ثقافة

أباريس هذه أم بيروت؟

بيدر ميديا.."

أباريس هذه أم بيروت؟

غادة السمان

 

ذهبت لزيارة صديقة لبنانية تقيم في باريس مثلي، وما كدت أغادر المصعد حتى انقطعت الكهرباء للمرة الأولى منذ وصولي إلى باريس، أي منذ 34 سنة، وغرق كل شيء في ظلام دامس!
أفي بيروت أنا أم في باريس؟ قرعت بابها على الطريقة القديمة (بضربات فوق خشبة»، ففتحته لي وقالت: لقد انقطعت الكهرباء على ما يبدو لعطل في مبنانا. سألتها: هل لديك شمعة؟
قالت: بالطبع لا. من يشتري في باريس الشموع، إلا للقاءِ (الغرامي).. قلت لنفسي والكهرباء لم تنقطع لحظة منذ وصولي إليها قبل حوالي نصف قرن. لصديقتي قلت: أنت محقة، وأنا أيضاً أعيش في باريس منذ 34 سنة ولم يتم قطع التيار الكهربائي مرة واحدة. ولم أشتر شمعة واحدة! ودهشت صديقتي حين قلت لها إن علينا من الآن فصاعداً توقع انقطاع التيار الكهربائي حتى في باريس! وآمل ألا نبدأ سنة جديدة في الظلام!

هربنا من بيروت.. فهل نعود؟

ومنذ أسبوعين (حتى لحظة كتابة هذه السطور) ونشرات الأخبار تتحدث في بداياتها عن إمكانية انقطاع التيار في باريس! وأقول لنفسي: هربنا من بيروت لوفاة الكهرباء فيها، فهل نعود الآن إلى بيروت ثانية؟ جلست وصديقتي (بيتها في حي راق في باريس) حوالي 14 دقيقة في الظلام الدامس، ثم عادت الكهرباء كأن شيئاً لم يكن. وعلمنا من نشرة الأخبار أن عطلاً طارئاً تم إصلاحه، وقدموا شرحاً لا أستطيع نقله للقارئ لأنني لست مهندساً كهربائياً ولم أفهم الكثير عن أسباب قطع الكهرباء، لكنني توجست شراً.. ومنذ أسبوعين وثمة هلع عام من انقطاع التيار الكهربائي، حتى إن رئيس جمهورية فرنسا السيد ماكرون صرح على شاشة التلفزيون مخاطباً المواطنين: لا داعي للهلع..
كوني لبنانية، ضحكت؛ فقد عايشت انقطاع الكهرباء طويلاً منذ فترة الحرب الأهلية، وأعرف طرق التحايل عليها، بما في ذلك شراء محول صغير لتوليد الكهرباء ووضعه على شرفة المطبخ مثلاً وتغذيته بالمازوت (وأمور مشابهة) كالاشتراك مع الجيران في مبنى مجاور يزودنا بالكهرباء وقت انقطاعها، مقابل اشتراك شهري مالي.

رئيسة الوزراء والمرض

السيدة اليزابيت بورن، رئيسة وزراء فرنسا، طمأنت المرضى الذين يستعينون في بيوتهم بأجهزة تتغذى بالكهرباء، إلا أن الدولة ستقوم بنقلهم إلى المستشفيات التي لن تنقطع فيها الكهرباء على أي حال. أما المدارس فسيتم إبلاغ أهل التلاميذ قبل ثلاثة أيام من إغلاقها لقطع التيار الكهربائي، الذي لن يطول أكثر من ساعتين صباحاً ومثلها مساء!
وكلبنانية، كدت أنفجر ضاحكة من البلدان المرفهة التي تتعامل مع مواطنيها باحترام بالغ، حتى إن قطع الكهرباء أربع ساعات في اليوم يبدو كارثة، وتذكرت أن بيروت تعيش بلا كهرباء ليل نهار باستثناء ساعة واحدة ينتهزها المقيمون في الطوابق المرتفعة نسبياً لقضاء حاجاتهم ولاستعمال المصعد!

لا نغار منهم، بل نغبطهم

هكذا تعامل الدول الأولى مواطنيها وتحترمهم، نحن لم نمل من تحويل باريس إلى بيروت البلا كهرباء منذ أعوام.. بل لاحظنا أن المواطن في فرنسا محترم وله حقوقه بما في ذلك حق الكهرباء.
أعود إلى زيارتي لبيت صديقتي. دام انقطاع التيار 14 دقيقة فقط، كما ذكرت، وذهبت بعدها إلى بيتي خوفاً من نوبة انقطاع كهربائية أخرى وأنا في المصعد (الطابق 16) ولكن ذلك لم يحدث.

هل حولنا باريس إلى بيروت ثانية؟

قالت صديقتي ضاحكة وهي تودعني: حضرنا إلى باريس طلباً للضوء كلبنانيين تعبوا من انقطاع الكهرباء، وها نحن نكاد نحول (مدينة النور) إلى بيروت ثانية. لن أكتب شيئاً حول ذلك؛ لأن المستقبل هو الذي سيكتب نفسه ونحن نقرأ..
لكن انقطاع الكهرباء عن الدائرة الخامسة وأخرى (الدائرة 14) لمدة 14 دقيقة لقيت اهتماماً بالغاً من نشرات الأخبار، هذا ريثما يتم إصلاح العطل الذي تسبب في ذلك. أما في بيروت فقد تصادف منذ أعوام أنني كنت هناك وسمعت من إذاعة المستقبل صوت رئيس الوزراء سعد الحريري يومئذ يقول حرفياً: أعدكم بإعادة التيار الكهربائي بعد عام. وكان ذلك يوم 13/9/2020 ولكنه للأسف، استقال ولما يعد التيار الكهربائي بعد. كنت قد سجلت التاريخ في دفتري بكل سعادة وأمل. لكن الرئيس الحريري استقال، والكهرباء تلفظ أنفاسها في بيروت حتى كاد البعض ينسون إمكانية عدم انقطاع الكهرباء، ونعاني اليوم ـ لحظة كتابة هذه السطور- من استحالة انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعدما انتهت ولاية الرئيس عون!

رجل عضّ كلباً!

يقال إن صحافياً كبيراً قال لمحرريه: كلبٌ عض رجلاً ليس خبراً. الخبر هو أن رجلاً عض كلباً!
لكنني لست في حاجة إلى اختلاق الأخبار لنقل ما يحدث في الحياة اليومية! فقد قرأت في منبر صحافي عربي أثق فيه خبراً (نقلاً عن إحدى وكالات الإعلام في أمستردام) إن امرأة ولدت طفلاً بشكل مفاجئ على طائرة هولندية! وجاء في الخبر أن المرأة لم تكن تدري أنها حامل!
ببساطة، صدقت أن يعض رجل كلباً، لكنني لم أصدق أن امرأة لم تكن تدري أنها حامل، وأنها أنجبت طفلها على متن الطائرة بعد تقلصات في بطنها! كامرأة حملت وأنجبت ابنها، أعرف أنه لا يمكن للأمور أن تحدث على هذا النحو! هل كانت المرأة الحامل تريد الولادة على الطائرة لتوفير نفقات المستشفى؟ باختصار، لا أصدق أن امرأة تحمل طفلاً تسعة أشهر لا تدري بذلك، وأن ولادتها على متن الطائرة كانت مصادفة! وأصدق أكثر من ذلك أن رجلاً عضّ كلباً!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com