مجتمع

استقالة النواب الصدريين من البرلمان: قفزة نحو المجهول.

بيدر ميديا.."

استقالة النواب الصدريين من البرلمان: قفزة نحو المجهول

صادق الطائي

 

عندما لوح السيد مقتدى الصدر بامكانية انسحاب كتلته من البرلمان العراقي، وطالب نوابه بتهيئة استقالاتهم بقوله «إن كان بقاء الكتلة الصدرية عائقا أمام تشكيل الحكومة، فكلّ نواب الكتلة مستعدون للاستقالة بشرف من مجلس النواب ولن يعصوا لي أمرا» اعتبر المراقبون هذا التصريح نوعا من المناورة التي تعودوا عليها في أداء الصدر السياسي، أو ورقة ضغط يلعبها الصدر ضد خصومه في الإطار التنسيقي، الغاية منها إحراجهم ودفعهم باتجاه الموافقة على تشكيل حكومة «أغلبية وطنية» كما يصفها الصدريون، لأن استقالة الكتلة الأكبر في البرلمان حدث غير مسبوق في تاريخ العملية السياسية في العراق طوال عمرها الممتد لحوالي عقدين من الزمن.
عندما نفذ نواب التيار الصدري البالغ عددهم 73 نائبا ما أمرهم به الصدر وقدموا استقالاتهم إلى رئيس البرلمان، حليفهم محمد الحلبوسي الذي وافق عليها، أصابت المشهد السياسي العراقي حالة من الوجوم والترقب، إذ اعتبر المراقبون ما أقدم عليه الصدريون قفزة نحو المجهول.
الكل راح يبحث عن الآليات التي ستتخذ في مثل هذه الحالة غير المسبوقة، لأن ما حدث في البرلمانات السابقة كان عبارة عن حالات فردية يتم فيها إقالة أو استقالة نائب، فيتم اللجوء إلى قانون الانتخابات العراقي الصادر عام 2009 والذي تنص المادة 15 منه على: «إذا شغر أي مقعد في مجلس النواب، يحل محله المرشح الحائز على أعلى الأصوات في الدائرة الانتخابية».
بهذه الخطوة يكون الصدر قد فتح الباب لمنافسيه من المستقلين والقوى الشيعية الأخرى المجتمعة تحت مظلة الإطار التنسيقي للاستحواذ على مقاعد الصدريين لتضاف إلى مقاعدهم التي عرقلت تشيكل الحكومة التي يقودها الصدر. والآن بات المشهد أمام مجموعة أسئلة هي: هل سيغيب الصدريون عن الحكومة المقبلة بعد مشاركاتهم في كل الحكومات السابقة منذ 2006 حتى الآن؟ وهل ستتمكن قوى الإطار التنسيقي من تشكيل الحكومة بمعزل عن التيار الصدري؟ وما هو موقف حلفاء الصدر من الكرد والسنة في ما حصل؟ وما هو رد الصدر المتوقع بعد خروج كتلته السياسية من البرلمان؟

تحركات القوى السياسية

عندما اجتمع مقتدى الصدر يوم الأربعاء 15 حزيران/يونيو الجاري بأعضاء كتلته البرلمانية بعدما قدموا استقالاتهم، قال لهم: «بعد الترحيب بكم وقبل الوداع بيننا وبعد شكركم على مواقفكم ووحدتكم، أود أن أخبركم شيئًا واحدًا، أني قررت الانسحاب من العملية السياسية كي لا أشترك مع الفاسدين بأي صورة من الصور لا في الدنيا ولا في الآخرة» وتابع مخاطبًا أعضاء الكتلة الصدرية أنه «في حال اشتركنا في الانتخابات المقبلة فأبقوا نساءً ورجالًا على أهبة الاستعداد، ولا تتفرقوا وتكاملوا سياسيًا وعقائديًا وبرلمانيًا وقانونيًا وتواصلوا مع الشعب العراقي».
الصدر علق على خطوته الانسحاب من العملية السياسية بخطاب مكتوب تناقلته منصات التواصل الاجتماعي جاء فيه: «تضحية مني من أجل الوطن والشعب لتخليصهم من المصير المجهول كما ضحينا سابقًا من أجل تحرير العراق وسيادته وأمنه وازدهاره واستقراره». لكن قوى الإطار التنسيقي المدعومة إيرانيا سارعت إلى عقد اجتماع في بغداد يوم الخميس 16 حزيران/يونيو الجاري لمناقشة آليات تشكيل الحكومة التوافقية والمضي قدما في العملية السياسية بغياب التيار الصدري. إذ أعلن الإطار تشكيل لجنة تفاوضية للحوار مع القوى الوطنية بدون الكشف عن تفاصيل الموضوع وما توصل له المجتمعون من اتفاقات حول تشكيل حكومة توافقية تخرج الوضع من حال الانسداد السياسي.
ويرى بعض المراقبين أن خطوة مقتدى الصدر جاءت متزامنة مع حر الصيف العراقي الذي بات يشهد كل عام حركة احتجاج مطلبية في شوارع بغداد وبعض مدن العراق مطالبة بتحسين الخدمات، واليوم يرى بعض المحللين أن مقتدى الصدر اتخذ خطوة غير مسبوقة في تاريخه السياسي، إذ طالما لعب على التوازنات السياسية والدفع بالأمور إلى حافة الهاوية، حتى بات يجيد اللعب بهذه الطريقة، لكنه طوال التحركات السابقة كان يلعب بطريقة وضع إحدى قدميه في الحكومة، بينما قدمه الأخرى في ساحات الاحتجاج. لكنه هذه المرة أحرق مراكبه وسينزل إلى ساحات الاحتجاج وهو منسحب من العملية السياسية.
يبدو الشارع العراقي محتقنا، والكل يعلم أن الصدر أقدر اللاعبين السياسيين على تحشيد الجماهير وتحريك الشارع نتيجة الالتزام والطاعة المفرطة التي يتصف بها جمهوره والمتعاطفين، وبالتالي من المتوقع أن تكون هناك احتجاجات واعتصامات مليونية يحركها التيار الصدري ضد حالة الانسداد السياسي، وربما ضد تحرك قوى الإطار التنسيقي لتشكيل حكومة توافقية يغيب عنها التيار الصدري.
من جانب آخر كان مقتدى الصدر قد وجه شكره لحلفائه في كتلة «انقاذ وطن» من الكرد والسنة، لما أبدوه من «وطنية وثبات» حسب تعبيره، مؤكداً :»إنهم الآن في حلّ منّي جزاهم الله خير الجزاء». موقف الكرد والسنة بعد ما جرى تمت مناقشته خلف الأبواب المغلقة يوم الأربعاء 15 حزيران/يونيو الجاري في أربيل في اجتماع حضره مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، وخميس الخنجر رئيس تحالف السيادة ومحمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي، ولم يرشح عن الاجتماع موقف واضح للكتل المشاركة فيه تجاه دعوة قوى الإطار التنسيقي للمشاركة في تشكيل الحكومة التوافقية المقبلة.
ويرى بعض المحللين أن موقف حلفاء الصدر من الكرد والسنة بات قلقا بعد انسحاب الصدر، إذ أن كل الخيارات أمامهم مأزومة، فإما الذهاب نحو المشاركة بحكومة يشكلها الإطار التنسيقي الذي يضم قوى موالية لطهران، ما يعني ضمنا القبول بمزيد من ضغط طهران عليهم، أو التحول إلى دور المعارضة البرلمانية كموقف سياسي متضامن مع الصدر، وهذا أمر لم يحصل سابقا، لذلك يرى المراقبون أنه من الحلول المستبعدة. أما الخيار الأخير فهو السعي إلى إلغاء نتائج الانتخابات المبكرة التي جرت في تشرين الأول/اكتوبر الماضي والمطالبة بإجراء انتخابات بديلة يتم التوافق على موعدها.
ويرى المحللون أن الكرد من حلفاء الصدر إذا وافقوا على الدخول في حكومة يقودها الإطار التنسيقي فمن المتوقع ان يكون سقف مطالبهم عاليا وخصوصا فيما يتعلق بملف النفط والغاز في إقليم كردستان، وسحب الميليشيات الشيعية التابعة للحشد الشعبي من سهل نينوى والمناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، وحسم بعض الملفات العالقة فيما يخص الموازنة المالية وحصة الإقليم منها.
في المقابل، فإن السنة من حلفاء الصدر سيرفعون هم أيضا سقف مطالبهم، وأبرزها سحب الميليشيات من مناطق شمال وغرب العراق، وإنهاء ملف النازحين، والسماح للأهالي بالعودة إلى منازلهم ومدنهم المعروفة بمناطق منزوعة السكان، فضلاً عن معالجة ملف المختطفين والمغيبين والكشف عن مصيرهم، بالإضافة إلى المطالبة بتخصيصات مالية لإعمار المدن المدمرة وتعويض أهلها، وحل مشكلة الاعتقالات العشوائية والنظر بملفي قانون العفو العام والتوازن داخل مؤسسات الدولة من حيث المكونات، خاصة في الجيش والشرطة والمؤسسات الأمنية الأخرى.

«ساعة الصفر قريبة…
ترقبوا تأهبوا»

هذا الكلمات مثلت شعارا حملته منشورات وزعها مقربون من التيار الصدري في بغداد وبعض مدن جنوب العراق التي يتمتع فيها التيار بحضور شعبي لافت، إذ بات انفجار الاحتجاجات الشعبية قريبا، ويرى المراقبون أن تحركا شعبيا قد يحدث قبيل تشكيل الحكومة المقبلة رفضا وتصديا لمشروعها في تشكيل حكومة توافقية بغياب الصدريين. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ماذا ستكون مطالب احتجاجات الصدريين والمتعاطفين معهم في الاعتصامات المقبلة، هل ستتركز على إطاحة الحكومة التي أفرزتها انتخابات اكتوبر المبكرة؟ وهل هذا يعني الاستمرار في العملية السياسية عبر إجراء انتخابات بديلة؟ إذن لماذا لم يطالب الصدريون بإعادة الانتخابات وهم في البرلمان، بل ويقودون تحالفا كبيرا فيه؟
لكن السيد مقتدى الصدر قالها بوضوح عندما خاطب نوابه المستقيلين من البرلمان بقوله «أريد أن أخبركم، في الانتخابات المقبلة لن أشارك بوجود الفاسدين وهذا عهد بيني وبين الله وبيني وبينكم ومع شعبي، إلا إذا فرج الله وأزيح الفاسدين وكل من نهب العراق وسرقه وأباح الدماء». فهل يعني أنه سيزيح الفاسدين عبر اللجوء إلى الشارع؟ التوقعات بشكل عام تسير بهذا الاتجاه، والكل يتذكر تقلبات مقتدى الصدر السياسية السابقة، وحتى عندما اجتاح أنصاره مبنى البرلمان ومباني الحكومة في المنطقة الخضراء في حركات احتجاجية في نيسان/ابريل 2016 علق على ذلك لاحقا بانها كانت (جرة اذن) لخصومه السياسيين، فهل نحن على أعتاب (جرة اذن) جديدة؟ أم إن التخوف من تصاعد الاحتدام بين فرقاء الشيعة حد الوصول إلى صدام مسلح بين ميليشيات الأطراف المتنازعة سيدفع باتجاه لجم المواقف؟ هذا الانفجار هو الذي يتخوف الجميع منه.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com