تحقيقات

زواج الكونترا” في المغرب.. أرقام “خيالية” ودعوات لسد “الثغرات”.

بيدر ميديا.."

زواج الكونترا” في المغرب.. أرقام “خيالية” ودعوات لسد “الثغرات”

 

تزامنا مع الحديث عن تفاقم ظاهرة زواج القاصرات بالمغرب، ارتفعت أصوات حقوقية وسياسية تنادي بضرورة تكييف القوانين لضبط سن الزواج عند 18 عاما.

وخلال مداخلته قبل نحو أسبوع في منتدى نظمه مجلس المستشارين، كشف وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أن زواج القاصرات بات يشكل 7 في المائة من حالات الزواج في المغرب.

وبينما كانت الظاهرة مقتصرة على بعض القرى النائية، استغرب الوزير ارتفاع هذا النوع من الزواج في مدن كبرى مثل الدار البيضاء.

وتساءل قائلا: “تعلمون أن أكبر عدد من حالات زواج الفتيات تحت سن 18، تم تسجيله في الدار البيضاء؟ أنا شخصياً لا أفهم هذا الوضع”.

وفي أحدث واقعة مرتبطة بهذه الظاهرة، قضت محكمة مغربية، الاثنين، بحبس 5 متهمين، في قضية تتعلق بهتك عرض قاصر وتزوير في وثائق رسمية لتمكين فتاة قاصر من الزواج.

غياب التوعية

ويعزو مختصون في حقوق المرأة والطفل هذه الظاهرة بالأساس إلى غياب التوعية تجاه العائلات في القرى النائية، التي توارثت “هذا التقليد”و كذلك عدم تكييف القوانين مع مقتضيات حماية الطفولة، التي يفرضها التشريع المغربي، الذي، ولو أنه وضع حدا عمريا للزواج إلا أنه سمح باستثناءات.

وإن كان الفصل 19 من مدونة الأسرة المغربية المتبناة منذ 2004، يحظر زواج الفتيات اللائي تقل أعمارهن عن 18 سنة، إلا أن مادتين في الفصل نفسه تتيحان للقاضي فرصة القيام باستثناءات وعدم الالتزام بهذه القاعدة.

واعتبرت المادة 19  من مدونة الأسرة المغربية، أن أهلية الزواج تكتمل بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقوامها العقلية 18 سنة، إلا أن المادة 20 فتحت نافذة الاستثناء “عبر مجموعة من الضوابط والشروط حتى لا يتم الشطط في حق الطفولة” وفق ما جاء في ورقة حول زواج القاصر، أعدتها وزارة العدل والحريات بالمغرب.

وجاء في المادة 20 من ذات المدونة : “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة، دون سن الأهلية، المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر، أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي”.

وجاءت المادة 21 لتنظم هذا الاستثناء وتجعله بيد الولي الشرعي للقاصر، وهو ما فتح، وفق مختصين، الباب واسعا أمام ما أضحى يعرف في المغرب بـ”زواج الكونترا”.

و”الكونترا” كلمة فرنسية تعني العقد.

ويفرض هذا “العقد” أو “الكونترا” على “العريس” أن يوقع على ورقة استدانة بمبلغ مالي متفق عليه مع أهل البنت، وهو ما يعتبر ضامنا “يجبره” أن يعقد عليها رسميا بعد بلوغها السن القانونية وإلا فعليه أن يدفع الثمن المتفق عليه.

ولأجل إلغاء هذا الاستثناء الذي جعل من زواج القاصرات “مباحا”، ارتفعت أصوات سياسية داخل المؤسسات التشريعية المغربية، أهمها، الطلب الذي أودعته كتلة حزب التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب والذي تضمن مقترح قانون يهدف إلى نسخ المادة 20 من مدونة الأسرة، مما يضع حدا لهذا النوع من الزيجات.

قصور قانوني

وكذلك الطلب الذي تقدم به حزب التقدم والاشتراكية والمتضمن نسخ المواد 20، 21 و22، من مدونة الأسرة.

هذه المواد تلخص، وفق العضو المؤسس للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، خديجة الرباح، قصور القانون المغربي، ممثلا في مدونة الأسرة.

المصدر: الدراسة التشخيصية حول زواج القاصر من إعداد النيابة العامة المغربية

الرباح اقترحت في حديث  لموقع الحرة وصف الظاهرة بـ “تزويج القاصرات وليس زواج القاصرات، لأن البنات في سن قبل المراهقة، يجبرن على الزواج وليس لهن أي اختيار” وفق تعبيرها.

وفي سياق حديثها، كشفت هذه المختصة الحقوقية، نقلا عن دراسات قالت إنها سلطت الضوء على تزويج القاصرات، بأن عدد طلبات هذا النوع من الزيجات بلغ “أرقاما خيالية”.

يذكر أن دراسة قامت بها النيابة العامة بالمغرب، العام الماضي، كشفت أن “المحاكم المغربية تلقت سنة 2020 ما يعادل 19926 طلبا للإذن بزواج القاصرات، صدر بشأنها 13335 إذنا بالزواج”.

وفي تعليقه على هذه الأرقام، قال رئيس النيابة العامة، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، مولاي الحسن الداكي، إن “هذه الظاهرة مقلقة، لأن الواقع أنتج وضعية لا تساير فلسفة المشرع التي جعلت هذا الزواج استثناء في أضيق الحدود”، وفقا لما نقل عنه موقع “هسبرس” المحلي.

عدم فهم فلسفة المشرع بالاستثناءات التي أباحها تقع مسؤوليته على الدولة، وفق خديجة الرباح، التي قالت إن هناك غيابا لمجهود الدولة في تعريف المقتضيات القانونية، لأجل توعية الأسر بخصوص مخاطر تزويج القاصر.

الرباح لفتت في المقابل لمجهودات الدولة في توسيع صلاحيات القضاة بالخصوص، والعمل على موافقة المواثيق الدولية المتعلقة بزواج الأطفال، إلا أنها قالت إن هناك مزيدا من الجهد “يجب أن يبذل لمحاصرة هذه الظاهرة”.

وقالت: “هناك ثغرات في مدونة الأسرة يجب إعادة النظر فيها”.

لكن محمد الطيب بوشيبة، المنسق الوطني للجمعية المغربية التي تعنى بحقوق الطفل “ماتقيش ولدي” ينفي بأن يستطيع أي قانون تغيير واقع الظاهرة ما لم يترافق بتغيير الذهنيات.

وفي حديث لموقع الحرة، شدد بوشيبة على أن ظاهرة تزويج القاصرات ليست خاصة بالمغرب، بل تنتشر في كثير من المجتمعات التي تسودها العقلية الأبوية والأنانية، والتي تعتبر المرأة بضاعة “يجب أن تكون مطيعة، خدومة، وتستجيب لرغبات الرجل”.

بوشيبة وصف “تزويج القاصرات” بـ”البيدوفيليا المستترة” مؤكدا على أن الباحثين على الارتباط بقاصرات هم في حقيقة الأمر يحاولون فقط إيجاد غطاء شرعي وقانوني “عن طريق الحلال” لممارسة “البيدوفيليا” على حد وصفه.

وخلال عرضه للمخاطر التي تنجر عن تزويج القاصرات، كشف بوشيبة الذي تحدث للكثير ممن تزوجن في سن مبكرة، أن أغلبهن يصبحن منهكات في سنة الشباب نظرا للمسؤوليات التي ترتبط بزواجهن المبكر، سواء على المستوى الجسدي أو الذهني.

يقول مستنكرا: ” كيف لطلفة أن تعرف حدود قدرتها الجسدية، كيف لها أن تعرف أسس العلاقة الجنسية، وما إذا كانت مستعدة لذلك؟” ثم يتابع “مخاطر هذا الزواج تظهر بعد سنوات، حيث أن المرأة التي ترتبط مبكرا، تصبح محرومة من الحنان، وقد تورث هذا النقص لبناتها وأبنائها”.

ويرى بوشيبة أن المرأة التي تعرضت للزواج المبكر، أضحت هي الأخرى تساهم فيه، دون قصد، وذلك ناتج عن الموروث الثقافي الذي يرى في إجبار الطفلة على الزواج “أمرا طبيعيا”.

يستنكر الرجل مثلا أن تزين البنات كعرائس خلال المناسبات الوطنية والدينية، ويرى في ذلك تحضيرا لا شعوريا لها للزواج، ويقول: “هذه ممارسات تساهم فيها المرأة، دون إدراك، وتعيد بذلك إنتاج هذا الواقع المرير، دون توقف”.

غياب التربية الجنسية

يلفت بوشيبة كذلك إلى غياب التربية الجنسية، لدى الكثير من المراهقات، ويقول إن ذلك يشكل أحد أكبر الأسباب التي تؤدي إلى إنهاكهن في سن الشباب.

أما عن الحلول التي يراها مناسبة للحد من هذه الظاهرة، فيرى أن الاعتماد على مصوغات قانونية فقط لا يجدي ما لم يتبع بتربية علمية ومعرفية حقيقة، تجاه المراهقات وعائلاتهن.

يقترح مثلا إعادة ترتيب الأولويات والأفكار “داخل رؤوسنا” وفق تعبيره، وذلك بهدف تغيير الذهنيات المتعلقة بالزواج أولا ثم بالمرأة عموما.

يقول: “تغيير الذهنيات ضروري” إذ لا يمكن وفقه، أن نستنكر الظاهرة ونكون من بين الذين يدعمونها في الخفاء.

“تغيير الذهنيات هو الأساس قبل الحديث عن الظاهرة أو حتى التفكير في كبحها” قبل أن يتابع: “الأسر تتحايل على القانون، بحجة الرخصة الدينية، لكنهم يعودون إليه وإلى المحاكم، عندما يتصارعون بينهم حول حقوقهم المدنية التي تترتب عن عدم نجاح الزواج.

المصدر: الدراسة التشخيصية حول زواج القاصر من إعداد النيابة العامة المغربية

ويختم “لذلك أؤكد على ضرورة تغيير الذهنيات في الأوساط المجتمعية، أولا، ثم العمل على التعليم  الهادف، بعدها سن قوانين تؤطر العلاقات المجتمعية”.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com