مجتمع

إعادة العلاقات السعودية الإيرانية خطوة أولى للمارد الصيني.

بيدر ميديا.."

إعادة العلاقات السعودية الإيرانية خطوة أولى للمارد الصيني

صادق الطائي

 

يمكن تلخيص الاتفاقية الجديدة بالصورة التي تناقلتها وكالات الأنباء يوم 10 آذار/مارس الجاري، والتي أظهرت أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، يجلس مع مستشار الأمن القومي السعودي مسعد بن محمد العيبان، يتوسطهما كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي، أثناء حفل توقيع الاتفاقية الجديدة لإعادة العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات بعد سبع سنوات من التوترات بين خصمين لدودين في الشرق الأوسط. مصدر الإثارة الكبير لهذه اللحظة الفارقة كان المكان، فلأول مرة كان مكان الحدث بعيدا جدا عن الشرق الأوسط ومشاكله، حيث احتفت بكين التي قدمت نفسها كلاعب فاعل وراعي اتفاقات سلام جديدة في الشرق الأوسط المتوتر والمشتعل بالصراعات الإثنية والطائفية والسياسية.
ويرى المراقبون السياسيون أن الاتفاقية خطوة إيجابية بلا شك، إلا أنها لن تنهي الصراع في المنطقة مع استمرار القضايا المحلية الخطيرة في دفع الصراع والعنف في اليمن والعراق ولبنان وسوريا. ومع ذلك، دفعت التحديات الاقتصادية الخطيرة السعوديين والإيرانيين إلى الانخراط في محادثات دبلوماسية على مدى السنوات القليلة الماضية لإنشاء نظام إقليمي أكثر استقرارا، ما يسمح للبلدين الانخراط في برامج الإصلاح المحلية.
دور الصين هو النقطة الأكثر إثارة للاهتمام، إذ يبدو أن الدولة التي لطالما تبنت وجهة نظر تجارية للشرق الأوسط، تشعر اليوم بأهمية الخوض في سياسات المنطقة ولعب أدوار استراتيجية فيها. لكن يعتبر البعض أن هذا التضخيم للدور الصيني أمر مبالغ فيه، إذ إن الصفقة هي إشارة إلى أن كلاً من السعودية وإيران تريدان استرضاء الصين لكونها أهم شريك اقتصادي، وليس لكونها القوة العظمى الجديدة في المنطقة.
ولطالما أقامت الصين علاقات اقتصادية وثيقة مع إيران، لكن في السنوات الأخيرة سعت بكين إلى زيادة مشاركتها مع الدول العربية، ولا سيما العراق والمملكة العربية السعودية. وكان من الممكن أن يكون لتدهور العلاقات بين إيران والسعودية، وهما القوتان الخليجيتان الرئيسيتان، تأثير سلبي على المشاركة الصينية والاستثمار في كل أنحاء الشرق الأوسط، سواء من حيث مشاريع البنية التحتية أو مبادرة الحزام والطريق.
وعلى الرغم من احتفال الولايات المتحدة علنًا بالمبادرة، إلا أن هناك العديد من المخاوف بشكل خاص بشأن الآثار المترتبة على ذلك في الشرق الأوسط ، ويأتي ذلك في وقت تتوتر فيه العلاقات السعودية الأمريكية. وربما كان أفضل شاهد على توتر العلاقات بين الرياض وواشنطن ما حدث في زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى المملكة العربية السعودية بعد انتقاده الصريح لسجل المملكة في مجال حقوق الإنسان بعد عملية قتل الصحافي جمال خاشقجي. وقد عانى بايدن وبن سلمان من اجتماع متوتر فشل إلى حد كبير في تحسين العلاقات وفضح الطبيعة غير المستقرة للعلاقات بين بلديهما.

انتصار الاستبداد

مع اندلاع الحرب الأوكرانية وما صاحبها من أزمات في سوق الطاقة العالمي، برزت الصين كأكبر مستورد للنفط في العالم، مما يمنحها حصة متزايدة ونفوذًا في السعي لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط الذي يمزقه الصراع. وبعد سنوات من التصرف كمستهلك للنفط والبقاء بعيدا عن نزاعات المنطقة، فإن بكين عازمة اليوم على إظهار أنها تقدم شيئًا مختلفًا عن الولايات المتحدة، وهو القدرة على التحدث إلى جميع الأطراف دون إلقاء محاضرات عليهم بشأن حقوق الإنسان، لذا فقد قرأ البعض الاتفاقية بين السعوديين والإيرانيين برعاية صينية على أنها تهميش لحركات الإصلاح في كلا البلدين.
مثل الولايات المتحدة، شعرت إسرائيل بالقلق بشأن الصفقة، فبالنسبة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، احتلت إيران منذ فترة طويلة دور الرهان الإقليمي، ما أدى في النهاية إلى توقيع اتفاقيات إبراهام في صيف عام 2020 والتي سعت لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية والبحرين والمغرب كتحالف استراتيجي ضد إيران. ولطالما سعت حكومة نتنياهو إلى تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية وكانت تلعب على ورقة التهديد الإيراني كوسيلة لتحقيق هذا الهدف.
بالإضافة إلى ذلك، تثير الصفقة تساؤلات حول مستقبل الأمن الإقليمي، لطالما كانت الولايات المتحدة وسيطًا في النزاعات الإقليمية واعتبرتها إسرائيل والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى ضامنًا أمنيًا. تشير تصرفات الصين هنا إلى أنها تسعى إلى تأكيد نفسها بشكل أكثر حرصًا في سياسة المنطقة. وتقول التقارير أن بكين ستستضيف اجتماعا للقادة العرب والإيرانيين في وقت لاحق من العام. إذا كان هذا الكلام دقيقا، فإنه يضع الصين بحزم كجهة فاعلة ومهيمنة في جميع ملفات الشرق الأوسط.
ومع أن المبادرة خطوة إيجابية، فإنها ليست حلا للصراعات في المنطقة، إذ قد يؤدي هذا الاتفاق الذي توسطت فيه بكين إلى مزيد من التحديات الكبيرة لشعوب المنطقة. في واشنطن كانت كل هذه النقاط ثانوية، إذ كان التركيز على الدولة التي توسطت في الاتفاقية، وليس الدول المعنية بالمصالحة. وقد غرد مايكل سينغ من معهد واشنطن لسياسة السلام في الشرق الأدنى على تويتر قائلا: «إن رؤية الدور الصيني بالتأكيد لن ينظر له بعين الرضا في واشنطن. كما مثلت هذه الخطوة نعمة للجمهوريين الذين يريدون المجادلة بأن سياسة الرئيس جو بايدن في الشرق الأوسط فاشلة».
ولدى كل من إيران والمملكة العربية السعودية سبب وجيه لتضخيم المشاركة الصينية، ففي عام 2021 وقع الإيرانيون على «شراكة إستراتيجية» مدتها 25 عامًا مع الصين. إبراهيم رئيسي الرئيس المتشدد، يريد من مواطنيه أن يعتقدوا أن العلاقات الاقتصادية مع الصين هي البديل الأنجح من العلاقات مع الغرب. أما بالنسبة للسعوديين فقد استضافوا الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في قمة رفيعة المستوى في كانون الأول/ديسمبر الماضي. الصين اليوم هي أكبر شريك تجاري لهم وأكبر مشتر للنفط في العالم، وبعد عامين من العلاقات الفاترة مع بايدن، فإنه من المفيد من وجهة نظر الرياض تذكير الأمريكيين بأن للمملكة أصدقاء أقوياء غيرهم.
وعلى عكس الولايات المتحدة، التي ليس لديها علاقات دبلوماسية رسمية مع إيران، تتمتع الصين بعلاقات دبلوماسية واقتصادية وثيقة مع كل من طهران والرياض. فهي أكبر شريك تجاري لإيران، وهي أهم مشتر للنفط السعودي، ما يمنحها نفوذاً على كلا الجانبين. وقد غرد سانام وكيل، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس» وهو من أهم مراكز الأبحاث في لندن: «لا تملك الصين القدرة على لعب دور أمني أكبر في المنطقة. لكن صفقة إعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية تنذر بإمكانية أن تكون بديلاً جذابًا لواشنطن».
كما أشارت إيمي هوثورن، نائبة مدير الأبحاث في مشروع الشرق الأوسط للديمقراطية، إلى أنه «لا توجد طريقة للالتفاف حول الحقيقة، إنها صفقة كبيرة. نعم، لا يمكن للولايات المتحدة أن تتوسط في مثل هذه الصفقة الآن مع إيران على وجه التحديد، لعدم وجود علاقات معها، ولكن بالمعنى الأكبر، فإن الإنجاز المرموق للصين يقفز بها إلى مستوى جديد دبلوماسيًا ويتفوق على أي شيء تمكنت الولايات المتحدة من تحقيقه في المنطقة منذ أن تولى بايدن منصبه».
لكن بعض المراقبين يشيرون إلى عدم وجود احتمال بأن تحل بكين محل واشنطن باعتبارها القوة الخارجية الرئيسية في المنطقة. ويقول المحللون إن الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط قد تقلص في السنوات الأخيرة، ولكن حتى في وضعه الحالي يبقى أكثر نفوذاً ولا يمكن للصين أن تبدأ في مواجهته.
وبينما كان مسؤولون إيرانيون وسعوديون يجتمعون سرا في بكين، كان وزير الخارجية الصيني تشين جانغ يتحدث في مؤتمر صحافي للمؤتمر الشعبي الوطني يوم الثلاثاء 7آذار/مارس الجاري. وقد ركز على تحذيره الصريح من أن نهج الولايات المتحدة تجاه الصين يخاطر بالمواجهة والصراع. لكنه قدم أيضًا رسالة حول طموحات الصين للدبلوماسية في الشرق الأوسط. وقال إن «الصين ستواصل الدفاع عن العدالة ودعم الدول في هذه المنطقة في السعي لتسوية سياسية لقضايا النقاط الساخنة عبر الحوار والتشاور» وأضاف أن «الصين تحترم دول الشرق الأوسط بالكامل بصفتهم قيمون على شؤونهم الخاصة. وليست لدينا نية لملء الفراغ المزعوم».

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com