مقالات

هل السومريون شعب أم لغة وكيف اختلقهم كريمر؟ ج2

بيدر ميديا.."

هل السومريون شعب أم لغة وكيف اختلقهم كريمر؟ ج2

علاء اللامي*

-ما حدث هو أن الباحث الإيرلندي إدوارد هنكس وقبله المستكشف الفرنسي بأول بوتا اكتشفا نظاماً معيناً للعلامات الكتابية كتبت بها نصوص بلغة اتضح لاحقا أنها هي اللهجة الأكدية الآشورية. ثم اكتشفوا أن هذا النظام المعقد لا يحيل الى لغة واحدة بل إلى لغتين مختلفتين. وكان الباحث هنري لورنس قد اكتشف جداول مسمارية ثنائية اللغة وسمى اللغة الثانية “السكثية”. وتم الاستنتاج أن اللغة الثانية التي سيطلق عليها اسم “السومرية” لا بد أن تعود إلى شعب آخر غير الشعب الأكدي.  وقد استعمل اسم “سومر” ومشتقاته لأول مرة من قبل الباحث يوليس أوبريت في محاضرة ألقاها في الجمعية الفرنسية للمسكوكات والآثار سنة 1869الذي أخذ الاسم من عبارة وردت في اللقب الملكي ” ملك أكد وسومر”!

خرافة صاموئيل كريمر حول وجود الشعب السومري وعلاقته العرقية الدموية بالعبرانيين. قبل البدء بهذا الجزء من المقالة، أود ملاحظة أن هزَّ القناعات الراسخة والموروثة وتحطيم الأصنام الفكرية الرتيبة بواسطة النقد العقلاني والموثق والقائم على الشك المنهجي العميق لن يُستَقبَل بسهولة وترحاب وخصوصا من ذوي التفكير التقليدي القنوع، فالتكرار والترديد أسهل كثيرا من النقد والكشف وإبداع الجديد، غير أن الكلمة الأخيرة ستكون للأدلة العقلانية والحجج الدامغة والمكتشفات الحاسمة التي لن تتوقف والقادرة على قلب وتدمير أو تعديل أقدم القناعات وأقوى النظريات والفرضيات النظرية، وما كان جديدا ومثيرا بالأمس يغدو قديما موضوعا للتساؤل والفحص في الغد لأن الحقيقية تبقى نسبية دائما ومشروطة بظروفها وسياقها التاريخي.

يستمر د. حنون في عرضه الممتع والدقيق لكرونولوجيا المشكلة السومرية فيخبرنا أن العلماء مذ ذاك انقسموا الى فريقين:

الأول، ويمثله العلماء الذين ورد ذكرهم في الجزء السابق ومنهم؛ هنكس وبوتا ولورنس والتحق بهم لاحقا نوح كريمر الذي سيصير علَمَهم وقطبهم دون منازع وأبا السومريات، وهذا هو الفريق المقتنع بوجود الشعب السومري الذي اخترع الكتابة المسمارية وتكلم اللغة السومرية.

أما الثاني ويمثله الباحث جوزيف هايليفي، فينفي وجود شعب بهذا الاسم “السومري”. حيث يرى هذا الباحث أن اللغة السومرية هي لغة دينية سرية ابتكرها البابليون أنفسهم ودونوا بها عقائدهم وطقوسهم وعلومهم. وبعد جدال بين الفريقين دام ثلاثة عقود سادت وجهة نظر الفريق الأول وانتشرت، وأصبح وجود الشعب السومري شيئا متداولا وشائعا لدى الباحثين طيلة العقود اللاحقة.

-من أبرز المتحمسين للفريق القائل بوجود الشعب السومري في القرن العشرين هو الباحث صاموئيل نوح كريمر الذي أصبح أشهر علماء السومريات. ويعرفنا د. حنون على كريمر، فنعلم أنه باحث روسي (وهناك من يقول إنه ولد في مدينة كييف بأوكرانيا) هاجر إلى أميركا وحصل على جنسيتها وعلى الجنسية الإسرائيلية. ومن النقاط التي تميزت بها أبحاث كريمر – يضيف حنون – هو تأكيده على رقي وتطور وتفوق السومريين العرقي على الأقوام والشعوب السامية التي عاصرتهم وجاورتهم واندمجوا بها باستثناء العبرانيين! ينقل لنا د. حنون أن كريمر أعلن عن وجود علاقة دم بينهم وبين السومريين، وعلى الرغم من اختلاف اللغة بين العبرانيين والسومريين “فإن العبرانيين يمثلون الامتداد التاريخي والحضاري للسومريين”. ويرى د. حنون أن أبحاث كريمر انطوت على عبارات وأحكام مناقضة لقواعد المنطق العلمي ويأتي بالعديد من الأمثلة على ذلك.

خرافة كريمر عن العبرانيين السومريين

*سأقتبس من كلام كريمر هذه الفقرة العجيبة والتي قد لا يصدق البعض أنها تصدر عن باحث رصين في الانثروبولوجيا والأركيولوجيا، حيث يقول: “يجب أن نفترض أن مؤلفي التوراة العبرانيين، أو بعضهم على الأقل، يعتبرون السومريين أسلاف الشعب العبراني الأصليين، ولكن إذا تكلمنا من الناحية اللغوية فإنهم على خطأ كبير في ذلك، فاللغة السومرية من اللغات الملصقة التي لا صلة لها بعائلة اللغات السامية القابلة للتصريف ، ولكن من الجائز جدا أن يكون هناك دم سومري جدير بالاعتبار في أسلاف إبراهيم الذين عاشوا لعدة أجيال في أور ومدن سومرية أخرى. أما بالنسبة للحضارة والمدنية السومريتين فإنه لا يوجد سبب للشك بأن العبرانيين الأوائل قد تشربوا واستوعبوا الشيء الكثير من أساليب الحياة السومرية العبرانية، وباختصار ربما كانت الاتصالات السومرية العبرانية أكثر ارتباطا مما كان يظن حتى الآن، وربما كان للقانون العبراني الوارد في (يوشع 202) جذور غير قليلة تمتد تحت تربة بلاد سومر/ صاموئيل نوح كريمر – السومريون تاريخهم وحضارتهم وخصائصهم – ترجمة د. فيصل الوائلي – ص 427 وما بعدها”!  من الواضح أن كلام كريمر الذي اقتبسه د. حنون هنا لا يعول عليه بحثياً، بل هو معيب بمنظور البحث العلمي لأنه لا يستند سوى إلى الظنون الهائمة والتخمينات والترجيحات والعبارات الإنشائية الفارغة فلا دليل مادياً أو لغوياً أو تاريخياً عليها، وعبارات من قبل “يجب أن نفترض” و “لا يوجد سبب للشك”، وكيف لا يوجد سبب للشك، والبحث العلمي الحديث قائم أصلا على مبدأ الشك والتمحيص والمقارنات العميقة وطلب الدليل القاطع؟! بل إن كريمر يقول الشيء ونقيضه في عبارة واحدة، فهو مثلا ينفي أية علاقة بين اللغة السومرية المقطعية الملصقة واللغات السامية الاشتقاقية ومنها العبرانية – على افتراض وجود لغة عبرية مستقلة وليس لهجة كنعانية فرعية- ولكنه ويا للعجب، يربط بين السومريين والعبرانيين دمويا وعرقيا! وحين نعلم أن أور كانت مسكونة منذ أقدم العصور (يرجح بعض الباحثين انها نشأت كقرية ثم بلدة صغيرة سنة 3800 ق.م، وأنها ازدهرت خلال حكم السلالة الثالثة في القرن السابع والعشرين قبل الميلاد (2600 ق.م)، في حين ورد أول ذكر للعبرانيين في التاريخ البشري، وبلفظ ملتبس ويثير الكثير من التحفظات والاعتراضات العلمية هو “الخابيرو”، في رسائل “تل العمارنة”، حين عبروا مرج بني عامر واحتلوا شكيم “نابلس” في فلسطين القديمة عام 1360 ق.م! أي بعد أكثر من ألف ومائتي عام من ازدهار أور، فكيف يستقيم كلام كريمر هذا مع حقائق التأريخ، ولماذا لم يرد ذكر العبرانيين في أي نص رافداني من أور أو غيرها حتى اليوم على الرغم من ضخامة وكثرة النصوص المسمارية المكتشفة؟

– مقابل هذا النقد والتوثيق الدقيق لكلام كريمر الذي قدمه الباحث د. حنون، نشر الباحث  خزعل الماجدي منشورا علق فيه على الموضوع، واقتبس فيه من كتابه “الحضارة السومرية” قوله “في أول رد فعل على اكتشاف يوليوس أوبرت للغة السومرية والشعب السومري (1869)، قام جوزيف هايليفي بدوافع عنصرية دينية، فقد كان يهودياً، برفض وجود الشعب السومري ولغته ورأى أن ما يسمى باللغة السومرية هي مجرد لغة رمزية دينية اخترعها الكهنة البابليون لتأسيس علومهم السرية، وكان يدافع، ضمناَ، عن أن حضارات وادي الرافدين قد أسسها الساميون فقط والذين يلتقون في أصلهم مع العبريين واليهود”. فهل يعتبر الدفاع عن سامية حضارات وادي الرافدين، وكون الساميين يلتقون في أصلهم مع العبرانيين واليهود، دليلا كافياً وحاسماً على عنصرية هايليفي اليهودية وعلى حقيقة وجود الشعب السومري؟ وهل يعني ذلك أن كل من ينفي بحثياً وجود السومريين كشعب عرضة لهذا الاتهام الخارق؟ ألم يدلل د. حنون على عنصرية كريمر بالنصوص الموثقة من كتبه، ولم يكتف بالقول إنه يهودي ويحمل الجنسية الإسرائيلية، وعارض محاولته ربط السومريين بالعبرانيين اليهود بأسلوب علمي، فأين الأدلة والتوثيقات المماثلة التي تؤكد عنصرية اليهودي هايليفي التي يقدمها الماجدي، أم يكفي أن يكون باحث ما يهودياً ليكون بالنتيجة عنصرياً ومتجاوزاً على أصول وقواعد البحث العلمي، وهذا أمر غير معقول ومرفوض منهجياً قطعا؟

كيف ترجم كريمر اللقب الملكي “بلاد سومر وأكاد” بشكل محرَّف؟

إنَّ الباحث د. نائل حنون، وكباحث ومنقب آثاري “أركيولوجي” وإناسي حقيقي، لم يكتف بالتأليف الاقتباسي للكتب بل كان قد حمل مجرفة الآثاري لسنين طويلة كزملائه طه باقر وفاضل عبد الواحد وبهنام أبو الصوف وليلى صالح ودوني جورج ولمياء الكيلاني وآخرين، وخاض في خنادق وأطلال المواقع الأثرية واكتشف هو شخصيا مع فريقه من تلامذته وزملائه العراقيين اثنين من أهم الاكتشافات الآثارية الأول هو مدينة “مَرد” في تل الصدوم، والثاني، مدينة “متُران” في حمرين، أقول؛ الباحث إذن لا ينكر وجود اللغة السومرية بل ينكر وجود الشعب السومري، ويعتبر اللغة السومرية لغة كتابة مبتدَعة أو مصطَنَعة لنخبة المجتمع الدينية والثقافية تطورت تطورا طبيعيا لتكون لغة خاصة بالكتابة لا بالمحادثة والتداول الشفهي، وصولا إلى نهاية البحث الذي قدمه، وفيه يستنتج أو يقترح اقتراحاً مشروطاً بأداة الشرط “إنْ” من دون قطع أو جزم كأي باحث يحترم نفسه ومنهجه العلمي الاحتمالي قائلاً “فإن صح ما توصلنا إليه في هذا البحث يكون الاسم المناسب للسومرية هو “الكتابة السومرية” وليست اللغة السومرية، أما الأكدية فهي اللغة الأكدية/ ص46″. وبهذا المعنى فالباحث يعترف بوجود لغة كتابة اسمها السومرية ولغة تداول ومحادثة وكتابة للشعب الأكدي اسمها اللغة الأكدية.

كيف ولدت عبارة “بلاد سومر وأكد”

يتوقف د. حنون عند واحدة من أخطر تجاوزات كريمر المخالفة لمبادئ البحث العلمي وهي حين “أخذ يترجم مصطلحات سومرية بغير ما تعنيه ما أدى إلى اعتماد ترجماته دليلا على وجود الشعب السومري بطريقة لا تسمح بأي مناقشة أو شك. ص 24”. ومن تلك المصطلحات كلمة كلام (KALAM) والتي تعني باللغة السومرية؛ البلاد، الإقليم، السهل، أو البر، ولكن كريمر ترجمها إلى “سومر”. وأما عبارة “ساك جيج” السومرية والتي تعني “سود الرؤوس” وبالأكدية “صلمات ققدم” فقد ترجمها “الشعب السومري”. وحين يقرأ المرء غير المتخصص ترجمات كريمر “يعتقد أن كريمر يكرر اسم سومر والشعب السومري ولكن الحقيقة خلاف ذلك/ م.س”.

ثم يوضح د. حنون المقصود باللقب الملكي “ملك سومر وأكاد” ويقول إن هذه العبارة لا تدل على مفهوم قومي أو جغرافي إذ ليس هناك شعب اسمه السومري أو بلاد اسمها بلاد سومر ولم يرد مطلقا باللغة السومرية هذان المصطلحان “شعب سومر” و”بلاد سومر” فيقدم عرضا تحليليا وتاريخيا تخصصيا دقيقا لعملية ظهور عبارة “بلاد سومر وأكاد” التي ثبت وجودها في الكتابات باللغتين السومرية والأكدية باللهجة البابلية. وقد بدأ هذا الاسم “بلاد سومر وأكاد” كلقب ملكي يدل على بسط سلطة الملك على مساحة واسعة فكانوا يضيفونه الى الاسم الرسمي من قبيل “ملك أور” و”ملك لكش”، فأخذوا يستعملون عبارة “ملك البلاد/ لوگال كلام” (LUGAL KALAM)، والتي ترجمها كريمر “ملك سومر”. وقد استعمل ملوك سلالة أور الثالثة هذا الاسم من دون كلمة “بلاد/ كلام”. ثم ظهر اسم “ملك سومر” ولكن في عهد الملك الأكدي شار كالي شري، هذا يدل على انعدام أي محتوى جغرافي أو قومي للاسم فالملك المذكور أكدي وليس سومري. ثم إنَّ الاسم لم يكتب بصيغة بلاد سومر وبلاد أكد بل بصيغة “بلاد سومر وأكد” ما يدل، من وجهة نظر الباحث د. حنون، على أن المقصود بلداً واحداً لا بلدين. وفي الألف الأول ق.م أصبح هذا المصطلح “بلاد سومر وأكد” شائعاً في النصوص العهد الآشوري ولاحقاً في العهد البابلي الكلداني مع بعض التغييرات في كتابة العبارة بالكتابة المقطعية الرمزية السومرية وهذا يؤكد أن الكتابة السومرية كانت تتم من قبل الأكديين أنفسهم.

ومن ألاعيب كريمر في هذا الصدد، والتي خرج فيها عن الأمانة العلمية وشروط البحث المنهجي، أنه عمد في ترجمته لمرثية “بلاد أكاد ومدينة أور”، كما كتب د.حنون، إلى تسمية هذه المرثية بـ “مرثية لسومر وأور”، وعرفت في الأوساط العلمية بهذا الاسم،  وهذا خطأ تعمد كريمر نشره لتمرير فكرة وجود السومريين وبلاد سومر… وأن كريمر دأب على ترجمة كلمة “كلام KALAM” السومرية والتي تعني “البلاد” حين ترد في بعض النصوص السومرية ببلاد سومر ما يرغم القراء وحتى المختصين منهم على تصديق ورود الكلمة بهذا الشكل الذي يترجمه هو/ ص 70″ والأدهى من ذلك كما كشف لنا د. حنون أن كريمر حين ترجم السطر الأول من هذه المرثية ترجمه كالتالي “اليوم الذي انقلب، إذْ زال القانون والنظام من الوجود” ويضيف د. حنون، أنه حين عاد إلى النص السومري الأصلي ولفظ مقاطعه المسمارية بالحرف العربي هو ( أو شو –بال –أكا – دي –كشن –خور- ب خار –لام –أي – دي) وترجمه إلى العربية فوجئ بأنه يترجم كالتالي: “اليوم الذي انقلب، يوم فقدان بلاد أكاد لخططها” أي إنَّ كريمر حذف عن قصد وسابق تصميم عبارة “بلاد أكاد”، وهذا أمر – يقول د. حنون- لا يمكن أن يكون قد حدث سهواً/ م.س” .

وأكثر من ذلك فالدكتور نائل حنون – وأنا هنا انقل معلومة فقط – يتهم كريمر بالكذب وتملق اليهود المتشددين، فهو يروي في أحد لقاءاته التلفزيونية أنه حظر محاضرة لكريمر في كندا، وفي الاستراحة أراد أن يتحدث معه وشاهده مع مجموعة من اليهود المتشددين بزيهم وقيافتهم المعروفة وسمعه يتحدث إليهم بالإنكليزية ويقول لهم “إن اليهود العراقيين هم الذين أنشأوا المتحف العراقي ومنهم يوسف لاوي وهو ساعدهم”، وهذا كذب مفضوح طبعا فحنون يعرف يوسف لاوي وهو نشط في الثلاثينات من القرن العشرين في ميدان لا علاقة له بكريمر الذي عمل في العراق في العشرينات والمعروف أن فكرة بناء المتحف العراقي طرحتها غرترود بيل سكرتيرة المندوب السامي البريطاني برسي كوكس وعندها امتنع د. حنون عن الحديث معه لأنه كما قال شخص كاذب ومتملق وغير محترم.

يناقش الباحث بعد ذلك عدة فرضيات أصبحت في عداد البديهيات، منها ما يتعلق بالزمن الذي اخترعت فيه الكتابة المسمارية والمراحل التي مرت بها من الكتابة الصورية إلى المقطعية، وهل حدث صراع قومي بين قوميتين سومرية وأكدية وانتهى بسيطرة الأكديين كما يزعمون، وهل كان جنوب بلاد الرافدين مقتصرا على مدن سومرية وشماله على المدن الأكدية، وينتهي الباحث الى تفنيدها ونفي وجود أية أدلة على هذه الفرضيات، وعدم وجود إجابات مقنعة على الأسئلة التي تثيرها فتبقى دون إجابات.

انعدام أي صراع سومري أكدي

ينتقل الباحث بعد ذلك إلى الكشف المهم الذي قدمه الباحث المتخصص بالسومريات بينو لاندزبيرغر وفيه قدم قائمة طويلة من الكلمات القديمة التي كان يعتقد أنها سومرية قديمة ورثها المعجم الأكدي لاحقا، فأثبت لاندزبيرغر أنها ليست ذلك، وافترض أنها تعود للغة أخرى لقوم آخرين، ودليله أن هذه الكلمات ذات مقاطع متعددة، وليست ذات مقطع واحد كسائر الكلمات السومرية. وحين تقرأ تلك القائمة يصيبك العجب فهي تكاد تشمل أغلب مدن العراق القديم ومنها مثلا: أريدو، أور، أوروك، لارسا، لكش، بابل، أكد، كوثى، بورسبا، أشنونا، حتى اسمي دجلة والفرات “إيد گلات – بورارن” وعدد من الحرف والمهن والنباتات من قبيل ملاخ “ملاح” وننـگـار “نجار” وبخار “فخار”، وغيرها كثير، ولكن د. حنون يؤكد أن هذه الأسماء السومرية القديمة هي، ومن أول نظرة أسماء أكدية وسامية قديمة، ولا تعود لشعب آخر غريب عن جنوبي العراق.

-نقطة أخيرة سأتوقف عندها وهي تلك التي سجلها الباحث د. حنون نقلا عن باحث أخر هو ثوركلد ياكوبسن والتي تفيد عدم حدوث أي صراع أو صدام مسلح ذي دوافع وأسباب قومية بين السومريين والأكديين الذين انتزعوا منهم السيطرة والسيادة على المنطقة على الرغم من حتمية هذا الصدام في إقليم صغير ومحدود الموارد والمساحة. أليس من الغريب أن تحدث صدامات بين مجموعات بشرية في هذا الإقليم لأسباب شتى ولكن لم يُسَجَّل صدام واحد بين السومريين والأكديين الساعين الى السيطرة وانتزاع السيادة على المنطقة؟ نعم، لقد حدثت صدمات بين المجموعات البشرية وممالك المدن في الإقليم، ولكن لم يسجل صدام عرقي واحد بين سومريين وأكديين، بل كان ثمة صدامات وحروب ذات أسباب اقتصادية وزراعية وما يدخل في باب السياسة الإقليمية كما يسميها ياكوبسن، كالخلافات على الأراضي أو المياه، كتلك الحرب بين مملكتي لكش وأوما على المياه والتي دامت عدة عقود وخلدتها مسلة النسور الشهيرة. فلماذا لم نعثر بين آلاف الأطنان من الرُقُم والألواح والمسلات والأختام الأسطوانية الرافدانية على دليل واحد يؤكد وقوع حرب أو صدام قومي “عرقي” حتى لو كان صغيراً بين السومريين والأكديين؟ لماذا لم نعثر على نص ترنيمة أو قصيدة أو سطر شعري واحد يتباهى فيه ملك أو شخص عادي سومري بشعبه وأصله السومري، أو بموطنه الأصلي الذي جاء منه؟

*الصورتان لجزأين من صفحتين من كتاب د.حنون حول ترجمات صاموئيل نوح كريمر المترجمة وتجاوزاته على المنهج العلمي، وهما ص 69 و70 من الكتاب.

*يمكن تحميل نسخة رقمية “بي دي أف” من كتاب د. وائل حنون “حقيقة الشعب السومري” من الرابط أدناه:

https://maktbah.net/%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b9%d9%82%d8%a7%d8%a6%d8%af-%d9%85%d8%a7%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d9%84%d8%a7%d8%af-%d9%88%d8%a7/

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com