منوعات

وداعاً يا سلمى.

بيدر ميديا.."

وداعاً يا سلمى

غادة السمان

 

أحزنني خبر وفاة الأديبة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي. وفي الوقت ذاته سخرت من نفسي، فقد توفيت سلمى عن عمر يناهز 95 سنة.
فهل أريد أن يعيش المبدعون قرناً أو قرنين؟
تعرفت إلى سلمى في لندن، وكانت توضب أطروحتها للدكتوراه في الأدب العربي في جامعة لندن. وكنت أفعل الشيء ذاته كما كنت مقيمة وقتئذ في لندن. ألفت سلمى العديد من الكتب بالإنكليزية عن الأدب والشعر العربي، أشهرها «الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث»، ونقله إلى العربية الناقد والمترجم العراقي عبد الواحد لؤلؤة. وترجمت سلمى إلى العربية في مطلع الستينيات بعضاً من «رباعية الإسكندرية» للورانس داريل، «جوستين وبالتازار»، وصدرا عن «دار الطليعة» في بيروت ويملكها زوجي. ولكنها لم تكتف بذلك، بل أسست داراً للنشر في الغرب هي «بروتا» حيث ترجمت وأصدرت العديد من ترجمات إلى الإنكليزية لكتب عربية، منها «براري الحمى» للأستاذ إبراهيم نصر الله. ويقول بصدق: إن كل تكريم نلته كفرد سيظل متواضعاً أمام التكريم الذي غمرتنا به كأمة حين نقلت إلى الإنكليزية عدداً من أهم إبداعاتنا. إبراهيم نصر الله لم يبالغ في قوله هذا.

اللقاء ما قبل الأخير في باريس

اتصلت سلمى بي وبزوجي قائلة إنها في باريس حيث نقيم، ودعوناها إلى العشاء في مطعم فندق «كونكورد لافاييت» (تبدل اسم الفندق الآن). وكانت قادمة من لندن وسألتها عن الأديبة اللبنانية ليلى بعلبكي، وكانت مشهورة، فقالت سلمى بلهجة فلسطينية أحبها: «فلانة» «هَلَكَتها»، قلت محتجة: ولماذا يجب أن يكون هنالك أديبة واحدة مشهورة على وزن الزعيم الأوحد؟ ولماذا يتعايش مجد نجيب محفوظ مع يوسف إدريس؟ وقاطعتني قائلة: أنت محقة في ذلك. كانت سلمى تتقن فن الحوار والاقتناع بوجهة النظر الأخرى.

اللقاء الأخير في بيروت

علمت أن سلمى في بيروت للقاء بعض القريبات والأصدقاء، وهكذا دعوتها للعشاء في بيتي البيروتي ودعوت العديد من الأصدقاء المشتركين، وبينهم المرحوم د. خير الدين حسيب مدير مركز دراسات الوحدة العربية يومئذ، وزوجته العراقية الرائعة شيرين، وسواهما من أصدقاء مشتركين.
وبعد العشاء، قالت لي سلمى بصراحة: لم أكن أدري أنك ماهرة في الطبخ هكذا! واعترفت لها: التي أعدت الطعام هي عاملتي المنزلية زينب اللبنانية، وتتقن الطبخ ولن أدعي ما أجهله.. وضحكنا وكانت سيدة خفيفة الظل.. سألتني سلمى بصراحتها المعهودة: أنت لست بحاجة إلى بروتا، ولك العديد من الكتب التي صدرت بالإنكليزية ونالت العديد من الجوائز من بعض الجامعات الأمريكية، وروايتك الأخيرة صدرت عن منشورات جامعة «سيرا كيوز» الراقية، فلماذا تهتمين بلقائي؟ قلت لها لأنك سلمى لا (بروتا) وبوسع المرء مصادقة الآخرين دون أن يكون بحاجة إليهم بل الاستمتاع بلقائهم ومصادقتهم، وغادرتني سلمى ليلتها سعيدة ولم نكن ندري أنه اللقاء الأخير، وتوفي للأسف معظم الحضور ليلتها: زوجي الحبيب، والدكتور حسيب، ولا أدري متى يأتي دوري!

قتلت الطفلة (6 سنوات)

كانت الفرنسية تقود سيارتها وهي ثملة وتعاطت المخدرات أيضاً حين دهست طفلة في السادسة من العمر!
رجال الشرطة الذين اعتقلوا القاتلة تبين لهم أنها كانت ثملة بكميات كبيرة من الكحول ومخدرة قبل ذلك بجرعات من المخدرات.
وهكذا قتلت الطفلة، مما يذكرني بالفكاهي الفرنسي الشهير بيار بالماد، الذي اصطدمت سيارته (لأنه كان يقودها للأسف، وهو ثمل بالكحول وبالمخدرات) وصدم سيارة (الأوادم) بسيارته ومازالوا يعانون في المستشفى منذ أكثر من أشهر. الطفل وعمره 7 سنوات في جراحة خطيرة، وكذلك سائق السيارة، أما السيدة الجالسة إلى جانبه في المقعد الأمامي فقد أجهضت طفلها (وكانت حاملاً لسبعة أشهر وقت الاصطدام).
حكاية قيادة السيارات بعدما تجرع أصحابها كميات كبيرة من الكحول والمخدرات لم تعد تطاق.
أما المرأة القاتلة لابنة 6 سنوات، فسوف تنال عقوبة السجن لفترة لا أعرفها؛ فلست محامية ولا قاضية.
لكنني أتمنى أن يضعوا على جدار غرفة سجنها صورة الطفلة التي قتلتها لأنها كانت ثملة ومحشوة بجرعات المخدرات، وستعذبها صورة الطفلة البريئة التي قتلتها وهي تقود سيارتها.. ولعل تلك الحكاية تجعل الكثيرين لا يقترفون جرم شرب الكحول وتعاطي المخدرات قبل قيادة أي سيارة لكيلا يتحول في غمضة عين من بريء إلى قاتل يسبب الموت والعذاب لأسرة (القتيلة) والعذاب له في السجن (وهو يستحق ذلك!).

قالت لي القطة!

كلما زرت المكتبات الباريسية لشراء كتب تلفتني، أبحث أيضاً عن تلك التي تستطيع قراءتها قبل النوم وتدفع بك إلى النعاس. ولهذا لفتني عنوان كتاب اسمه: «القطط: ما تحاول قوله لنا!» وهو من تأليف لوتيسيا بارلرين وطباعة دار نشر فرنسية راقية هي ألبان ميشيل. يقع الكتاب في 300 صفحة بطباعة فاخرة. من العناوين فيه: عشرة أخطاء يجب عدم اقترافها مع قطتك. قطتي توقظني في الليل. قطتي كثيرة المواء. وغير ذلك كثير.. والكتاب طريف وصالح للقراءة قبل النوم، ولكن المؤلفة نسيت أن تذكر أن القط يشعر بالغيرة، ولي تجربة خاصة في هذا المجال.

جيفاكو يكره ابني

في بداية زواجي (تبنيت) قطاً، فالفرنسيون لا يقولون اشتريت قطاً، بل (تبنيت) قطاً أو كلباً.. ويبدو أن ذلك شعور القطط على الأقل. ولاحظت أن جيفاكو القط ينظر إلى طفلي (وكان عمره عدة أشهر) وينتظر أن أغادر الغرفة لينقض عليه ـ شعرت بذلك، وهكذا تخلصت من القط جيفاكو وأهديته إلى إحدى صديقاتي، التي كبر أولادها ولن يهاجمهم القط. وغيرة جيفاكو من ابني جعلتني ألحظ أن الحيوانات تشعر أيضاً بالغيرة، وكان عليّ التخلص من ابني أو القط، تخلصت من القط طبعاً.
ووعيت أن الغيرة شعور لدى الكائنات الحية كلها بما في ذلك القطط!

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com