فن

«الرحاليات» دراما اجتماعية تراثية تستقطب اهتمام الجمهور المغربي.

بيدر ميديا.."

«الرحاليات» دراما اجتماعية تراثية تستقطب اهتمام الجمهور المغربي

الطاهر الطويل

 

الرباط ـ «القدس العربي»: ما إن شرعت القناة التلفزيونية المغربية الأولى في بث مسلسل بعنوان «الرحاليات» حتى حظي باهتمام الجمهور، مثلما تعكس ذلك أرقام قياس نسب المشاهدة، إذ تجاوزت النسبة ثمانية ملايين مشاهد.

ويعود ذلك إلى اعتماد المسلسل على سيناريو مشوق، تجمع قصته بين الدراما الاجتماعية التراثية والفرجة الموسيقية، فضلاً عن الإخراج المحكم والتشخيص الجيد لنخبة من وجوه الدراما المغربية والعمل التقني المحكم لفريق متنوع الاختصاصات الفنية.
«الرحاليات» الذي يتكون من 24 حلقة، هو من تأليف مشترك بين الإعلامي والسيناريست أحمد بوعروة والفنانة جميلة بنعيسى البرجي التي تتولى إخراج العمل نفسه. فيما تكلّفت بتنفيذ الإنتاج شركة «كود نيو كوم» للإنتاج السمعي البصري.
ويبقى أداء الممثلين وجمالية الصورة وجودة الصوت والجينيريك الجذاب بأغنية مؤداة باحترافية كبيرة، إضافة إلى طرح عدد من المواضيع، نقط قوة العمل بالإضافة إلى حبكة القصة وتعدد ما أثير فيها من مواضيع.
تدور أحداث المسلسل خلال فترة الحماية الفرنسية قبيل استقلال المغرب، حول الرحّل الذين يبحثون عن الماء والكلأ قرب الأنهار، ومن هذا الفضاء نبعت قصة «خيطانة» التي أحبّت غريبا عن عشيرتها الرافضة لذلك، وأصرّت على الزواج منه، دون علمها بأن ذلك الغريب هو «قاسم» ابن «بوسلهام» قائد القبيلة التي استقرّ الرّحل على جنباتها والذي يحكمها بعصا من حديد. ومن ثم، تعكس القصة شذرات من تاريخ قبيلة تجبّر قائدها، فرسّخ العبودية، واستغل البشر، وشرّد العائلات واعتقل المظلوم ونصر الظالم.

البصمة المحلية

لأن الفرجة لا تتحقق إلا بما هو محلّي، فقد جرى الاشتغال على التراث ببصمة مغربية ذات مرجعيات تاريخية مهمة، حيث لا يوجد شيء أجمل من الرجوع إلى التاريخ الأصيل. كما أن توابل الفرجة بدورها، توجد بقوة في المسلسل، لكون أحداثه تدور حول قصة درامية تتخللها قصة حب رومانسية، كما أن المسلسل يزخر بأنواع أخرى من الفرجة كالفرجة الموسيقية والفرجة الكوميدية، مما يجعله متميزا في شكله ومتجدّدا في مضمونه. لقد حرص فريق العمل على توفير فرجة غنائية في أغلب الحلقات، وذلك من خلال مجموعة من الأغاني قامت بأدائها الفنانة أميمة أمسعدي خريجة برنامج «The Voice» من كلمات أحمد بوعروة، ألحان رشيد سلاك وتوزيع عادل لخليفي، علاوة على أغنية «الجينريك»
الحبكة الدرامية حبكات متعددة بتعدد الأحداث، كما أن قوة المسلسل تظهر أيضا من خلال الكتابة، إذ أنه مكتوب بشكل جيد، فالأحداث تتوالى بسرعة لدرجة أنها لا تترك للمشاهد فرصة لالتقاط أنفاسه كما أن الأحداث يتم تقديمها بجرعات فتزداد تطورا وتعقيدا وتشابكا مع توالي الحلقات، ليس هذا فقط فذلك التطور والتعقيد تتخللهما مفاجآت وانزياحات وتطورات جديدة غير متوقعة.
ويناقش المسلسل ثلة من الصراعات المختلفة المنبثقة من واقع اجتماعي معيش، يمتزج فيه الواقع بالمتخيل، حيث إن هناك توازنا طبيعيا ومنطقيا على مستوى الشخوص في صراعاتها وفق منظور واقعي وغير متحيز وتصريفه برؤية درامية تضمن للمشاهد فرجة تلفزيونية هادفة، مفيدة ومتكاملة.
كما أن المسلسل «الرحاليات» يطرح مجموعة من الثيمات التي تبرز تناقضات المجتمع المغربي عبر ثنائية الفقر والغنى، هذه العلاقة البنيوية تنكشف من خلال ما تعيشه الشخصيات من ألم وحزن وتفاؤل ومواجهة ذلك بالصبر والتضحية والأمل والاستمرارية.

سيناريو متميز وإخراج متقن

بالإضافة إلى جمالية القصة والأحداث، يلاحظ أن السيناريو يعتمد تقنية تنظم الأحداث والقصص وتشكلها بشكل مرتب ومحكم، حتى تحقق التأثير اللازم على المشاهد، وتجعله يعيش في حالة من الانتعاش والانصهار والذوبان في الشخصيات، وما يحاك ضدها وبها ومعها. فالاشتغال على السيناريو لم يكن بالأمر السهل، إذ أن طريقة كتابة الأحداث وترابطها وكيفية تنظيمها وترتيب تشابكها والحفاظ على توازنها تعكس مدى قوة السيناريو، خاصة أنه كلما تابعت مشهداً ما وأثارك حدث إلا وبرز حدث آخر يطير بك في عوالم أخرى، دون أن يجعلك تبتعد عن روح الرئيسية: قصة «خيطانة» التي تشكل فضاء المسلسل الموضوعاتي والزمكاني.
ساهم الإخراج في خدمة الموضوع والأحداث، فالمخرجة المتميزة جميلة بنعيسى البرجي أبدعت في حركات وإطارات الكاميرا كما في تقديم الأحداث، حيث اعتمدت تارةً على الإطارات القريبة لتنقل لنا بدقة ملامح الشخصيات ومعاناتها ونفسيتها، وتارةً على الإطارات البعيدة لإبراز جمالية الديكورات سواءً كانت داخلية كالمنازل العتيقة، أو خارجية كالمناطق الخلابة والمياه والغابات التي صوّرت بها مشاهد المسلسل، كما يتم أحياناً اعتماد انتقال سريع بين اللقطات ليتماهى بذلك المشاهد مع تطور الأحداث.
ويشار إلى أن المخرجة جميلة بنعيسى البرجي تعتبر من الأسماء اللامعة في مجال الدراما التلفزيونية المغربية، حيث استطاعت بحبكة وحرفية عالية أن تنقل إلى شاشة التلفزيون صورا بليغة وعوالم فنية وجمالية متفردة من واقعنا المجتمعي الذي يحبل بالمشاكل المختلفة ومن التراث المغربي الذي يحفل بتاريخ غني. وتتسم تلك المواضيع التي تتبناها جميلة بنعيسى البرجي بكونها مواضيعَ تلامس في جوهرها الواقع الاجتماعي وتناغم العمق الإنساني في أدق تجلياته بالواقع؛ الشيء الذي خلف صدى طيبا في أوساط النقاد والمتتبعين، وجعل جل أعمالها تحظى بالقبول والنجاح الجماهيري، إذ أن القاسم المشترك بين أعمالها هو اختيار مواضيع هادفة وتقديمها بشكل مغرٍ وجمالي من الكاستينغ إلى إدارة
الممثل إلى الصورة.

اشتغلت المخرجة جميلة بنعيسى البرجي رفقة فريق ملابس وديكور محترف، قام بالبحث في الأزياء والحلي المغربية والألوان أيضا، حيث جرى الاعتماد على ملابس مغربية أصيلة بامتياز يتجاوز عمرها 80 سنة. أما الديكورات فقد صُوّرت أغلب مشاهد العمل داخل منزلين مغربيين عتيقين، اعتبارا على أن الدور العتيقة كانت حاضرة داخل البوادي منذ القدم، وعرف بها العديد من قادة القبائل وأعيانها، بالإضافة إلى ديكور «الخيام» الذي يوجد فيه الرحّل.
إذن، فالاشتغال على التراث ليس فقط اقتصارًا على الحكاية، وإنما هو إبراز لجماليات أخرى من خلال الملابس والديكور. ومن الواضح أنه قد وقع الاشتغال ضمن رؤية بصرية جمالية، إذ حرصت المخرجة جميلة بنعيسى البرجي على أن يكون هذا العمل بمثابة وثيقة تاريخية تعكس العمق الجميل للبادية المغربية عبر التاريخ بكونها مكاناً للكرم الحقيقي والقيم الإنسانية، علاوة على البعد الوثائقي التاريخي باستحضار البادية المغربية ومكوناتها الطبيعية والإنسانية من سكن وملابس وديكورات وأطباق وغيرها…

رواد معروفون وطاقات شابة واعدة

كان «للكاستينغ»، أيضا، دور كبير في قوة العمل، وهنا لا بد من الإشادة بالدور الذي قامت به شركة كود نيو كوم للإنتاج السمعي البصري في هذا الصدد، حيث نجحت في أن تضع كل مُشخّص في مكانه… كما أن الممثلين الرئيسيين أبلوا بلاء حسنا في تقمص أدوارهم، فقد استطاعوا بفضل التمرس والجدية في العمل اكتساب أدوات جيدة وطرق ناجعة في التشخيص من خلال ملامحهم وقسمات وجوههم، وابتعادهم عن المبالغة في التعبير، بفضل إدارة الممثل (الكوتشينغ) التي يشرف عليها كل من الممثل والمخرج المسرحي أمين ناسور إلى جانب السيناريست والإعلامي أحمد بوعروة.
ويجمع المسلسل بين أكثر من جيل من الفنانين، لعل أبرزهم: ساندية أبو تاج الدين وربيع القاطي وهدى صدقي وعبد الخالق بلفقيه وجميلة مصلوح ومصطفى هنيني وأمين ناسور ووسيلة صابحي وجواد السايح وفاطمة حركات.
كما يشارك فيهه الممثلون والممثلات: إدريس رمسيس وجمال لعبابسي ونزهة بدر ونرجس العميري وسعيد قيلش ورشيد بوفارسي وسناء كدار وبدرية عطا الله ومصطفى حقیق وعلاء الدين الحواص وفاطمة بوجو وسارة العدلاني وغيرهم من نجوم الدراما المغربية، فضلاً عن مجموعة من الطاقات الشابة الواعدة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com