مقالات

حقوق المكونات العراقية في الدستور

بيدر ميديا.."

حقوق المكونات العراقية في الدستور

زهير كاظم عبود

تشكل المكونات العراقية القاعدة الأساسية التي يستند عليها بناء المجتمع العراقي ،  ويفترض أن هذه المكونات وان اختلفت تلاوينها وأحجامها  وأعدادها  فأن أي واحدة منها تتميز بشخصيتها وخصوصيتها ، وتعبر عن لون من ألوان الطيف العراقي ، وبذلك فهي لا تختلف مطلقا عن بقية المكونات ، وتتساوى مع بقية المكونات  في الحقوق والواجبات . 

إلا إننا لو استعرضنا ما ورد في الدساتير العراقية التي نظمت أسس الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العراق ، سنلمس حتما الفوارق بين تلك المكونات  من خلال التناقض بين النصوص الدستورية  وبين التطبيق العملي لتلك النصوص ،  كما نلمس حجم التهميش من خلال تجاهل وجود بعض هذه المكونات ، لذلك صارت إشكالية عانت ولم تزل تعاني منها تلك المكونات ، وانعكس سلبا على الحالة الاجتماعية في التعامل مع تلك الأطياف العراقية بحيث صارت لفظة ( الأقليات ) لازمة للتعبير عن حجمها ، وعن وجود الأكثرية التي تحكمها وتمنحها الحقوق ، فكانت النتيجة أن  زاد غبنها وتهميشها ضمن الثقافة السلبية للمجتمع العراقي . 

ومن الحقائق الثابتة أن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ، وهذا التعدد ينبغي أن ينسجم مع  واقع الحياة السياسية والدستورية وفق النظرة ألإنسانية ، باعتبار أن هذه المكونات  تشكل النسيج الاجتماعي في العراق وتنسجم وطنيا دون أي حواجز  ،  وتتطلع إلى حياة  مستقرة ومشتركة يضمن بها الجميع حقوقهم دون أي فواصل أو فوارق .  

وبعد تخلص العراق من الهيمنة العثمانية نشأت الدولة العراقية الحديثة ، ووضع القانون الأساس للدولة العراقية الصادر عام 1925 لينظم الحياة في العراق  وفق أسس مدنية وعصرية ، وفيما يخص المكونات العراقية فقد أشارت المادة السادسة على أن  ( لا فرق بين العراقيين في الحقوق أمام القانون، وان اختلفوا في القومية، والدين، واللغة ) .

ونص في المادة الثالثة عشرة  على أن (  الإسلام دين الدولة الرسمي، وحرية القيام بشعائره المألوفة في العراق على اختلاف مذاهبه محترمة لا تمس، وتضمن لجميع ساكني البلاد حرية الاعتقاد التامة، وحرية القيام بشعائر العبادة، وفقاً لعاداتهم ما لم تكن مخلة بالأمن والنظام، وما لم تناف الآداب العامة ) .

ومنحت المادة السادسة عشرة للطوائف المختلفة حق تأسيس المدارس لتعليم أفرادها بلغاتها الخاصة، والاحتفاظ بها على أن يكون ذلك موافقاً للمناهج العامة التي تعين قانوناً.

والتفت الدستور إلى  الأوضاع الدينية لبعض المكونات العراقية فنص في المادة الثامنة والسبعون على شمول  المجالس الروحانية الطائفية: المجالس الروحانية الموسوية، والمجالس الروحانية المسيحية، وتؤسس تلك المجالس، وتخول سلطة القضاء بقانون خاص ، حيث حدد اختصاصها في النظر ضمن المادة 79 ،  ونلاحظ أن اختيار دين للدولة من بين أديان المكونات يعد بحد ذاته تناقضا مع مبدأ المساواة بين تلك المكونات الذي يتجلى في منح بعض من تلك المكونات جزء من الحقوق بغض النظر عن الدين  ، وان نعيد للذاكرة بان الدولة شخصية  معنوية اعتبارية لا يمكن أن يكون لها  دين ،  ونلاحظ أيضا تهميش بقية المكونات العراقية التي لم يرد ذكرها في النص الدستوري  ، كالمندائية والأيزيدية والكاكائية والبهائية  ضمن المجتمع العراقي ، حيث لم ترد أية إشارة إليها بأي شكل من الأشكال لاغيا وجودها الفعلي ومكانتها الفعالة ضمن المجتمع . 

وبعد الإطاحة بالنظام الجمهوري في انقلاب 8 شباط 1963 ، أصدر الانقلابيون دستورا مؤقتا ،  جاء في المادة ( 3 ) منه على أن  الإسلام دين الدولة والقواعد الأساسية لدستورها واللغة العربية لغتها الرسمية.

أما المادة ( 19 ) منه فقد نصت على أن  العراقيين سواء لدى القانون وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل، أو اللغة أو الدين ، وأشترط  في المادة ( 41 )  فيمن يكون رئيساً للجمهورية أن يكون عراقياً من أبوين عراقيين ينتميان إلى أسرة تسكن العراق منذ سنة 1900 شمسية على الأقل ـ وكانت تتمتع بالجنسية العثمانية ـ وأن يكون مسلماً ملتزماً بالشعائر الدينية وأن لا يقل عمره عن أربعين عاماً. وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية وأن لا يكون متزوجاً من أجنبية .

وهكذا جعل النص الخاص برئيس الجمهورية لا يسري على بقية المواطنين العراقيين من غير المسلمين ، وأهدر بذلك فعليا حقيقة نص المساواة الوارد في نص المادة ( 19 ) .  

وبصدور الدستور الدائم لعام 2005 نكون أمام أخر الدساتير التي نظمت أنماط الأشكال القانونية  للحياة العراقية  معتمدا مبدأ الفصل بين السلطات  ، ونص الدستور ضمن البند أولا من المادة  الثانية منه 

الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع : 

أ- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام .

ب- لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية .

ج- لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور .

ثانياً: – يتضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين والايزديين، والصابئة المندائيين .

ثم أشار ضمن المادة ( 3 ) تأكيدا لحقيقة مكونات العراق من أن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ، لكنه اغفل الإشارة إلى تلك الديانات ، مع أنه أشار ضمن المادة السابقة حول ضمان كامل الحقوق الدينية ( فقط ) في حرية العقيدة والممارسة الدينية للمسيحيين والمندائيين والأيزيديين . 

وعاد في المادة العاشرة منه ليؤكد على أن العتبات المقدسة، والمقامات الدينية في العراق، كيانات دينية وحضارية، وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها .

وأن العراقيين  بمقتضى نص المادة ( 14 ) متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي الاقتصادي أو الاجتماعي .

وعاد المشرع ليؤكد على قضية ممارسة الشعائر والطقوس الدينية بالرغم من انه سبق وان ضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد ، كما أكد على الحق في ممارسة الشعائر والطقوس .  

يتأكد لدينا أن مفهوم المواطنة يتعلق بمسألة الحقوق التي يقرها الدستور لجميع العراقيين ، بغض النظر عن قومياتهم أو أديانهم أو أعراقهم أو أجناسهم ، وكل نص أو ممارسة تنقص من قضية حقوق المكونات العراقية تنتج فهما خاطئا لمعنى الحقوق والمساواة ، وبالتالي تكرس منهجا يخالف مقاصد النصوص الدستورية التي تؤكد على حرية العقائد والمساواة بين الناس أمام الدستور والقانون  وفق منظار إنساني ،  كما أن تعميم مفهوم عبارة الأصغر والأكبر،  وتعبير الأكثرية والأقلية بين أفراد المجتمع الواحد يتناقض مع مفهوم المساواة وعدم التمييز بين الأفراد ، باعتبار أن هذه الأجزاء مهما كان حجمها هي التي تكون هذا المجتمع ، وحيث أن جميع الدساتير تؤكد على الالتزام بالمبادئ العامة الواردة في لائحة حقوق الإنسان ، وفي التعاليم الدينية التي أكدت عليها جميع الأديان ، من أن الجميع متساوي وأن لا فرق بين مواطن وآخر ، وأن صيغ التفضيل بين دين وآخر وبين قومية وأخرى وبين مذهب وآخر يعدم جميع معاني المواطنة الحقيقية ، ويضع فواصل وشروخ بين مكونات المجتمع .

أن موجات العنف التي تعرضت لها المكونات العراقية نتيجة الثقافة المشوهة والتطرف الديني والمذهبي يعكس تلك النظرة غير المنصفة وغير العادلة لقضية المواطنة في العراق . 

أن المكونات العراقية ليست بحاجة ماسة لضمان أدائها الشعائر والطقوس الدينية بقدر ماهي  بحاجة لثقافة احترام الآخر والمساواة الإنسانية الفعلية أمام القانون ، وحيث أن البحث في حقوق المكونات العراقية يكتسب اهتماما يتعلق بمعايير الحقوق والواجبات التي نص عليها الدستور ، على أن تكون أكثر وضوحا ، ومنسجمة مع مبدأ المساواة بين المواطنين ، ومن خلال الشخصية القانونية  لتلك المكونات ، لذا نبقى بحاجة لممارسة وسلوك إنساني يرتقي بمجتمعنا إلى مكانه الطبيعي ، وأن نرسم للأجيال القادمة على الأقل ما يفترض أن نؤمن به من إصرار على مبدأ المساواة بين المواطنين بغض النظر عن قومياتهم أو أديانهم ، وأن نتمسك بثقافة احترام الأخر التي افتقدناها منذ زمن ليس بالقصير نتيجة سلوك وممارسات السلطات التي حكمت العراق . 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com