تحقيقات

قراءة في نكتة بثينة شعبان … «ولدنة» ثائرات بيروت… وتضامن المذيع الزائف مع المركب المنكوب

بيدر ميديا.."

قراءة في نكتة بثينة شعبان … «ولدنة» ثائرات بيروت… وتضامن المذيع الزائف مع المركب المنكوب

راشد عيسى

 

توجع القلب مرثية المذيع الممانع للمركب الطرابلسي الغارق. لقد تحدث الرجل بكلام مؤثر عن منابت هؤلاء المهاجرين صوب الموت، في عشوائيات ومخيمات ومدن منسية، وكيف وماذا باعوا حتى اشتروا طريق الموت ذاك.
تساءل عن أي حياة يعيشون حتى بات الموت عليهم أرحم، حتى تعلقوا بتلك القشة، القارب، التي لا تنجي، ولا تأخذها رحمة بالميّتين، أي حياة أخذتهم إلى مرارة الفرار أو الردى!
تكاد تدمع وأنت تسمع، لولا أن المذيع الممانع، عالي الصوت، يصل إلى استنتاجين لا ثالث لهما: لوم الدولة اللبنانية، التي أعلنت الحداد على ملكة بريطانيا لثلاثة أيام، ولم تكترث للمئة ضحية، دمهم برقبة أباطرة النظام.
والاستنتاج الثاني يتعلق بالسخرية من السفيرة الأمريكية التي دعت، قال، إلى معاقبة المسؤولين. يخاطبها المذيع بالقول: «هيدي الست ما بتحس على دمها، مش منتبهة أنه دولتها الغاصبة هي المسؤول المباشر عن كل مآسينا وجراحنا، من التجويع والإفقار والاحتلال والانهيار واستحالة المستقبل».
هل سأل المذيع نفسه لماذا يصوّت المهاجرون إذاً، بكلِّ، وبآخرِ، ما يملكون؟ بالدم والعذاب والدموع؟ بل وبحياتهم ذاتها، للغرب الأوروبي، والأمريكي لو استطاعوا إليه سبيلاً، يغذون الخطى إليه صباح مساء، في الواقع والمخيلات!
يبدو لنا أن المذيع سأل نفسه فعلاً السؤال أعلاه، لكن الجواب هو المخاتل.

كابوسنا الوحيد، وهو كابوس جمعي معلن يعيشه معظم السوريين، ومَن في حكمهم، أن نعود إلى هناك (لا تصدق أكاذيب الحنين المسلية)، حلمنا الوحيد أن «لا نعود إلى الدنيا التي فيها نراك».

سأل المذيع الممانع: «لك شو مفكرين هالأوروبا، هونيك كمان ما بقى في إلنا محل. كل ما اشتدت أزماتهن بيخافوا منا، بيخافوا نغيّر هويتهن، ونسرق ثرواتهن». (بالمناسبة، تعجبني كثيراً هذه الـ «ما إلنا محل»، المذيع الممانع نازل معنا بنفس الخندق!).
قد لا يعرف المهاجرون وطالبو اللجوء ماذا ينتظرهم فعلاً في «هالأوروبا»، لكنهم يعرفون أباً عن جد ماذا يعني البقاء هنا، تحت سقف دول تقبض أنظمة الممانعة بخنّاقها، وهذا بالضبط ما جاء المهاجرون، راكبو المركب الطرابلسي، للتصويت عليه بالدم: ما عادوا يطيقون أنظمتكم، إجرامكم، وحشيتكم.
أما الجواب على «شو مفكرين هالأوروبا» فاسمح لنا، كلاجئين أمضوا ما يقارب عقداً من الزمن هنا، بالمساهمة ببعض الجواب:
تنتظرنا كامل حقوق المواطن الأوروبي (نسامحهم طبعاً بحق الانتخاب والترشح) بالعمل، والتعليم، والصحة، والسكن والتنقل (تصور أن في إمكانك أن تتجول في أرجاء قارة بأسرها. لم يقل لنا أحد ممنوع عليك الحديث في شؤون هذه البلاد (ولدت وكبرت في سوريا، ثم جاء من قال لي ليس لك الحق، كفلسطيني، أن تحشر نفسك في شأن سوري). ليس لدينا أي خشية من هاتف يرن يستدعينا إلى فنجان قهوة غامض، ولا من زوار الفجر. مطمئنين إلى أن مستقبل أولادنا بأيد أمينة مهما حدث لنا، مطمئنين كذلك إلى أننا سندفن حتماً في مقبرة هادئة، ولن نتردد في القول «مقبرة هادئة وجميلة».
لسنا سذجاً، نعرف أن العنصرية موثقة في أصوات انتخابية، ممثَّلة في أحزاب وأعضاء برلمان، مع ذلك فإن العنصرية جريمة في هذه البلاد، لكن نادراً ما يصادفها المرء وجهاً لوجه. لقد واجهنا، في عشرة شهور بيروتية فقط، من العنصرية والتعالي ما يفيض على خمس قارات.
دعني، أخيراً، أقل لك شيئاً؛ إننا نصحو كل صباح لنقول «الله لا يحرمنا هالبلاد»، كابوسنا الوحيد، وهو كابوس جمعي معلن يعيشه معظم السوريين، ومَن في حكمهم، أن نعود إلى هناك (لا تصدق أكاذيب الحنين المسلية)، حلمنا الوحيد أن «لا نعود إلى الدنيا التي فيها نراك».

قراءة في نكتة بثينة شعبان

أطرف ما نُقل عن بثينة شعبان، المستشارة المخضرمة لرأس النظام السوري، أنها قطعت عهداً على نفسها بأن تسير في القدس حافية القدمين احتفالاً بتحريرها.
تصريحها ذاك جاء في اجتماع لقياديي «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» في دمشق. ليس مفهوماً تماماً سياق العبارة، إن كان وعداً للوفد بأن «القيادة السورية» تتعهد بتحرير القدس، أم أنها عبارة أقرب إلى تنهيدة حالمة في قعدة رومانسية.

من مهازل الأيام والسياسة والقضايا أن الدنيا تنقلب رأساً على عقب، ويظل، مع ذلك، بإمكان النظام السوري وأركانه المزاودة بقضية فلسطين.

لكن العبارة، في مكان آخر، نقلت على أنها «نذر»، أي أن السيدة الأسدية تطلب من الله التحرير على أن تحجّ حافية إلى فلسطين. ذلك أن مشي المرء في شوارع القدس المرصوفة بحجارة التاريخ الباردة قد يكون ممتعاً ولذيذاً، خصوصاً إن جاء التحرير صيفاً.
تقول نكتة قديمة إن جندياً خبيثاً ومتخاذلاً على الجبهة وشمَ على ذراعه نجمة داوود. وعندما سئل كيف يجرؤ. أجاب: «إذا جاء الإسرائيليون سيجدونني جاهزاً». قالوا له: «وإذا انتصرنا؟». قال: «أقصها».
من مهازل الأيام والسياسة والقضايا أن الدنيا تنقلب رأساً على عقب، ويظل، مع ذلك، بإمكان النظام السوري وأركانه المزاودة بقضية فلسطين.

«ولدنة» ثائرات في بيروت

في بيروت خرجت لبنانيات للتضامن مع الاحتجاجات الإيرانية على مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، التحق الشيخ الشيعي المعمم عباس يزبك، المعروف بمعارضته للنظام الإيراني، فطرد على يد المحتجات، مع هتاف يقول بأن «الفساد تحت العمامات». ولم يسمح له حتى بقول كلمة. بلغت الحماوة بإحداهن أنها كادت تضع اللافتة في حلقه. انكفأ الرجل، معتبراً الأولوية لبقاء الاحتجاجات الإيرانية تحت ضوء الإعلام.
حالياً ليس لهذا اسم سوى «الولدنة»، لكن ما أسهل أن تذهب هذه الولدنة لأشياء ما أبعد أن تكون عن روح الثورات.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com