هجرة

الاتجار بالبشر بين المهربين والحكومة البريطانية.

بيدر ميديا.."

الاتجار بالبشر بين المهربين والحكومة البريطانية

هيفاء زنكنة

 

في خضم الاحتفالات بعيد الميلاد وفرحة الناس باستقبال عام جديد وتغني المحتفلين بالتواصل الإنساني، تواصل الحكومات الغربية بناء الجدران العالية حول حدودها لمنع المهاجرين الهاربين من الحروب والنزاعات والكوارث البيئية من الوصول إلى بر الأمان، بذريعة حماية مصالح مواطنيها بل وحماية حياة المهاجرين أنفسهم من وحشية المهربين. فما إنْ تنشر وكالات الأنباء أخبار مهاجرين يلقون حتفهم أثناء محاولتهم عبور بحر المانش (القناة الإنكليزية) على متن قوارب طلباً للجوء في المملكة المتحدة، مثلا، حتى يُسارع السياسيون في جميع أنحاء أوروبا، وليس في بريطانيا وفرنسا فقط، للتعبيرعن صدمتهم وحزنهم، في ذات الوقت الذي يعملون فيه على منع اللاجئين من الوصول بمختلف الطرق ومنها استحداث تغييرات في قوانين الهجرة وإصدار تشريعات تفرض العقوبات على طالبي اللجوء بل وتجريمهم، ليسقط المهاجرون ضحايا محترفي الإتجار بالبشر من جهة والساسة الغربيين، محترفي الزيف والمعايير المزدوجة من جهة أخرى.
تحتل بريطانيا مركز الصدارة في إبداء الأسى حول محنة المهاجرين ظاهريا ومعاقبتهم عمليا. فبينما وقفت وزيرة الداخلية البريطانية، سولا بريفرمان، في البرلمان، لتُعبر عن أساها العميق لمقتل أربعة مهاجرين بعد انقلاب قاربهم في القناة الإنكليزية في الساعات الأولى من صباح 20 ديسمبر/كانون الأول، ملقية اللوم على معاملة المهربين الوحشية للمهاجرين، تعهدت بتسريع تنفيذ القوانين الجديدة عن كيفية التعامل معهم بعد أن وصفتهم بأنهم غير قانونيين ويغشّون النظام، ووضع القيود الصارمة على طالبي اللجوء، المؤجلة قضاياهم، منذ سنوات أحيانا، مع استمرار احتجازهم في ظروف وصفها المتحدث باسم منظمة العفو الدولية بأنها «غير إنسانية، بما في ذلك احتجازهم في ثكنات عسكرية سابقة تفشت فيها حالات الإصابة بفيروس كوفيد».
وقد أثارت سياسة الحكومة البريطانية الداعية إلى ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، خاصة بعد إصدار المحكمة العليا قرارها بأن خطة حكومة حزب المحافظين لإرسال الأشخاص الذين يسعون للحصول على الحماية في المملكة المتحدة إلى رواندا، في وسط إفريقيا، قانونية، غضب الناشطين والمنظمات الحقوقية والإنسانية. كما دفع قرار رئيس الوزراء ريشي سوناك عقد صفقة بقيمة 140 مليون جنيه إسترليني مع فرنسا، لمنع وصول المهاجرين إلى بريطانيا، فولكر تورك مفوض حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى التصريح لصحيفة الغارديان بأنه قرار يثير مخاوف خطيرة للغاية سواء من منظور حقوق الإنسان الدولية أو من منظور قانون اللاجئين الدولي مستخلصا بأنه من غير المرجح أن ينجح. وحث الحكومة البريطانية على إعادة النظر في خططها لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، محذرا من أن مخططات «النقل إلى الخارج» المماثلة في الماضي أدت إلى معاملة «غير إنسانية للغاية» للاجئين.

اقتراح حزب المحافظين ترحيل طالبي اللجوء من بريطانيا إلى رواندا جاء تلبية لما تريد تحقيقَه الغالبيةُ العظمى من الشعب البريطاني

في المقابل يقول ريشي سوناك إنه يستند في قراراته عن الهجرة إلى «الأولوية المطلقة للشعب البريطاني وهي السيطرة على الهجرة غير الشرعية». وتقول وزيرة الداخلية إن اقتراح حزب المحافظين ترحيل طالبي اللجوء من بريطانيا إلى رواندا جاء تلبية لما تريد تحقيقه الغالبية العظمى من الشعب البريطاني، لذلك ستعمل على تنفيذه «على نطاق واسع وبأسرع وقت ممكن».
هل صحيح أن قرار حكومة المحافظين جاء تلبية لرغبة الشعب البريطاني؟ تقدم معطيات مؤسسة «أبسوس الدولية» لسبر الرأي، وهي واحدة من عدة، صورة مختلفة عما يدّعيه رئيس الوزراء البريطاني ووزيرة الداخلية حول رغبة الشعب في تقليل عدد اللاجئين القادمين إلى بريطانيا. إذ يبين الاستبيان أن دعم تقليل الهجرة في أدنى مستوى له منذ إجراء مسح التتبع لأول مرة في شباط/فبراير 2015، وأن عددا أكبر من الناس يشعرون أن الهجرة كان لها تأثير إيجابي على بريطانيا (46 في المئة) من تأثيرها السلبي (29 في المئة) وأن 42 في المئة فقط يؤيدون تخفيض الهجرة، فيما يفضل 26 في المئة بقاءها كما هي، و 24 في المئة يرغبون بزيادتها. ويعتقد 52 في المئة من عموم الشعب البريطاني و 43 في المئة من مؤيدي حكومة حزب المحافظين أن «خطة رواندا» لن تنجح في تقليل عدد الأشخاص القادمين إلى المملكة المتحدة لطلب اللجوء دون إذن. كما يعتقد 34 في المئة من الجمهور أنه من المرجح أن البرنامج سيثني اللاجئين الحقيقيين عن التقدم بطلب اللجوء وهي نتيجة مأساوية لمن يعانون ويلات الحرب والتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان ومن حقهم اللجوء إلى مكان آمن وليس الترحيل إلى مكان يعاني سكانه، أنفسهم، من انتهاكات حقوق الإنسان.
وإذا كانت الحكومات الاوربية تطبل وتزّمر لإنسانيتها في استقبال اللاجئين وتشرع القوانين المنتهكة للقوانين الدولية والإنسانية لمنع وصولهم إلى أراضيها فإن واقع الحال المدعوم بإحصائيات الأمم المتحدة يبين أن ألمانيا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي استقبلت 1.2 مليون لاجئ من بين 12 دولة أخرى، استقبلت ملايين اللاجئين في الأعوام الأخيرة. حيث يوجد في تركيا مثلا 3.6 مليون سوري وعراقي، وفي باكستان 1.5 أفغاني، و3.6 مليون في أوغندا ومعظمهم من جنوب السودان، ومليون في لبنان وما يعادله في السودان ومليون في أثيوبيا من مهاجري السودان وأرتيريا والصومال. هذه الأرقام المليونية من المهاجرين إلى بلدان تعاني هي نفسها من الفقر، في تزايد مستمر، كونها مجاورة لبلدان نشبت فيها حروب، غالبا ما تغذيها صناعة السلاح والحروب الأمريكية ـ الأوروبية ـ الإسرائيلية، بشكل لامثيل له، والتي تشكل العمود الفقري في تحالفاتها السياسية والاقتصادية مهما كان الثمن البشري.
إن أي مراجعة سريعة لأسباب الحروب والاحتلال في أرجاء العالم ستأخذنا إلى الدول الرافضة لاستقبال اللاجئين ذاتها. فمن هو المسؤول عن إقامة الكيان الصهيوني وتهجير الشعب الفلسطيني؟ ومن هو المسؤول عن الحرب في أفغانستان؟ ماذا عن غزو واحتلال العراق ونهب ثروته وتشريد أهله؟ هذا هو بالضبط ما تحاول الحكومة البريطانية ممثلة برئيس وزرائها ووزيرة الداخلية (المفارقة أن كليهما من عوائل مهاجرة) والحكومات الأوروبية وأمريكا، تزويره والتظاهر بالإنسانية ومعارضة الإتجار بالبشر بينما يثبت حاضرهم، كما هو تاريخهم، أن ما يقومون به هو الإتجار بالبشر.

كاتبة من العراق

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com