مقالات

العراق 2022… جرد حساب.

بيدر ميديا.."

العراق 2022… جرد حساب

صادق الطائي

 

انتهى عام، وابتدأ آخر، وحان وقت جرد الحساب الذي نقوم به، ونحن نقلّب صفحات السنة المنصرمة لنضيف ما مرّ علينا كخبرات إلى جردة توقعات المقبل من الأحداث. النظر إلى ما أنجز، وإلى ما وعدونا به ولم ينجز، ومن ثم محاولة الوصول إلى استقراء قد يضيء شيئا من خفايا المقبل هو الدافع لكتابة جردات الحساب كل عام. لكن يبدو أن الوضع العراقي باق على توازناته الهشة، القابلة للتفجر في كل لحظة، والعملية السياسية باقية على تدحرجها، والمواطن العراقي كما هو؛ يعيش بالقدرة. ومع ذلك تعالوا لنقلّب بعض الأوراق ونلقي نظرة على ما حدث في عام 2022.
ابتدأ العام مع حالة اختناق سياسي بعد النتائج التي أفرزتها انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2021 التي حققت فيها الكتلة الصدرية فوزا بأعلى عدد من مقاعد البرلمان، وتراجعا واضحا للقوى السياسية الشيعية الولائية المقربة من إيران. وابتدأ الصدريون ماراثون تشكيل الائتلافات، في سابقة لم تعهدها الحياة السياسية، عندما أعلن مقتدى الصدر، إنه ينوي الذهاب باتجاه تشكيل ما سماه «حكومة أغلبية وطنية»، وسعى للتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، الفائز بأعلى المقاعد الكردية، والتحالف مع كتلتي عزم وتقدم السنيتين، بعدما اندمجتا في كتلة واحدة، هذا الأمر كان يعني ضمنا تهميش الولائيين وإبعادهم خارج السلطة التنفيذية لأول مرة منذ 2005، ما أشعل نار الصراع بينهم وبين الصدريين.
لعبت أحزاب وحركات الإطار التنسيقي للقوى الشيعية على ما بات يعرف بالثلث المعطل، وهو عدد مقاعدهم في البرلمان، إذ لعبوا على ورقة عرقلة تحقيق النصاب القانوني لجلسات البرلمان، وإفشال عقد الجلسات لتحقيق اختيار رئيس الجمهورية، ومن ثم تكليف الكتلة الصدرية وحلفائها بتشكيل الحكومة، وعقد العديد من جلسات التشاور بين الإطار والتيار بدفع ومباركة إيرانية، لكن كل جولات المفاوضات باءت بالفشل ولم يتوصل فرقاء البيت الشيعي إلى اتفاق.

ما تزال حكومة السوداني بعد مرور أكثر من شهرين تتعثر في ما وعدت به من تقديم الخدمات ومعالجة الوضع الاقتصادي، لكن يبدو أن كل ذلك كان حبرا على ورق

في حزيران/يونيو لعب مقتدى الصدر ورقة الدفع بالأزمة باتجاه حافة الهاوية، عبر الإعلان عن سحب نوابه من البرلمان، في تحد سافر لقوى الإطار وكشف عجزهم عن تشكيل الحكومة بغياب صدري، وكانت هذه الخطوة قد مثلت قفزة نحو المجهول، إذ كانت حدثا غير مسبوق تم فيه استقالة كتلة كاملة من البرلمان، وحتى الدستور العراقي لم يكن فيه توصيف، أو حل دستوري لما حصل، وتم التعامل مع الأمر كما لو كان حالة فردية لنائب استقال أو توفي، وتم تعويض 73 مقعدا التي تركها الصدريون من قبل خصومهم من الإطار ليكونوا بين ليلة وضحاها الكتلة الأكبر في البرلمان.
نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق، ومحرك قوى الإطار التنسيقي، كان يسعى بكل طاقته للحصول على ولاية رئاسية ثالثة، لكن تسريبات إعلامية تزامنت مع إعلانه نيته الترشح لرئاسة الحكومة كممثل لكتلة الإطار، إذ كشفت تسريبات صوتية عن مداولات اجتماع حوى الكثير من الفضائح والتهجم على مختلف القوى الشيعية. فضيحة التسريبات وأدت محاولة ترشح المالكي لرئاسة الحكومة، ما حدا بقوى الإطار إلى البحث عن وجه بديل مقبول، وتم طرح ترشيح محمد شياع السوداني، الذي سبق أن طرح اسمه إبان انتفاضة تشرين بعد إطاحة حكومة عادل عبد المهدي، ورفضه التشرينيون والصدريون حينذاك. مع أزمة الخدمات نهاية شهر تموز/يوليو وخبر ترشح السوداني، انطلقت تظاهرات صدرية مليونية في قلب العاصمة بغداد، وسرعان ما تحولت إلى اعتصام تحرك باتجاه المنطقة الخضراء، ودخلها دون جهد كبير، إذ تحاشت القوات الأمنية المسؤولة عن حماية المنطقة الخضراء الاصطدام مع الصدريين، ما سمح لهم باحتلال البرلمان ومباني الحكومة والاعتصام بها، وطالبوا السلطة القضائية بحل البرلمان، المعطل أصلا، وحل حكومة الكاظمي التي كانت حكومة تسيير أعمال قرابة التسعة أشهر، والانتقال لحكومة مصغرة لتسيير الأعمال والتهيئة لانتخابات جديدة. في المقابل خرج أنصار الإطار التنسيقي في تظاهرات مضادة في محيط المنطقة الخضراء مطالبين بعودة عمل البرلمان، وإقرار تشكيل الحكومة، وفي لحظة توتر فارقة في شهر آب/أغسطس، اندلعت شرارة اقتتال شيعي ـ شيعي كادت أن تتحول إلى حرب أهلية، إذ اشتبكت ميليشيا سرايا السلام الصدرية مع الميليشيات الولائية داخل المنطقة الخضراء في قتال مسلح، وسقط في ليلة واحدة ثلاثون قتيلا وأكثر من 500 جريح. الخطوة العقلانية المهمة اتخذها مقتدى الصدر لسحب فتيل الأزمة عبر إصداره أوامر لأنصار التيار بوقف كل العمليات المسلحة الجارية، وفض الاعتصام، والانسحاب من المنطقة الخضراء، وفي غضون ساعات عاد الهدوء إلى بغداد، وتنفس الناس الصعداء بعد أن كانوا على بعد خطوة من اندلاع حرب أهلية. سارع الإطار لعقد جلسة برلمان في ظل توتر واضح، حيث عاشت العاصمة أجواء منع التجوال وقطع الشوارع الرئيسية، وإغلاق الجسور، وتم تمرير اختيار عبد اللطيف رشيد رئيسا للجمهورية، بعد أن تجاوز الكرد نزاعهم على مرشح رئاسة الجمهورية بين الحزبين الكرديين الكبيرين، حيث عاش البرلمان خرقا دستوريا فاضحا، وتجاوزا للمدد الدستورية في اتخاذ خطوات تشكيل السلطة التنفيذية. وسرعان ما كلف رشيد محمد شياع السوداني بتشكيل حكومة ائتلافية على نهج المحاصصة نفسه، الذي سارت عليه الحكومات السابقة، مع استثناء وحيد هو غياب الصدريين عن المشهد السياسي في البرلمان والحكومة هذه المرة، وبعد مرور سنة على انتخابات أكتوبر 2021 ، تم تمرير كابينة السوداني التي حازت ثقة البرلمان في اكتوبر 2022.
ما تزال حكومة السوداني بعد مرور أكثر من شهرين تتعثر في ما وعدت به من تقديم الخدمات ومعالجة الوضع الاقتصادي، عبر معالجة سعر صرف الدولار، وحل مشكلة البطالة المتفاقمة. لكن يبدو أن كل ذلك كان حبرا على ورق، إذ شهد عام 2022 غرق العاصمة بغداد وبعض المحافظات مع بداية موسم الأمطار، وارتفاع سعر صرف الدولار، الذي كسر حاجز 1500 دينار عراقي. ومع أن السوداني رفع شعار محاسبة الفساد، إلا أن حكومته واجهت وهي تحبو في خطواتها الأولى فضيحة أكبر سرقة معلنة حتى الآن، السرقة التي عرفت إعلاميا باسم «سرقة القرن»، التي تمت فيها سرقة مليارين ونصف المليار دولار من اموال التأمينات من الهيئة العامة للضرائب. ألقي القبض على بعض المتورطين في هذه السرقة المليارية، لكن سرعان ما تم الإفراج عن أبرز المتورطين فيها، نور زهير، بعد أن أعاد أقل من واحد في المئة من المال المسروق، بينما شركاؤه وحماته من الجهات السياسية ما زالت تلعب في الخفاء على ملفات فساد وسرقات وصفتها بعض التسريبات بأنها ستكون أكبر من سرقة أموال التأمينات، وبالذات ملفات الفساد في مديرية الجمارك، ولم يتم الكشف عن كل ملابسات «سرقة القرن» وما تم فيها قانونيا حتى نهاية العام.
وإذا استذكرنا من غادرنا هذا العام من الأسماء الكبيرة في العراق، فيجب أن نذكر في المشهد السياسي العراقي رحيل راعي الحركة الملكية الدستورية الشريف علي بن الحسين في آذار/مارس في في العاصمة الأردنية عمان عن عمر 66 عاما. أما في المشهد الثقافي فقد شهد عام 2022 رحيل الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب الذي وافاه الأجل في أحد مستشفيات الشارقة في دولة الإمارات العربية عن عمر 88 عاما. كما خسر المشهد الثقافي العراقي قامة شعرية سامقة برحيل الشاعر الكبير حسب الشيخ جعفر في بغداد عن عمر 80 عاما. كما خسرت الموسيقى العراقية واحدا من أبرز ملحينها، وأحد المجديين السبعينيين في الأغنية العراقية، الملحن محسن فرحان، الذي توفي في أحد مستشفيات العاصمة بغداد عن عمر 75 عاما بعد معاناة مع مجموعة من الأمراض المزمنة. كما خسر المشهد الإعلامي قامتين كبيرتين هذا العام، الأولى مؤيد البدري أشهر مقدم برامج رياضية في تاريخ الإعلام العراقي، الذي وافاه الأجل في المملكة المتحدة عن عمر 87 عاما، كما رحل عن عالمنا عام 2022 الإعلامي الكبير والمخرج المهم فيصل الياسري في أحد مستشفيات العاصمة الاردنية عمان عن عمر 89 عاما بعد رحلة مليئة بالإنجازات، وغنية بالنجاحات الكبيرة.
ولا يسعنا في نهاية كل عام، ومع بداية عام جديد إلا أن نتمنى أن يكون عام خير وسلام وأن يحظى أهلنا في العراق، والعالم العربي وكل شعوب الأرض بالأمن والصحة والسلام وتحقيق الأمنيات.
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com