صدر حديثا

قراءة في كتاب ”بيني وبين نفسي”

بيدر ميديا.."

قراءة في كتاب ”بيني وبين نفسي”

الدكتور/صلاح عبد الرحمن صالح.

واجه المجتمع العراقي خلال الخمسين سنة الماضية الكثير من المتغيرات الفكرية والاجتماعية. وأسباب هذه المتغيرات كثيرة والحديث عنها يطول, ولكن السبب الرئيسي الذي يهمني هنا وله علاقة مباشرة بالكتاب الذي أتحدث عنه, هو تسلط مجموعة من الانتهازيين والوصوليين على مقدرات البلد وتغليف هذا التسلط بشعارات الوطنية العراقية والقومية العربية لفترة من الزمن, ثُم تبعهم نوع آخر من الانتهازيين والوصوليين من الذين يدعون القرب من الله والاسلام.

على الرغم من كل هذا البؤس الذي يملأ صورة الوطن العراقي بإطارها الأسود ورسمها المُعتِم, فلا بد أن يكون هناك بصيص أمل. بصيص الأمل هذا ربما يكون بمُنجز معين أو تَقَدُم بسيط, أو من خلال شخصيات نافذة قد نرى فيها الإمكانيات المرجوة للخروج بالعراق من هذا البؤس. وفي بعض الأحيان يأتي بصيص الأمل من مراجعات الماضي إما بهدف الدراسة والتحليل والتصحيح, أو بهدف كشف أخطاء الماضي والاعتراف بها ليقوم الآخرون بتحليلها من أجل تلافيها والابتعاد عنها مستقبلاً. إن هذه المصارحة مع الذات أولاً ومع الجمهور ثانياً مهمة من أجل الأخذ بالدروس والعبر من أجل البدء بالتغيير.

ولقد اتممت قبل أيام قراءة كتاب الاستاذ محمد السعدي, المناضل الشيوعي العتيد والقديم ((بيني وبين نفسي: حكايات من أرشيف الحركة الشيوعية العراقية)) وقد رأيت أن هذا الكتاب وعلى الرغم من أن المؤلف أعطاه الوصف القصصي بوصفه “حكايات من أرشيف الحركة الشيوعية العراقية” إلا أن المحتوى جذبي وشجعني من أجل تجميع خيوط كان القديم منها واضح عندي فيما يخص السبب الرئيسي لسقوط نظام صدام حسين, ولكن من خلال الكتاب تكونت عندي صور وخيوط جديدة أخرى تُشابه ما كنت قد كونته عن نظام صدام مما أدى الى سقوطه. الصور والخيوط الجديدة الآن تكونت أيضاً عن المعارضة العراقية قبل 2003, مما اعطاني اليقين بأن فشل تلك المعارضة في حُكم العراق كان أمراً مفروغاً منه من قبل استلامها السلطة في عام 2003.

الجميع يعرف قصة قاعة الخُلد الشهيرة في عام 1979 بعد اقل من اسبوع واحد من استقالة أحمد حسن البكر واستلام صدام حسين السلطة في العراق, وكيف أن صدام حسين بجلسة واحدة تخلص من خمسة وخمسون من أعضاء حزب البعث العراقي من الكوادر المتقدمة ومن القيادات العليا ليصبح هو القائد الأوحد للحزب والدولة. وأنا أقرأ ما بين ثنايا كتاب الأستاذ محمد السعدي ((بيني وبين نفسي: حكايات من أرشيف الحركة الشيوعية العراقية)) أرى أن الحزب الشيوعي العراقي وكما مكتوب في الكتاب جرت في داخله تصفية بين الرفاق القياديين بالحزب مشابهة لتصفية القيادات البعثية في قاعة الخلد وإن لم تكن دموية مثل الذي حدث في صفوف حزب البعث. في صفحة 121 من كتاب الاستاذ محمد السعدي يقول:

“كان الكادر الحزبي محمد وردة (أبو جيفارا) من المدعوين لحضور المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي في نهاية عام 1985, الذي شبهه الراحل عامر عبد الله بمجزرة قاعة الخلد ومسرحية صدام حسين للغدر برفاقه كما ورد في كتاب د. عبد الحسين شعبان ((عامر عبدالله – النار ومرارة الأمل)), أما في المؤتمر الرابع, فقد أزاح عزيز محمد ورهطه 26 قيادياً من اللجنة المركزية وأبعدوا عشرات من الكوادر الحزبية المتقدمة, وأعطى لنفسه صلاحية اختيار عشرة رفاق للجنة المركزية سراً والذين عُرفوا لاحقاً ب ((العشرة المبشرون بالجنة))” (السعدي ص121: 2021)

يقيناً وليس ضناً أن ما حصل في المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي عام 1985 عندما كان معارضاً نظام حكم صدام حسين قد حصل مثله بين صفوف المعارضة العراقية الأخرى من أحزاب وتيارات مختلفة, ونحن بإنتظار خروج أصوات شجاعة من أعضاء تلك المعارضات آنذاك والحاكمون اليوم ليتحدثوا في مراجعات ومكاشفات مع الشعب العراقي عن أحداث مشابهة في صفوفهم.

إن هذا التفرد بالقرارات والتخوين وعدم الشفافية هي من السمات الأساسية للأحزاب الشمولية التي تعمل على تركيز القيادة والثقة في شخص واحد كونه يمثل الحزب أو الفكرة. غياب الليبرالية (أنا استخدم تعبير الليبرالية كبديل عن كلمة الديمقراطية) داخل هذه الأحزاب الشمولية خلال فترة معارضتها انسحب على غياب الليبرالية عند تسنم تلك الأحزاب مقاليد الحكم في العراق بعد عام 2003. فتحول قائد الحزب أو التيار السياسي الشخص الأوحد الذي يمتلك الرؤية الصحيحة والفكر النَّير الذي يقود, وعلى الجميع الاستماع إليه والانصياع له وعدم مناقشته.

إن غياب الليبرالية داخل الأحزاب الشمولية والثورية سواء كانت علمانية من شيوعيين ووفاقيين (بعثيين سابقين), وإسلاميين على اختلاف توجهاتهم كان لابد ان يقود العراق إلى الحالة الصعبة التي يمر بها الآن. فعندما يكون قائد الحزب هو المفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفلسفي ولا يُسمح للآخرين مناقشته والاعتراض على آرائه, عندها تترسخ فكرة الدكتاتورية بين قيادات وكوادر الأحزاب, و تترسخ كذلك داخل المجتمع والحكومة. حيث عند تسنم السلطة يكون هذا الشخص, قائد الحزب, هو القائد المطلق للدولة العراقية, ويكون رأيه هو الرأي الحكيم والصحيح, وهو الذي يمثل المصلحة المطلقة للعراق والشعب العراقي كما كان صدام حسين سابقاً لوحده يمثل رأي الشعب العراقي وعلى الشعب القبول بقرارات القائد المطلق صاحب الرأي السديد.

غياب الليبرالية عن فكر الأحزاب السياسية يصيب تلكم الأحزاب في مقتل بعد أن تتجمد العقول والآراء داخلها. وبالنتيجة ينسحب هذا على الحكومة ومفاصلها عند تسنم تلك الأحزاب للسلطة.

نحن بحاجة لمراجعات وشهادات أخرى مشابه لما جاء في كتاب الأستاذ محمد السعدي تساعد على إذابة جليد الفكر الواحد والزعيم الأوحد من أجل ليبرالية حزبية صحية تؤدي إلى ليبرالية صحية في الدولة.

الدكتور/صلاح عبد الرحمن صالح.

واجه المجتمع العراقي خلال الخمسين سنة الماضية الكثير من المتغيرات الفكرية والاجتماعية. وأسباب هذه المتغيرات كثيرة والحديث عنها يطول, ولكن السبب الرئيسي الذي يهمني هنا وله علاقة مباشرة بالكتاب الذي أتحدث عنه, هو تسلط مجموعة من الانتهازيين والوصوليين على مقدرات البلد وتغليف هذا التسلط بشعارات الوطنية العراقية والقومية العربية لفترة من الزمن, ثُم تبعهم نوع آخر من الانتهازيين والوصوليين من الذين يدعون القرب من الله والاسلام.

على الرغم من كل هذا البؤس الذي يملأ صورة الوطن العراقي بإطارها الأسود ورسمها المُعتِم, فلا بد أن يكون هناك بصيص أمل. بصيص الأمل هذا ربما يكون بمُنجز معين أو تَقَدُم بسيط, أو من خلال شخصيات نافذة قد نرى فيها الإمكانيات المرجوة للخروج بالعراق من هذا البؤس. وفي بعض الأحيان يأتي بصيص الأمل من مراجعات الماضي إما بهدف الدراسة والتحليل والتصحيح, أو بهدف كشف أخطاء الماضي والاعتراف بها ليقوم الآخرون بتحليلها من أجل تلافيها والابتعاد عنها مستقبلاً. إن هذه المصارحة مع الذات أولاً ومع الجمهور ثانياً مهمة من أجل الأخذ بالدروس والعبر من أجل البدء بالتغيير.

ولقد اتممت قبل أيام قراءة كتاب الاستاذ محمد السعدي, المناضل الشيوعي العتيد والقديم ((بيني وبين نفسي: حكايات من أرشيف الحركة الشيوعية العراقية)) وقد رأيت أن هذا الكتاب وعلى الرغم من أن المؤلف أعطاه الوصف القصصي بوصفه “حكايات من أرشيف الحركة الشيوعية العراقية” إلا أن المحتوى جذبي وشجعني من أجل تجميع خيوط كان القديم منها واضح عندي فيما يخص السبب الرئيسي لسقوط نظام صدام حسين, ولكن من خلال الكتاب تكونت عندي صور وخيوط جديدة أخرى تُشابه ما كنت قد كونته عن نظام صدام مما أدى الى سقوطه. الصور والخيوط الجديدة الآن تكونت أيضاً عن المعارضة العراقية قبل 2003, مما اعطاني اليقين بأن فشل تلك المعارضة في حُكم العراق كان أمراً مفروغاً منه من قبل استلامها السلطة في عام 2003.

الجميع يعرف قصة قاعة الخُلد الشهيرة في عام 1979 بعد اقل من اسبوع واحد من استقالة أحمد حسن البكر واستلام صدام حسين السلطة في العراق, وكيف أن صدام حسين بجلسة واحدة تخلص من خمسة وخمسون من أعضاء حزب البعث العراقي من الكوادر المتقدمة ومن القيادات العليا ليصبح هو القائد الأوحد للحزب والدولة. وأنا أقرأ ما بين ثنايا كتاب الأستاذ محمد السعدي ((بيني وبين نفسي: حكايات من أرشيف الحركة الشيوعية العراقية)) أرى أن الحزب الشيوعي العراقي وكما مكتوب في الكتاب جرت في داخله تصفية بين الرفاق القياديين بالحزب مشابهة لتصفية القيادات البعثية في قاعة الخلد وإن لم تكن دموية مثل الذي حدث في صفوف حزب البعث. في صفحة 121 من كتاب الاستاذ محمد السعدي يقول:

“كان الكادر الحزبي محمد وردة (أبو جيفارا) من المدعوين لحضور المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي في نهاية عام 1985, الذي شبهه الراحل عامر عبد الله بمجزرة قاعة الخلد ومسرحية صدام حسين للغدر برفاقه كما ورد في كتاب د. عبد الحسين شعبان ((عامر عبدالله – النار ومرارة الأمل)), أما في المؤتمر الرابع, فقد أزاح عزيز محمد ورهطه 26 قيادياً من اللجنة المركزية وأبعدوا عشرات من الكوادر الحزبية المتقدمة, وأعطى لنفسه صلاحية اختيار عشرة رفاق للجنة المركزية سراً والذين عُرفوا لاحقاً ب ((العشرة المبشرون بالجنة))” (السعدي ص121: 2021)

يقيناً وليس ضناً أن ما حصل في المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي عام 1985 عندما كان معارضاً نظام حكم صدام حسين قد حصل مثله بين صفوف المعارضة العراقية الأخرى من أحزاب وتيارات مختلفة, ونحن بإنتظار خروج أصوات شجاعة من أعضاء تلك المعارضات آنذاك والحاكمون اليوم ليتحدثوا في مراجعات ومكاشفات مع الشعب العراقي عن أحداث مشابهة في صفوفهم.

إن هذا التفرد بالقرارات والتخوين وعدم الشفافية هي من السمات الأساسية للأحزاب الشمولية التي تعمل على تركيز القيادة والثقة في شخص واحد كونه يمثل الحزب أو الفكرة. غياب الليبرالية (أنا استخدم تعبير الليبرالية كبديل عن كلمة الديمقراطية) داخل هذه الأحزاب الشمولية خلال فترة معارضتها انسحب على غياب الليبرالية عند تسنم تلك الأحزاب مقاليد الحكم في العراق بعد عام 2003. فتحول قائد الحزب أو التيار السياسي الشخص الأوحد الذي يمتلك الرؤية الصحيحة والفكر النَّير الذي يقود, وعلى الجميع الاستماع إليه والانصياع له وعدم مناقشته.

إن غياب الليبرالية داخل الأحزاب الشمولية والثورية سواء كانت علمانية من شيوعيين ووفاقيين (بعثيين سابقين), وإسلاميين على اختلاف توجهاتهم كان لابد ان يقود العراق إلى الحالة الصعبة التي يمر بها الآن. فعندما يكون قائد الحزب هو المفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفلسفي ولا يُسمح للآخرين مناقشته والاعتراض على آرائه, عندها تترسخ فكرة الدكتاتورية بين قيادات وكوادر الأحزاب, و تترسخ كذلك داخل المجتمع والحكومة. حيث عند تسنم السلطة يكون هذا الشخص, قائد الحزب, هو القائد المطلق للدولة العراقية, ويكون رأيه هو الرأي الحكيم والصحيح, وهو الذي يمثل المصلحة المطلقة للعراق والشعب العراقي كما كان صدام حسين سابقاً لوحده يمثل رأي الشعب العراقي وعلى الشعب القبول بقرارات القائد المطلق صاحب الرأي السديد.

غياب الليبرالية عن فكر الأحزاب السياسية يصيب تلكم الأحزاب في مقتل بعد أن تتجمد العقول والآراء داخلها. وبالنتيجة ينسحب هذا على الحكومة ومفاصلها عند تسنم تلك الأحزاب للسلطة.

نحن بحاجة لمراجعات وشهادات أخرى مشابه لما جاء في كتاب الأستاذ محمد السعدي تساعد على إذابة جليد الفكر الواحد والزعيم الأوحد من أجل ليبرالية حزبية صحية تؤدي إلى ليبرالية صحية في الدولة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com