منوعات

العراق: حقائق ماسونية… محاولة في تفكيك الأسطورة.

بيدر ميديا.."

العراق: حقائق ماسونية… محاولة في تفكيك الأسطورة

صادق الطائي

 

يحظى موضوع الماسونية في العراق باهتمام كبير مشوب بالكثير من السرية والتكتم، وتلفه الكثير من نظريات المؤامرة، إذ يعتقد الكثيرون أن ما حدث ويحدث وسيحدث في العراق، ما هو إلا مخططات تحاك في دهاليز المحافل الماسونية. والمفارقة الكبرى في هذا المضمار، أن العراق يعد من بين الدول التي شهدت أقل تأثير ماسوني مقارنة بالدول العربية المجاورة والمماثلة له في الظروف.
تشير بعض الكتابات إلى أن بدايات النشاط الماسوني في العراق كانت إبان العهد العثماني، وتحديدا في عام 1839، إذ يشير عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في ملحق الجزء الثالث من كتابه (لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث) الذي تناول فيه الماسونية بالبحث والتمحيص العلمي، إلى أن جريدة «البلد» نشرت عام 1965خبرا قديما منسوبا لـ(إحدى الصحف العراقية) يقول: «نشرت بعض الصحف العراقية في 12 كانون الأول/ديسمبر 1925 خبرا مفاده: إن المحافل الماسونية في البصرة احتفلت بوضع الحجر الأساس لبناء المحفل الماسوني الواقع على طريق النهر، وقد افتتح المحفل المستر مور مبينا أن المحافل الماسونية في البصرة تأسست سنة 1839 وهي تضم الآن ما يقارب السبعمئة عضو». هذه هي الإشارة الوحيدة عن بداية نشاط الماسونية في العراق التي ذكرها الوردي، ثم نقلها عنه كل من تناول بداية النشاط الماسوني في العراق، من دون حتى أن نعرف ما هي الجريدة الأصلية التي أوردت الخبر، ومدى مصداقيتها.

يبدو أن العراق لم يكن تربة صالحة لانتشار الماسونية، إذ كانت متهمة ومكروهة في بداياتها، ومتخفية في الثلاثينيات والأربعينيات، وتم منع نشاطها في يوليو 1958

ويشير الباحثون الذين تناولوا موضوع الماسونية في العراق مثل، علي الوردي ونجدت فتحي صفوت وحسين عمر حمادة وموفق العمري، إلى إن نشاط الماسونية في العراق، ابتدأ بعد الاحتلال البريطاني للعراق إبان الحرب العالمية الأولى، ويشير نجدت فتحي صفوت في كتابه «الماسونية في الوطن العربي» بوضوح إلى ذلك بقوله: «لا نمتلك معلومات عن قيام محافل ماسونية في العراق في العهد العثماني، وإذا كانت مثل هذه المحافل موجودة فإننا لا نعرف عنها شيئا. وعلى الرغم من تولي الاتحاديين مقاليد الحكم في تركيا بعد انقلاب 1908، ووجود عدد كبير من الماسونيين بين زعمائهم، فإن الماسونية في ما يظهر بقيت بعيدة عن العراق، كما إن عهد الاتحاديين بالحكم لم يطل بدرجة تكفي لوصول الماسونية الى العراق عن طريق رجالهم». بينما يؤكد حسين عمر حمادة في كتابه «الماسونية والماسونيون في الوطن العربي» بقوله: «وردت الإشارة الأولى عن وجود الماسونية في العراق، عبر تقرير محفل نيويورك الأكبر في شرق نيويورك، إلى المحفل الأكبر الوطني المصري في 8 تشرين الأول/أكتوبر 1927 عن حالة الماسونية وأوضاعها في الشرق الأدنى، وفيه أنه يوجد تحت رعاية الاستاذ الأعظم حضرة الأخ الكلي الاحترام الأمير محمد علي (ابن الخديوي توفيق، وولي العهد في زمن الملك فاروق لاحقا) 75 محفلا تضم 6500 عضو تقريبا». ثم يعدد الخبر تفاصيل المحافل في الشرق الأدنى كما يلي: «في مصر 59 محفلا، وفي سوريا 8 محافل، وفي فلسطين 7 محافل، وفي العراق محفل واحد».
ويشير مصطفى عبد القادر النجار في كتابه «التاريخ السياسي لإمارة عربستان الى دور أمير المحمرة الشيخ خزعل الكعبي في دعم وإنشاء المحافل الماسونية في البصرة وبعض مدن العراق، وقد اعتمد النجار على ما أورده أمين الريحاني في كتابه «ملوك العرب» عندما تناول سيرة الشيخ خزعل، فيشير النجار إلى الشيخ خزعل بقوله: «إنه غني، حكيم، كريم، يساعد في بناء كنيسة في بلاده لمنكوبي الكلدان، ويساعد في تأسيس محفل للماسون». بينما يؤكد نجدت فتحي صفوت بقوله: «قد يكون من المحتمل أن الماسونية انتشرت في البصرة عن طريق شركة الهند الشرقية، التي أسست المصالح التجارية والاستعمارية البريطانية في الهند ومنطقة الخليج العربي. ومما يؤيد هذا الظن هو ما يقال من أن الشيخ خزعل أمير المحمرة، الذي كانت له صلات وثيقة بالإنكليز، كان ماسونيا نشيطا، وأنه نال من الماسونية أوسمة عالية لقاء خدماته لها». وفي مجال عدم تقبل المجتمع العراقي لأفكار الماسونية، بل رفضها ومهاجمتها ذكر نجدت فتحي صفوت؛ أن «الماسونية قبل الحرب العالمية الأولى (أو الفرمصونية كما كانت تلفظ في ذلك الوقت) كانت معروفة في العراق ومقترنة بالكفر والإلحاد واليهودية والعمالة للأجنبي، أو ترويج مصالحه على الأقل. وكانت الفرمصونية تستعمل كشتيمة أو تهمة تلصق بمن كان الناس يرتابون في سلوكه واتصالاته، ولذلك فإن الماسونيين – إن وجدوا- كانوا يكتمون انتماءهم إليها وينكرونه». أما في عقدي الثلاثينيات والاربعينيات من القرن العشرين، فيشير الوردي في كتابه المذكور آنفا إلى أن «الماسونية العراقية مرت في الثلاثينيات وما بعدها بمرحلة سادها التكتم الشديد، وأصبح الشخص الماسوني لا يعلن ماسونيته أمام الناس وربما أنكرها. ويبدو أن السبب في ذلك هو استفحال الدعاية النازية، ثم الدعاية الشيوعية في العراق آنذاك. والمعروف عن النازية والشيوعية أنهما متفقتان على احتقار الماسونية ومحاربتها، فالنازية تعتبر الماسونية صنيعة النفوذ البريطاني والفرنسي، بينما الشيوعية تعتبرها منظمة بورجوازية». وفي عز انتشار وعلنية النشاط الماسوني في العراق في عقد الخمسينيات، تذكر الوثائق أن العراق ضم على مراحل مختلفة من تاريخه الحديث عشرة محافل فقط، ولم تكن كلها عاملة طوال الوقت، وهذه المحافل هي بحسب الوردي: «محفل ما بين النهرين الذي أسس في البصرة عام 1918. ومحفل بابل الذي أسس في البصرة عام 1922 برقم 326 وكان يعقد اجتماعاته في مقر شركة أندرو وير في العشار، كما كان يجتمع أعضاءه في عبادان أحيانا. ومحفل صدق الوفاء، الذي أسس في البصرة. ومحفل دار السلام الذي أسس برقم 5277 في بغداد، ومحفل البصرة الذي أسس برقم 5105، ومحفل الفيحاء الذي أسس برقم 1311 للعراقيين الذين لا يتكلمون الإنكليزية، وكانت اجتماعاته تدور باللغة العربية. ومحفل العراق الذي أسس برقم 4471 وكان يعقد اجتماعاته في شركة بيت لنج للملاحة النهرية، وكان مقر الشركة في بيت يمتلكه البريطانيان كولين ومالكوم لنج، وكانت عضوية هذا المحفل تنحصر في البريطانيين الموجودين في العراق. ومحفل كركوك الذي أسس برقم 7079 ويقال إنه كان يعقد اجتماعاته في مقر شركة نفط العراق (IPC). ومحفل دجلة الذي أسس برقم 7024 ومقره قاعدة الحبانية الجوية وكان يشرف على تنظيم العاملين في القاعدة والمناطق المحيطة بها، وأخيرا محفل بغداد الذي أسس برقم 4022 وكان مقره بغداد».
وكان العراق سباقا في حظر النشاط الماسوني مع الانقلاب العسكري الذي أطاح النظام الملكي في تموز/يوليو 1958، ويذكر الوردي: «في عام 1958 عندما قامت ثورة 14 تموز أسرعت الحكومة العراقية فأغلقت المحافل الماسونية في أنحاء البلاد كافة، فكانت بذلك أول حكومة عربية تفعل ذلك. وقد جرى ذكر الماسونية في المحكمة العسكرية العليا الخاصة أثناء محاكمة الدكتور محمد فاضل الجمالي» رئيس الوزراء العراقي الوحيد الذي ثبت انتماؤه للمحفل الماسوني مع بعض الوزراء والضباط وبعض الشخصيات من الطبقة العليا في المجتمع.
لم يكن للماسونية نفوذ كبير في العراق، بل كانت مقتصرة على الأجانب في العراق، حيث يجتمعون في محافل في مقرات الشركات الأجنبية، أو قواعد الجيش البريطاني، ومع دخول بعض العراقيين للمحافل الماسونية في العراق لم يكن لهم تأثير يذكر. ويشير نجدت فتحي صفوت إلى الإجراءات التي صاحبت منع الماسونية في العراق عام 1958 في كتابه «تم وضع اليد على المحفل الماسوني في بغداد. وتداول بعض الناس قوائم بأسماء الماسونيين في العراق منذ تأسيسها، وادعوا أنها وجدت في المحفل، وقد تنوعت هذه القوائم، والمعتقد أن بعض الناس اتخذوا منها وسيلة للنكاية بخصومهم، حاشرين أسماءهم فيها»، ليصل إلى نتيجة وخلاصة مهمة هي «لو أخذنا تلك القوائم على علاتها مفترضين أن جميع الأسماء الواردة فيها صحيحة، على الرغم من علمنا بصورة قاطعة أن كثيرين من أصحابها لم يكونوا ماسونيين قط، ولم تكن لهم أي صلة بها مطلقا، نجد أن عدد الماسونيين في العراق أو المتهمين بالماسونية في جميع القوائم التي تمت السيطرة عليها من قبل السلطات الرسمية، بعد غلق المحافل، أو تلك التي تداولها البعض كان 625 شخصا». فأي أسطورة تلك التي تدعي أن جمعية قوائمها بضع مئات يمكن أن تخطط وتغير وتتآمر على مستقبل بلد تعداد سكانه ملايين.
ويبدو أن العراق لم يكن تربة صالحة لانتشار الماسونية، إذ كانت متهمة ومكروهة في بداية وجودها في العراق، ومتخفية في الثلاثينيات والأربعينيات، وقبل نهاية الخمسينيات تم منع نشاطها في يوليو 1958. وبعد انقلاب يوليو 1968 تم تجريم الانتماء لها وتشديد العقوبة في عهد حكومة البعث الثانية، لأنها اعتبرتها نشاطا صهيونيا، وحكم على الأشخاص الوارد ذكرهم في قوائم الماسونيين وبأثر رجعي بعقوبات مشددة وصلت حد السجن المؤبد، بعد تخفيف العقوبة من الإعدام ، لأن مجلس قيادة الثورة كان قد أصدر تعديلا برقم 201 على قانون العقوبات المرقم 111 لسنة 1969 وجعله كالآتي: «يعاقب بالإعدام كل من حبذ او روج مبادئ صهيونية، بما في ذلك الماسونية، أو انتسب إلى أي من مؤسساتها، أو ساعدها ماليا، أو أدبيا، أو عمل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضها».
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com