منوعات

أسئلة لـ«ابتسم أيها الجنرال».. وكاريس بشار تحفة الموسم.

بيدر ميديا.."

أسئلة لـ«ابتسم أيها الجنرال».. وكاريس بشار تحفة الموسم

راشد عيسى

 

-في المكتبات، كما في الصحف، وفي مختلف المواقع الإلكترونية، أرشيف ضخم يتعلق بعائلة الأسد وأفرادها، يحتوي على مختلف وَصْفات وثيمات الكتابة؛ من البوليسي، إلى الاستخباراتي، والفضائحي، والكوميدي، والنفسي، إلى قصص الغرام، وبالطبع، وقبل كل ذلك: المرعب. جزء كبير منها موثق بشهادات، وشهود، ومؤلفات لكتاب عالميين. على الأقل هناك أطر لحكايات يمكن لأي مؤلف أن يتحرك بين، وما وراء، سطورها. أي ضرورة إذن لأحداثٍ متخيلة بالكامل في مسلسل «ابتسم أيها الجنرال» (تأليف سامر رضوان وإخراج عروة محمد)؟ نفهم أن تُمْلأ فراغات في حكاية شخصية ما لا نعرف عنها سوى القليل، أما وبين أيدينا كل ذلك، فلماذا المختَرَع، المُتَخَيّل، أكثر من الحقيقي؟

لماذا يُقَدَّم رجل القهقهات بهذا العبوس، ثم يقال له: «ابتسم أيها الجنرال» ، وما هو بالجنرال، من حق وحقيق، ولا هو بالعابس؟!

-أن لا تسمى الشخصيات والأمكنة والتواريخ بأسمائها وأرقامها فتحَ هجوماً مبكراً على صنّاع المسلسل، ومع ذلك لم يأت حتى الساعة جواب لتفسير ذلك. هل يتعلق الأمر حقاً بالخوف من دعاوى قضائية؟ ما دَفَعَ إلى كتابة تلك الملحوظة في تيترات العمل: «جميع شخصيات المسلسل وأحداثه من وحي الخيال، وإن أي تشابه بينها وبين شخصيات حقيقية هو من قبيل المصادقة» ؟ هل الشخصيات، موضوع العمل، في وارد دفع دعاوى أمام القضاء، فيما هي ذاتها هدف لعقوبات ودعاوى ومطالبات بالاعتقال؟ ما الحكاية إذن؟!
-هناك سؤال يتعلق بأداء بطل العمل مكسيم خليل، الذي يلعب دور الرئيس في المسلسل (أي بشار الأسد، كما هو واضح للجميع). في حدود علمنا، تعتبر الملامح والأداء الخارجي، على الأقل، مقياساً للنجاح في تقديم أي شخصية حقيقية. لنتذكر العديد من الشخصيات المعاصرة والمقدمة في أعمال سينمائية أو تلفزيونية؛ من غاندي (بلا تشابيه)، إلى الملك فاروق، جمال عبد الناصر، أنور السادات، عيدي أمين، هتلر، غيفارا، جون كيندي، ومارلين مونرو بالطبع (كذلك بلا تشابيه)، نزار قباني، محمود درويش (وكم ضحكنا لمحاولات ممثلٍ بعيد الشبه به كلياً عندما حاولَ وضع نفسه بالإكراه في قالب درويش)، والقائمة طويلة. وهنا، في أداء مكسيم، لا يُكتفى بإهمال الشبه الشكلي.

لماذا تُقَدَّم شخصية لا تستطيع الصمود، ولو لبضع دقائق، من دون قهقهة، بكل هذا العبوس؟ العبوس الذي أضفى على ملامحها ذلك الانهمام الذي لا نلحظه إلا عند المفكرين، وتلك المسحة المأساوية التي لا نجدها إلا عند من له بقية ضمير تعذّبه.

سلّمْنا أمرنا والتفتْنا إلى الأداء، وهو الأهم؛ لماذا تُقَدَّم شخصية لا تستطيع الصمود، ولو لبضع دقائق، من دون قهقهة، بكل هذا العبوس. العبوس الذي أضفى على ملامحها ذلك الانهمام الذي لا نلحظه إلا عند المفكرين، وتلك المسحة المأساوية التي لا نجدها إلا عند من له بقية ضمير تعذّبه، حتى لو كان متربعاً على قمة الشر (ماكبث مثلاً). لماذا يقدم شخص أقرب إلى البلاهة في الواقع بهذه الصورة الجادة (لا أستطيع هنا نسيان صورته جالساً في ديوان الملك السعودي، عندما وصفه الملك بالكذاب، ثلاث مرات، ثم تَرَكَه جالساً وغادر المجلس، وكيف وصف بندر بن سلطان، في مقابلة، صدمة الجميع بأن بشار لم يرد، وكيف ثنى رجليه أسفل الكرسي. إنه مشهد خزي لا نحسب أن رئيساً في الكون من قبل تعرّض لمثله. مشهد لا يجب أن تفوّته الكوميديا، ولا أي محاولة تمثيلية).
إذن لماذا يُقَدَّم رجل القهقهات بهذا العبوس، ثم يقال له: «ابتسم أيها الجنرال» ، وما هو بالجنرال، من حق وحقيق، ولا هو بالعابس؟!

«النار بالنار»

الممثلة السورية كاريس بشار هي حقاً تحفة الموسم الرمضاني لهذا العام، في حدود ما يتابع المرء.

تثبت كاريس، في مسلسل «النار بالنار» (تأليف رامي كوسا وإخراج محمد عبد العزيز) أنها من طينة الممثلين الكبار. تؤدي دور مريم، التي جاءت من الشام بشكل غير نظامي، لموعد في «الأمم المتحدة»، بعد أن تقدمت بطلب لجوء.

مريم شيخو، نموذج للإنسان المقهور. كتفان محنيتان قليلاً، واليد اليمنى شبه ثابتة وملتصقة بجسمها. مشية متلعثمة. القهر مطبوع بوضوح على جسد مقيد، وصوت خافت، مرتجف أحياناً. كم كانت مؤثرة تلك اللقطات التي تترك فيها حذاءها الموحل، الفقير، عند باب أي مكان تدخله، وكذلك عندما ترفع كسرة خبز من الطريق، تقبّلها وتضعها في مكان عال. إيماءة لا تصدر إلا عن فقير نبيل، أو ممن هم على تماس وانشغال بهموم الفقراء. مريم التي تخاف الكلاب، كل الكلاب، ودعاؤها المفضّل: «نذر عليي إمشي حافية من هون للشيخ محدّين» ، من دون اكتراث بأين تكون الـ«هون» على وجه الدقة، إن كانت بيروت أو حي البرامكة بدمشق.

كم كانت مؤثرة تلك اللقطات التي تترك فيها مريم حذاءها الموحل، الفقير، عند باب أي مكان تدخله، وكذلك عندما ترفع كسرة خبز من الطريق، تقبّلها وتضعها في مكان عال. إيماءة لا تصدر إلا عن فقير نبيل.

غير أن الشخصية تحيد عن نفسها مرتين، تبدو غير مقنعة في مشهد ركوبها الدراجة النارية وراء «شايلوك السوري» (عابد فهد)، حيث محاولة للتهاضم والتنكيت في غير موضعها. صنّاع العمل يعرفون ذلك، وربما لذلك بالذات أضافوا مشهداً تلوم مريم نفسها فيه على ذلك الضحك، ولمّا تنقض أيامٌ على وفاة زوجها. المشهد الثاني هو في خلعها للحجاب، الذي تبدأ بعده بالتحول إلى شخصية أقوى من تلك المتلعثمة.
لا مشكلة في فكرة التحول بعد خلع الحجاب، إنما خلع الأخير بهذه السرعة، ومن دون مسوغات مقنعة أو كافية هو الغريب، أو لنقل ربما من دون العذاب والتردد المتوقع. تخلع مريم حجابها عندما تضطر لالتقاط صورة لها من أجل جواز السفر، لكن كان بالإمكان، ومثلما يحدث عادة، حيث للضرورة أحكام، أن تخلع حجابها للصورة ثم تستمر في ارتدائه في الحياة، على الأقل إلى أن تواجه خطورة أو موقفاً ما.
أن ترفعه مرة للصورة ليس مبرراً على الإطلاق للاستمرار.

هنالك أيضاً ما هو منفّر في عبارة المصوّر، فيما يحاول إقناعها بأن تخلع الحجاب، حتى لا يُعرف أنها سورية، وكأن اللبنانيين لا يتحجّبون. ولنفترض أن العبارة لسان حال مصور جاهل، كيف صدّقت مريم، وصدّق شايلوك (عابد فهد) أن الحجاب ميزة السوريين وحدهم!

على أي حال، المسلسل يثير أسئلة عديدة، وفيه مشاهد بارعة، واستثنائية حقاً بالنسبة للدراما السورية، ويستحق العودة والكتابة من جديد.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com