أبحاث

من مسارات الحروف وكواليس الكـتابة .الحلقة٢٨

بيدر ميديا.."

من مسارات الحروف وكواليس الكـتابة .

د.خيرالله سعيد.
لصوص بغـداد في العصر العباسي . ح28

13- الجـزء الثالث عشر ، أخذ عـنوان ( لصوص بغـداد في العصر العبّـاسي ) ج 13 .
إن الظواهر الاجتماعية التي تنبثق من حياض حالة تاريخية – ثقافية معيّـنة، تفرض وجودها القانوني، بمعنى أنها تصبح واقعاً مُعاشاً، ومن هنا تكون هـذه الظواهر محل جَـدَلٍ ونقاش قائم لدى المؤرخين ورجالات الفكر، بغية تحليل ودراسة الأسباب الموجبة التي أدّت الى نشوء هـذه الظاهرة وتلك الإشكالية في سياقها التاريخي، ومن ثم تصبح مسألة ( دراستها) على صعيد النقد، مسألة حيويّة، تسلّط الضوء على العناصر التي سبّبت نشوؤها، ومن ثم هي جزءٌ هامٌ من تاريخ وثقافة شعبٍ من الشعوب، في وضعية تاريخية معيّـنة . وبالتالي تصبح مسألة قراءتها وتقييمها – من الناحية التاريخية والانثروبولوجية – مسالة تخـدم مسار هـذا المجتمع لما هـو قـادم .
ومن هـنا كانت ظاهرة اللّصوص والشطّار والعيّـارين، في العراق وغيره من البلدان العربية، استرعت انتباه المؤرخين، من جهة أحداثها ووقائعها، واسترعت انتباه مؤرّخي الأدب، الى تراثها الثقافي، لتدوين تلك المـآثر في مخطوطاتهم وسجلاّتهم، وبالتالي انخلقت ( المـادة التاريخية والأدبية ) لهذه الظاهرة، والتي كان السبق في التعليم عليها للجـاحظ، وسار على منواله البـاقون في رصدِ هـذه الظاهرة .
وعملية دراسة مثل هـذه الظاهرة التاريخية، والتي دام وجودها لأكثر من ألفِ عـام، وتركت بقاياها في نفوس بعض افراد المجتمع، كـإرثٍ ثقافي محمول، يبرز وجود هؤلاء اللّصوص، بالتوازي المضاد لرجالات السلطة السياسية في الدولة، وما هُـم عليه من ( سرقةٍ وغشٍّ واكل الباطل) باسم الخلافة وباسم القـانون، وبالتالي تعني القراءة لهـذه الظاهرة كشف مسارات السلطة السياسية، في لحظة تاريخية معيّـنة، وبنفس الوقت، تسلّط الضوء على بُـنية المجتمع وردود افعاله على ممارسات السلطة السياسية ذاتها، ومن ثم يصبح الأدب الرسمي والشعبي، محط قراءة ومقارنة في سلوك الطرفين، بغية قراءة ( نفسية الشعب) ومدى قدرته العقلية في رصد هذه الظاهرة والتفاعل معها سلباً أو إيجاباً، بوصفها نشأت في وسطهِ العام، وضمن فئاتها الشعبية، وبالتالي لا يمكن فك الارتباط بين هـذه الظواهر وحواضنها الاجتماعية .
ليس اعتباطاً أن يقف المؤرّخون كالطبري والمسعودي وابن الأثير وابن النديم والجاحظ وياقوت الحموي وغيرهم الكثير، كي يسجّلوا ( يوميات اللّصوص والشطّار والعيّارين ) وكلٌ من زاوية نظره الخاصة، بين القبول وعـدم الرضا او الرفض عن هـذه الفئة أو تلك من هـؤلاء اللّصوص، ولكن (الأثـرَ ) هو الذي وصل الينا، نحن المشتغلين بالتاريخ الثقافي في اللّحظة الراهنة، وهـو المُـعطى الإيجابي الذي استندنا عليه في دراستنا لهـذه الظاهرة في المجتمع العراقي، بشكل خاص، والمجتمع العربي بشكل عام.
إن التـاريخ الرسمي للخلافة العبّـاسية، لم يكن مُحـايـداً في تـأرختـهِ لهـؤلاء اللّصوص، فهم في ( مدوناته – خارجين على السلطة) وفي ( التاريخ الشعبي ) هُـم مزيج من الحقيقة والخيال، وكانت روح القـاص الشعبي، تتفـاعل معهم بشكل إيجابي، مما يجعل من رواياتهِ أكثر قبولاً لدى العامـة من الناس، ومن المتلقين البسطاء، وعلى هـذا الأساس من القبول الشعبي ظهرت المـلاحم والسِـيّر والأساطير التي تحاكي ( سيرة البطل القومي ) بشكلٍ أو بـآخر، باعتباره أحد تمثيلات الوجدان الشعبي الخارج عن تنميطات الحكومة الرسمية ومؤرّخيها، على اعتبار أن ( القـاص الشعبي ) قـد رسم لهؤلاء الأبطال الدور الثانوي والمؤثّـر في سيرة البطل القومي ضمن الملاحم والسِـيَر الشعبية، فهـؤلاء هُـم الآصرة التي بدونها لم يستطع البطل القومي من انجاز مهامه البطولية القومية، فهُـم الأقرب الى روحـهِ، وهُـم الأكثر التفافاً حوله، على اعتبار انّـهُ ( بطل السيف ) وهُـم ( أبطال الحيلة والمكر) في صفوف الأعـداء، بحيث أن قـارئ تلك الملاحم والسِـير الشعبية يدرك ان روح التمرّد والثورة لدى هـؤلاء الشطّار والعيّارين قـد وُظِّفت بشكل قومي لا فـردي، حيث أنهم الوحدة المكملة للبطل القومي .
هـذا الأمر، ألهَـبَ خيال القصّاصين والرواة لأن يأخذوا من تراثهم ما هـو نبيل، ويوظِّفوه في كتاباتهم التراثية الشعبية، ضمن البطولات التي يقتضيها السياق الفنّي لصياغة الملحمة الشعبية، على اعتبار أن ذاكرة ( التاريخ الرسمي) للدولة الإسلامية، مُمَثّـلة بالخلافة العباسية، قـد أهملتهم بشكل متعمّـد ووضعتهم بخانة الدرك الأسفل.
وسوف يقف الدارس لهـذا العمل على أنماط وأشكالٍ متعدّدة من النعوت والصفات التي كانوا يوصمون بها من قبل المؤرّخين الرسميين، وبالمقابل، سوف يرى شكل تقديمهم والاحتفاء ببطولاتهم وتاريخهم الاجتماعي من لـدن ( القـاص الشعبي) بوصفهِ مؤرّخاً لهم .
* لقـد كان اهتمامي بهـذه الظاهرة الاجتماعية – التاريخية، هـو اصغائي المبكّـر الى أحاديث عـلاّمة العراق الراحل د. مصطفى جواد في التليفزيون العراقي عام 1965م، ضمن برنامج ( النـدوة الثقافية ) الأسبوعي الذي كان يقدمه د. سالم الالوسي كل يوم خميس . وقـتذاك – كنتُ في الصف الخامس الابتدائي، والوحيد من بين أقراني الذي يتابع هذا البرنامج داخل المقهى الشعبية في حارتنا .
أحاديث د. مصطفى جواد عن ( الفـتوة والشطّار والعيّـارين والورّاقين والكتّـاب ) والشرائح الاجتماعية المثقّـفة، هي التي قادتني لأن أتتبّـع خطاه، وأرسمُ ما أوحى به في كتاباتي، ومن ثم كانت اهتماماتي في تاريخ العراق وتراثه، هي إحدى المحفّـزات الرئيسية في رصد هذه الظواهر وأنا أخطو خطواتي الأولى في إعـادة انتاج التاريخ الثقافي للعراق في العصر العباسي، الذي لم يتكرّر بعـد .
ومسألة دراسة ظاهرة اللّصوص والشطّارة ، في الحضارة العباسية، جعلتني أن أستنتج أن فساد الإنسان من خلال تسنُّمهِ سلطة معيّـنة، ولا سيما السلطة السياسية أو الروحية العقائدية، فهو يتحوّل فيها الى أكثر من وحش وناهب للمال العام، وعلى هـذا الأساس كان انطلاق هـؤلاء اللّصوص والشطّار في كسرِ شوكة وهيبة السلطة، عندما كانوا يقيمون سلطتهم ( خـارج القانـون ) أو السلطة الشعبية التي كانوا يفرضونها على الشارع البغـدادي أو الدمشقي أو القـاهري .
* وثمّـة امر آخر دفعني للكتابة عنهم، هـو اتّـضاح الرؤية أمامي بأن أُوغل في تاريخ بغـداد الثقافي والاجتماعي، بعد أن أنجزت موسوعتي الأولى ( الوراقة والورّاقون في الحضارة العربية – الإسلامية ) والتي صدرت ببيروت نهاية2011م ، الأمر الذي أصبح معه ضرورة أن تكون هناك اتّـساع في مساحات البحث التراثي في تاريخ بغـداد الحضاري، وأن لا يتوقّـف عندي على ( الوراقين ) وغيرهم، بل يجب أن يمتـدّ لكل فئـات المجتمع العراقي في العصر العباسي، فـتولّدت فكرة كتابة ( موسوعة بغـداد الثقافية في 20 مجلد ) يكون بحث ( لصوص بغـداد ) واحداً منها .
وعلى هـذا الأساس من التصوّر، فصّـلت العمل على النحو التالي :
1- الفصل الأول : توطئة تاريخية .
2- الفصل الثاني : كيف ظهروا على مسرح الأحداث.
3- الفصل الثالث : الموقف الوطني للّصوص .
4- الفصل الرابع : الشكل التنظيمي للّصوص .
5- الفصل الخامس : فلسفـة اللّصوص وآدابهم .
6- الفصل السادس : نـوادر اللّصوص وحكاياهـم .
7- الفصل السابع : أهمية الظاهرة في التراث العربي .
8- الفصل الثامـن : أعـــلام اللّصوص .
9- الفصل التاسع : خاص بلصوص ألف ليلة وليلة
10- الخلاصة والاستنتاجات .
* ثم ألحقناه بقائمة طويلة لمصادر البحث ومراجعه .

* * *
14- الجزء الرابع عشر – حمل عنوان ( أوراق بغـدادية من العصر العبّـاسي ) ج 14 .
كانـت فكرة إعداد كتاب يجمع بين دفتيه ما تناثر من أحداث متفرقة في الوسط الثقافي والفني في العصر العباسي، قد نشأت لدي حين أنجزت كتابي الاول “مغنيات بغداد في عصر الرشيد واولاده”. حيث طرحـت الفكـرة على شيخنـا الراحل ـ الاستاذ هادي العلوي ـ تغمده الله بوافر الرحمة، فطرب بما سمع وقال: نفذها، فهناك الكثير من الاوراق المتناثرة والتي لم يجمعها كتاب، كان ذلك في مطلع عام 1991م، وظلت هذه الفكرة تختمر في الذهن عاماً بعد آخر، فظروف منفانا حطمت الكثير من الأحلام، ومحت من الذاكرة أكثر من مشروع حيوي، كان يمكن ان يكون ذا دلالات ثقافية وحضارية، تبرز تراث هذه الامة في اكثر من وجه، ولكن ما كان كان.
وعندما كتبت دراسة نقدية بعنوان “الحنين في قصيدة ابن زريق البغدادي”. راح موضوع الفكرة يلح عليَّ أكثر، باعتبار ان ظروف ابن زريق البغدادي /ق4هـ/ التي ادت به الى مغادرة بغداد والتوجه للأندلس والموت هناك، حركت في نفسي، وانا أنتقل في منفاي من بلد لآخر، شعور التعاطف والتضامن معه، مع اختلاف الغاية والهدف بيننا، ثم انضاف الينا بهذا (المنفى) زرياب المغني المشهور، والذي تكالب عليه وسطه الفني، واجبره على مغادرة بغداد والتوجه الى الاندلس ايضاً، فشدني هو الآخر لأن أكشف عنه أسباب رحيله، وهو المبدع المرهف الحس، والفنان صاحب الموهبة النادرة في العزف والغناء وصناعة الموسيقى، فشرعت اكتب عنه دراسة، حملت عنوان “زرياب من بغداد الى الاندلس”. فصارت فكرة الكتاب أكثر نضوجاً، مما جعلني ان افكر بعنوان جامع لهذه الموضوعات المتفرقة، ولكنها تجتمع بخيط التاريخ (العصر العباسي) وتنتظم في مسبحة الابداع الفني – الشعر والغناء- فالتمعت في الذهن تسمية “اوراق بغدادية من العصر العباسي” ورحت ابحث اكثر عن موضوعات تنسجم وهذه التسمية، وتنخرط بنفس الوقت ـ مع طبيعة الموضوعات التي ابحث فيها، ضمن مجال اختصاصي في العصر العباسي، وثمة حدث افاق الفكرة من سباتها، وبشكل لم اعهده في نفسي من قبل، لهذا الحدث، هو(موضوعة محاكمة الفنان مارسيل خليفة) لأدائه قصيدة محمود درويش /انا يوسف يا ابي/. فدفعني ذلك لان اكتب عن “مجالس السماع والغناء في بغداد ـ في العصر العباسي” لأثبت حقيقة واحدة هي ان الغناء واحد من اهم مقومات الحضارة العربية ـ الاسلامية، وان اختلفت فيه اراء الفقهاء، بين مؤيد ومعارض، فعدت الى تلك “الاوراق” وانجزت الموضوع بشغف، وتوسعت دائرته، وضاق المكان /منهجياً/ عن استكمال بقية موضوعات الغناء، فأردفت اليه بحثاً آخر، تفرع منه، وزاد عليه في الكم، أسميته ( حوار الفقهاء في العصر العباسي) الى “تلك الاوراق البغدادية” ويشكل استكمالاً منهجياً وتاريخياً لتلك الظواهر الابداعية التي جاءت ضمن ما يسمي بـ (البحوث الأنثروبولوجية الاجتماعية) في العصر العباسي، ثم استثيرت بالذهن موضوعات اخرى، ضمن هذه (الاوراق) لا سيما موضوعات ( الحوارات الفلسفية والنقدية واللّـغـوية ) مما جعلني أن أضيف الى ( هـذه الأوراق حوار الفيلسوف متي بن يونس مع اللغـوي المعروف أبي سعيد السيرافي ) مما يعطي لهـذه ( الأوراق ) شمولية أوسع لموضوعات الفكر والثقافة، وقـد قسّـمنا الموضوعات على النحو التالي :
1- المقـدمــة :
2- الفصل الأول :
الورقة الأولى – الحنين في قصيدة ابن زريق البغـدادي .
3- الفصل الثاني :
الورقة الثانية – رحلة زريـاب الى الأندلس .
4- الفصل الثالث :
الورقة الثالثة – حوارات فقهية في أصول المذاهب السائدة في العصر العبّاسي .
مناضرة يوحنا بن اسرائيل الذمي مع الفقهاء .
5- الفصل الخامس : حوار ثقافي بين متي بن يونس وأبي سعيد السيرافي .
6- ثبت المصادر والمراجع :
* * *
15- الجزء الخامس عشر ، حمل عـنوان ( بغـداد في حُـلّـتها العباسية ) ج 15 .
موضوعة ( بغـداد ) وشكل تجليـاتها في الأدب العربي والتاريخ العبـّاسي ، هي من السعـةِ بمكان، بحيث لا يمكن الإحاطة بـهِا في عمـلٍ واحـدٍ ، فهو مبـثوث في أمـّهات المصادر وكبريات الموسوعات . ولكن أن تكتشف بغـداد في روحـك وعمق أحاسيسـك ، فهـذه مسـالة تحتاج الى (أسلوبٍ خاصٍ ) لتقديم هـذه الإشكالية النفسية ، بحيث تحـافظ على مصدريتـها التراثية ، من جهة علمية ، وعلى ما يجوس في خاطرك من إيـقاعاتٍ إبـداعية ، لا تخضع الى تنميـط ممنـهـج ، بل تنـزع الى ما يتشـرنق داخل روحكَ ، ضمن إطار الإبـداع الأدبي .
لقـد أقـلقـتني كثيراً هـذه الحالـة التي حاولت أن أقـدّم بهـا ( بغـداد ) ضمن محمولها العبـّاسي من حيث الشكل والمضمون ، مع الـردّ على بعض الأصوات النكـرة التي تريد النيل من اسمها وتراثها وتـاريخهـا وآدابهـا ، وعالميتها التي عـُرفت بهـا .
قـادتني رؤاي لأن ( أبتـكر ) نصـّاً جـديداً عن خصوصيـّة بغـداد التراثية والمعاصرة ، بحيث يكون هذا العمل ( مغامرة أدبية ) أقـدمُ عليها ، دون أن أفقـد خصوصيـّتي كباحـثٍ في التراث ، فأوجدتُ هـذا النمط الجديد في الكتابة ، وأطلقت على العمل عـنواناً ثانياً هـو ( تقـاطعـات سردية على نـصّ تـراثي ) يحاكي بمضمونه ( الرواية العربية ) في جانبها الأرأس وهـو ( السـرد ) دون أن أدخـل بقية عـوالم الرواية ، لأن عملي هـذا ارتكز بالأساس على دراساتي وأبحاثي التراثية عن بغـداد .
ونظراً لإيماني بأن ( شكل السـرد الروائي ) وأنواع القص فيه هـو ( متحرّك ومتجـدّد ) في كل الآداب العالمية ، وعلى هـذا الأساس ( أقحمت ) مسـألة السـرد في بنيـة هـذا النص التـراثي عن بغـداد كي أحقـّق مسـألة الموائمـة بين شكلين في الكتابة العربية ( النص التراثي الأكاديمي والسرد الروائي ) ، مع الحفـاظ على استقلالية النمطين في الكتابة، إلاّ أنهما يلتقيان في ( وحـدة الموضوع )، ومن هـنا رأيت أن أقسـّم الموضوع المدروس في هـذا الكتاب الى سـبعـة فصول ، يـتـداخل فيها ( السـرد بتقـاطعـاتـهِ ) على النص التراثي بين مـداخل الفصول ونهاياتها ، على الأغلب .
لذلك جاءت الفصول السبعـة مقسـّمة على النحو التـالي :
1- الفصل الأول : أخـذ عـنوان – عشـق الجمال والمعرفـة .
ارتكز هـذا الفصل على مسـألة ( السرد الروائي ) كمفصل رئيسي في بنيتـهِ الإبـداعية ، إذ الزمان والمكان لعـبا الدور الرئيسي في بنية النص وتسميته ، ثـم دخلت ( اللـّغـة الروسية ) بقـوة على مفاصل الحوارات السردية ، وهـذا الأمر فرض نفسـه عليَّ – كـكاتب – يجب أن أتعـامل معه بحـذرٍ ودرايـةٍ، لأنه أصبحَ عـموداً فقـريـّاً في بنيـة العملِ كـُـلـّه . بمعنى ألزمتني جغرافية المكان الروسية وظرف الزمان لأن أتعـامل معهما وفق شرطهما الثقافي ، لذا كانت أغلب الحـوارات بين ( أبطـال العمل ) باللـّغة الروسية ، لذلك سيشاهـد القـارئ ألـفــاظاً روسية ، ومعناها المباشر في اللغـة العربية . بمعـنىً ثـانٍ ، أضفت هـذه الحالة الثقافية لأن تكون هـناك حالات من التواشج الثقافي بين العربية والروسية لا مناص منـها ، بحكـم طبيعة الزمان والمكان والحالة الثقافية ، وهـنا أصبحتُ أكثر موضوعية للتعامل مع الأدب الروسي والنظر إليه بحياديةٍ تـامـةٍ ، رغـم أن موضوعي يخص بغـداد ، وقـد يسحبني الى الانحياز . وهـذه النقطة قـد يلحظهـا الـدارس والقـارئ على حـدّ سواء . ولذا لجـأت لأن أكتب ( النص الروسي ) بالحـرف الأزرق ، كفـاعلية تكنيكية قـد تسـاهم في إعطاء الخصوصية للنص الروسي ، وقـد تعـمـّدتُ أن أكتب تلك العبارات الروسية بلفظها الروسي كما هي ، وأضع ( بين قـوسين ) معناها العربي ، دون أن يكون هـناك أيَّ إخـلال بنمط الكتابة العربية .
وهـذه الفاعلية التكنيكية ، سـرتُ عليها بكل فصول الكـتاب السـبعـة .
2- الفصل الثاني : حمـل عـنوان ( وصف بغـــداد ) .
في هـذا الفصل كانت منهجية الكتابة تعـتـمد ( البحث التـاريخي بشروطهِ الأكـاديمية ) ومحمولاته المعرفية ، حيث سيلحظ القـارئ أن هـناك ( بحثاً أكاديمياً بحـتـاً ) تحكمه المصدرية العلمية بـإحالاتها ومنهجها ، بكامل مفرداته ، إلاّ أن ( تقـاطعـات السـرد ) تظهر في نهايتهِ ، ويتجلـّى التباين الثقافي بين الثقافتين الروسية والعربية من خـلال ( الفولكلور ) وطرق التعاطي بـهِ في السياق الاجتماعي .
3- الفصل الثـالث : حمـل عـنوان ( عـنــد ضفـاف الـدون الهـادئ ) .
كـامل النص في هـذا الفصل اعـتمـدَ ( الحـالة السـرديـة ) ، إذ أن موضوعة ( نهـر الـدون ) تؤشـّر الى عموميتـها الروسية في الأدب ـ لكن تظهر خصوصيتها المحلية في تلك الأماكن القـوزاقـية ، حيث تتباين هـذه الخصوصية مع الثقافة الروسية والثقافة العربية ، إذ أن ( خصوصية أهـل الـدون ) تظهـر انحيازهم نحو ( فـولكلورهـم القـوزاقي ) بشكل واضح وتمسـّكهم بـهِ ، كحـالة ثقافية ، ومن هـنا كانت حـالة السـرد هي الحاكـمة لمسارات الكتابة في هـذا الفصل .
4- الفصل الـرابـع : حمـل عـنوان ( تنامي المعرفة في بغـداد وظهـور الكـتـّـاب والوراقين والخطـّاطين ) .
مقـدمة الفصل السـردية تسحب القـارئ الى كشف الحالة الاجتماعية والثقافية ، بكل تناقضاتها ، وتؤشـّر على خصوصية أهـل الـدون في تلك المدينة الروسية ( روسـتوف ) .
أمـّا القسـم الثاني من هـذا الفصل الطويل ، فـقـد كان ( عبارة عـن محاضرة طـويلة ) أخـذ الجانب الأكاديمي حصـّة الأسد في مضمارهـا ، بحكم الحالة العلمية للمحاضرة ، لذلك قـُـسـّمت نقـاطها الرئيسـية على الموضوعات التالية :
* وصف الحالة الثقافية لبغـداد في العصر العباسي .
* تطـوّر صناعة الكـتابة وظهـور الكـتـّـاب بوصفهم ( ظاهرة مميزة ) في تلك الفترة العباسية . حيث يلحظ بـروز إسم الجاحظ وأقرانـهِ من الكـتـّاب من مثل : إبن قـتيبة ، والصولي وأبي حيـّان التوحيدي ، وأبي هـلال العسكري ، وثـعـلب والمبـرّد ، وغـيرهـم .
* مقـوّمات الكـتـّاب والأسس المعرفية في طرائق تفكيرهـم الإبـداعي .
* ظهـور الوراقين في بغـداد وتعريف حـالتهـم الإبـداعية .
* منهـج الـوراقة في عمـل الوراقين .
* مجالس الإمـلاء وظهـور المسـتملي وكتب الأمالي ، وغير ذلك .
* منهج النـسخ والمقابلة ، كخطوة متقـدمة في سير عمل الوراقين في بغـداد ، للتعامل بشكل علمي مع المخـطـوط .
* ظهـور منهـج ( الـرمـز المختصر ) في الكتابة العربية .
* ظهـور منهـج ( الحاشية ) للمرة الأولى في الكتابة العربية
وبهـذا الفصل أيضاً ، ظهرت ( مدرسة بغـداد في الخـط العـربي ) على يـد المبـدع الوزير ( إبن مقـلة ) ومن بعـده أكمل مشواره تلاميذه المبدعون ( إبن البـوّاب ويـاقـوت المستعـصمي ) .
5- الفصل الخامس : حمل عـنوان ( تنغـيمات شـرقيـة ) .
في هـذا الفصل كان السـردُ طاغيـاً على أغلب مجريات القـص ، إلاّ أن الحديث يميل في منتصفهِ الى ( حـالات النقـد ) الأمر الذي فرض العـودة الى المنهـج الأكاديمي ، كون مسارات السـرد أخذت تتحـدّث عن ( ألـف لـيلـة ولـيلـة ) .
6- الفصل السـادس : حمل عـنوان ( الـوراقون البغـداديون في موسكو ) .
تشابكت في هـذا الفصل حـالات السـرد مع المنهـج الأكاديمي ، بحكم ( حـدث صدور كتابنا ” وراقو بغـداد في العصر العباسي ” وأقيمت نـدوة علمية حـوله .
7- الفصل السـابع : حمل عـنوان ( ليـالي الشـرق في موسكو ) .
انقسم الحديث في هـذا الفصل الى قسمين . الأول : كان يستحضر بسـردهِ التراث والفولكلور اللـّبناني والمصري والعراقي . أمـّا القسم الآخر فقـد مال نحو الكتابة الأكاديمية ، إذ جرى الحيث فيه عــن (مجالس الغناء ) .
* في هـذا العمـل ، ثـمـّة تقـاطعاتٍ إبـداعية تتطلب جهـداً لمعرفة بعض الأسماء والشخوص والقرينة التي تجمع بينهم ، وضرورة الإدراك للمعادل الموضوعي لها ، والغـاية وراء توظيفـها في البنـاء السـردي في هـذه الفصول السـبعـة .
* كـما أن الكثير من الحقائق والتـواريخ والأسماء والأماكن هي حقيقية ومعروفة ، كما وضعنا قائمة كبيرة للمصادر والمراجع المعتمدة في الكتاب .
* * * يتبع

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com