رأي

في العراق كل ساعة عشر حالات طلاق.

بيدر ميديا.."

أ. د. قاسم حسين صالح

في (7 / 1 / 2013) كتبنا مقالة استعرنا عنوانها من وصف القضاة بأن الطلاق في العراق صار يوازي الأرهاب، وكنا قدمنا عددا من الأقتراحات والتوصيات من بينها اتخاذ اجراءات قانونية رادعة لتزويج القاصرات، واخرى ننقلها بالنص: (ان السياسي العراقي مولع بحب السلطة والثروة والنساء، ولقد بلغني أن سياسيين كبارا يحتلون مواقع في مؤسسات الدولة عمدوا الىى اجبار او اغراء موظفات صغيرات على الزواج بالسّر، وانهم ما أن قضوا وطرهم منهن او كشف سرّهم طلقوهن في الحال!).

ومع مرور عشر سنوات على تقديم تلك التوصيات لمعالجة ظاهرة الطلاق والسياسيون مشغولون بخلق الازمات (والشعب يطبه طوب) . ففي (17 شباط 2022) نشرت الجهات القضائية العراقية، إحصائية عن عدد حالات الطلاق في البلاد خلال يناير الماضي، وصلت (لنحو 7 آلاف حالة طلاق، بواقع 10 حالات كل ساعة تقريبا). بحسب سكاي نيوز ووكالات أخرى.

ومنطقيا، يفترض أن تكون نسب الطلاق في الزمن الديمقراطي أقلّ منها في الزمن الدكتاتوري، لأن الديمقراطية تؤمن العدالة الاجتماعية وتقضي على الفقر والبطالة، وتشيع الرفاهية والراحة النفسية بين الناس، حيث يعدّ الفقر والبطالة والضغوط النفسية أهم أسباب الطلاق.

ومع أن اسباب الطلاق التقليدية كانت موجودة في الزمن الدكتاتوري، مضافا لها ما نجم عن حروبه الكارثية (حالات الأسر الطويل، الاعاقة…)، والهجرة الفردية هربا من جمهورية الخوف..ثم الحصار الذي استمر ثلاثة عشر عاما، فان نسب الطلاق شهدت تزايدا غير مسبوق في العراق الديمقراطي..وثقناه في الآتي:

– في تقرير اخباري لفضائية الحرة- عراق بثته مساء الخميس (27/12/ 2012) أفاد ان حالات الطلاق في العراق في تزايد، تتصدرها بغداد الكرخ وتليها الناصرية، ثم النجف في المرتبة الثالثة، مسجلة ارقاما قياسية، وصلت الى (50%) من عدد المتزوجين، وأن القضاة وصفوا ظاهرة الطلاق بأنها صارت توازي ظاهرة الارهاب!.

– وأفاد تقرير من احدى محاكم الكرادة بأن عدد حالات الطلاق فيها تتراوح بين (20 – 50) حالة في اليوم الواحد، وأنها صارت مصدر رزق للمحاميات والمحامين وكتّاب العرائض!.

– ووفقا لمجلس القضاء الأعلى، فان عدد دعاوى الطلاق في العام 2004 كانت (28689)ارتفعت في عام 2005 الى(33348)، ووصلت في عام 2006 الى(36627).. وقفزت في عام 2012 لتصل في عدد من المدن العراقية الى ما يشبه الكارثة هو (50)حالة طلاق مقابل (100)حالة زواج..اي ان كل مليوني حالة زواج تقابلها مليون حالة طلاق!!.

– وفي مفارقة ما حصلت.. أن مدينة النجف، المحافظة والمقدسة سجلت في الطلاق ارقاما غير مسبوقة تراوحت بين (25-30%) قياسا لعدد المتزوجين، فكيف بمدن عراقية أخرى ليس لها هذا الطابع!

خبراء علم النفس والاجتماع يتفقون معنا على أن السبب الاقتصادي يتصدر الأسباب التي تؤدي الى الطلاق. وتشير التقارير الى أن نسبة الفقر في المجتمع العراقي بلغت في العام (2013) 23%، اي أن ربع الشعب العراقي هم دون مستوى خط الفقر المحدد عالميا بأقل من دولارين في اليوم، ارتفعت الآن الى 13 مليون فقير وفقا لوزارة التخطيط، مصحوبة بارتفاع نسبة بطالة هي الأعلى في دول المنطقة، مع ان ميزانية العراق تعادل ميزانيات ست دول عربية مجتمعة، لكن ما اختلس في زمن حكم الآسلام السياسي في وزارتي الكهرباء والدفاع فقط يزيد على اثني عشر مليون دولارا بحسب هيئة النزاهة.

ومع أن الحكومة والبرلمان والمرجعية والكتل السياسية والناس متفقة كلها على وجود الفساد، وان القانون والدين والاخلاق توجب على المسؤول الأول في الدولة أن يحافظ على (بيت المال)، ومع ذلك لم يستجب لطلب المتظاهرين في ساحة التحرير بتشكيل محكمة خاصة لمحاكمة الفاسدين واسترداد الأموال من الحيتان الكبار التي لو صرفت على الناس لتحسن وضعهم الاقتصادي ومعالجة سبب الفقر الذي يعد الأول في خفض نسب الطلاق.

والذي لا ينتبه له كثيرون أن أخطر ما احدثه الفساد هو أنه هرّأ الضمير الأخلاقي لاسيما لدى من يفترض ان يكون القدوة للناس. والأوجع أن يتبادل لابسو العمائم تهم الاختلاس والرشوة والفساد المالي علانية دون اعتبار لهيبة العمامة وقدسيتها عند العراقيين بشكل خاص..ما يعني أن تهرؤ الضمير الذي افسده الزمن الديمقراطي شكّل سببا خفيا في الطلاق.

وأذا كان الزواج المبكر يشكل أحد الأسباب الرئيسة للطلاق فأنه دخل على اسبابه التقليدية في زمن الديمقراطية متغير جديد هو الفضائيات والمسلسلات الأجنبية. فجيل الشباب في العراق يختلفون عن شباب العالم بكونهم ولدوا في حرب ونشأوا في حرب ويعشيون في أكثر من حرب، وأنهم مأزومون نفسيا وكثير منهم فهم الحرية بالطريقة التي تقدمها المسلسلات الأجنبية التي تطرح الطلاق كما لو كان حالة عادية. ولأن الزمن الديمقراطي لم يقدم لجيل الشباب الأنموذج الأخلاقي الراقي فأنهم استسهلوا الطلاق..يؤكد ذلك تقرير يفيد بحصول اكثر من عشرة آلاف مطلقة من مواليد عام 1995 في عامين، وتقرير آخر يفيد بأن نسبة الطلاق في الفئة العمرية دون العشرين بلغت 30% من حالات الزواج المسجلة في مدينة عراقية محافظة .

ان ما نوصي به نحن علماء النفس والاجتماع من اجراءات تؤدي الى خفض نسبب الطلاق التي ما حصلت بتاريخ العراق..لن يجدي نفعا، ما دام السياسيون استفردوا بالسلطة والثروة، وتعاملوا مع شباب انتفاضة تشرين المسالمين كما لو كانوا اعداء غزاة فقتلوا المئات، ووصلوا الان الى تبادل التهديد والوعيد والكيد الذي ينذر باشعال فتنة وقودها الأبرياء والمزيد من تضاعف حالات الانتحار والطلاق و..الألحاد ايضا.

*

والمفارقة الثانية، ان المنطق يفترض أن النظام الديمقراطي كان عليه ان يعم.

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com