مقالات

الضربة النووية… هل يفعلها بوتين؟.

بيدر ميديا.."

الضربة النووية… هل يفعلها بوتين؟

صادق الطائي

 

منذ أسابيع والاتهامات المتبادلة تتصاعد بين روسيا والغرب بالتحضير لضربة نووية. الرعب دبّ في أوصال أوروبا تحسبا لإقدام أحد طرفي النزاع في الحرب الأوكرانية على بدء «حرب نووية» لا أحد يمكنه التكهن بنتائجها الكارثية، على الرغم من التسميات التزويقية التي تطلق على ما سيجري، مثل «الضربة النووية التكتيكية الروسية» و»القنبلة القذرة» التي يتهم كل طرف خصمه بالإعداد لاستعمالها.
فقد اتهم وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو كييف بأنها تخطط لاستخدام «القنبلة القذرة»، إذ عبر عن هذه المخاوف أثناء حديثه مع وزراء دفاع دول حلف الناتو، كما قال لنظيرة البريطاني بن والاس؛ إنه «قلق بشأن الاستفزازات المحتملة من كييف، التي قد تنطوي على استخدامهم قنبلة قذرة». من جانبها، وفي رد مشترك، قالت فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة إن حكوماتها «ترفض بشكل واضح مزاعم روسيا الكاذبة، بأن أوكرانيا تستعد لاستخدام قنبلة قذرة على أراضيها».
هذا التصعيد لم يكن وليد اللحظة، بل كانت له بدايات سابقة، ففي خطابه المتلفز يوم الأربعاء 28 أيلول/ سبتمبر الماضي، وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلامه للشعب الروسي، قائلا: «أود أن أذكركم بأن بلادنا لديها أيضا وسائل تدمير مختلفة، وبعض المكونات أكثر حداثة من تلك الموجودة في دول الناتو». وأضاف» إذا تعرضت وحدة أراضينا للتهديد، سنستخدم كل الوسائل المتاحة لحماية روسيا وشعبها، هذا ليس خداعا. أولئك الذين يحاولون ابتزازنا بالأسلحة النووية يتعين عليهم أن يعرفوا أن الرياح يمكن أن تتحول ضدهم». وقد قرأ المحللون الغربيون هذا الكلام على إنه إطلاق تهديدات نووية روسية تجاه الغرب الواقف بقوة مع أوكرانيا. كذلك قرأ خطاب الرئيس بوتين الأخير في مؤتمر فالداي للحوار يوم الخميس 27 تشرين الأول/أكتوبر الجاري الذي حاول فيه تصوير حربه في أوكرانيا على أنها رد على محاولة الغرب تفعيل مسعاه للسيطرة على العالم. وقال أثناء ظهوره الذي دام ثلاث ساعات ونصف الساعة في ذلك المؤتمر- الذي قيل إنه أطول ظهور علني له منذ بدء الحرب على أوكرانيا – قال بوتين إنه لم يندم على ما سماه «العملية الخاصة»، وأضاف: «الفترة التاريخية للهيمنة الكاملة للغرب على الشؤون العالمية تقترب من نهايتها». وأشار إلى أن «الولايات المتحدة وحلفاءها طالما حاولوا إملاء شروطهم على الدول الأخرى في لعبة هيمنة خطيرة ودموية». وفي حديثه في موسكو، قال بوتين إن روسيا لن تقبل أبدا أن تخبرها الدول الغربية بما يجب أن تفعله، وكلما استغرق الغرب وقتا طويلاً في إدراك ذلك، ارتفعت تكلفة حل الأزمة. كما اتهم الزعيم الروسي الحلفاء الغربيين لأوكرانيا بمحاولة فرض ما يسمونه «نظاما عالميا قائما على قواعد السلام»، لكنه في الواقع لا يؤدي إلا إلى إثارة المزيد من الفوضى. وأضاف أثناء جلسته التي حملت عنوان (عالم ما بعد الهيمنة.. العدالة والأمن للجميع): «نحن نقف على حدود تاريخية، ربما يكون العقد الذي نعيشه الان هو أخطر عقد ولا يمكن التنبؤ باحداثه المستقبلية، وفي الوقت نفسه، أهم عقد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية». وكرر الإيحاء بأن أوكرانيا يمكن أن تفجر «قنبلة قذرة»، وهو الادعاء الذي نفته كييف. كما قال فلاديمير بوتين في خطابه: «من يزرع الريح يحصد العاصفة». وادعى أن «البشرية تواجه الآن خيارا هو تراكم عبء المشاكل التي ستسحقنا جميعا، أو تحاول إيجاد حلول قد لا تكون مثالية، ولكنها فعالة ويمكن أن تجعل العالم أكثر استقرارا وأمانا». لكنه أصر على أن روسيا لم تكن عدوا للغرب، لكنها ستستمر في معارضة توجهات النخب النيوليبرالية الغربية.

الرعب دبّ في أوصال أوروبا تحسبا لإقدام أحد طرفي النزاع في الحرب الأوكرانية على بدء «حرب نووية» لا أحد يمكنه التكهن بنتائجها الكارثية

وجاء ظهور الرئيس بوتين في مؤتمر فالداي للحوار الذي أقيم في موسكو بعد يوم من مناورة عسكرية ضخمة تمت يوم الأربعاء 26 أكتوبر، إذ قالت مصادر رسمية في روسيا، إن المناورات كانت محاكاة لـ»توجيه ضربة نووية ضخمة» ردا على هجوم للعدو. علما إن هنالك تدريبات سنوية تضم غواصات نووية وقاذفات استراتيجية وصواريخ باليستية.
تلقى الزعيم الروسي مجموعة من الأسئلة بعد الانتهاء من خطابه، وقد تحول الانتباه إلى موضوع الأسلحة النووية. وجادل الرئيس الروسي بأن الغرب كان يستخدم تصعيد الخطاب بشأن استخدام الأسلحة النووية كسلاح ضد روسيا. وقال إن «إثارة التوترات بشأن فكرة استخدام روسيا للأسلحة النووية لها تأثير على حلفاء روسيا». وحين سُئل عن التعليقات التي أدلى بها في مؤتمر فالداي للحوار 2018 في المكان نفسه قبل أربع سنوات، التي قال فيها إن روسيا مستعدة «لإبادة» أي مهاجم قد يستخدم الأسلحة النووية ضدها، لكنه لن يضربها أولا أبدا. حينها قال: «على المعتدي أن يعلم أن الانتقام أمر لا مفر منه، وأنه سيباد، وسنكون ضحايا العدوان. سنذهب إلى الجنة كشهداء، وسوف يسقطون كموتى».
وقد أظهر مقطع فيديو أحد المحاورين وهو يقول لبوتين: «لقد قلقنا عندما تذكرنا تعليقاتك في مؤتمر فالداي بالذات قبل أربع سنوات، وقولك (سنذهب إلى الجنة كشهداء). سيادة الرئيس نحن لسنا في عجلة من أمرنا، أليس كذلك؟». عندها سكت بوتين لفترة من الزمن – على ما يبدو من أجل التأثير الهزلي – مما أثار ضحك الجمهور، ودفع المحاور لإضافة: «أنت تفكر. هذا في حد ذاته مثير للقلق إلى حد ما». ثم أضاف بوتين ضاحكا: «لقد فعلت ذلك عن قصد لتنبيهك»، أعقب ذلك ضحك صاخب للجمهور، قبل أن يضيف: «لقد تحقق التأثير». وفي مؤتمره الصحافي قال فلاديمير بوتين: «لم نقل أي شيء عن ضربة استباقية بشأن استخدام روسيا المحتمل للأسلحة النووية. لقد ألمحنا فقط ردا على تلك التصريحات التي أدلى بها القادة الغربيون». وتحول بعدها لمهاجمة رئيسة وزراء بريطانيا السابقة ليز تروس، واصفا إياها بـ»المجنونة» لأنها تحدثت عن استخدام روسيا للأسلحة النووية. كما كرر بوتين ادعاء وزير دفاعه سيرجي شويغو بأن كييف لديها التكنولوجيا اللازمة لاستخدام «قنبلة قذرة» في أوكرانيا. ووفق تحليل نشرته مجلة «تايم» الأمريكية، كتب جيمس ستافريديس، وهو قائد سابق في البحرية الأمريكية وحلف «الناتو» قائلا: مع مضي عدة أشهر على الحرب الروسية في أوكرانيا، قد يجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نفسه غير قادر على الفوز إلا باستخدام السلاح النووي، أو «قنبلة قذرة» مشعة. وشرح مصطلح «القنبلة القذرة» بقوله: هي «متفجرات كبيرة تتضمن مواد مشعة، تكون قادرة على إلحاق الضرر بالمدن والقرى ونشر الإشعاعات الضارة فيها». ويوضح ستافريديس بالقول: «إن ترويج موسكو لهذه الفكرة، تعني أن الكرملين يريد فبركة استخدام مثل هذه القنابل، ليقوم بعد ذلك بتوجيه أصابع الاتهام إلى أوكرانيا، وهو تكتيك استخدمته روسيا سابقا بالتعاون مع النظام السوري، عندما استخدمت الأسلحة الكيميائية في الحرب السوري، ومن ثم زعموا أن المعارضة والولايات المتحدة هما من استخدما مثل هذه الأسلحة».
ووفق تحليل نشرته مجلة «فورين إفيرز»، أثارت «تهديدات بوتين قلق جيران روسيا الأوروبيين وحتى إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خاصة أن خطاباته تظهر شهية أكبر للمخاطرة، لهذا على الدول الغربية أن تسعى لفهم حسابات بوتين للمخاطر، وقياس القوة العسكرية الفعلية لروسيا لتحديد ما ستفعله موسكو بعد ذلك».
وقد شكك الرئيس الأمريكي جو بايدن في رغبة بوتين في الإشارة إلى الأسلحة النووية، ووصف الإشارات المتكررة للرئيس الروسي بأنها «خطيرة للغاية». وفي مقابلته مع «Nexstar «قبل أيام، قال الرئيس الامريكي جو بايدن: «إذا لم يكن لدى بوتين نية، فلماذا يستمر في الحديث عن الضربة النووية؟ لماذا يتحدث عن القدرة على استخدام سلاح نووي تكتيكي؟ لقد كان خطيرا للغاية في كيفية تعامله مع هذا الامر. يمكنه أنهاء هذه الأزمة ببساطة، فقط عليه الخروج من أوكرانيا».
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com