق الإنسان للمرأة والطفل هي جزء غير قابل للتصرّف من حقوق الإنسان العالمية، وجزء لا يتجزآ من هذه الحقوق”.[37]

وتبين هذه القرارات، إضافة إلى قرارات ونصوص أخرى، كيف تم التعامل باستخفاف وقصر نظر، بعيدًا عن المعايير الدولية في موضوع خطير ومستقبلي، ويهم شرائح واسعة من المجتمع العراقي، ويدخل في نسيجه القومي والمذهبي، بقدر كونه يمثّل جزءًا من إشكالية تاريخية وراهنية، فقد نزلت قرارات التهجير مثل الصاعقة على المجتمع العراقي، وحلّت بعشرات الآلاف من الأسر نكبات لا حدّ لها، بل أن بعضها لاحقتهم حتى في بلدان المنافي حين ظلوا يعانون من “تعويم الجنسية”، أي انعدامها. وكان التأثير الأكبر في ذلك قد وقع على المرأة والطفل.[38]

عوضًا عن الخاتمة

بعد عرض معاناة الكرد الفيليين والمهجرين المُسقطة عنهم الجنسية أو الذين أصبحوا عديمي الجنسية، كنت قد بلورت مقترحًا عامًا، روّجت له في أكثر من مناسبة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، محاضرتي في ديوان الكوفة 1991 المشار الموسومة “المهجرون العراقيون القانون الدولي“، ومحاضرة لي في جامعة SAOS (ساوس) في 20 آذار / مارس 2001 والموسومة “حلبجة والأنفال: العين والمخرز” وكتابي “عاصفة على بلاد الشمس” في العام 1994 [39]، وكتابي “من هو العراقي؟” العام 2002.

والمقترح كان قد أخذ مداه وأُدرج في وثائق العديد من القوى والتيارات السياسية، بما فيها اجتماع المعارضة وهيئاتها، ومفاده، لا بدّ من سنّ قانون جديد للجنسية العراقية، بما يتواءم مع الالتزامات الدولية التي أخذها العراق على عاتقه والمنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

وبالطبع فإن الأمر سيتطلّب سنّ دستور جديد، وهو الإطار الأسمى التي تتفرّع منه وتنضوي تحت خيمته القوانين، بما فيها قانون الجنسية، وإن كان مثل هذا الدستور قد صدر في العام 2005، وإن كان ثمة ألغام ونواقص وثغرات وعيوب جوهرية يحتويها، إلّا أن بعض مواده يمكن الاستفادة منها فيما يتعلّق بالمواطنة وحقوق الإنسان التي وردت فيه وتفعيلها بالاتجاه الإيجابي، خصوصًا حين تتوفّر وحدة وطنية وإرادة سياسية.

وإذا كان إلغاء القرار (666)، الذي اكتسب شهرة واسعة، أصبح أمرًا واقعًا، وأن العديد من الكرد الفيليين عادوا إلى العراق، وبعضهم استعاد جنسيته، إلّا أن أثار الماضي ما تزال قائمة وقاتمة وثقيلة، بما فيها العديد من القوانين وقرارات مجلس قيادة الثورة، وتبعاتها العملية.

إن استعادة الحقوق والتعويض عن الأضرار التي لحقت بالمهجرين العراقيين تعسفًا، بما فيهم الكرد الفيليين، وكذلك جبر الضرر وإصلاح الأنظمة القانونية والقضائية وأجهزة إنفاذ القانون، يُعتبر من صلب مبادئ العدالة الانتقالية التي يمكن تكييفها لتصلح في معالجة آثار عملية التهجير، والأمر يحتاج إلى إصلاح دستوري وقانوني بالاتجاه الذي يفتح الأبواب والنوافذ لرياح لكي تدخل مبادئ حقوق الإنسان والمواطنة والقواعد الحديثة للجنسية في العالم إلى مفاصل الدولة ودواوينها المختلفة.

وكنت دعوت إلى تحريم التمييز على أساس عنصري أو سلالي أو ديني أو مذهبي أو لغوي أو أي نوع من أنواع التمييز ولأي سبب كان، وذلك في كامل عقدَيْ الثمانينيات والتسعينيات وإلى العام 2003، حيث وقع العراق تحت الاحتلال الأمريكي وأدّى إلى انفجار الصراع الطائفي في ظلّ نظام المحاصصة القائم على الزبائنية السياسية والحصول على المغانم، وهو ما دعاني لتطوير الفكرة إلى “مشروع قانون لتحريم الطائفية وتعزيز المواطنة” في العام 2008، ونشرته بعد مناقشات عديدة في كتابي “جدل الهويّات في العراق: المواطنة والدولة” ، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2010.

ولكي تستكمل حقوق المهجرين عمومًا والكرد الفيلين خصوصًا، لا بدّ هنا من تأكيد أهمية احترام حقوق الإنسان وحريّاته الأساسية وتعزيز المواطنة الحيوية والمتكافئة القائمة على مبادئ الحريّة والمساواة والعدالة، لاسيّما العدالة الاجتماعية والشراكة في الوطن، والمشاركة في اتخاذ القرار، بما يضمن إشاعة جو من احترام الرأي والرأي الآخر والاعتراف بالتعددية والاقرار بالتنوّع والحق بالاختلاف.

ودون أدنى شك فإن مثل هذا التقدير يحتاج إلى أجواء سلمية وطبيعية وتوافق وطني عام ورغبة حقيقية بالتخلّص من آثار الماضي، وذلك بنشر ثقافة التسامح واللّاعنف وتعميمها، خصوصًا إعلاء قيم السلام والعدل والتآخي القومي والديني والتعايش المجتمعي، وإظهار ما هو مشترك وإنساني جامع، خصوصًا باحترام الهويّات الفرعية في إطار الهويّة العامة الموحدّة، والجمع بين الخصوصية والعمومية، والأمر بقدر انطباقه على عموم الدولة العراقية، فإنه يشمل إقليم كردستان أيضًا.

 

[1] أنظر: صحيفة الوقائع العراقية، بغداد، العدد (232)، 21 تشرين الاول / أكتوبر 1924.

[2] صدر القانون الأساسي للمملكة العراقية (الدستور) العالم العام 1925، واستمرّ لغاية العام 1958، حيث ألغي بعد ثورة 14 تموز / يوليو، وهو أول دستور دائم، وحكم العراق بدزينة دساتير مؤقتة من العام 1985 ولغاية العام 2003، ثم شرّع الاحتلال الأمريكي للعراق دستورًا مؤقتًا “قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية” في 8 آذار / مارس 2004، وبعدها سنّ الدستور الدائم وتم الاستفتاء عليه في 15 تشرين الأول / أكتوبر 2005.

أنظر عبد الحسين شعبان – “العراق :الدستور والدولة – من الاحتلال إلى الاحتلال”، دار المحروسة، القاهرة، 2004.

[3] أنظر عبد الحسين شعبان – “من هو العراقي: إشكالية الجنسية واللّا جنسية في القانونين العراقي والدولي”، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 2002.

[4] أنظر: صحيفة الوقائع العراقية، بغداد، العدد (818)، 19 حزيران / يونيو 1963. وقد أدرجت عليه تعديلات كثيرة.

قارن كذلك: محاضرة الكاتب في لندن، ديوان الكوفة 17 نيسان / أبريل 1991، بعنوان “المهجرون العراقيون والقانون الدولي”.

[5] أنظر: صحيفة الوقائع العراقية، بغداد، العدد (3319)، 6 آب / أغسطس 1990.

[6] أنظر: عبد الحسين شعبان – العراق: الدستور والدولة – من الاحتلال إلى الاحتلال، مصدر سابق.

[7] نصّت المادة الأولى من قرار مجلس قيادة الثورة على ما يأتي: لكل عراقي أتم الثامنة عشرة من العمر الحق في طلب تغيير قوميته إلى القومية العربية.

أنظر:  الملحق رقم  (31)، ص 264، من كتابنا من هو العراقي، مصدر سابق.

[8] أنظر: نص القرار في صحيفة الوقائع العراقية، بغداد، العدد 2776، في 26 أيار / مايو 1980.

[9] أنظر: عبد الحسين شعبان – المهجرون العراقيون وقضية الطائفية في العراق – الديمقراطية مفتاح الحل، العدد 3، كانون الثاني / يناير 1988.

[10] أنظر: مذكرة باسم “المهجرون العراقيون موجّه إلى الأمين العام للأمم المتحدة وموزّعة على 19 منظمة دولية ومؤرّخة في 12 تشرين الأول / أكتوبر 1981″، وكان الكاتب قد قابل المسؤولين في مكتب الأمم المتحدة في دمشق، ثم حمل المذكرة وفدًا من المهجرين وقدّمها إليهم. وقد استلم جوابًا من المكتب ذاته باستلام مذكّرته ورفعها إلى الأمين العام، وكان الباحث قد كتب رسالة باسم شبيبة وطلبة العراق ولفيف من المهجرين العراقيين في 8 أيلول / سبتمبر 1981، ورسالة مماثلة نيابة عن المهجرين وجهها إلى اتحاد شباب الديمقراطي العالمي أواخر أيار / مايو 1982 .

أنظر: الملحق رقم (32)، ص 265 – 270 ، كتابنا “من هو العراقي؟”، مصدر سابق.

 

[11] أنظر: عبد الحسين شعبان – “المواطنة والهويّة: البدائل الملتبسة والحداثة المتعثّرة”، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2017.

[12] أنظر: صحيفة الوقائع العراقية، بغداد، العدد (232) في 21 تشرين الأول / أكتوبر 1924.

[13] أنظر: نص الدستور العراقي المؤقت لعام 1970، الذي نصّ على ما يلي: “يتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين، هما القومية العربية والقومية الكردية، ويقر هذا الدستور حقوق الشعب الكردي القومية والحقوق المشروعة للأقليات كافة ضمن الوحدة العراقية”.

[14] أنظر القرار (666) الصادر عن مجلس قيادة الثورة في 7 أيار / مايو 1980 في صحيفة الوقائع العراقية، بغداد، العدد (2776) في 26 أيار / مايو 1980 الملحق رقم (11)، من كتابنا “من هو العراقي؟”، مصدر سابق.

[15] أنظر: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في كتابنا – “الإسلام وحقوق الإنسان”، مؤسسة حقوق الإنسان والحق الإنساني، ط1، بيروت، 2001.

قارن: بوتوجني، Potocny  – القانون الدولي العام في الوثائق، جزءان، براغ، 1975، كذلك سرنسكا Srnska، الحماية القانونية الإنسان، براغ 1972.

[16] قارن قانون الجنسية العراقية الصادر في العام 1942. (قسم الملاحق)، حيث نصّت (المادة الثامنة – الفقرة – أ -) العراقي “كل من كان له حين ولادته بصرف النظر عن محلّها والد عراقي بعلّة تولده في العراق أو اكتسابه الجنسية العراقية بطريق التجنس…”.

أنظر: صحيفة الوقائع العراقية، بغداد، العدد 232، 21 تشرين الأول / أكتوبر 1924.

[17]  أنظر ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، الطبعة العربية، نيويورك، 1995.

[18] أنظر: عبد الحسين شعبان – “الإسلام وحقوق الإنسان”، مصدر سابق.

[19] أنظر: نص المذكرة الموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد كورت فالدهايم، دمشق، 1981. قارن: بوتوجوني القانون الدولي العام، براغ 1973 (نص جيكي) مصدر سابق.

[20] اتفاقيات جنيف الأربعة صدرت في 12 آب / أغسطس 1949، وقد تم إضافة بروتوكولين ملحقين إليها في العام 1977، حيث تم إقرارهما في المؤتمر الديبلوماسي الدولي في جنيف (1974 – 1977)، وبعد مناقشات حامية، وهما البروتوكولان المتعلقان بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة غير الدولية، أنظر نص الاتفاقية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جنيف، 1977.

[21] جريمة الجينوسايد Genocide تعني قتل أعضاء مجموعة معينة بهدف القضاء عليها أو الحاق ضرر جسدي بليغ بها أو خلق ظروف معاشية سيئة لها لمنع تطورها وعرقلة تقدمها.

أنظر: عبد الحسين شعبان – “المحاكمة – المشهد المحذوف من دراما الخليج، دار زيد، لندن، 1992.

[22] أنظر: عزيز الحاج – “بغداد ذلك الزمان”، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، بيروت، 1999، ص 113 – 114.

[23] عبد الحسين شعبان – “الجواهري: جدل الشعر والحياة”، دار الكنوز الأدبية، ط1، بيروت، 1997.

[24] أنظر ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد – سلام عادل، سيرة مناضل، جزءان، ج1، ط1، دار النشر (بلا)، توزيع دار المدى، دمشق، 2001، ص 33

[25] قارن: حديث خاص مع عزيز الحاج، باريس، 2001.

 

[26] أنظر: عبد الحسين شعبان – “من هو العراقي؟” مصدر سابق.

[27] أنظر: القرار 474 الصادر عن مجلس قيادة الثورة في 15 نيسان / أبريل 1981، صحيفة الوقائع العراقية، بغداد.

[28] تنص المادة 16 (الفقرة الأولى) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “الرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوّج وتأسيس أسرة دون قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله”، كما نصّت (الفقرة الثانية) على أن “لا يُبرم عقد الزواج، وأثناء قيامه إلّا برضا الطرفين الراغبين في الزواج رضى كاملًا لا إكراه فيه”.

[29] أنظر: صحيفة الوقائع العراقية، العدد (3387) في 16 كانون الثاني / يناير 1992.

قارن نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لدى : عبد الحسين شعبان – الإسلام وحقوق الإنسان، مصدر سابق.

[30] أنظر: الدكتور عمار رامز – حقوق الإنسان والحريات العامة، دار الراتب الجامعية، بيروت، العام (بلا) ص 207 – 209.

[31] (160) نٌشر التصديق في صحيفة الوقائع العراقية، العدد (3387) في 6 كانون الثاني / يناير 1992.

[32] نشر التصديق في صحيفة الوقائع العراقية لأول مرّة، العدد (2475) في 9 حزيران / يونيو 1975.

 قارن نص الاتفاقية في صحيفة الوقائع العراقية العدد(3387) في 6 كانون الثاني / يناير 1992.

[33] تحدد الاتفاقية الدولية للقضاء على جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها في المادة الثالثة، المسؤولية الجنائية الدولية أيًا كانت الدوافع، على الأفراد وأعضاء المؤسسات أو ممثلي الدولة فيما إذا ارتكبوا الأعمال الواردة في المادة الثانية، أو قاموا بصورة مباشرة بالتحريض والتشجيع عليها، أو آزروا مباشرة في ارتكابها.

[34] تنص المادة السادسة من الدستور العراقي النافذ (المؤقت) على ما يلي: “الجنسية العراقية وأحكامها ينظمها القانون”. يذكر أن الدستور المؤقت النافذ كان قد صدر في 16 تموز / يوليو 1970 بقرار من مجلس قيادة الثورة رقم (792)، وكانت قد أعدّت المشروع لجنة مؤلفة من رئيس لجنة الشؤون القانونية في مجلس قيادة الثورة وأستاذين من كلية القانون والسياسة، وترأس اللجنة صدام حسين الرئيس السابق (النائب آنذاك).

[35] يعتبر القرار (1610) الصادر في عام 1982 مكملًا لقرارات التهجير والتفريق الذي سبقته، والقصد الحقيق منه هو إجبار الزوجات على ترك أزواجهن وحرمان المرأة من حقها من اختيار الزوج، فضلًا عن تبعاته الاجتماعية والنفسية بتمزيق شمل العوائل وحرمان الأطفال من آبائهم، والسعي لمصادرة أموال وممتلكات المهجرين العراقيين.

[36] صادق العراق بالقانون رقم (66) في 1986 على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، ونشر التصديق في صحيفة الوقائع العراقية، العدد (3107)، في 21 تموز / يوليو 1986.

قارن” صحيفة الوقائع العراقية، بغداد، العدد (3387) في 6 كانون الثاني / يناير 1992.

[37] أنظر: إعلان وبرنامج مؤتمر فيينا العالمي، الذي اعتمده مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان، حزيران / يونيو 1993. (الإعلان والبرنامج؛ أولًا – الفقرة الثامنة عشر ، الفصل الثاني).

قارن: عبد الحسين شعبان – القانون الدولي والإنساني، محاضرات ألقيت على طلبة الدراسات العليا في كلية القانون والسياسة، مصدر سابق.

قارن كذلك مدخل إلى القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، المبحث الخاص عن المرأة وحقوق الإنسان (المساواة والتمييز) و (المرأة والجنسية) و (الطفل وحقوق الإنسان).

[38] ذكرت عائلة عراقية تم تهجيرها العام 1980 إلى إيران أن أحد أطفالها تم نسيانه عند الجيران، حيث كان يلعب مع أولادهم، ولم تتذكره الأم إلّا بعد صعودها إلى السيارة التي نقلتهم إلى إحدى مراكز التسفير، ولم يستجب أحد إلى صرخات الاستغاثة التي أطلقتها بأن تحمل ابنها معها إلى المنفى، وهو لا يتجاوز الثلاث سنوات. وذكرت عائلة عراقية أخرى أن ابنها، عند تهجير العائلة، لم يكن في البيت، بل كان عند عمه يلعب مع أولاده، ولما حاول المكلفون بالتسفير طمأنة المرأة، بأنها مجرّد تحقيقات واستفسارات وسيعودون بعدها إلى البيت، فضلت أن يبقى الولد عند عمه، لكنها فوجئت عندما تم احتجازها في أحد مراكز التسفيرات، وتم نقلها بعد أيام وزوجها وأولادها وهم خمسة إلى الحدود العراقية – الإيرانية. ولدى الباحث مجموعة من الشهادات والوثائق تحدّث فيها مهجرون عراقيون عن معاناتهم خلال رحلة التهجير. (ملف خاص)

[39] عاصفة على بلاد الشمس، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1994.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com