مقالات

عمر زين‮.. ‬حين‮ ‬يكون الشيخ شاباً.

بيدر ميديا.."

عمر زين‮.. ‬حين‮ ‬يكون الشيخ شاباً
عبد الحسين شعبان‮ ‬
كأن الجواهري‮ ‬شاعر العرب الأكبر كان‮ ‬يقصد عمر زين في‮ ‬قصيدته التي‮ ‬ألقاها في‮ ‬سينما الخيام‮  ‬ببغداد بمناسبة انعقاد مؤتمر الطلبة العراقيين العام‮ ‬1959 ‮ ‬وهي‮ ‬بعنوان‮ ” ‬أزف الموعد‮…” ‬والتي‮ ‬اقتبس بعض أبياتها من قصيدته‮ “‬يا شباب الغد‮…” ‬التي‮ ‬ألقاها في‮ ‬مؤتمر ساحة السباع التأسيسي‮ ‬العام‮ ‬1948‮ ‬ والتي‮ ‬يقول فيها‮:‬
أزف الموعدُ‮ ‬والوعدُ‮ ‬يعنُّ‮…‬والغدُ‮ ‬الحلوُ‮ ‬لأهليهِ‮ ‬يحنُّ
والغدُ‮ ‬الحلوُ‮ ‬بنوهُ‮ ‬أنتمُ‮…‬فإذا كان لكمْ‮ ‬صلبٌ‮ ‬فنحنُ
فخرنا أنا كشفناهُ‮ ‬لكمْ‮…‬واكتشافُ‮ ‬الغدِ‮ ‬للأجيالِ‮ ‬فنُّ
يا شبابَ‮ ‬الغد إنّا فتيةٌ‮… ‬مثلكم فرقنا في‮ ‬العمرِ‮ ‬سنُّ
لا تلومونا لأنا لم نكنْ‮…‬مثلكم فيما تجنونَ‮ ‬نجنُّ
وحسبي‮ ‬أن عمر زين بحكمة الشيوخ وتجربته‮ ‬يجيب على الجواهري‮ ‬من الجواهري‮ ‬نفسه بمناغاة تستلهم روح الشباب وحيويته في‮ ‬قصيدته الموسومة‮ “‬لبنان‮ ‬يا خمري‮ ‬وطيبي‮…” ‬التي‮ ‬ألقاها في‮ ‬قصر اليونسكو ببيروت في‮ ‬4 حزيران‮ / ‬يونيو‮ ‬1961  بمناسبة تكريم الشاعر بشارة الخوري‮ (‬الأخطل الصغير‮) ‬والتي‮ ‬يقول فيها‮:‬
نزَقُ‮ ‬الشبابِ‮ ‬عبدته‮… ‬وبَرِئتُ‮ ‬من حِلْمِ‮ ‬المشيب‮ ‬
لبنانُ‮ ‬ما ذنبي‮ ‬إذا‮… ‬رقَّعتُ‮ ‬شيْبي‮ ‬بالنسيب
يا من‮ ‬يُقايضني‮ ‬ربيعَ‮… ‬العُمرِ‮ ‬ذا المَرْجِ‮ ‬العشيب
بالعبقريّة كلِّها‮… ‬بخُرافة الذهنِ‮ ‬الخصيب
الشباب بعد الثمانين
وعلى الرغم من ثمانين عاماً‮ ‬حملها عمر زين على أكتافه،‮ ‬فما‮ ‬يزال‮ “‬شاباً‮” ‬نشيطاً‮ ‬مفعماً‮ ‬بالحيوية والأمل،‮ ‬حيث ظلّ‮ ‬النشاط الحركي‮ ‬سمة بارزة له،‮ ‬منذ مشاركته في‮ ‬العمل الجماهيري‮ ‬الوطني‮ ‬والعروبي،‮ ‬سواءً‮ ‬ضدّ‮ ‬المشاريع الاستعمارية مثل حلف بغداد وخطة أيزونهاور أو في‮ ‬المطالبة بإقامة الوحدة العربية،‮ ‬وتأييدًا للجمهورية العربية المتحدة وضدّ‮ ‬الانفصال لاحقاً،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن المشاركة الفاعلة ضدّ‮ ‬العدوان‮ “‬الإسرائيلي‮” ‬على الأمة العربية في‮ ‬العام‮ ‬1967‮ ‬ واعلان الرئيس جمال عبد الناصر استقالته،‮ ‬التي‮ ‬كان لها أكبر الأثر في‮ ‬نفسه،‮ ‬خصوصاً‮ ‬في‮ ‬ظلّ‮ ‬نكوص الطموحات العربية‮ ‬،‮ ‬وتأثيرات النكســــــــــة التي‮ ‬أحدثت صدمة جديدة بعد نكبة العـام‮ ‬1948‮.‬
ابتدأ عمر زين نشاطه الوطني‮ ‬في‮ ‬إطار الحركة الطلابية اللبنانية التي‮ ‬كان أحد قادتها في‮ ‬ستينيات القرن الماضي،‮ ‬وبصحبة شخصيات أثيرة مثل دولة الرئيس رفيق الحريري‮ ‬ودولة الرئيس نبيه بري‮ ‬وغيرهما،‮ ‬وكان نشاطه الطلابي‮ ‬موازياً‮ ‬لنشاطه السياسي‮ ‬والوطني،‮ ‬خصوصاً‮ ‬وقد كان توجّهه منذ البداية عروبياً‮ ‬وجامعاً‮ ‬وعابراً‮ ‬للطائفية‮.‬
‮”‬حركي‮” ‬في‮ ‬حركة القوميين العرب
انتمى عمر زين إلى حركة القوميين العرب وأصبح من قياداتها الإقليمية بين أعوام‮ ‬1958 – 1967‮ ‬ حيث كانت الحركة تعمل تحت لواء قيادة قومية،‮ ‬وتم حلّها لصالح قيادات قطرية،‮ ‬خصوصاً‮ ‬بعد انبثاق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش،‮ ‬لكنه ظلّ‮ ‬متمسكاً‮ ‬بالخط العروبي‮ ‬ومؤمنّا بالمنجزات التي‮ ‬حققتها قيادة جمال عبد الناصر والتي‮ ‬كان‮ ‬يأمل أن تتواصل وتتطور لولا وفاته المفاجئة في‮ ‬28 أيلول‮ / ‬سبتمبر‮ ‬1970 ‮ ‬والتي‮ ‬أعقبها تراجع ونكوص انعكس على مجمل العمل العربي،‮ ‬لاسيّما بانحسار الدور المصري‮ ‬الريادي‮ ‬على المستوى الإقليمي‮ ‬بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد والصلح المنفرد‮ (‬1978 – 1979‮)‬ بعد زيارة الرئيس السادات إلى القدس العام‮ ‬1977‮.‬
أميناً‮ ‬للمحامين العرب
وتعكس سيرة عمر زين النضالية والمهنية الهم العروبي،‮ ‬وخصوصاً‮ ‬الفلسطيني،‮ ‬وقد امتدّ‮ ‬نشاطه المهني‮ ‬إلى عموم أقطار الوطن العربي،‮ ‬ولهذا ليس‮ ‬غريباً‮ ‬أن‮ ‬يتمّ‮ ‬اختياره أميناً‮ ‬عامًا لاتحاد المحامين العرب،‮ ‬وقد لعب دوراً‮ ‬مؤثراً‮ ‬خلال وجوده في‮ ‬قيادة الاتحاد،‮ ‬كما أنه ما‮ ‬يزال‮ ‬يتمتع بعضوية مجلس أمناء اتحاد الحقوقيين العرب،‮ ‬وبجهوده ساهم في‮ ‬استضافة أحد مؤتمراته في‮ ‬بيروت،‮ ‬وكان قد شغل رئاسة لجنة استقلال القضاء والمحاماة في‮ ‬اتحاد المحامين العرب،‮ ‬كما انشغل بقضايا الصحافيين وأسس منظمة تُعنى بحمايتهم والتضامن معهم،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن نشاطه في‮ ‬الدفاع عن قضايا‮ “‬الأسرى الفلسطينيين‮”‬،‮ ‬وذلك في‮ ‬حركية مستمرة ضدّ‮ ‬الممارسات‮ “‬الإسرائيلية‮” ‬المنافية لحقوق الإنسان‮.‬
ولم‮ ‬يترك عمر زين محفلاً‮ ‬من أقصى الوطن العربي‮ ‬إلى أقصاه ومن المحيط إلى الخليج إلّا وكان له مساهمة في‮ ‬منتدياته وفعالياته ونشاطاته الداعمة لقضايا الأمة العربية،‮ ‬بما فيها المؤتمر القومي‮ ‬العربي‮ ‬ومنتدى الفكر العربي،‮ ‬وغالباً‮ ‬ما كان‮ ‬يقدّم مقترحات عملية وملموسة وقابلة للتطبيق‮.‬
لبنان الواحد الموحّد
وعلى الصعيد اللبناني‮ ‬آمن عمر زين بلبنان واحد موحّد دون تقسيم أو تفتيت أو انشطار أو إلحاق أو ضم أو فدراليات ملفقة‮ ‬،‮ ‬وذلك كيما‮ ‬يكون لبنان رسالة سلام وحريّة مندغماً‮ ‬بأمّته العربية،‮ ‬فهو عربي‮ ‬اللسان والهوى والهويّة والتوجّه في‮ ‬طموحها من أجل التحرّر والتقدّم والتنمية واللحاق بالأمم المتقدمة،‮ ‬في‮ ‬إطار مشروع وحدوي‮ ‬جامع أساساً‮ ‬للنهضة،‮ ‬وهو المشروع الذي‮ ‬تبلور عملياً‮ ‬بقراءة نقدية للتجارب الوحدوية وإخفاقاتها‮.‬
مشروع نهضوي‮ ‬
والمقصود بذلك المشروع النهضوي‮ ‬العربي‮ ‬الذي‮ ‬اجتمع تحت لوائه نخب فكرية وثقافية وسياسية من تيارات مختلفة،‮ ‬قومية ووطنية وإسلامية ويسارية وليبرالية،‮ ‬في‮ ‬برنامج‮ ‬يقوم على ستة أركان هي‮: ‬التحرّر السياسي‮ ‬والاستقلال والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والانبعاث الحضاري‮ ‬والوحدة العربية،‮ ‬وأدرك عمر زين مثل العديد من العروبيين على مختلف توجهاتهم وبعد مراجعة العديد من التجارب السابقة بأخطائها ونواقصها،‮ ‬أن لا سبيل للتحرّر السياسي‮ ‬والانعتاق من نير القوى الامبريالية،‮ ‬إلّا عبر استقلال اقتصادي‮ ‬ناجز وتحقيق العدالة الاجتماعية في‮ ‬مواجهة الاستغلال والديمقراطية في‮ ‬مواجهة الاستبداد والانبعاث الحضاري‮ ‬في‮ ‬مواجهة مشاريع التغريب والسلفية،‮ ‬والوحدة العربية في‮ ‬مواجهة التجزئة والانقسام‮.  ‬
طائفية سياسية
وانطلاقاً‮ ‬من ذلك اقتنع عمر زين أنه لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون لبنان الحر الديمقراطي‮ ‬المنشود دون فضاء عربي‮ ‬يسبح فيه،‮ ‬ولكي‮ ‬يكون كذلك لا بدّ‮ ‬من هارموني‮ ‬لبناني‮ ‬يجمّع ولا‮ ‬يفرّق،‮ ‬يوحّد ولا‮ ‬يقسّم،‮ ‬يتعايش ولا‮ ‬يحترب،‮ ‬يتكامل ولا‮ ‬ينفصل،‮ ‬خصوصاً‮ ‬بعد تجربة الحرب الأهلية المريرة،‮ ‬التي‮ ‬دفع اللبنانيون ثمنها باهظاً‮ (‬1975 – 1989 ‮ ‬التي‮ ‬اضطرّ‮ ‬الفرقاء بعد تعنّت وتشبّث بالمواقف الجلوس إلى طاولة مفاوضات للتوصل إلى اتفاق الطائف‮ ‬5 ‮ ‬تشرين الثاني‮ / ‬نوفمبر‮ ‬1989 ‮ ‬في‮ ‬ظلّ‮ ‬تسوية إقليمية ودولية لتأسيس معادلة دستورية جديدة،‮ ‬كانت لبناتها الأولى في‮ ‬الدستور الأول الذي‮ ‬صدر في‮ ‬23 أيار‮ / ‬مايو‮ ‬1926 ثم في‮ ‬الدستور النافذ الذي‮ ‬في‮ ‬العام‮ ‬1943. وللأسف لم‮ ‬يستطع لبنان الخروج من شرنقته الطائفية القائمة على الزبائنية السياسية وتقاسم المغانم وهو ما تم استنساخه في‮ ‬التجربة العراقية ما بعد الاحتلال الأمريكي‮ ‬العام‮ ‬2003‮ ‬ حيث تم تعويم الدولة في‮ ‬كلا البلدين لحساب نظام المحاصصة والاستقطابات الطائفية التي‮ ‬تقوم على الولاء والاستتباع بدلاً‮ ‬من الكفاءة والنزاهة‮. ‬ولأن الطائفية السياسية والتقاسم الوظيفي‮ ‬لم تفضيا إلى النتائج المنشودة،‮ ‬بل بالعكس كانت وبالاً‮ ‬على اللبنانيين وأنتجت سلطات مشوّهة ومعزولة عن عموم الناس وتطلعاتهم،‮ ‬فقد انخرط عمر زين مع العديد من المؤمنين بوحدة لبنان وتعايش مجموعاته الثقافية وهويّاته الفرعية في‮ ‬إطار حركية عامة موحّدة تمثّل انتماءات وتيارات وكيانات متنوّعة التقت لإنشاء،‮ ‬شبكة الأمان للسلم الأهلي،‮ ‬إدراكاً‮ ‬منه بأن السبيل إلى وضع لبنان على طريق التقدم والتنمية والإصلاح ومكافحة الفساد وحماية مصالح البلاد العليا هو بعبور الطائفية السياسية،‮ ‬ولا بدّ‮ ‬هنا من نشر الوعي‮ ‬المجتمعي‮ ‬بأهمية الوحدة الوطنية العابرة للطوائف والمناطقيات والتي‮ ‬تعي‮ ‬دور لبنان المستقبلي،‮ ‬باعتباره واحة للحريّة‮.  ‬ولعلّ‮ ‬ذلك كان جزءً‮ ‬من عمل موسع لنخب فكرية وثقافية ودينية في‮ ‬إطار ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار الذي‮ ‬يرأسه سماحة السيد علي‮ ‬فضل الله،‮ ‬خصوصاً‮ ‬دعوتها إلى العيش معاً‮ ‬في‮ ‬إطار شراكة أساسها المواطنة،‮ ‬التي‮ ‬تقوم على الحريّة والمساواة والعدل،‮ ‬لاسيّما الاجتماعي،‮ ‬والمشاركة في‮ ‬تولّي‮ ‬المسؤوليات العامة دون تمييز لأسباب دينية أو طائفية أو اجتماعية أو‮ ‬غير ذلك‮.‬


ولبنان الذي‮ ‬ظلّ‮ ‬عمر زين‮ ‬يحلم به،‮ ‬على الرغم من الانكسارات والنكسات،‮ ‬قوياً‮ ‬عزيزاً‮ ‬بمواطنيه وكفاح أهله،‮ ‬ولذلك وقف دون تردّد مع المقاومة الوطنية اللبنانية،‮ ‬وضدّ‮ ‬العدوان‮ “‬الإسرائيلي‮” ‬المتكرّر على لبنان والأمة العربية،‮ ‬وهكذا كان ضدّ‮ ‬اتفاق‮ ‬17 ‮ ‬أيار‮ / ‬مايو‮ ‬1983 وعمل كلّ‮ ‬ما من شأنه لإسقاطه،‮ ‬مثلما كان موقفه واضحاً‮ ‬وجريئاً‮ ‬ضدّ‮ ‬عدوان‮ “‬إسرائيل‮” ‬على لبنان العام‮ ‬2006‮ ‬ واعتبار هذا العدوان مكمل لسلسلة العدوان‮ “‬الإسرائيلي‮” ‬على لبنان حين تم اجتياح الجنوب في‮ ‬14 آذار‮ / ‬مارس‮ ‬1978 ‮ ‬في‮ ‬عملية‮ “‬الليطاني‮” ‬حسب التسمية‮ “‬الإسرائيلية‮” ‬والعدوان الواسع والشامل في‮ ‬4 ‮ ‬حزيران‮ / ‬يونيو‮ ‬1982 والذي‮ ‬اجتاح لبنان وصولاً‮ ‬للعاصمة بيروت التي‮ ‬ظلّت محاصرة وصامدة حتى‮ ‬28 ‮ ‬آب‮ / ‬أغسطس من العام ذاته وذلك في‮ ‬عملية‮ “‬سلامة الجليل‮” ‬أو‮ “‬حرب الصنوبر‮” ‬
لقد أدرك عمر زين بحسّه العروبي‮ ‬ووجدانه القومي‮ ‬العربي‮ ‬أن لبنان جزء لا‮ ‬يتجزأ من الأمة العربية،‮ ‬وأن الأمة ستكون قوية بوحدتها،‮ ‬وستكون ضعيفة بتفتتها وتمزّقها،‮ ‬لذلك فإن المصير اللبناني‮ ‬سيكون مأموناً‮ ‬كلّما كانت الأمة العربية بخير والعكس صحيح،‮  ‬لذلك كان ضد أي‮ ‬دعوة انفصالية أو تقسيمية أو تجزيئية أو تعويلية على الأجنبي‮ ‬مهما كان نوعه وتحت أي‮ ‬مبرّرات تساق‮.‬
سمات شخصية
خمسة ملامح وسمات أستطيع أن أميّز بها شخصية عمر زين‮:‬
أولها‮ ‬– وضوحه وصراحته،‮ ‬فهو مباشر وواضح ويعبّر عن مواقفه بشفافية عالية ويدافع عن وجهات نظره بقوة وكأنه‮ ‬يدافع أمام المحكمة‮.‬
ثانيها‮ ‬– طيبته وبساطته وتواضعه،‮ ‬وتلك سمات إنسانية تعكس كرم الأخلاق والحس الإنساني‮ ‬الأصيل‮.‬
ثالثها‮ ‬– شجاعته المتناهية وكرمه الشخصي،‮ ‬وكل شجاع كريم،‮ ‬ويفعل ذلك بأريحية ودون تكلّف ودون إسراف أيضاً‮.‬
ورابعها‮ ‬– سعيه للعدالة،‮ ‬وقد جرّبت ذلك بنفسي‮ ‬حين تم اختياره موفقاً‮ ‬لقضية مهنية إشكالية فلم‮ ‬يتأثر بالقرب أو البعد من هذا الفريق أو ذاك،‮ ‬بل وضع ضميره والحق في‮ ‬كفّة والاعتبارات الأخرى كلها في‮ ‬كفة أخرى،‮ ‬وكان لرأيه وزن في‮ ‬مسار الحلّ‮ ‬والتسوية الرضائية ببعدها الحقوقي‮ ‬والإنساني‮ ‬والأخلاقي‮.‬
وخامسها‮ ‬– عروبته الطافحة،‮ ‬فهو لا‮ ‬يميّز بين مصري‮ ‬ولبناني‮ ‬وبين أي‮ ‬عربي‮ ‬وأي‮ ‬لبناني،‮ ‬في‮ ‬المشتركات والأهداف والتوجهات الاستراتيجية،‮ ‬خصوصاً‮ ‬تلك التي‮ ‬تتعلّق بمصير الأمة العربية‮. ‬وعلى الرغم من أنه لم‮ ‬يعمل في‮ ‬إطار رسمي،‮ ‬إلّا أنه كان قريباً‮ ‬أحياناً‮ ‬من الأطر الرسمية،‮ ‬فقد عمل مستشاراً‮ ‬للرئيس تقي‮ ‬الدين الصلح وكذلك للرئيس رشيد الصلح،‮ ‬ولكن توجّهه بقي‮ ‬مستقلاً‮. ‬
وكان عمر زين دائماً‮ ‬حريصاً‮ ‬على التذكير بما ورد إيجاباً‮ ‬من صياغات دستورية،‮ ‬مثل تلك التي‮ ‬تؤكد أن لبنان عضو في‮ ‬جامعة الدول العربية وملتزم ميثاقها وهو عضو مؤسس وعامل في‮ ‬منظمة الأمم المتحدة وملتزم ميثاقها،‮ ‬إضافة إلى الإعلان العالمي‮ ‬لحقوق الإنسان الصادر العام‮ ‬1948 ‮ ‬ والذي‮ ‬ينبغي‮ ‬على الدولة اللبنانية أن تجسّد المبادئ الواردة فيه في‮ ‬جميع الحقوق والواجبات دون استثناء‮. ‬وتلك مسألة مهمة وملزمة في‮ ‬الآن،‮ ‬علماً‮ ‬بأن هذا البلد الصغير،‮ ‬الذي‮ ‬يُعتبر واحة للحريّة،‮ ‬له فضل كبير على البشرية جمعاء فقد ساهم فكر شارل مالك وقلمه في‮ ‬إعداد الصيغة النهائية للإعلان العالمي‮ ‬لحقوق الإنسان بخلفيتها الفلسفية العميقة‮.‬
ختاماً‮ ‬نقول أن عمر زين وإن انصرف إلى العمل المهني‮ ‬والنشاط الحركي،‮ ‬إلّا أن له كتابات ومساهمات عديدة منها‮: ‬كتابه عن‮ “‬الإدارة اللبنانية‮” ‬العام‮ ‬1984 و كتابه‮ “‬تقي‮ ‬الدين الصلح‮” ‬– ‮ ‬سيرة حياة وكفاح‮ ‬2008‮ ‬ وكتابه‮ “‬من ذاكرة بيروت‮” ‬2011‮ ‬وهو عضو في‮ ‬اتحاد الكتـاب اللبنانيين‮.‬
‮{ ‬باحث ومفكر عربي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com