منوعات

الحنين إلى الوطن

بيدر ميديا.."

الحنين إلى الوطن

غادة السمان

 

كنت أبحث عن تاكسي أعود به إلى البيت مثقلة بالمشتريات المنزلية لأسبوع. في باريس، التاكسي المستعد لإيصالك له ضوء أصفر، ومن له ضوء أحمر لا تشر إليه ليتوقف. لكن التاكسي الذي توقف أمامي كان بلا ضوء. كنت متعبة وأشرت إليه ليوصلني إلى البيت، وإذا بالسائق لبناني سبق له إيصالي إلى البيت، ولم ينسني لأنني ما كدت أصعد وأقول له عنوان بيتي حتى أجابني بالعربية: أنا لبناني وأنت لبنانية وسبق لي إيصالك إلى بيتك ولم أنس! إنه الحنين إلى الوطن، حيث يتذكرني سائق تاكسي من المئات، وأتذكر حين حدثني بالعربية قائلاً: أنا لبناني مثلك، ولم أجد عملاً في بيروت فجئت للعمل في فرنسا سائقاً لتاكسي. والطريف أنني استأنست به ريثما وصلت إلى البيت.

عودة لبنان كما كان؟

قال لي السائق: أنت تعرفين ما يدور في وطننا؛ لا كهرباء إلا فيما ندر. وذلك لا يطاق، ويدفع بالمرء إلى الهجرة والعمل في مكان آخر ريثما يصير للبنان رجال سياسة (رئيس للجمهورية، وزارة ـ بنوك ـ إلى آخره) لكنني أحن إلى الوطن وإلى لبنان كما كان..

الأمير هاري وميغان

تتحدث المجلات الفرنسية والصحف الغربية عن إمكانية طلاق الأمير هاري (الأبن الأصغر لملك بريطانيا شارل الثالث!) ترى، هل السبب الحقيقي لهذا الطلاق إذا حدث هو حنين الأمير هاري للعودة إلى الوطن؟ ميغان زوجته أمريكية، ولا تشعر بالغربة حيث هي، أما الأمير هاري فقد شعر بذلك في كندا ثم في أمريكا.. تراه يريد الطلاق للعودة إلى وطنه في بريطانيا؟ أهو الحنين إلى الوطن؟

يخترع أسباباً للعودة

يقول الأمير هاري في إحدى المجلات إن سيارة كانت تتبعه وزوجته في نيويورك ويلتقط من فيها الصور له.. هذا ما حدث لوالدته ديانا في باريس حين لحقت بسيارتها سيارات (البابارازي)؛ أي هواة كسب المال من التقاط الصور، وحاول سائق سيارتها أن يسبقهم وحدث الاصطدام الذي قتلها.
ولا أحد ينسى هاري طفلاً وهو يمشي خلف جنازة أمه.
ترى، هل يحن هاري إلى الوطن حين توهم (أو حدث ذلك) أن سيارات بعض الصحافيين تلحق به لالتقاط صورة؟
أم أن الحنين إلى الوطن حيث يشعر بالأمان؟

العودة إلى لبنان

إذا عدت إلى لبنان لن أشعر بالأمان بالضرورة، لكنني سأشعر بأنني حيث أنتمي.. وحتى بعد سنواتي الطويلة في باريس مازلت أشعر بالحنين للعودة إلى لبنان. فالحنين إلى الوطن غريزة، وأعترف بأنني سأنام وقد سكن قلبي الأمان على الرغم من كل ما يحدث في لبنان.

إنه رجل واسمه بلال

حين ترى صورته تظن أنك أمام صورة شابة جميلة، ولكن الصورة لرجل اسمه بلال حسني يرتدي ملابس النساء ويزين وجهه بزينتهن (أحمر الشفاه ـ يرسم الحاجبين. الشعر الاصطناعي الطويل).
أشعر أحياناً برغبة في استجوابه: هل هو فرنسي؟ أم الحنين إلى الوطن جعله يفعل ذلك؟ هل ولد في فرنسا أم في بلد آخر يحن إليه سراً؟

قانون ضد الكحول

الممثل الفرنسي الفكاهي بيار ريشار قام بعمل (شرير)، فقد شرب كعادته كمية كبيرة من الكحول مع كمية كبيرة من مخدر الكوكايين وقاد سيارته مصطدماً بسيارة أخرى كاد يقتل ركابها (ما زالوا في المستشفيات يعالجون)، وربح كراهية الناس جميعاً واستحق السجن على ذلك، لكنه وجد من تعامله بحنان، هي النجمة المسنة كاترين لارا.
من طرفي، أعتقد أنه يجب إصدار قانون يمنع قيادة السيارة لأي كان وهو ثمل؛ لكيلا يسبب الأذى لنفسه ولسواه بالذات.

العودة إلى الأصل

أعتقد أن الحنين إلى الوطن يشعر به الفلسطيني في الأرض المحتلة أكثر من أي شخص آخر. بعض الفلسطينيين حملوا معهم مفاتيح بيوتهم في سنة النكبة ويحلمون ليل نهار بالعودة إلى فلسطين وبيوتهم المحتلة ومدنهم التي ولدوا فيها وتم تهجيرهم منها.
الفلسطينيون أبناء الحنين إلى الوطن، ومن يقرأ كتب غسان كنفاني وأدب الأرض الفلسطينية المحتلة يفهم معنى الحنين إلى الوطن حتى الاستشهاد، وإسرائيل تحاول سرقة القدس والمسجد الأقصى، وحنين الفلسطيني إلى وطنه يقاومها بضراوة..
وأعتقد أن الحنين إلى الوطن يتجلى في السلوك الفلسطيني البطل لاستعادة أرضه ومدنه ولكي لا تظل مفاتيح بيته في فلسطين مجرد ذكرى.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com