منوعات

في لبنان: بائعة عشرينية تلون حياة الناس… وجدة في الـ 99 نجمة «سوشيال ميديا»!

بيدر ميديا.."

في لبنان: بائعة عشرينية تلون حياة الناس… وجدة في الـ 99 نجمة «سوشيال ميديا»!

مريم مشتاوي

في السنوات الثلاث الأخيرة واجهت شعوبنا كوارث كثيرة مدمرة وعاصفة على الصعيد النفسي والاجتماعي والاقتصادي. كنا في كل سنة، ومع كل كارثة، نلملم أنفسنا ونتأمل خيراً في السنة المقبلة، من باب أن لا ألم أكبر من الذي عرفناه في السنوات السابقة، التي مرت علينا، لتأتي السنة الجديدة أسوأ من سالفتها وأشد فتكاً وبطشاً وظلماً ودماراً!
عشنا انفجارات وثورات مهزومة، ووباء وجوعاً وفقراً وتشردا وزلازل وموتاً كثيراً جداً. لحظات دونها التاريخ بالدماء على صفحات من اليأس والبؤس والألم والظلم.
ثلاث سنوات عنوانها الوجع، ويبقى الأمل هو ذلك الخيط الرفيع الذي لا بد أن نتمسك به كي تستمر الحياة.
من يمنحنا الأمل سوى تلك الوجوه النيّرة، التي حملت قناديلها لتضيء عتمتها وعتمة الآخرين؟
أبطال لم يستسلموا، رغم كل الانهيارات، التي لا تنبئ سوى بالفناء. أبطال حملوا قناديلهم ومشوا، رغم الشوك والتعثرات وانعدام الفرص والطرق المقطوعة، منهم من سقى بدموعه عطش المنكوبين، وآخرون تركوا حياتهم خلفهم لينذروا أنفسهم، وبالكامل، لخدمة المنكوبين في المجتمع. أبطال ترفع لهم القبعات.
من بين هؤلاء شابة لبنانية تدعى فيرونيكا، لم تجد عزاءً ولا راحة خارج الوطن، رغم انعدام الفرص في هذا الوطن، وتردي الحياة بكافة أطيافها، فقررت العودة إلى البلاد، متخطية كل المآسي، التي دفعت ببعض الشبان اللبنانيين إلى انهاء حياتهم. وقد كان آخرهم شاب ترك رسالة صوتية لصديقه تدمي القلب، قبل أن يطلق رصاصة مميتة، تاركاً خلفه عائلته الصغيرة، كل ذلك بسبب الظروف المعيشية المستحيلة.
أما فيرونيكا فلم تستسلم، بل عادت إلى بيروت محملة بالحياة والفرح. صرفت كل ما لديها لشراء شاحنة صغيرة ملونة وجميلة جداً بطفولتها الفاقعة. تضع فيها الخضراوات والفواكه، وترتفع منها أنغام الموسيقى، كي تشد الزبائن إليها. يبدو ذلك «الفان» بمثابة مهرجان متنقل يعيد للمدينة بهجتها الغائبة.
تتنقل فيرونيكا كل يوم من الثامنة صباحاً، وحتى الساعة الثالثة بين أحياء المدينة، وهي تضحك وتغني، بينما تبيع الخضراوات والفواكه لتؤمن مصروفها بعرق جبينها.
ذلك الفرح فتح لها أبواب البيوت على مصاريعها، تخرج إليها ربات البيوت فيشترين ما طاب لهن من الخضراوات والفواكه المرصوفة بترتيب وعناية شديدين. وبعضهن يرقصن أمام الشاحنة، على أنغام الموسيقى، وهم ينتظرن دورهن. فيرونيكا لا تنادي بصوت عال، كما يفعل بقية البائعين المتنقلين على عرباتهم، لكن ألوان الباص والموسيقى الفرحة، التي ترافقها ونشاطها وضحكتها الجميلة تنده للزبائن أينما كانوا. فالمواطنون لا يحتاجون في هذا الزمن إلا لكمشة فرح ورزمة من الألوان تعيد لهم شيئاً من المرح الغائب.
تصف مشروعها قائلة: «بدأت بفكرة مجنونة، اشتريت الفان وتعلمت القيادة. أذهب كل يوم إلى سوق الخضار وأختار حبات الخضار والفواكه بيدي».
ليست فكرة مجنونة على الإطلاق. إنها من أجمل الأفكار التي تحفز الشباب على التمسك بالحياة والوطن.. إنه مشروع نجاح نأمل أن يصبح كالعدوى. عل لبنان ينهض بأبنائه المكافحين، رغم أنف الفساد والسياسيين الفاشلين والمتآمرين على الوطن.
فيرونيكا الجميلة نموذج لشابات وشباب لبنان الذين نفتخر ونعتز بهم.

تيتا جاندارك

ومن قصة الشابة النشيطة فيرونيكا إلى حكاية جدة في التاسعة والتسعين من عمرها، لا تقل عنها نشاطاً وحرصاً على الحياة. إنها «التيتا» جاندارك ديب من بلدة الهد في عكار شمال لبنان. رغم تقدم عمرها، حرصت بشدة على مواكبة الزمن. انتقلت من عالم الأسود والأبيض إلى عالم التكنولوجيا برشاقة غير مسبوقة. تقف أمام كاميرا التلفون لتلتقط السيلفي، وهي تبتسم ابتسامة تضج بالحياة. هي ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولديها حساب على الفيسبوك. تقرأ المنشورات وتعلق عليها. ثم تجلس على الأرض وتضع جهاز الكومبيوتر في حضنها، لتكتب الرسائل وتبعث بها للأهل والأصدقاء، وتنتقل بعدها إلى التلفون للتواصل مع أبنائها. لا تترك لهم الرسائل الصوتية فحسب، بل تتصل بهم عبر الفيديو كذلك.
تغازل ابنها في فنزويلا، وهي تنظر إليه في شاشة التليفون بمحبة وعطف قائلة: «يقبرني هالوجه «!
التيتا جاندارك تطبخ وتجهز القهوة بمزاج عال، وترتب بيتها كما تشتهي، وكأنها في عز الشباب. ترتدي الملابس الجميلة وتصفف شعرها بدقة. تضحك وكأنها تغني فتشعر بالحياة تنبض من حولها.
لا تدخل الفيسبوك فقط، للتواصل مع الناس، بل ما يشدها إليه هو حب المعرفة. فهي تتابع الفيديوهات المنشورة كي تتعلم أشياءً جديدة عن الخياطة وأساليب مبتكرة في عالم الطبخ. امرأة قوية وموحية. حبها للحياة وإصرارها على المعرفة يدفعان كل من يتعرف عليها أو يقرأ قصتها لإعادة التفكير في أيامه وحياكتها بصورة أفضل.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com