مجتمع

احتجاجات إيران: أسبوعا رابعا من الاشتعال.

بيدر ميديا.."

احتجاجات إيران: أسبوعا رابعا من الاشتعال

صادق الطائي

 

بدأ إضراب عام واسع النطاق في المدن الكردية امتد بعد ذلك إلى طهران وشيراز، شمل التجار والأسواق الرئيسية في المدن حيث أغلقوا متاجرهم وانضموا إلى الاحتجاجات المشتعلة في أرجاء البلاد.

مع دخول الاحتجاجات الإيرانية أسبوعها الرابع، والتي اندلعت في جميع أنحاء البلاد إثر وفاة مهسا أميني في حجز الشرطة، عقد قادة السلطات الثلاث في إيران اجتماعاً، حيث اجتمع رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي مع رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف ورئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إيجئي في المبنى الرئاسي في طهران في وقت متأخر يوم السبت 8 تشرين الأول/اكتوبر الجاري للتأكيد على الحاجة إلى «الأمن والهدوء» للحفاظ على اقتصاد البلاد وسبل عيش الشعب.
وقال بيان قصير نُشر على الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية: «في الوقت الحالي، يحتاج المجتمع الإيراني إلى الوحدة بين جميع الفئات بغض النظر عن اللغة، أو الدين، أو العرق، للتغلب على العداء والانقسام الذي يحرض عليه أعداء إيران». وقد شهدت العاصمة طهران وعدد من المدن الإيرانية حركة احتجاجات عنيفة مع استمرار القيود الحكومية المفروضة على الإنترنت منذ أسابيع، وعلى الرغم من القيود، فقد استمر تداول مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي التي أظهرت الاحتجاجات الشعبية في سنندج وأصفهان وكرج ورشت وشيراز وغيرها من المدن الإيرانية.
في غضون ذلك، نقلت مجموعة «عدالت علي» وهي مجموعة معارضة ناشطة على شبكة الإنترنت، الاحتجاجات إلى منازل الإيرانيين عندما اخترقوا نشرة الأخبار المسائية على التلفزيون الرسمي الإيراني يوم السبت 8 تشرين الأول/اكتوبر الجاري، إذ تمكنوا من اقتحام البث التلفزيوني وهو يقدم تقريرا عن آية الله خامنئي ووضعوا صورتهم الخاصة لوجهه، كهدف للرمي وهو محاط بألسنة اللهب، وبجانبه صور مهسا أميني وثلاث شابات أخريات قُتلن على أيدي قوات الأمن. ووردت رسالة على الشاشة تقول «دماء شبابنا على يديك». وبدلاً من صوت مذيع الأخبار، سمع المشاهدون هتافات «المرأة، الحياة، الحرية» وهي صرخة الاحتجاج الرئيسية للمحتجين في الشوارع.
وأكد موقع «إيرنا» الإخباري الذي تديره الدولة، أن احتجاجات خرجت في عدة جامعات في طهران وأراك وزنجان وهمدان ومشهد وبوشهر وجيلان وكرمان ومدن أخرى، حيث خلعت بعض الطالبات حجابهن ورددوا شعارات مناهضة للمؤسسة الحاكمة. وفي بلدة سقز، مسقط رأس أميني، في إقليم كردستان إيران، أظهر مقطع فديو نشر يوم السبت 8 تشرين الأول/اكتوبر صوت تلميذات المدارس يهتفن «امرأة، حياة، حرية» وشوهدن وهن يسرن في الشارع يلوحن بالحجاب فوق رؤوسهن. كما بدأ يوم 10 تشرين الأول/اكتوبر إضراب واسع النطاق في المدن الكردية امتد بعد ذلك إلى طهران وشيراز، إذ بدأ التجار في البازار الكبير بطهران، وحي لالهزار، وحديقة سبهسلار، وتجريش بازار، وشيراز بازار والأسواق الرئيسية في المدن الكردية إضرابًا عاما وأغلقوا متاجرهم وانضموا إلى الاحتجاجات المشتعلة في مختلف أرجاء البلد.
وتصاعدت حدة الاحتجاجات في سنندج، عاصمة كردستان إيران ، حيث أظهر مقطع فيديو بشع تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي يوم السبت 8 تشرين الأول/اكتوبر شخصا يقود سيارته يُقتل بالرصاص في أحد شوارع المدينة بعد الظهر. وقالت وسائل إعلام أجنبية وجماعة حقوقية كردية إن الشاب قتل على يد قوات الأمن، لكن ضابطا بالشرطة قال إن «مناهضي الثورة» هم من قتلوه. وأفادت وسائل إعلام رسمية أن أحد عناصر الحرس الثوري قُتل في سنندج يوم السبت الماضي. كما قُتل أحد أفراد قوة الباسيج شبه العسكرية في طهران. ويُعتقد أن العشرات من المتظاهرين وقوات الأمن قُتلوا كما اعتقل الكثيرون، لكن لم يتم إعلان الحصيلة النهائية للمعتقلين حتى الآن.
وحسب صور نُشرت على الإنترنت وتحققت منها وكالة الصحافة الفرنسية، فقد تم وضع لافتة كبيرة على جسر للمشاة فوق طريق مودارس السريع الذي يمر وسط طهران تحمل العبارة التالية: «لم نعد خائفين. وسنحارب» وفي مقطع مصور آخر، يظهر رجل وهو يغير كلمات لوحة إعلانات حكومية كبيرة على نفس الطريق السريع من «الشرطة في خدمة الشعب» إلى «الشرطة قتلة الشعب». وقالت منظمة «هنغاو» وهي منظمة حقوقية كردية مقرها في النرويج، إن «إضرابات واسعة النطاق» جرت في مدن سقز وسانندج وديفانداري في محافظة كردستان، بالإضافة إلى مدينة ماهاباد في محافظة أذربيجان الغربية.
في غضون ذلك، سيطرت وفاة فتاتين مراهقتين على الأخبار الإيرانية في الأيام الأخيرة. إذ توفيت نيكا شكارامي في طهران بعد مشاركتها في الاحتجاجات، وكانت قد اختفت لمدة 10 أيام قبل عيد ميلادها السابع عشر. كما كانت سارينا إسماعيل زاده التي تبلغ من العمر 16 عامًا قد توفيت أيضا أواخر الشهر الماضي في كرج. وأفادت وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية والجماعات الحقوقية الأجنبية أنهما قتلتا على يد قوات الأمن أثناء الاحتجاجات، لكن السلطات الإيرانية زعمت أن نيكا شكارامي ماتت نتيجة سقوطها من سطح مبنى بالقرب من منزلها، بينما ماتت سارينا إسماعيل زاده – وهي مدوّنة وناشطة ويوتيوبر- منتحرة عن طريق رمي نفسها من على سطح منزل أسرتها.
كما أثار تقرير لمكتب الطب الشرعي في طهران عن وفاة مهسا أميني مزيدًا من الجدل حيث أشار التقرير الرسمي إلى أن الشابة توفيت بسبب تاريخ من الأمراض الكامنة وليس بسبب أي ضربات على الرأس أو الأعضاء الحيوية. ورفضت عائلة أميني مزاعم السلطات التي تقول بأنها لم تتعرض للضرب وأنها كانت تعاني من ظروف صحية سيئة مسبقًا، وطالبت عائلة الضحية برأي خبراء مستقلين موثوق بهم لتقييم تقارير تشريح جثتها. وقال نائب في البرلمان الإيراني إن التقرير عن وفاة أميني ستتم مناقشته في البرلمان. ورفضت أسرة أميني حتى الآن طلبات المشرعين بالذهاب إلى البرلمان لمناقشة وفاتها.
وقد نددت السلطات الإيرانية بالمظاهرات ووصفتها بأنها «أعمال شغب» تحركها مخططات امبريالية وقوى أجنبية، كما تم تنظيم عدة مظاهرات مضادة لدعم الدولة في جميع أنحاء البلاد. ومن جانب آخر دأب الحرس الثوري الإيراني على قصف ما وصفه بالمواقع التي تشغلها الجماعات الكردية الانفصالية «الإرهابية» في كردستان العراق، وأشار بيان إيراني رسمي يوم السبت الماضي إلى مقتل 30 «إرهابيا» وجرح 200 آخرين. وقال البيان إن هجمات المدفعية والصواريخ والطائرات المسيرة ستستمر إذا ظلت الجماعات الإرهابية تشكل تهديدا على الأمن القومي الإيراني.
ومع استمرار الاحتجاجات في إيران، كانت هناك أيضًا مظاهرات في الخارج، إذ تستمر حكومات العديد من الدول في إدانة قمع القوات الحكومية للحركة الاحتجاجية في إيران. ونظمت مظاهرات مؤيدة للاحتجاجات في إيران في عشرات المدن في أنحاء العالم كان آخرها في مديمة فانكوفر الكندية. وقالت الحكومة الكندية إنها أدرجت في القائمة السوداء حوالي عشرة آلاف عضو من الحرس الثوري الإيراني، الذي وصفه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بأنه منظمة «إرهابية». وانضمت كندا إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات على السلطات الإيرانية، كما أشار المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي أيضًا إلى إن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على إيران على خلفية انتهاك حقوق الإنسان.
ونددت طهران بهذه الخطوات ووصفتها بأنها «تدخل أجنبي» مرفوض وقالت الخارجية الإيرانية إنها سترد إذا فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على إيران. وقال مسؤولون إيرانيون إن تسعة أجانب على الأقل اعتقلوا بالتزامن مع حركة الاحتجاجات بتهمة التجسس، لذلك دعت عدة دول أوروبية مواطنيها لمغادرة إيران خوفا من التعرض للاعتقال التعسفي. إذ نصحت الحكومة الفرنسية رعاياها الذين يزورون إيران بـ «مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن» متذرعة بخطر الاعتقال التعسفي. كما نصحت الحكومة الهولندية مواطنيها بتجنب السفر إلى الجمهورية الإسلامية أو المغادرة عندما يمكنهم القيام بذلك بأمان.
في غضون ذلك أعرب عدد كبير من المشاهير الأجانب ونجمات عروض الأزياء وحتى نجوم أندية كرة القدم عن تضامنهم مع حركة الاحتجاج الإيرانية. وكان المطربان دوا ليبا وأندرو هوزير من أحدث الشخصيات التي نشرت تعليقات متضامنة مع قضايا حقوق الإنسان في إيران على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، كما قامت مجموعة من الممثلات الفرنسيات البارزات، بينهن الفائزات بجائزة الأوسكار جولييت بينوش وماريون كوتيار، بتصوير أنفسهن وهن يقصصن خصلات شعرهما دعماً لنساء الاحتجاجات الإيرانية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com