مقالات

جدية محاربة الفساد والفاسدين.

بيدر ميديا.."

جدية محاربة الفساد والفاسدين

 

زهير كاظم عبود

 

الأعراف التي تحكم المجتمع تسترشد بها المحاكم عند عدم وجود نص يمكن تطبيقه ٬ ولم يزل مجتمعنا العراقي ينظر بعين الخجل والاحتقار للمرتشي او الفاسد بشكل عام ٬ وكان المشرع العراقي قد التفت الى ناحية مهمة حين اضفى وصف الجرائم المخلة بالشرف على جرائم الاختلاس وخيانة الأمانة والتزوير والسارق والمحتال ٬ ومهما كان مركزه الوظيفي او السياسي ٬ ومهما حاول التباهي بهذا المركز او بالاموال التي استحوذ عليها او بشراء المكانة الاجتماعية المؤقتة او بالفرص التي حصل عليها ٬ الا ان عرفا لم يزل دفينا في ضمير اهل العراق بان أمثال هذا سيكنسهم التاريخ والزمان لتصبح أسماؤهم وسيرتهم في مزبلة التاريخ ٬ وسيخجل حتى احفادهم من وزر أعمالهم وسوء سيرتهم .

ومحاربة الفساد المستشري ومخطط مواجهة الفاسدين لايكون بتقديم عدد من التابعين والسراق الصغار ٬ فعلى مدى فترة زمنية غير قصيرة والعراق منهوب ٬ وبالرغم من الإيرادات الخيالية التي دخلت الى حسابه لم يلمس المواطن العراقي اثرا لبناء مستشفى او مستوصف ٬ ولم ندخل مدرسة تليق باطفالنا واولادنا ٫ ولامواصلات تليق بتاريخ العراق ٬ ولاجسرا ولامعبرا ٬ ولاطرق تخفف من زحمة المواصلات وتنظم حالات الاختناق في الطرق ٬ ولامشاريع سكنية للفقراء ٬ ولا تحسين لدخل الفرد ٬ ولا اهتمام حقيقي بالتقاعدين بل لا اهتمام بكل العاملين في الحكومة وفي القطاع الخاص ٬ وتعددت السلبيات التي نقشها الزمن على صفحة الحكومات البائسة التي حكمت العراق بعد التغيير ورحيل الدكتاتورية .

وبين فترة وأخرى تبرز للواجهة فقاعة تنشر غسيل عدد من الفاسدين ٬ يتم حصر الاتهامات والاشارة الى أسماء متهمين لهم أدوار ثانوية وواجهات لعمليات سرقة واختلاس تديرها رؤوس كبيرة وشخصيات سياسية ٬ وتنكيلا بحقوق الشعب العراقي يتم تمهيد الطريق لخروج هذه الأسماء خارج العراق ٬ ومن ثم التكتم على القضايا المثارة وحفظها في ملفات النسيان ٬ عن طريق فقاعة أخرى يتم الفات نظر الناس عنها ٬ وتبقى الحلقة تدور فتنسى الناس الأسماء الأولى والقضايا التي سبق اثارتها ٬ ويعود الحال الى ماكان عليه .

في مثل هذه القضايا التي تهم الراي العام ويكون المال العام محورها الجنائي يفترض ان يكون التحقيق فيها عميقا ودقيقا ٬ يكشف بوضوح أسماء المتهمين والمخططين والمشاركين والمستفيدين ٬ ومن ثم تتم إحالة الجميع على القضاء ليصدر احكامه العادلة ٬ بعيدا عن الضغوط والتدخلات السياسية ٬ وان تشمل الاحكام مصادرة كل حصيلة تلك الأموال المسروقة او المختلسة او نتيجة الاحتيال ٬ وان يتم تطبيق الظروف المشددة في الاحكام التي تصدر بحقهم ٬ وان لايتم شمولها باي شكل من الاشكال بقرارات العفو ٬   وان نتعرف بالاسماء والصور على المتهمين الذين تمت ادانتهم والاحكام التي صدرت بحقهم ٬ وان تنشر تلك الاحكام بعد اكتسابها الدرجة القطعية في الصحف ووسائل الاعلام الأخرى ليكونوا عبرة لغيرهم ممن تسول لهم انفسهم سرقة مال العراقيين .

محاربة الفساد لايكون بالخطابات ولا بالتمني ٬ وكل حكومة تتسلم ملف الحكم في العراق مسؤولة مسؤولية مباشرة عن ملفات الفساد التي وقعت خلال فترة عملها ٬ وعليها تبعات الأفعال المخالفة للقانون ٬ وملاحقة المتهمين أينما يكونوا ٬ وان يصحو ضمير بعض العاملين في الدولة للوقوف بوجه الفاسد ومنعه من التملص والهروب ٬ وان تتم محاصرة أمثال هؤلاء ٬ وان لانسمع تبريرا او توجهات لاصدار مراسيم جمهورية للعفو عنهم بشكل سري ومخجل ٬ وان لايتم صرف النظر عن متابعتهم ٬ وان لاتبقى صفحة الفساد قوية ومسنودة من أحزاب وشخصيات متسترة بالفاسدين من خلال حصصها المضمونة ٬ وكلنا بحاجة ماسة لان نطمئن ان تتوقف النسبة التصاعدية لاعمال شبكات الفساد ٬ فالضرر الحاصل بالعراق  اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا كبيرا ومؤثرا ٬ وان لايبقى احتراما وتقديرا لمثل هؤلاء فقد تكررت العقود الوهمية والشركات الوهمية  والنسب التي يتقاضاها الفاسد من الشركات مما يضعف ليس فقط هيبة الدولة ٬ انما يضعف ثقة الناس بالحكومات وبالاحزاب السياسية المشاركة بالفساد او التي تحمي الفاسدين .

محاربة الفساد لايتطلب موقفا شجاعا في مواجهة جيش وشبكات الفساد انما يتطلب الامر موقفا وطنيا وضميرا عراقيا مسنودا من جماهير الفقراء والمعدمين وأصحاب الضمائر الحية للتخلص من آفة الفساد وشبكات الفاسدين .

 

 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com