مقالات

ما الأزمة البنيوية التي تعانيها منظمة الأمم المتحدة؟.

بيدر ميديا.."

ما الأزمة البنيوية التي تعانيها منظمة الأمم المتحدة؟

مثنى عبد الله

 

«عالمنا يعيش حالة من الخطر والشلل. الخلافات الجيوسياسية تقوّض عمل مجلس الأمن والقانون الدولي وثقة الشعوب في المؤسسات الديمقراطية وكل سبل التعاون الدولي، ولا يمكننا مواصلة العمل على هذا النحو»، بهذه الكلمات قدّم الأمين العام للأمم المتحدة صورة قاتمة عما يمر به العالم في الوقت الحالي، أثناء افتتاحه أعمال الدورة السابعة والسبعين لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لهذا العام، التي تعقد حضوريا لأول مرة، بعد أن كانت تعقد افتراضيا بسبب أزمة كوفيد 19، فما هي المسؤولية التي تتحملها المنظمة الدولية عن مضامين هذا الوصف؟
لا بد من القول بأن العالم اليوم محاصر بالأزمات، وعلى الرغم من أن هذه الأزمات ليست شيئا جديدا في العالم، لكن كثافتها باتت غير مسبوقة في هذا الوقت بالذات، فمع استمرار الحروب والصراعات في أكثر من منطقة من العالم، أضيفت إليها الحرب في القارة الأوروبية بين روسيا وأوكرانيا، والتضخم الاقتصادي الذي يطال كل العالم، وأزمة الطاقة، ونقص الغذاء، وتفاقم الوضع المناخي. وما يضاعف من هذه الأزمات، هو أنها تحدث وسط استقطاب دولي حاد، والعودة مجددا الى التكتلات داخل المجموعة الدولية، حتى بدا وكأن المشهد الدولي قد انقسم بين طرفين، أحدهما الغرب، والطرف الاخر هو بقية العالم، بعد أن ارتفعت سياسة الكيل بمكيالين إلى مناسيب عالية جدا في ضوء الحرب في أوكرانيا.

جرى احتواء مجلس الأمن الدولي وجعله رهينة بين أيدي أعضاء الدول الخمس دائمة العضوية، الذين يحتكرون حق النقض الفيتو

فلم يحدث أن جرى الاهتمام بصراع دولي كما هو الحال في هذه الحرب، ولم يهتم أحد بأزمة لجوء إنسانية كالاهتمام الذي حظيت به الأزمة الإنسانية في أوكرانيا، ما دفع الخطابات الصادرة من دول الجنوب لتقول علنا، إن هناك صراعات أخرى في دول العالم لم تسلط عليها الأضواء، ولم يهب العالم الغربي لتقديم المساعدة والدعم المتعدد الأشكال لها، كما هو الحال في القضية الأوكرانية.. كما تحركت دول أخرى ضمن مجموعة قمة شنغهاي، وبدت وكأنها تريد تشكيل قطب مناهض للسياسات الأطلسية في العالم، وبناء فضاء مناهض للفضاء السياسي الغربي، وبذلك سيكون العالم أمام أزمة اضمحلال فرص العمل الجماعي المشترك، الذي من دونه لا يمكن في أي حال من الأحوال الوصول إلى حلول عقلانية للأزمات الراهنة والمستقبلية. وهنا يجب القول بأن تحميل المنظمة الأممية مسؤولية الوضع الراهن، فيه شيء كثير من الإجحاف بحقها، فلم تكن هذه المؤسسة بناء خارجيا جاء من عوالم أخرى، بل هم أعضاء الدول الخمس دائمة العضوية، الولايات المتحدة، فرنسا، روسيا، بريطانيا والصين، الذين يصنعون القرار ويبلورون سياسات الأمم المتحدة، ولأن النظام الدولي ككل هو نظام فوضوي، ولأن الدول مهووسة بتجميع الأوراق من أجل الأمن الذاتي، وليس الأمن الدولي، ولأن الجميع يسعى للحصول على الأمن المطلق، لذلك فإن التعارض والتنافس يقود إلى الأزمات، كما يقود إلى أن يكون كل شيء على حساب دول أخرى، وقد تم توظيف الأمم المتحدة في هذه الفوضوية والصراعات الوحشية إلى درجة كبيرة جدا، كما جرى احتواء مجلس الأمن الدولي وجعله رهينة بين أيدي أعضاء الدول الخمس دائمة العضوية، الذين يحتكرون حق النقض الفيتو، وقد يقود هذا المشهد إلى أن يكون مصير الأمم المتحدة كمصير مؤتمر فيينا في عام 1815، وكمصير عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، حيث فشلت تلك المحاولات الرامية إلى تشكيل هيئات تحفظ الأمن والسلم الدوليين. لذلك من الصعب إلقاء كل شيء على عاتق الأمم المتحدة كمنظمة، بل هو من مسؤولية الدول الكبرى. وبناء على ذلك فقد خبا ميثاق الأمم المتحدة، بما تضمنه من فلسفة قائمة على تعزيز الأمن والسلم الدوليين، وبان بشكل واضح القصور الكارثي في ممارسة دورها في السنوات العشرين الأخيرة، حيث بدا هناك بون شاسع بين واقع المنظمة وميثاقها، خاصة في ما يتعلق بتسوية الصراعات ونزع فتيل الأزمات الدولية، وعجزت عن إنجاز مخرج للعديد من الأزمات، خاصة تلك التي تعصف بالوطن العربي، بدءا من الأزمة العراقية، والسورية، واليمنية، والليبية، وصولا إلى النزاع في الصحراء الغربية. وفشل العديد من المبعوثين الذين أرسلتهم المنظمة الدولية للمساعدة في التوصل إلى حل. وهنا بدا بشكل واضح أن الولايات المتحدة وروسيا، هما من يحتكران الضغط والقوة والنفوذ والتلاعب داخل مجلس الأمن الدولي، ويضربان عرض الحائط حرمة القرارات في مجلس الأمن، ويعرقلان كل حل يمكن أن يكون مقبولا من هذا الطرف، أو ذاك، ولا بد من القول بأن فشل الأمم المتحدة قد ارتبط ارتباطا جوهريا بالصراعات الجيوسياسية، التي تسببت فيها كل من واشنطن وموسكو، وأن أية إصلاحات يتم الحديث عنها لتطوير المنظمة الدولية، تبقى ليست ذات جدوى طالما بقيت الدول الخمس دائمة العضوية مسيطرة، كما أن هذه الدول لن تقبل بأي إصلاحات جذرية وبنيوية في مجلس الأمن الدولي، كالذي تريده الدول الأخرى التواقة للسلم والأمن.
ففي عام 2005 كانت هنالك دعوات لإصلاحات ممكنة في الأمم المتحدة، منها إعادة النظر في عضوية مجلس الأمن بإلغاء حق الفيتو من الدول الخمس دائمة العضوية، وقبول أعضاء جدد في مجلس الأمن يكونون بين 20 إلى 25 عضوا، وإعادة عملية التصويت كي تتوازن الكفة بين ما يأتي من الجمعية العامة وما يتخذه مجلس الأمن، بمعنى أن يتحقق التوازن بين الدول الخمس دائمة العضوية والعشر غير دائمة العضوية، و193 دولة هي الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة، لكن ذلك لم يحدث حتى اليوم. أما عن دور الأمين العام فواهم من يعتقد بأن هناك إرادة مستقلة لديه، أو لدى المبعوثين الدوليين إلى مختلف مناطق الأزمات، فلا إرادة ولا قرار في مجلس الأمن خارج إرادة روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين. نعم هنالك دور أخلاقي للأمين العام في التنبيه والتحذير والدفع باتجاه العمل الإنساني في مناطق الحروب والنزاعات، لذلك على من يعتقد أن المنظمة الدولية مؤسسة متكافئة الحظوظ، ولها عناصر صناعة قرار يشمل إرادة كل الدول، عليه أن يتخلى عن هذا الفهم الواهم. حتى رؤساء الدول الذين يتوجهون سنويا إلى الجمعية العامة للامم المتحدة، يعرفون جيدا أنهم يؤدون دورا خطابيا رمزيا، ولا يستطيعون، لا من بعيد ولا من قريب، تحقيق أي اختراق في مجلس الأمن الدولي.
وهنا لا بد من أن نشير في ما يخص قضية العصر وهي القضية الفلسطينية، فلربما لم يحصل ظلم في التاريخ على قضية من القضايا الدولية، كما حصل من ظلم وإجحاف بحقها في كل أروقة الأمم المتحدة منذ أكثر من سبعين عاما، فقد استخدمت الولايات المتحدة المنصة الدولية في مجلس الأمن، للتصويت بالنقض وإجهاض أي قرار لصالح حل القضية الفلسطينية، ورفع الظلم عن كاهل أهلنا في فلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، كما شهد مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة الكثير من استخدام الضغوط والترهيب والترغيب على الدول الأخرى لمنعها من التصويت على أي قرار لإنشاء دولة فلسطينية، كما حمت المظلة الأمريكية في المنظمة الدولية الكيان الصهيوني من المساءلات الأخلاقية والسياسية، من الدول التي تؤمن بالحق الفلسطيني. وفي موضوع القضية العراقية فقد كانت المنظمة الدولية عديمة الوجود تماما في هذا الملف، منذ ما قبل الغزو وحتى أثناءه. أما بعد الاحتلال، وما زال حتى اليوم، فموقفها لا يخرج عن نطاق المهادنة للسلطات القائمة، من خلال بعثتها في بغداد وممثليها، ولعل ممثلة الأمين العام الحالية أبرز مثال على هذا الانبطاح للسلطات في بغداد.
كاتب عراقي واستاذ في العلاقات الدولية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com